القضية الجنوبية بين تضحيات المخلصين ومكاسب الانتهازيين

[يافع اليافعى]

كتب / يـافع اليافعـي


وضع النقاط على الحروف تعني قول الصراحة , مهما كانت مره , او غير مناسبة في وقتنا الحالي كما قد يراها البعض , او لا يريدها البعض الاخر , فبالصراحة والمكاشفة وتقدير الأمور ووزنها بعقول وسطية ونفوس تواقة الى إعلاء شأن الحق الجنوبي وتطهيره من شوائب التنافسات وانتزاعه من براثن المصالح الشخصية والحسابات الضيقة والتي أدخلت أصحابها الى كبائن تبديل وتعديل وتفصيل المواقف وقذفت بهم الى مستنقعات المساومات والمقايضات والتنازلات عن حقوق ليست من حقهم اوحقوقهم , بعد ان أضلتهم عن فضائل العمل الوطني الخالص فأخرجتهم من ملحمة الاصطفاف الجنوبي الخلاق الى أسواق التكسبات الفردية وجباية المصالح الشخصية على حساب الحق الجنوبي العام وحقوق الآخرين الذين لم يقبلوا بمصالح او يعرضوا خدماتهم في أسواق التربح او يلعبوا على الحبلين في إطار عملية حسابية دقيقة تضمن لهم امتيازات في الجنوب ومصالح في الشمال , من خلال تسويق أنفسهم وتصرفاتهم على انها عبقرية ومن متطلبات العمل السياسي الذي لا يتقنه الا هم ويجهله غيرهم من أبناء الجنوب بمن فيهم من يقدمون أرواحهم رخيصة في سبيل الجنوب وشعبه , وهم لوحدهم فقط من يتقنون أصول اللعب وفن الممكن , بذكاء متصنع بليد وعبقرية ماسخة لم يقتنعوا بها هم فكيف بالآخرين ان يقتنعوا بها او يستسيغوها .

علينا ان نعترف ان ما أوصلنا الى ما نحن فيه الان من ضياع وطن وفقدان هوية وشتات غير مسبوق وتخبطات في كل شئ , هو سوء إدارة خلافاتنا السياسية والابتعاد عن قيم الحوار المسئول والاستماع الى رأى الخبراء والحكماء وأصحاب الاختصاص والاحتكام الى رأى الجماعة او اقل شئ الاخذ بالأقرب الى المعقول , فبقراءة دقيقة او حتي سريعة لماضينا السياسي والاجتماعي في الجنوب , سنجد ان كل شئ ممكن ان يكون قابل للتعاطي الا الحوار بعقل او مناقشة الأمور بوسطية وروية اوتقليب المصلحة العامة , فتلك من المحرمات بل والموبقات في السجل السياسي الجنوبي الملطخ بسواد الغلو وبشاعة الأفكار الاقصائية المتطرفة , لذلك عند ما نناقش امرأ بحجم القضية الجنوبية لا بد ان يدرك الجميع ان الهدف هو مصلحة الجنوب وليس إقصاء فلان او تزكية فلتان ولا بد من الصراحة حتي وان تطايرت منها شظايا تصيب هذا وتجرح ذاك بعيدا عن مبدأ التخوين او التشكيك بالولاءات والانتماءات والتي ظلت رفيقة الخطاب السياسي الجنوبي الى ان دفعنا ثمنها وطناً وشعباً كاملين .

ما يتداوله الجنوبيين الان ( على استحياء ) في مقايلهم ومجالسهم هو استخدم القضية الجنوبية من قبل عدد غير قليل من القيادات والناشطين والرموز , كمطية لتحقيق طموحاتهم الشخصية وجسر عبور للوصول الى أهدافهم ومصالحهم الذاتية التي ما كانت ان تتحقق لهم لولا تسنمهم منصة القضية الجنوبية واستغلالها بطريقة مغززة للوصول الى مأربهم الحقيقية على حساب معاناة الجنوبيين وتضحياتهم اليومية الثمينة , ومن هذه الأهداف اللاخلاقية هي
مساومة نظام الاحتلال على تبني مشاريعه التخريبية في الجنوب او الانضمام اليه تحت مسميات واعذار مختلفة
استلام الأموال المتدفقة من الخارج لدعم الحراك ورعاية اسر الشهداء والجرحى والأسرى واحتكار توزيعها وفق معايير وتصنيفات معينة

الحصول على جائزة اللجوء السياسي والتخندق في فنادق أوروبا لتحرير الجنوب من هناك .

