نعم للتعددية والاستقلال.. وفي ذلك فاليتنافس المتنافسون .

[عبدالله السنمي]

نعم للتعددية والاستقلال.. وفي ذلك فاليتنافس المتنافسون .
بقلم/ كاتب العدل


دعونا أخواني اولا نقرر مبدأ هام ، الا وهو احترام الراي الاخر ، والتعامل معه على اساس حسن الظن ، والاختلاف لا يفسد للود قضية .

الحاصل اليوم ان وجدت في الجنوب كيانات متعددة منها بالداخل وابرزها المجلس الوطني ، والهيئة الوطنية العليا ومؤخرا هيئة النضال السلمي ، كما ان هيئات التصالح والتسامح وجمعيات المتقاعدين منخرطة في هذه التكوينات وكل منها لها تواجد وامتداد في محافظات الجنوب ، وهناك تكوينات في الخارج مثل حركة تاج والهيئة الوطنية ، اضافة الى الشخصيات السياسية المعروفة ( بالتاريخية ).

كانت المشكلة في وقت سابق هي تحديد مفهوم القضية الجنوبية وتوجهات الحراك الغامض والغير منظم ، مما احدث ارباك متواصل في عمل الحراك واتسم نشاطه دائما بالعشوائية وعدم التنسيق والتنظيم ، وكان ذلك واضحا وعكس حالة سلبية لطبيعة الحراك وقوته .

لذلك تعالت الاصوات وظهر الضغط الشعبي للدعوة الى ايجاد آليات وأدوات تضبط عمل الحراك من ناحية وتحدد للجماهير هدف الحراك من ناحية أخرى ، من هنا بدأ الفرز ، وبدأ التكتل ، وكان اجتماع العسكرية اولى محطات الفرز عندما تردد البعض وقاطعه البعض الاخر ، بل تهجم عليه البعض الاخر تحت دعاوي التسرع وعدم إعطاء الفرصة لمزيد من التشاور ، وفرض قرار معين على الجميع ...الخ ، ولكن المجلس مضى في طريقة ليعلن تشكيلته القيادية ووجودة الفعلي واعلتها صراحة ان خياره هو الاستقلال التام من الاحتلال الشمالي . هذا التصريح بالاستقلال توافق تماما مع المزاج الشعبي الجنوبي وتطلعاته ، في حين ظل موقف بقية الهيئات غامضا من حيث توصيف القضية الجنوبية والاهداف التي يناضلون من أجلها ..

الى ان اعلن العميد النوبة إعادة تسمية الهيئة التي يرأسها بالهيئة الوطنية لاستقلال الجنوب ، وبذلك قطع الشك باليقين بان هدف نضال الهيئة هو تحرير الجنوب وتحقيق الاستقلال ، لكنه ظل محتفظا بكيان بالهيئة ولم ينضم الى المجلس الوطني تحت مفهوم ان التنوع النضالي حالة طبيعية ومشروعة .

وهذا الموقف الواضح للمجلس الوطني والهيئة العليا لاستقلال الجنوب يتوافق مع ما تدعو اليه حركة تاج في الخارج بالاستقلال التام .

بقيت هيئات النضال السلمي التي ظلت تراوح مكانها دون تحديد توجهاتها بشكل واضح وصريح مما أثار الكثير من الهواجس والتساؤلات حولها خاصة أن معظم قياداتها من منتسبي الحزب الاشتراكي ، وفي ظل نشاط محموم للمشترك في تلك الفترة والتسريبات التي ظهرت من هنا وهناك حول مشاريع بالداخل ولقاءات بالخارج ، وكلها تعطي اشارات وتكهنات ان شيء ما يجري التحضير له بالخفاء وسيكون نافذته الشخصيات التي شكلت يوم 23 مارس في الضالع قيادة موحدة لهيئة النضال السلمي .

وقبل هذا التاريخ 23 مارس كان هذا التكتل محل نقد من الكثير في الساحة الجنوبية ونحن كتبنا عن موقفهم الغامض في تلك الفترة وحذرنا من أن الشعب سيرفض اي مشاريع مشبوهة تصادر حق الجنوبيين في الاستقلال ، والحقيقة ان الضغوط حاصرت هذا التيار مما وجد نفسه منزويا من غير هوية ولا هدف وينظر له بعين الريبة والشك .

