الرئيسية التسجيل مكتبي  

|| إلى كل أبناء الجنوب الأبطال في مختلف الميادين داخل الوطن وخارجة لا تخافوا ولا تخشوا على ثورة الجنوب التحررية,وطيبوا نفسا فثورة الجنوب اليوم هيا بنيانًا شُيد من جماجم الشهداء وعُجن ترابه بدماء الشهداء والجرحى فهي أشد من الجبال رسوخًا وأعز من النجوم منالًا,وحاشا الكريم الرحمن الرحيم أن تذهب تضحياتكم سدى فلا تلتفتوا إلى المحبطين والمخذلين وليكن ولائكم لله ثم للجنوب الحبيب واعلموا ان ثورة الجنوب ليست متربطة بمصير فرد او مكون بل هي ثورة مرتبطة بشعب حدد هدفة بالتحرير والاستقلال فلا تهنوا ولا تحزنوا فالله معنا وناصرنا إنشاء الله || |

شهداء الإستقلال الثاني للجنوب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                          

::..منتديات الضالع بوابة الجنوب..::


العودة   منتديات الضالع بوابة الجنوب > الأ قسام السياسية > المنتدى السياسي

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2011-12-21, 10:50 PM   #1
ابو البيض
قلـــــم فضـــي
 
تاريخ التسجيل: 2010-09-19
المشاركات: 2,876
افتراضي مأساة شعب الجنوب: من أين وإلى أين ؟؟؟!! قراءة في ذاكرة تكرر نفسها !!!!

20 December, 2011 09:20:00 الهيئة الإعلامية تاج- خاص


كما تعودنا على تلقى كتابات معمقة من المفكر والاديب الناشط السياسي محمد علي شائف .. الشاب الشهم والمكافح الذي يعمل بصمت فكانت كتاباته الرصينة تؤكد حضور العقل الجنوبي في قلب الثورة حيث يربط بين نشاطه السياسي والميداني وقراءاته المكثفة لتاريخ التآمر على الجنوب الماضي والحاضر فتتكون لديه استنتاجات ورؤى حصيفة تلامس الواقع وتكشف عن خباياه.

الناشط السياسي وسكرتير الدائرة السياسية للمجلس الوطني الأعلى لتحرير الجنوب واستعادة دولته هو الأديب الذي عكس في رواياته السياسة مأساة شعب الجنوب في وقت مبكر بعيد سقوط الجنوب في قبضة الاحتلال اليمني وانتقل لكتابة بحث كبير الحجم لم ينشر لظروف مادية بحته ليقرأ سفر شعب الجنوب مذ قبل الإسلام وحتى سقوطه المدوي في نهاية القرن الماضي..

نتركك عزيزي القارئ مع هذا البحث والقراءة لبعض من صفحات تاريخ الجنوب المعاصر لعلنا نمسك بناصية الحقيقة التي تدلنا إلى الطريق السليم للخروج من نفق الظلام في عصر الاحتلال اليمني إلى افاق المستقبل المشرق.

تاج عدن



مأساة شعب الجنوب: من أين وإلى أين ؟؟؟!!

قراءة في ذاكرة تكرر نفسها !!!!




*محمد علي شائف

بسم الله الرحمن الرحيم

)) إن إرادة الشعوب لا تفسد – لكن – الشعب كثيرا ما يخدع فيعتقد انه اختار ما هو شرا )) – جان جاك روسو .
(( إن الإنسان لا يختار إرثه ، كما لا يختار ماضيه ، وإنما يجره معه جرا ، وأكثر من ذلك يتمسك به ويحتمي داخله ، عندما يجد نفسه معرضا لأي تهديد ،-خطر -خارجي .)) المفكر العربي محمد عابد الجابري .
)) لكي تبلغ الحقيقة عليك ألا تخاف وأن تملك الشجاعة ، إذ ليس بمقدور الجبناء أن يكونوا أخلاقيين )) – المهاتما غاندي –
ثمة مقولة سادت الفكر العربي النقدي والمستنير تقول (( إن الشعوب العربية بلا ذاكرة )) ، والشعب المتصف بهذا الداء ، يعني انه لا يستفيد من ماضيه /من تاريخه أي من دروسه وعبره ، وإنما يكرر –باستمرار – تاريخه ، معيدا إنتاجه بأسوأ صورة .. ليغدو التاريخ ، بما هو حركة في الزمن – في هذه الحال – حركة تدور حول نفسها ( = حركة دائرية ) تعيد إنتاج الأوضاع القائمة – كل دورة – دون إحداث ثغرة ما في قطر الدائرة المغلقة بعقل إنتاج التخلف وإعادة إنتاجه ..ولذلك وبه يكرر التاريخ نفسه ، كسلسلة من الحلقات المفرغة وليس حركة صيرورة في الزمن ،تتجلى في ترابط الأحداث والتجارب وتعاقبها ...الخ هذا من جهة ، ومن جهة ثانية فإن فساد الذاكرة الجماعية ، إن لم نقل موت الذاكرة الجمعية ، يتجلى – أيضا – في :
العجز عن المحاكمة العقلانية والمنطقية للأحداث التاريخية ، بالنظر إلى الكلي في التجربة التاريخية ، لاكتشاف (( منطقها الداخلي ونزوعها الواعي واللاواعي )) ، وهي عملية تستلزم – بالضرورة – للاستفادة من دروس التاريخ وعبره بإتباع العقلانية التاريخية التي (( تجعل التاريخ حاضرا في العقل ، يلهمه الدروس والعبر ويحمله – أي العقل – من حين لأخر على مراجعة تصوراته وفحص مبادئه وطريقة إنتاجه )) - المفكر العربي الدكتور محمد عابد الجابري : إشكاليات الفكر العربي المعاصر . مركز دراسات الوحدة العربية . ط2 ص 36-37- لكن الذاكرة غير الحية ، لا تحتفظ بالوقائع والأحداث في حالة من الترابط بين الحقب وتأثيرها الفاعل يبعضها ، كشبكة من العلاقات السببية الداخلية والخارجية المعقدة المحكومة بنزوعات الصراعات الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية ... الخ وإنما هي – الذاكرة – أشبه بآلة يمسح الحدث الجديد الحدث السابق فيها ، ليشكل محور تفكيرها منفصلا عن علاقته الجدلية بما سبقه . فتسود حالة إقالة للفكر والتفكير والاستغناء عنهما بالتبريرية والذرائعية ، لإعفاء الذات الفردية والجماعية من مسؤولية مواجهة الحقيقة على الصعيدين النظري والعملي .
كما أن من تجليات الذاكرة المثقوبة – إن جاز التعبير – الانشغال بالنتائج باستقلال تام عن الأسباب التي أنتجتها وبالتالي تتحول نتيجة ما إلى مادة للاختلاف والانقسام الاجتماعي وصولا – في حالات كثيرة – إلى الصدام العنيف ، الذي يجعل من النتيجة سببا لنتائج جديدة ، ينشغل بها الشعب / المجتمع وتدخله في متاهة مواجهة النتائج منفصلة عن أسبابها ودوافعها ومحركاتها الداخلية التي تواصل رحاها بإنتاج المزيد والمزيد من الدوائر المفرغة المفضية إلى (( الدوار التاريخي )) فهيمنة العقلية القبلية في فهم