(1) مساومة نظام الاحتلال على تبني مشاريعه التخريبية
لجأ البعض من قيادات الحراك والناشطين الحقوقيين والسياسيين والإعلاميين الى الارتماء بأحضان النظام اليمني لتنفيذ أهدافه وتمرير مشاريعه التي لا تفي بأبسط حقوق الجنوبيين فكيف بحريتهم واستقلال بلادهم , فأصبحوا يروجون للفيدرالية والكنفدرالية والشراكة وتقاسم السلطة على حساب التخلي عن مبدءا فك الارتباط بين الدولتين , ومن وراء هذا يجنون الثمار ويحصدون المحاصيل الى مستودعاتهم وخزائنهم ولسنا بجاهلين عن بذخ النظام اليمني الفاسد عند شراء الذمم وإفساد الضمائر والأخلاق .

(2) استلام الأموال المتدفقة من الخارج
من المفروض ان تذهب هذه الأموال الى أماكنها الصحيحة وهي كفالة اسر الشهداء ورعاية أهالي المعتقلين القابعين في معتقلات العدو وإعانة الجرحى ودعم الثوار , الا ان شئ من ذلك لم يحصل لان المعايير الوطنية والإنسانية والأخلاقية ضلت طريقها فدخلت في نفق الانتهازية والشخصية والحسابات الضيقة فعلى قدر مواقفك معي وانتمائك لتياري وتبنيك أفكاري والسير خلفي ستحصل على نصيبك , حتى وان لم تكن مستحق او لم تضحى بشئ .

(3) الحصول على جائزة اللجوء السياسي والتخندق في فنادق أوروبا لتحرير الجنوب من هناك .
اللجوء السياسي اخر اختيارات الأحرار عند ما تغلق في وجوههم كل الأبواب , واول اهدف وطموح الفاشلين او العاطلين عن العمل او الباحثين عن مستقبل أفضل لهم ولاسرهم , كما ان اللجوء الى الخارج يكون قسري عند ما تقدم السلطات على نفي المعارض للنظام او الرافض والمناهض للاحتلال ( كــ بن فريد مثلا ) عند ما قامت سلطات العدو بنفيه الى الخارج دون ارادته , او اصدار احكام سياسية تعسفية ضده كــ الرئيس على سالم البيض والرئيس حيدر أبو بكر العطاس والجفري وغيرهم , وقد شاهدنا اسلافنا الجنوبيين الاحرار السلاطين والمناضلين كيف كانوا يرفضون كل العروض المغرية الخاصة والعامة لتأييد الاستعمار البريطاني او الكف عن مناهضته وكيف كانوا يرفضون هذه الإغراءات الكبيرة , اما اليوم فقد اختلف الوضع تماما , فكل من اعتقل في سوق قات او تم تفتيش سيارته او حتي مخالفة بلدية , أصبح مبكر فجرا الى أبواب السفارات وقام يراسل المنظمات الدولية لقبول أوراقه , من حق كل شخص ان يسعى لذلك , ولكن ليس باسم القضية الجنوبية , وفوق هذا فهو يعتبر لجوئه صفعة للاحتلال وانتصارا للجنوب وانه لو لا تضحياته لما استحق ذلك , وان مكانه يجب ان يكون محفوظ بعد الاستقلال وان يكون في مقدمة الصفوف في أي نظام , فيما ان الأحرار الحقيقيين كــ المناضل البار للجنوب حسن با عوم وأبنائه وغيرهم كثير , فتحت لهم أبواب الدول , فأبوا ان يتخلوا عن وطنهم في هذه الظروف ويتركوا شعبهم فريسة للمحتلين الأوغاد , وما يثير الاستغراب هو الابتهاج العارم والتهاني الحارة التي تنهال على من تم قبول طلبه كلاجئ سياسي , وكأن شعلة تحرير الجنوب ستنطلق من فنادق أوروبا الى قمة جبل شمسان .