لذلك كان عليه ان يحدد موقفه ويختار خط سيره ، ولكن كان يعاني من ضغط الالتزام الادبي لقيادة الحزب الاشتراكي في الخارج ( ؟ ) وخاصة حيدر العطاس وصالح عبيد احمد ، وما حدث مؤخرا من عقد مؤتمر تحت هذا المسمى وتحت شعار ( وحدة الصف الجنوبي .. واستعادة السيادة .... ) وتحددت في بيانه الختامي الخطوط العريضة لاهداف هذه القيادة الموحدة لهيئة النضال السلمي هو من واقع مرتبط جزء منه بالمعطيات والمستجدات في الداخل من تصاعد وتيرة الحراك وتسارع تكوين فروع المجلس الوطني في المحافظات وكذاك الحال للهيئة العليا ، والجزء الآخر بالتطور الواضح في موقف القيادة السياسية في الخارج وخاصة حيدر العطاس الذي أبدى تحولا واضحا من خلال ورقة العمل التي نشرت في وسائل الاعلام مؤخرا .

وهذا التطور الذي حدث في موقف العطاس وانعكاسه على الداخل من خلال تشكيل هيئة وطنية موحدة في جميع المحافظات هدفها استعادة دولة الجنوب ، والتخلص من الوضع الاحتلالي ، وتحقيق وحدة الصف الجنوبي ، هذا التطور يعد انجازا رائعا ، وسوف نشهد مزيدا من المواقف المتقدمة ، وهذا التدرج في المواقف ربما له علاقة بتكتيكات إدارة الصراع مع نظام في ظل أوضاع بالغة التعقيد ، ويتعين على الجميع النظر اليه بعين التفاؤل وحسن الظن .

المسألة الاخرى التي يتوجب الاشارة اليها وهي غاية في الاهمية ، ان البعض يعلق ريبته وغضبه احيانا ان هذا التشكيل الجديد يختبيء ورائه الحزب الاشتراكي ، ويهدف من وراء ذلك ضمان تأسيس موطىء قدم في حكم الجنوب مستقبلا .

نقول قد تكون هذه الفرضية صحيحة !! لكن لماذا الخوف ؟ الشعب الجنوبي اكتسب الثقة بنفسه ويؤكد بأن الاستقلال هو مطلبه ، والمستقبل لدولة الجنوب سيكون ذات طبيعة تعددية ، والمكونات الجنوبية مدعوة للتنافس في هذا الاتجاه ... طريق الاستقلال والحرية ..

لكن المشهد الجنوبي منذو ما بعد 1994 الى اليوم في الحقيقة مر ويمر في حالة من التدرج من مربع الى آخر قدما نحو استعادة دولة الجنوب ، حيث تحركت المطالب من ازالة آثار الحرب الى تصحيح مسار الوحدة الى حقوق المسرحين من العسكريين والكوادر المدنية ..ثم ظهور حراك شعبي عفوي يتفاعل مع الاحداث ورفعت شعارات عفوية ايضا ، لكنها كانت تعبر عن المزاج السياسي الجنوبي ، ثم وجدت الحاجة الى تنظيم هذه الهبة الشعبية

والجميع يعرف كيف تسارعت بعد ذلك الامور في اتجاه تكوين التجمعات السياسية الجنوبية ولاحت ملامح النضج في الرؤى ولكن باتجاهات متباينة بعض الشيء أدت لوجود هذا التنوع في التكوينات السياسية التي نشاهدها اليوم ، لذلك نقول ان هذا التحرك التدريجي هو الحالة الطبيعية التي تتواءم مع الواقع المتداخل ، وهيئة الحراك السلمي التي ينتقدها البعض هي جزء من هذه الصورة المتنقلة من مربع الى آخر .

والشيء الاخير ، إذا كان الاشتراكيين الجنوبيين هم في واجهة هيئات الحراك السلمي ، فهذا أمر ايجابي وسليم ، لان وجود إطار سياسي جنوبيي صرف يكون ملاذا للجنوبيين والتخلص من الحزب الاشتراكي الذي اصبح ذات هوية شمالية ، والانسحاب منه شيئا فشيئا ، وتكوين تجمع سياسي جنوبي على انقاض الحزب الاشتراكي . هذا ما نتمناه وهو أمر مشروع ، ومقبول طالما كان في اتجاه الاهداف التي ينشدها شعب الجنوب في الاستقلال التام .

(وفي ذلك فاليتنافس المتنافسون ) .