ومواجهة الأحداث وفق قاعدة أو مقولة (( ما بدا بدينا له)) . أي العزوف عن معرفة الماضي وعن استشراف المستقبل ، والبقاء في اسر تقديس الماضي وتمجيد الجمود وإعادة إنتاج التخلف ...الخ .
وحسب الدكتور محمد عابد الجابري يبقى (( الفكر العربي مشدودا ومحكوما بنموذج / سلف ولذلك فهو فكر إشكالي ما ورائي )) فهو (( يتعامل مع الممكنات الذهنية كمعطيات واقعية ، ويكرس خطاب اللاعقل في مملكة العقل )) – المصدر السابق ص55. ويذهب الدكتور الجابري إلى أن النموذج / السلف هو المغذي لعوائق التقدم والإبداع ويصرف الفكر عن مواجهة الواقع ويدفعه إلى التعاطي مع الممكنات الذهنية كمعطيات واقعية وهو الأمر الذي (( يجعل من الذاكرة وبالتالي العاطفة واللا عقل تنوب فيه عن العقل)) – المصدر نفسه ص56.
وحيث يسود خطاب اللاعقل ، تصبح العاطفة مركز التفكير والفعل والحركة وبالتالي تجد الايدولوجيا تربة خصبة لتحويل مقولاتها الزائفة إلى مسلمات حتمية تبشر بواقع طوباوي حالم ، يلهب الحماس العاطفي عند العامة ، فتستغله كقابل جمعي يؤطر وعيا زائفا وينقاد له دون محاكمة عقلية .
زد أن ذلك يقود إلى الاستهانة بإطروحات العقل الثاقبة واستنتاجاته الواقعية ، لتعارضها مع رومانسية العاطفة وتابوهات اللاعقل المجسدة لقدرة الماضي على منافسة الحاضر ، بل واجتياح الأول للثاني ، لا بما هو قوة مادية وبشرية ، وإنما لهيمنته ، كثقافة ، على الوعي الجمعي المصاب بعسر هضم الجديد ، فالثائر سرعان ما يتمثل النموذج ويقلده ، بمجرد أن يمتلك سلطة الأمر حتى وهو في مرحلة الثورة ، فارضا سلطة أوامرية استبدادية تتناقض كليا مع ما يبشر به في خطابه السياسي ، ويشرع في إقصاء الأخر وإلغائه بغية امتلاك الثورة أولا ، ثم الاستحواذ على السلطة ثانيا ، وهكذا تبنى حلقة التاريخ الدائري . إذ بهذه العقلية والنفسية الاجتماعية يعيد الماضي إنتاج نفسه ليهيمن على الحاضر أو كما شخص هذه الظاهرة العربية محقا . د محمد عابد الجابري ملخص علاقة الماضي بالحاضر في قوله (( يتناوب الماضي مع الحاضر ، على ساحة الوعي العربي ، بل قد يتنافس الأول (= الماضي) منهما الثاني ( الحاضر) منافسة شديدة حتى ليبدو الماضي هو نفسه الحاضر))- الجابري : تكوين العقل العربي ط4ص41وما بعدها وفي إطار هذا ألتماهي للأزمنة في الوعي ، وتبادل المواقع تارة وأخذها صورة موحدة ، لدرجة تصدر الماضي للحاضر وتقديم نفسه وجهة المستقبل وقائده .
.تتم عملية إذابة الفوارق بين الأزمنة والمراحل في الوعي الاجتماعي وتسهل عملية تزييفه على الدوام . أو ليس شعب الجنوب ، كان ولم يزل ، ضحية تلك الحقيقة ، عندما جُعل من الماضي وجهته المستقبلية ، ويا ليت انه ماضيه الحقيقي ، وإنما هو ماض ٍزائف ، ملفق ومؤد لج ، كرسته سلطة دولة الجنوب ما بعد الاستقلال ، خدمة لفكرة طوباوية ،أضفت عليه – في الوعي ألمتلقى – من المقولات والشعارات المدغدغة للعواطف ما رفعه إلى مصاف الحتمية القدرية ، رابطة مستقبل شعب الجنوب ، وتخلصه من أدران وأسباب التخلف ... الخ بضرورة عودته الى ما لم يكن قط ، إلا في أذهان صناع المسلمات الإيديولوجية والأساطير التاريخية المزيفة للوعي الاجتماعي الجنوبي .
وها قد حدثتنا التجربة الدامية القاسية والأمر من المر ، بأن تسليم شعب الجنوب ودولته (= شعب وجغرافيا وسيادة ) المستقلة إلى فخ 22/5/1990م المشئوم كان تعاطياً سياسياً عاطفياً ،استعلائياً بل فنطا زياً ، استند إلى التصورات الذهنية باستقلال ذهاني عن الواقع وحقائقه التاريخية ... الخ حيث مُنح الماضي في أدبيات سلطة دولة الجنوب [ الوحدوية ] - من طرف واحد طبعاً – منزلة الكلي المرتقي إلى مصاف القدر الإلهي والحتمية الاجتماعية كحقيقتين غير قابلتين للدحض (=الوحدة قدر ومصير) ليحلا – كقالب مصمت – سلطة قائدة آمرة ومرجعية قسرية بهما وحدهما وليس منهما تنطلق رؤية شعب الجنوب لحاضره ولمستقبله ، بل وبهما يتحدد مصير شعبي الدولتين ( بل الشعب الواحد الذي شطره الاستعمار الأكذوبة) – حسب إنجيل الوحدة – لدرجة أن استحوذ فيها الماضي في الوعي الجنوبي على سلطة فاعلة حسية ولاحسيه، بأحادية حدَيِة راديكالية مرتفعا بها إلى منزلة المستبد المختار والمخلص في آن واحد !!! ولذلك وكنتيجة منطقية – اجتاح الماضي (= سلطة وعقل القبيلة في أل ج ع ي ) الحاضر (= دولة الجنوب المدنية) فدمرها كمقومات وقيم مدنية واستبدلها بقيمه ألماضوية الأمر الملفت للنظر ، ويضع الفكر أمام ظاهرة شديدة التناقض ، تبرهن على حقيقة تماهي الأزمنة في الوعي ، ودور ذلك في إصابة الفكر بحالة دوار وانفصام ، ذلك أن حكومة الجنوب تبنت الفكر العلمي (= الاشتراكية العلمية ) وانفتحت على التراث الفكري العالمي الخ لكنها فرضت على شعب الجنوب أن يربط مستقبله بما لم يكن ، بماضٍ ملفق وتاريخ مؤدلج ومؤ سطر فقادا شعب الجنوب إلى فاجعته الإنسانية الراهنة وذلك تجلي فادح لحالة الانفصام آو الفصم الفكري بوعي ممنهج وكأن التاريخ يقول لنا : ((من بذر الوهم حصد السراب والخراب)) فأين العلمية في قراءة التاريخ ونتائجه ؟
***
كان يعتقد الكاتب جازما بان شعب الجنوب إجمالا وليس نخبته السياسية والثقافية هو اقدر الشعوب طرا على فهم وتشخيص هذه الحالة الفكرية والسياسية الفريدة في التاريخ الحديث والمعاصر ، لا عن إبداع فكري وإنما عن تجربة معاشة جلية جلا شمس الظهيرة في صيف مدينة "عدن " الكليمة . بيد أن ذلك – للأسف الشديد – لم يحدث بأدنى مستويات حجم المأساة التي يعيشها الشعب ما يقارب العقدين من الزمن الخراب والهوان الأسطوري . فهاهي تجربة الثورة الشعبية الجنوبية السلمية الرائدة لثورات الربيع العربي تضعنا أمام الحقائق المؤلمة التالية :
مواصلة أبطال / فرسان الوهم [الوحدوي] الكارثي الجنوبيين العيش في معبد الوهم الذي صُمم في أذهانهم وانهار على رؤوس شعبهم وشردوا من جنته المتوهمة ، بمسعاهم لاحتواء الثورة وتسخير تضحياتها الغالية من اجل إحياء فكرتهم الذهانية الزائفة التي شبعت موتا في الواقع وفي النفوس وفي أذهان ووعي شعب الجنوب الذي وعدوه بجنان النعيم ألشعاراتي ليجد نفسه يساق كقطيع إلى الجحيم مع سبق الإصرار والترصد ، ولم ينهضوا بمسؤوليتهم السياسية والأخلاقية نحوه بل تشرنقوا بالصمت (15 عاما ) وحينما نهض الشعب نهضوا من توابيتهم فمزقوا صفوف الثورة باستقطاباتهم غير المسؤلة ، ويعملون على ما يمنحهم شرعية ما للوصاية على الشعب ، وليس التعبير عن ارادته وتبني تطلعاته في الحرية والاستقلال واستعادة دولته وسيادته على أرضه . وصاية وأية وصاية ؟؟. : إسقاط القضية الوطنية الجنوبية ، إسقاط الثورة وإهدار دماء الشهداء والجرحى وعذابات المعتقلين وشرعنه الاحتلال ألاقتلاعي ...الخ . بتقديم طبق وهم جديد اسمه " الحل الفدرالي " الذي وجد – يا للخسارة – من سارع لابتلاع تفاحة الوهم الجديدة وكأنه لم يعش وما زال يخضع لأبشع صور المهانة لابتلاع تلك الأسطورة " ما أشبه الليلة بالبارحة ..شبه الماء بالماء " – حسب ابن خلدون – بل ما اغرب من صودرت حقوق أدميته وامتهنت كرامته على أبواب جنة الوهم ، وعلى وجوده الفردي والجمعي على مشنقة الفرع /العبد المهزوم ( 17 سنة ) مرة ، مهينة ولا إنسانية ...الخ وعلى حين غباء نية ، يقبل العودة إلى حيث مرغ بالقهر والذل والهوان ...الخ وإن من نافذة وهم جديد ترفع شعارين مستنسخين من جين فخ 22/5/1990م.
الأول : (( التخلص من نظام صالح أولا )) التغييريون – والثاني (( الحل الفيدرالي أولا )) ثم الاستفتاء استنساخا للتجربة السودانية ، التي تختلف اختلافا جذريا عن قضيتنا في شكلها وفي مضمونها . فهل إخواننا الأعزاء هؤلاء ، يدافعون عن تاريخهم ، بما هو تاريخهم الخاص ، وليس تاريخ شعب الجنوب ، أم ينتصرون لفكرتهم الفاشلة ، وان قدموا شعب الجنوب وأجياله القادمة قربانا لفكرتهم ، التي تناسوا أنهم مشردين /نازحين بسببها أو فاقدي الدور والمكانة والكرامة في الداخل – كذلك - .
وحتى لا نتهم بالتجني على حملة رؤية مختلفة ، نضع القارئ أمام السؤالين المهمين الآتيين :
لماذا اختفوا عن المسرح السياسي ( 15 سنة ) ولم يحركوا مشروعيهما الأنفي الذكر قبل أن يثور الشعب ويقدم مئات الشهداء وآلاف الجرحى وعشرات الآلاف من الأسرى ؟ .
بل ... لماذا لم يعلنوا عن رؤيتهم وينزلوها إلى الشارع السياسي الجنوبي خلال سنوات الثورة الماضية ، ومارسوا مع أتباعهم تكتيكا تمزيقيا تيئيسيا محبطا ، ووقتوها إلى فبراير وما بعد فبراير 2011م؟؟ . لماذا هذا التوقيت وليس قبله وليس بعده ؟
للقارئ .. بل لكل جنوبي حر مخلص لقضية شعبه وحقه في الحرية والاستقلال ، أن يقرأ ما حصل منذ فبراير الماضي بعقله ، لا بعاطفته ، ويربطه بما حدث قبل ذلك ، فسيرى من المسئول على ذلك وما ضرره على ثورتنا .
إن هلامية الوعي بالأزمنة ، بسبب تشابكها وتناوب مواقعها – كما أسلفنا – زد إلى ذاكرة جماعية لا تقوم بالترتيب المنطقي للأحداث والوقائع التاريخية ، لتمسك بعلاقات التأثير الجدلية المتبادلة فيما بينها ، فيستعاض عن ذلك بالعاطفة وخطاب اللاعقل – حسب د. الجابري – لتتحول حركة المجتمع باتجاه المستقبل محكومة بفوضى نسقيه عارمة على صعيد الفكر السياسي والتاريخي ... الخ وفي الممارسة – كذلك – وتجربتنا في الثورة الشعبية الجنوبية القائمة ، بما هي فعل شعبي ارادوي يرنو إلى المستقبل ، بالخلاص من غزوة الماضي لحاضره ، والدفاع المشروع ليس عن حق شرعي عادل وحسب ، بل وعن حق شعب الجنوب في الوجود والبقاء ، المستهدفين بالطمس والمحو . ذلك هو المنطق الداخلي للثورة الشعبية ومحركها الذاتي والموضوعي .
بيد أن الأسباب المشار إليها في هذه الفقرة وما سبقها ، كانت حاضرة في الثورة عبر القسم الغالب من أداتها الثورية ، لتتحول إلى عوائق ذاتية في قلب الثورة ، وابرز تجليات هذه الحال في ثورتنا التالي :
تسييد العفوي والحماسي العاطفي والشعاراتي على تنظيم وعقلنة الثورة ، وتاطيرها بفكر جديد ، وقيم فكرية وسياسية جديدة ، فضلا عن شروطها الموضوعية الأخرى . مما قاد إلى فوضى نسقية محكومة برغبات ونزوات فردية أو جماعية ، لم تميع مضمون الثورة وحسب ، بل وخربت منطقها ونزوعاتها الوطنية النبيلة .
بروز الثقافة السياسية الشمولية الاقصائية ، لدى التيار المرتبط بقيادات الجنوب السابقة النازحة المتعاطي مع استقطاباتها ورؤاها ، حتى بدا للمراقب بان الثورة الراهنة ليست سوى إعادة إنتاج للماضي الشمولي ،وربما بأسوأ صورة ، مما قاد إلى ضعف الثقة عند المناضل الميداني ، وإحجام الجنوبي المراقب لمسيرة الثورة من الالتحاق بركب شعبه الثائر ... الخ ... الخ .
ارتباطا بما سلف برزت إلى السطح ظاهرة تمجيد الفرد ، لدرجة ان أصبح الفرد يحتل المرتبة الاولى والقضية المرتبة التالية له – لتصبح الثورة ساحة لخلق زعامات مقدسة ...فيتساءل البعض عن جدوى ثورة الجنوب ، إذا كانت ستعيد إنتاج الأسباب التي قادته إلى هذا المصير المهين ؟!! . وإذا كانت الثورة سترعي ثقافة النفاق وتقديس وتاليه الفرد ، فكيف سيكون الحال عندما يملك – مثل هذا – سلطة القرار ؟؟؟.
د- تجزئة المأساة الجنوبية الواحدة وبعثرة صرخة الشعب إلى أشلاء تبعا لتعدد الرؤى والأهداف ( بعد تضليل الجماهير منذ 9مايو 2009 – فبراير 2011م) التي خرجت من تحت معطف تيار جنوبي واحد ، هو الأكثر ضجيجا ونزوعا إلى تملك الثورة والمستقبل وفرض الوصاية على شعب الجنوب ، حتى وهو ينتقص من حقه في الحرية والاستقلال .
لكن الذاكرة الفاسدة ، تلوذ بالذرائعية والتبريرية للاحتماء خلفهما وبهما ، كسلوك عصبوي وعصاب سياسي ، يُضحي بالحقيقة طالما أنها لم تخرج من جُبته .
ه- في خضم هذه الفوضى ، وهلامية الوعي الطافح باللامتعين واللا محدود ، تصاب الحقيقة كذلك بالسيولة وفقدان الملامح ، فكل يرسم لها القسمات التي تطابق رؤيته وولاءه .. بمعنى أخر :تصبح البرهنة على الحقيقة أشبه بمؤذن للصلاة في حي المسيحيين ، سيما حين تتراجع القضية الوطنية إلى مادون الولاء الأصغر إذ أصبحت الحقائق المرتبطة بالقضية الوطنية وثورتها محكومة بالولاءات : من ولاءات أولية إلى ولاءات لأفراد إلى ولاءات سياسية تتسم بالتعصب والاحتكام للمواقف العاطفية والنفسية والاجتماعية المكابرة المنتمية إلى الوعي السياسي الأولي ( القبلي أو ألمناطقي ) وليس إلى الثقافة السياسية المدنية – ذلك في الغالب الأعم . وهو ما جعل موضوع البحث عن الحقيقة – وسط ثورتنا – مجرد شعار للاستهلاك أو التضليل والمخاتلة السياسية – للأسف - .
فما اغرب أن تجد شابا أو كهلا جنوبيا لديه الاستعداد العالي للتضحية ، لكنه لا يملك الاستعداد المماثل لمعرفة مضمون القضية التي يناضل في سبيلها ولا معرفة شروط انتصارها ، مكتفيا بافراغ شحنة غضبه وحماسه خلف من منحه ولاءه ليس إلا . وكان اسلافنا لم يرفدونا بحكمة مهمة تقول : (( لا يُعرف الحق بالرجال ، إنما اعرف الحق تعرف رجاله )) .. أي ماهي قضيتك / ماهو حقك ... الخ ؟.
لكن بلوغ الحقيقة تستلزم مناضلين شجعانا واحرارا وليس اتباعا ، حسب مقولة المعلم العالمي " المهاتما غاندي" التي تقول : (( لكي تبلغ الحقيقة عليك الا تخاف وان تملك الشجاعة ، فليس بمقدور الجبناء ان يكونوا أخلاقيين )) . ونهى غاندي عن طلب الحقيقة من المتكبرين والمغرورين في قوله : (( لا يجب البحث عن الحقيقة لدى أي شخص لا يتمتع باقصى درجات التواضع لان عليك ان تغدو صفرا ، إن كان عليك عبور محيط الحقيقة )) . أي ان عليك ان تتحرر من أي تاثير ذاتي او قرابي او غيرهما ، فتكون ذاتا مستقلة نذرت نفسها لبلوغ الحقيقة المجردة ، عندئذٍ فقط بمقدورك ان تعبر محيط الحقيقة . اليس كذلك ؟ .
و – البناء على هدم القائم : حيث عانت ثورة الجنوب الشعبية من هذه الظاهرة تحت شعار التوحيد لمكونات الثورة ، والهدف تفكيك وتدمير قوى ومكونات سياسية وشعبية جنوبية قائمة ، بل لها قصب السبق في تنظيم نفسها في الداخل وفي تبني هدف التحرير واستعادة دولة الجنوب المستقلة ، كاسرة حالة التردد الذرائعي والمخاوف المصطنعة ، فضلا عن دورها المركزي ليس في حسم الهدف الاستراتيجي وحسب ، بل وفي تحرير القضية الوطنية الجنوبية من الغموض وتعدد التعاريف وتبعا لها تعدد المطالب ، بحسم تعريفها في انها قضية دولة ( جغرافيا وشعب وسيادة) تحت الاحتلال الهمجي البدائي لل " ج.ع.ي " كالمجلس الوطني لتحرير واستعادة دولة الجنوب ، الذي تعرض لحملات هدم متكررة لوضوح خياراته السياسية هذه الظاهرة افضت الى تقسيم ال( 1 ) الى عدة اجزاء ، ثم ينبري المقسمون ليعلنوا انفسهم ابطال توحيد !!! . إذ أن توحيد قوى الثورة واراداتها تتطلب جمع ال( 1 )+ال ( 1 ) على طاولة حوار ومن ثم جمعها في اطار موحد على اساس وحدة الهدف . وليس العمل على تمزيق الآحاد ، بعملية جراحية مؤلمة غير مسؤولة وهدامة ، وقد تكشًف ذلك السلوك الهدام ، منذُ فبراير الماضي بجلاء ، أن ثمة محركين وراءة :
الاول : عن نزوع شمولي لتملك الساحة النضالية دون منافس .
والثاني : استهداف صوت التحرير والاستقلال كي يتمكن من تمرير مشروعه للحل في اطار الاحتلال .(=احدث دليل هو تطور هذه الظاهرة بانتقالها من سياسية تفكيك وتدمير الأخر الجنوبي المختلف الى تهجين واستنساخ للمكونات في الثورة على غرار ما تمارسه السلطات المستبدة لإضعاف المعارضة السياسية وهذه الممارسة برزت في محاولة استنساخ ((اتحاد شباب الجنوب لتحرير واستعادة دولة الجنوب بمباركة ((الرئيس الشرعي علي سالم البيض)) الذي بارك شخصيا المؤتمر الصوري لما اسمي مؤتمر اتحاد شباب الجنوب ولاندري هل يعلم انه بارك ودعم الذين ساندوا الدعوة للالتحاق بمطلب تغير النظام بل ودعوا الى ذلك فتمت محاسبتهم من قبل اتحاد شباب الجنوب لمخالفتهم خيار الاتحاد السياسي ؟؟ أبهذه العقلية المدمرة واللامسئولة المجسدة للشمولية والاستبداد السياسي الماضوي ستنتصر ثورتنا ؟؟!! السنا إزاء واحد من تجليات ذاكرة تاريخية تكرر نفسها بصورة فادحة ؟؟ هل باستنساخ مكونات الثورة ياسيادة الرئيس الشرعي ستتوفر عوامل وحدة الارادة الجنوبية ؟؟ وهل تقدرون حجم الضرر الذي يفضي إليه فعل كهذا ؟؟))
ز- كما عانت ثورتنا الشعبية المنتصرة –باذن الله - من ظاهرة عدم ثبات المواقف ، والانتقال من موقف الى اخر ومن تجمع سياسي/ شعبي الى تجمع اخر ، وهو ما عُرف في صفوف الثورة بظاهرة (( السياسيين الرُحل )) ، المعبرة عن حياة البدو الرحل غير المستقرة جريا وراء الماء والكلاء ((= العشب )) . وهي ظاهرة تلازم الثقافة العربية عموما .. فالمثقف السياسي ، ينتقل بفكره من اقصى اليمين الى اقصى اليسار والعكس .. فخذ على سبيل المثال لا الحصر الكاتب ((احمد عبدالله الصوفي)) كتجلً فادح لهذه الحقيقة ،
استهجان وانتقاص – بعض مكونات الثورة ، ولاسيما تلك المرتبطة بقيادات الخارج – للفكر والتأصيل النظري للقضية وللثورة بتكريس شعار يخاطب العاطفة والحماس يقول (( نريد تحرير مش تنظير )) ، ثم ( بعد الاستقلال يصاغ برنامج سياسي ومشروع بناء الدولة ... الخ ) !! .وحين لاحت الفرصة لتقدم ثورتنا خطوات إلى الأمام إذا بحملة هذه الشعارات ومكرسيه ينقسمون إلى ملتحق بمطلب التغيير وأخر يتبنى الحل الفدرالي وثالث : مع فك الارتباط!!! .
ط- كانت تلك الظواهر والتجليات لب ومضمون انقسام صف الثورة الى تيارين رئيسيين – في الجوهر – تيار يكرس تلك الظواهر ضمن سيناريو خفي تجلى منذُ فبراير – عد الى نهاية النقطة ( و ) أعلاه – وتيار يقاوم تلك الظواهر ويحرص على توفير كل شروط وعوامل الثورة الفكرية والسياسية والتنظيمية .. الخ المطلوبة لثورة تحررية ،لتمكن أداتها من ادارة الصراع مع الاحتلال بوعي ماهية الصراع وشروطه وبكفاءة لا تتوفر إلا بالتنظيم ووضوح الهدف . المؤسف والمؤلم في آن ، أن جملة تلك الظواهر والتجليات وغيرها كثير ، وبرغم انكشاف اهدافها غير الوطنية منذُ فبراير إلا ان الشارع السياسي لم يستيقظ إلا بعد خروج وجهود التيار المقاوم لكل اشكال احتواء الثورة او إجهاضها . ولكنها يقضة غير فاعلة ، لانها غير واعية ، وعازفة عن ربط الاحداث وتواليها عبر نتائجها لادراك ابعادها بالربط بين الماقبل والمابعد . ( بين من لبس قميص الاستقلال كتكتيك ومن تبناه بصدق واخلاص ، بعد تجلي ذلك في فبراير 2011م - اليوم) بل – وهو الاغرب – إن القسم الغالب من الشارع السياسي الجنوبي ينأى بنفسه عن رصد المواقف السياسية المعلنة للافراد او الهيئات ومن ثم تقييم الممارسات النضالية ومستوى الالتزام بالخطاب السياسي ... الخ .
لبناء الراي حول من التزم الصدق والثبات خلف هدفه المعلن ، وذاك الذي تخلى او تراجع عن مواقفه المعلنة التي تقنع بها لخداع الشارع .. لكن ذلك لم يحدث ، والاسوا ان ثمة من ينبري مدافعا عن خاذليه ومبررا مواقفهم السياسية التي اعادت الثورة الى نقطة الصفر ، أي الى سؤالي : ماهي القضية الوطنية الجنوبية ؟ وماذا يريد شعب الجنوب ؟؟ . وذلك بعد حسم الاجابات الى فبراير الماضي .. فإذا بنا امام حدث يكشف عن معطى ملموس لاعادة انتاج الماضي .ولذلك ، اضافة الى ما سبق ذكره ، شاهدنا سلوكا سياسيا ذهانيا هو الاقرب الى المرض النفسي الاجتماعي المعروف عند علماء النفس ب " السيكوباتيا الاجتماعية " . وذلك بصورة الانتقال من التبني المتطرف لهدف التحرير والاستقلال الى مطلب تغيير النظام – جزء – او التهافت خلف مطلب الحل الفيدرالي – جزء اخر – والهرولة وبسباق محموم للحصول على دعوة لحضور لقاءات القاهرة التي ينظمها حيدر العطاس وعلي ناصر وصالح عبيد احمد ومحمد علي احمد واخرون لكسب المزيد من الاصوات لصالح مشروعهم الخاص ، المنتقص من حق شعب الجنوب الشرعي والعادل ، واخرها ما اسموه ب " المؤتمر الجنوبي" في القاهرة المنعقد في 20- 22 نوفمبر 2011م متبنيا الحل الفيدرالي ومساويا بين قضيتنا وقضية شعب جنوب السودان ، وهي مساواة لا تلوي عنق التاريخ وتتجاهل حقائقه وحسب ، بل وهو الاهم :
إن رؤية الحل الغريبة تلك ، صممتها الذهنية ذاتها ، تلك الخاضعة للمسلمة الايديولوجية ذاتها ، التي قادت دولة الجنوب الى فخ 22 مايو 1990م المشؤم وإن بتصميم جديد ، لكنه الوجه الاخر للعملية المزورة نفسها ودليل ذلك :
ا – حصر القضية الوطنية الجنوبية بمشكلة شكل النظام السياسي ، فإذا ما تم تغييره من مركزي الى فدرالي ، انتهت القضية وكأن ثورة الجنوب قامت من اجل ذلك ( انظر الى حالة التناقض الصارخة بين هذه الرؤية مع سقوط الشهداء الابرار وسفك دماء الجرحى وهم يهتفون برع برع ياستعمار لتتجلى في ذلك حقيقة التعارض الفادحة مع الارادة الشعبية وتطلعاتها)
ب – وطالما الامر كذلك ، فالحل المقترح منح الاحتلال صك براءة من جرائمه في الجنوب ، لان الحل المطروح يقر بان الوضع القسري المفروض على الجنوب منذُ احتلاله ، ليس احتلالا وانما وضع وحدة ازمتها الوحيدة تتمحور في مركزية صنعاء الحادة فقط .[ في مقابلة صحفية لحيدر العطاس يقول بان الانسحاب من – لاحظ – الوحدة ، لا يتم الا عبر بوابة الوحدة ؟؟ - صحيفة الامناء العدد ( 119) 5/10/ 2011م ص 7 – العطاس يقر ب " وحدة" مع انها لم تتم ولو انها تمت لما حدث كلما نعرف وصولا الى احتلال دولة الجنوب عسكريا ، لقد فشل مشروع الوحدة قبل ان يجف حبر الاعلان عن ميلاده ، ومن لديه ما يثبت العكس من اخواننا الجنوبيين سواء [ الوحدويين منهم او التغييرين او الفدراليين ] فليبادر وينشر دليله لنخضع المسالة – بعدئذٍ – لحوار مسؤول ، منظم وغير متعصب ، .. فكم نحن بحاجة الى مثل هذه النقاشات .] .
ج – رؤية الحل إياها احد دوافعها لا شك هو التطهر من تهمة الانفصالية بالدفاع عن المسلمة الايديولوجية الزائفة القائلة : (( وحدة الارض والشعب )) ، ولم تنطلق من حقيقة تاريخية موضوعية ، اثبتت عدم صحة تلك المسلمة ومقولاتها ذات المضامين القدرية والحتمية [ الوحدة قدر ومصير ...] .
د – المساواة النمطية الشديدة السطحية والزيف بين قضية شعبنا وقضية شعب جنوب السودان التي يجري الترويج لها منذُ اكثر من عام ونيف من قبل المنتمين الى ذات المشروع في الداخل سراً وعلانيةً ، ان هذه النقطة – بحد ذاتها – تمثل مركز دائرة الخطر في مشروع الحل كله .. من حيث :
* - إن القبول بمرحلة انتقالية لتنظيم استفتاء بعد 4-5 سنوات يعني بالضرورة :
- إن الجنوب لم يكن دولة مستقلة في تاريخه بل جزءمن ال" ج.ع.ي " ، مُنح حق تقرير مصيره باستفتاء شعبي في ضل وجود الاحتلال !! . شأنه في ذلك شأن شعب جنوب السودان الذي لم يعرف دولة مستقلة قط (=ولا ننسى ان شعب جنوب السودان قاتل 20سنة ليفرض ذلك الخيار فرضا ولم يتسوله من السلطة تسولا )
- اسقاط حقيقة ان ثمة اتفاق ، بل معاهدة دولية ، بين دولتين اتفقتا على مشروع وحدة سياسية ، فشل قبل ان يبدأ وتحول الى احتلال كارثي لدولة الجنوب المغدورة . وإنما حل ديمقراطي في اطار شعب واحد ودولة واحدة تاريخيا !!!. على غرار المسالة السودانية ، والاقليم الناطق بالفرنسية في كندا ، بينما النموذج السياسي والقانوني المساوي لقضيتنا هو نموذج التشيك والسلوفاك ، الذين فضوا الوحدة سلميا بعد ( 73 سنة ) على وحدتهما سلميا . يضاف الى قضيتنا ، جريمة الاحتلال العسكري الهمجي الاقتلاعي ونزوعه التدميري الشامل لكلما يمت الى الهوية الجيو – ثقافية والحضارية الجنوبية المستقلة بصله .
أليس من حقنا – كاصحاب حق عشنا جحيم الاحتلال وشاركنا في مقاومته – أن نتوجه بالسؤال البديهي الى هؤلاء : (( لماذا اخذتم بالنموذج السوداني وليس بالنموذج التشيكوسلوفاكي ؟))
لن يعجز عن الاجابة ويدرك ابعاد ودوافع ذلك غير منتمي الى المشروع القاتل إياه وإما متغابي وإما غبي بامتياز .
فالجنوب كان دولة تاريخية مستقلة ،دخلت في معاهدة دولية مع ال " ج . ع . ي " بمشروع وحدة سياسية فاشل ، ولم تكن جزء من ال " ج . ع . ي " لا جغرافيا ولا ديموغرافيا ولا تاريخيا ، فلماذا المماثلة الشيطانية بينه وجنوب السودان ؟؟؟ .
*- خلق كل اسباب وعوامل عدم الاتفاق في الراي في الجنوب ، لافشال [ وهم] الاستفتاء / الطعم الجديد او ليس ما يحدث اليوم في الجنوب من تمزيق وتجزيئ للصف الوطني الجنوبي ومن جنوبيين ، معطى ملموس لما سيؤول اليه الحال إن تمت هذه الصفقة الشيطانية . ؟؟ . فإذا كان حاملوا هذا المشروع لهم دور مركزي في بعثرة وتمزيق الارادة الشعبية الثائرة ، وهي في مرحلة المغرم ، فإنها في مرحلة المغنم / المصلحة – ستكون اقدر – بالسلطة والولاءات – أن تخلق واقعا سياسيا خادما للابعاد الضمنية والظاهرة في هذه النقطة ، محل نقاشنا ، وبالتالي إحكام الفخ على شعب الجنوب تماما ، إذا ما بلع غالبيته تفاحة الوهم الجديدة هذه ، أي الفيدرالية الملغمة بفترة انتقالية للاستفتاء الشعبي الجنوبي !!!! إخواني وابنائي وآبائي الجنوبيين الاحرار انظروا الى الامر بعقولكم وبحدقات وجعكم وآلامكم كيف نحن اليوم ؟؟!! . إذا كنا نعيش وطأة القهر والاذلال والحرمان والهوان الجماعي التاريخي نحيا كغرباء على ارضنا ... الخ ... الخ فإذا بنا بمواجهة إنقسام جنوبي بين وخلف اكثر من رؤية ومشروع سياسي جنوبي ، ولم يظهر بعضها – كموضوعنا هذا – إلا بعد أن اوصلت الشارع السياسي الجنوبي الثائر الى حالة من الارتباك والياس ،بل والى حالة دوار سياسي وضبابية معرفية .. فكيف ستكون الحال إذا ما تكونت مصالح وتحققت منافع شخصية وفئوية ...الخ ؟ لقد تناسى البعض ماهو قائم وهرولوا خلف مشاريع سياسية تعيد شعب الجنوب الى الفخ الاول ولكن فخ اكثر إحكاماً من شرك 22 مايو 1990م المشؤوم .
اقرأوا الخارطة السياسية الجنوبية داخل المشهد السياسي المتفجر منذُ فبراير الماضي : واحد من اكبر مكونات الثورة انقسم بين ثلاث رؤى ومشاريع – كما سلفت الاشارة – جنوبيوا احزاب المشترك وجنوبيوا الولاء لسلطة الاحتلال يتمسكون ب [ الوحدة] الاكذوبة فضلا عن الجزء الصامت .. فهل ستزول اسباب هذا التشظي إذا ما تمت الصفقة وتسلم اصحابها سلطة اقليم الجنوب ؟؟ . المستحيل اقرب للارادة الحرة من وهم يبشر به اولئك الذين سبق ان بشرونا بالنعيم وقادونا الى الجحيم ، ثم تخلوا عن مسؤوليتهم السياسية والاخلاقية وعن واجبهم الوطني والانساني نحو شعبهم ( 15 سنة ) ، وحينما نهض شعب الجنوب بدونهم ذائدا عن حقه ثائرا ، خرجوا من توابيت الصمت ، ليمارسوا ما يضعهم تحت مقولة (( قطاع طرق التاريخ )) – إن لم نقل تحت وصف " لصوص الثورة " .
والحق مع من يقول بأن المشكلة ليس في الحرس القديم ، لانه غير قادر على تغيير ذهنياته وانما لب المشكلة في ذاكرة جمعية تمحو ولا تغربل مكوناتها ، وفي الاستعداد النفسي الطوعي للتبعية العمياء بما هي تجلً ثقافي –سوسيولوجي عن " العقل المستقيل " ، فضلا عن التجليات والظواهر التي اشرنا اليها قبلا كعوائق ذاتية عانت منها الثورة الشعبية الجنوبية السلمية ، ساهم جنوبيون في الخارج والداخل – وبمال جنوبي – في بعثها / احيائها ، مع سبق الاصرار والترصد . لمعرفة هؤلاء وخبرتهم في ان من السهل احياء الموروث ، بمقابل صعوبة وتعقيد قبول الجديد المستنير وسط موروث استبدادي .
*- إن جملة المخاطر المشار اليها ، المترتبة عن المضمر والصريح في تضمين مشروع الحل الفيدرالي فترة انتقالية للاستفتاء بعدها على الوهم الجديد ، يعني – عقلا ومنطقا - :
- التنازل ، ليس عن القضية فحسب ، بل وعن الثورة واهدار تضحياتها الغالية .
-اقرار مجاني بان الجنوب – الدولة لم يخضع لاحتلال بدائي همجي واستيطاني ، وانما افضى النظام المركزي الحاد الى مضالم بحق [ الاقليم الجنوبي من الجمهورية اليمنية ] ستجد الحل باعادة صياغة النظام من دولة بسيطة الى دولة مركبة – كما اسلفنا ,او (اعادة صياغة الوحدة حسب) حسب مخرجات مؤتمر الفدرالية في القاهرة.
- لذلك فالصراع ليس صراع هويتين جيو – ثقافيتين وإنما صراع سياسي حول شكل النظام السياسي ، وهنا تسقط قضية الوطن الجنوبي المحتل ، وبالنتيجة يسقط حق شعب الجنوب الشرعي والعادل في استعادة حريته واستقلاله . إذ كيف لشعب يخضع لاحتلال عسكري ، ان يقبل بحل ما يبقي على الاحتلال ، بل ويسقط عنه هذه الصفة ؟؟ . وبالنتيجة ، ليس بمقدوره اقناع العالم – بعد ذلك – بانه تحت احتلال .
- اضعاف الحق الوطني والتاريخي والقانوني والانساني الجنوبي ، وضرب القوى المتمسكة بهذا الحق واضعاف صوتها ، امام المراقب السياسي الخارجي الاقليمي والدولي فضلا عن ان تعدد الاصوات – الرؤى والمطالب الجنوبية ، تلغي وحدة القضية الوطنية الجنوبية وينظر اليها من خلال ذلك ، بانها تخضع لرؤى ومصالح فئوية ، كل طرف يضفي عليها الوصف الذي يطابق مصالحه وحسب ... إذ أن وحدة الماساة والمصلحة ، ببساطة ، تفضي الى وحدة الصوت ووحدة المطلب / الهدف . اليس الامر كذلك ؟ .
* - وقبل الانتقال الى نبش الذاكرة التاريخية الجنوبية الحديثة ، نرى في هذا المضمار – أن نتساءل :
لمن تقدم الفدراليون الجنوبيون بمشروعهم للحل ؟؟ . هل لسلطة الاحتلال المتهالكة ، ام لمعارضتها وثورتها التغييرية التي تنكرت لثورة الجنوب ولشهداء وجرحى واسرى الجنوب ، وهي لما تزل في الشارع ، واتهمت مناضلي الجنوب المتمسكين بحق شعبهم في التحرير واستعادة الدولة ، بالعمالة لسلطتها المنتفض ضدها ... الخ فكيف لو استلمت السلطة (المثير للدهشة ان من بين المشاركين في مؤتمر القاهرة من وصم المتمسكين بهدف الاستقلال الذين خرجوا رافعين علم دولة الجنوب بمواجهة موجة التراجع في فبراير الماضي وما بعده ,وصمهم بالعمالة لسلطة الاحتلال .فكيف وبماذا يفسر ذلك؟؟!!!) لقد راهن حاملوا هذا المشروع على ثورة التغيير لدرجة ممارسة التضليل على الاعلام الخارجي في أن [ الشمال والجنوب ] توحدا على هدف اسقاط النظام !!! فمع من عقدوا صفقتهم ؟؟ . لقد خسروا الرهان على ما ينجزه شعب سلطة الاحتلال .
لقد تم احتواء ثورة التغيير من قبل الحرس القديم السلطوي والمعارض .. وللامانة ان الملمح المشترك بين ثورة التغيير في صنعاء وثورة التحرير في " عدن " ، هو احتوائهما من قبل الحرس القديم في الجانبين ، وإن اختلفت الصورة ، بإختلاف شكل القوتين في الطرفين .
فالحرس الجنوبي القديم ، عمل وما برح يعمل بلا كلل ليجعل من ثورة التحرير في الجنوب ، ثورة " تحريك " للحل في اطار الوضع القائم ، حسب مشروعه المعلن هو واتباعه – بالطبع – والحرس القديم في صنعاء ،يعمل على إفراغ ثورة التغيير من محتواها بصفقات وتسويات لتكون ثورة " تبديل" بين حمران العيون .. ولتغدو صراع اجنحة داخل سلطة القبيلة بواجهة سياسية ممثلة بأحزاب اللقاء المشترك وما خرج من تحت معطفها من مسميات شكلية ، قيدت ارادة الثورة التغييرية وشرعياتها بتسوية سياسية ارتكزت على المبادرة الخليجية التي لم تستهدف افراغ الثورة من محتواها ، وضرب اهدافها وحسب ، بل وذبحتها من الوريد الى الوريد .. ويا اهل المدينة بايعوا بعد " معاوية " نجله " يزيد " على ان تكونوا – لامتناعكم – له عبيد اذ ان انتصار مشروعي الحرسين على الجانبين ، يعني محاكمة ظاهرة وباطنية للثورتين الشعبيتين .
***
وإذا كانت ثورة صنعاء التغييرية ، ستجد نفسها عاجلا او اجلا تبايع احمر عين جديد . فإن احتواء ثورة التحرير في الجنوب لن يفضي الى مبايعة " يزيد " لان " معاوية " بعث من جديد يراقص شعرته السحرية مهاجما ذاكرة الشعب المخزوقة بفيروس الغواية والاستغباء والاستغفال ليزوّر محتواها بحبر النسيان !!! .لكن ارادة الحق من ارادة الله والجرح الوطني الجنوبي المفتوح لم ولن تنال من اصحابه الاحرار اقراص المسكنات الوهمية ولن تحجب الماساة عنهم اساليب الغواية والاستغباء فهاهم احرار الجنوب يستعيدون الزمام يواصلون الثورة رافضين كل ما ينتقص من حق شعبهم الكامل في الحرية والاستقلال.
فهل ظاهرة التهافت الزئبقي والترحال السياسي ، اللذين اصابا الثورة الشعبية الجنوبية بهشاشة الرأي وميوعة المواقف وفوضى الخيارات النضالية واخضاعها للعفوية وللذاتوية ؟.
هل كل ذلك ناتج عن ذاكرة تاريخية جماعية فاسدة ، ام عن فقر فكري وسياسي ام لكليهما ؟؟ بيت القصيد في قراءتنا المتواضعة هذه .. والتي نؤمل ، في ظل تبلور حالة المراوحة وارتداء الاقنعة المضللة ، عن فرز جلي في الخيارات والاهداف السياسية في ساحة النضال الوطني الجنوبي ، أن تجد مكانها المناسب لها ، كمساهمة استقرائية نقدية لمسيرة الثورة وتهدف الى وخز الذاكرة الجماعية الجنوبية إن لم نقل ، انها ستحاول ان تنبش فيها الاحداث التاريخية الحديثة ، وتعيد بنائها على اساس الربط المنطقي بينها والنتائج المترتبة عنها ،التي تمثل الحالة التاريخية المعاصرة لشعب الجنوب.





مأساة شعب الجنوب : من اين ابتدت والى اين ستنتهي ؟؟
الاجابة على السؤال تحتاج – لاشك – الى دراسة بحثية منهجية طويلة للوقوف على كل الحقائق والوقائع التاريخية ، واستقراء دوافعها ومحركاتها ومنطقها الداخلي ... الخ وستحتاج الى كتاب او اكثر ، وليس الى مداخلة او مقالة . وبرغم ذلك سوف يحاول الكاتب ان يحرك الذاكرة ، ويكشف بقدر الامكان عبر الظواهر السوسيو – سياسية العلاقات الجدلية الفاعلة بين الماضي والحاضر ، بين الما قبل والمابعد ، ما امكنه فعل ذلك [ ويدعوا بإخلاص كل الجنوبيين – دون استثناء – المتفقين معه او المختلفين مع ما تضمنته قراءته الموجزة هذه ، أن يشاركوا في مناقشة ما ورد فيها انتصارا للحقيقة اولا ، ثم خدمة للقضية الوطنية الجنوبية وثورتها الشعبية انطلاقا من الايمان بالحق الوطني الجنوبي ومن تطلعات وامال شعب الجنوب ... الخ لكي نؤطر ثورتنا بالوعي الكافي وبالفكر السياسي والتاريخي الجديد ، القادر على تفكيك واعادة بناء الوعي الوطني وفق الحقائق والاحداث التاريخية الواقعية ،الكاشفة لحجم التزييف والتزوير اللذين تعرض لهما الوعي على صعيد الفكر التاريخي وعلى صعيد الايديولوجيا السياسية ... الخ . ويعتقد الكاتب ان واحد من المخارج لازمة ثورتنا هو الانتماء الى القضية الوطنية الجنوبية / الى الحق الوطني الجنوبي ، ليكون المرجعية غير القابل للمساومة ، وعلى هذه القناعة نتعلم جميعنا فن ادارة الاختلاف والتباين بحوار فكري ونظري يستند الى الحقائق والادلة ، بل والى البرهنة المنطقية والعقلية ، لبلوغ الحقيقة والقناعات المشتركة التي تخدم قضية حريتنا واستعادة عزتنا وكرامتنا في دولة حرة مستقلة ، توفر لنا كامل السيادة على ترابنا الوطني .. كغيرنا من شعوب العالم . أي ان يكون الاختلاف المؤطر بمرجعية مشتركة ، خلافا لبنا الراي يؤسس لثقافة جديدة ، تحدث انزياحا ثوريا لثقافة توسيع دائرة الاختلاف في الراي ، تلك التي تحول الاختلاف الرؤيوي الى خصومة تصل الى العداء المباشر .. فهل من متعاط مع هذه الدعوة ؟؟ يامل الكاتب ذلك ويتمنى ان يستجيب المختلفون اكثر من المتقفين معه . ] .
إن دعوة الكاتب اعلاه لكل الجنوبيين في الداخل وفي الشتات ( الخارج) انطلقت من ادراكه لحقيقتين مهمتين – عن معايشة وليس عن استنتاج –
اولا : فشل الحوار المباشر بين مكونات الثورة ، وبين هذه ومكونات المجتمع الجنوبية السياسية والاجتماعية ، ويرى الكاتب ان ابرزاسباب الفشل تتمثل في :
يتم الذهاب الى الحوار خلف رؤى منها الموثقة والواضحة ومنها غير الواضحة لا عن قناعة عند البعض ، الذي يختلق كل اسباب افشال الحوار ات واهدافها .
تغييب المرجعية الجامعة المشار اليها في نص الدعوة ، أي الحق الوطني الجنوبي ( = الحق العام ) ، المجسد للارادة الشعبية العامة والمعبر عن الامها وامالها وتطلعاتها الشرعية والعادلة . بمعنى ادق ، لن ينجح حوار مباشر غير مؤطر بقناعة مشتركة لمضمون هذا الحق المعروف ب " القضية الوطنية الجنوبية " ، أي وحدة التعريف عن قناعة راسخة لدى كل اطراف الحوار ، لياخذ مكانة المرجعية الحاكمة لكل الرؤى السياسية واطروحاتها الاستراتيجية والتكتيكية .. ودليل ذلك ظهور رؤى ومشاريع حل سياسية ، لا تنتمي الى مضمون القضية الوطنية الجنوبية ولا الى ارادة شعب الجنوب وتطلعاته المشروعة في استعادة حقه الكامل وغير المنقوص ، الذي ضحى وما برح في سبيله .. فكيف يلتقي متوازيان في نقطة واحدة ؟؟ .
افتقار القضية / الحق العام وبالتالي الثورة الشعبية السلمية بطابعها التحرري ، الى فضاء فكري – نظري جديد يؤطر موضوعية القضية بوظيفة معرفية ملهمة لاداة الثورة ، وتلتزم القيم الفكرية والسياسية المستوعبة سلفا ، وليس وصول الثورة الى مرحلة ما تفقد فيها معالم الطريق ، فتتوقف وسطها تفتش بارتباك وفوضى وقلق عن منفذ من دائرة اللاوضوح المغلقة بالغموض المصطنع لتقع فريسة الاستقطابات والتجاذبات بين اجابات الماضي وذرائعيته وتبريراته الملفقة وحقائقه المغتصبة وبين اسئلة الحاضر الدامية وحقائقه الجديدة والمستجدة وتطلعاته المراوحة بين زمنين والمحاصرة باكثر من سلطة حسية قمعية مباشرة ( = الاحتلال ) وسلطة الموروث الثقافي ( = عوائق ذاتية ) وسلطة التوق الى الحرية بالثورة للخلاص من الحاضر الماساوي ، بل الفجائعي ( =شروط وعوامل الثورة ) ويستطيع من يستعرض مسيرة الثورة الشعبية الجنوبية خلال السنوات الماضية ان يقف بيسر على هذه الحقيقة وعلاقتها بازمة الثورة وعجزها عن توحيد قواها وبتعدد المطالب والرؤى . التي لا تضعف القضية وحسب ، بل تُحدث حالة ميوعة مضمونية لها ، وهذا ما يخدم الغازي – الغانم ، ويشجعه على خلق مسميات جديدة تحمل رؤى مختلفة ، وبالتالي يتساءل ضاحكا : (( مع من نتحاور لايجاد حل ؟ )) اليس كذلك ؟ . (=ان غياب الاطار الفكري الجامع لا يلغي ان ثمة جهود نظرية وفكرية مبذولة من قبل بعض المكونات التي صاغت رؤاها السياسية والفكرية في وثائق برنامجية واضحة فضلا عن تاصيلها النظري والتوعوي ..الخ .مثل المجلس الوطني الاعلى لتحرير الجنوب على سبيل المثال لا الحصر)
الحقيقة الثانية : وتتعلق بموضوع قراءة التاريخ ( = تاريخ الجنوب الحديث ) حيث لا زال هنالكم موقفين : موقف يفسر قراءة وتفكيك ونقد هذه المرحلة التاريخية ( 1967 – 1990م ) بالموقف العدائي المستهدف تاريخ ثورة 14 اكتوبر 1967م وتاريخ ( الحزب الاشتراكي) ، من منطلق الدفاع عن التاريخ الخاص ، الفردي والجمعي ، للقوة السياسية التي حكمت دولة الجنوب المستقلة الى عام تقديمها قربانا لمسلمة ايديولوجية زائفة ( فالدعوة موصولة للواقفين هذا الموقف ، ان يناقشونا فيما يرونه عدوانا على تاريخهم وغيره ، وان يقدموا لنا رؤيتهم بصوت عالي ولكن منطقي ويخبرونا ماذا تبقى من الثورة ومكاسب دولة الاستقلال التي قادوها الى صنعاء وسلموها على طبق من ذهب الغباء السياسي العاطفي ؟؟ . ومن ينتصر لتاريخ الجنوب اليوم ؟)
والموقف الثاني – والكاتب ينتمي اليه – يرى ضرورة قراءة الذاكرة الجنوبية التاريخية الحديثة لعلاقتها المباشرة بالحاضر ( اما قراءة التاريخ كله وفي كل المراحل ، فهي حاجة ملحة لشعب الجنوب كي يتخلص من وعيه التاريخي المزور ) إذ لا حضر على التاريخ ، فهو المجال المفتوح للقراءات المتعددة ولكل الاجيال انطلاقا – كذلك - من حقيقة ان الشعب الذي لا يقرأ تاريخه ولا يستفيد من دروسه وعبره ، هو شعب يكرر تاريخه باستمرار- حسب د . محمد جابر الانصاري – ولذلك لابد من كسر الحظر الصادرعن عقلية امتلاك الماضي ، بما هو تاريخ الحاكم الخاص ، وليس مرحلة تاريخية من تاريخ شعب الجنوب اجمالا .. وأن من يحاكم التاريخ ، لابد ان ينظر اليه من الاتجاهات السائدة في زمنه ومكانه ، وليس بعقلية زمن القراءة . وهذا لا يعني تبريرا للاخطاء السياسية او الاجتماعية التي افضت الى نتائج مدمرة والى معاناة جسيمة للشعب ، كما هو حالنا في الجنوب المعاصر .
زد الى ان شعب الجنوب ، لا يستطيع ان يجيب على سؤال " من انا " او " من نحن " ؟ ان لم يعي تاريخه وعيا يمكنه من تحرير وعيه من الزائف والملفق في بنيته التاريخية والاجتماعية والثقافية وبالتالي هويته الجيو/ سياسية والثقافية منذُ الالف الاولى قبل الميلاد . ولذلك فان انقسام الموقف الجنوبي إزاء التاريخ ، يقرر الحقائق التالية :
تقديس الماضي ، لا بما هو قاعدة انطلاق الحاضر نحو المستقبل ، أو مفتاح الشعوب للمستقبل وإنما عن جمود وعن عقل مستقيل تجسد في الموروث الثقافي العربي والاسلامي بمقولة " ليس بالامكان ابداع مما كان " – وفي ازمة ثورتنا برز خطاب سياسي يروج مقولة منحوتة من العقل المستقيل ذاته تنص على " اننا لسنا افضل خبرة وحنكة سياسية من القيادة التاريخية " –كما يبشر انصار هذا التوجه-. فهي عند اتباعها تفهم كل شيى ونحن – الشعب – لا نفهم شيئاً .ولكننا نفهم ان حنكتها وتاريخيتها المزعومتين ، دمرتا دولتنا ، وفي المطاف الاخير ، قادتاها الى فخ الضياع والابتلاع - !!! . اننا إزاء بنية فكرية وثقافية سلفوية ، لافرق بين المحسوب على العلمانية والمنتمي علانية الى سلفية سياسية وفكرية او دينية .
إن الوعي الجمعي لمجتمع تصالُح وتشابُك وتناوُب كل الازمنة فيه ، غير قادر على هضم حقيقة ان (( التغيير )) هو القانون الثابت في الحياة .
توسيع دائرة الاختلاف في الراي ، لتشمل التاريخ نفسه ، فبدلا من الاستناد اليه لفهم حاضرنا ظهر تيار الدفاع عن التاريخ الخاص .
إن ازمة ثورة الجنوب الراهنة ، بمضاهرها وتجلياتها ، التي اشرنا الى اهمها ، كعوائق ذاتية ، .. الخ انما هي في التحليل الاخير ، تجليات ذاكرة تاريخية فاسدة ، تعيد انتاج نفسها بصور مختلفة .. ولعل من تجلياتها الفادحة :
النفاق السياسي الممجد للافراد ، لدرجةالتقديس ، كمعطى حسي لقوة فعل وتاثير ثقافة الصنمية ، وتحويل الثورة الى ساحة لصنع القائد والزعيم الاوحد " = الطاغية" المستقبلي.
حصر الكفائة السياسية والقيادية ، بمن اثبتت التجربة انهم افشل قيادة في محيطنا العربي والاقليمي ، وانهم المسؤولين عن ضياع دولة وعن ماساة شعب الجنوب الثائر للخلاص من نتائج فشلهم الكارثي عليه ، لكن ثقافة النفاق والصنمية في صفوف الثورة منحتهم الفرصة ، ليقطعوا طريق تاريخ شعبهم المعاصر ، وينصبوا انفسهم – بعقلية تسلطية – اوصياء عليه ، ويعطوا انفسهم حق التفكير نيابة عنه وإن ضد إرادة غالبيته وضربا لتطلعاته !!! .
***
وعود الى السؤال : من اين بدأت مأساة شعب الجنوب والى اين ستنتهي ؟

جذر المسآلة الوطنية الجنوبية : والمسكوت عنه
" تستطيع ان تخدع كل الناس بعض الوقت ، وان تخدع بعض الناس كل الوقت ، لكنك لا تستطيع ان تخدع كل الناس كل الوقت "
إن اخراج الثورة الشعبية الجنوبية من ازمتها ، وتحصينها من التراجع والانكسار ... الخ يستلزمان بالضرورة ارادة سياسية واعية وصلبة ومسؤولة من قبل كل المؤمنين بحق شعب الجنوب في الحرية واستعادة دولنه المستقلة ، تجاه كل اشكال الالتفاف على الثورة وتضحياتها ، هذا من جهة ، ومن اخرى لابد من دخول منطقة المسكوت عنه سواء تعلق ذلك بالماضي او بالحاضر ( حاضر الثورة الشعبية ) والمصاعب والمخاطر التي تواجهها وتتعرض لها ،سواء من الاخر ( الاحتلال ومنظومته السياسية ) او من قبل بعض اصحاب القضية والحق الوطني الجنوبي وهؤلاء هم الاكثر خطرا على مسار ثورتنا وانتصارها ، اما العدو ، فانت تعرف اهدافه وسياساته الممنهجة ضدك ، ولابد ان تعمل على مواجهته ، وتوفركل عوامل القدرة لادارة الصراع معه ... وثمة مثل شعبي يلخص الخطر المتاني عن الذات الفردية او الجمعية ( = في حالنا صاحب الحق الوطني الجنوبي – الشعب ) في جملة صغيرة تقول " لا تفسد الحبة الا من داخلها " [ كان الكاتب ، مستندا الى مؤشرات هذا الخطر ،قد نبه في مقابلة صحفية في سبتمبر 2008م الى ذلك في تقريره ( تاكيده ) ب " أن لا خطر على القضية الوطنية الجنوبية إلامن الجنوبيين " وحدد بالاسم – حينذاك – من يتبنى مشروع الحل الفدرالي .. وهو ما تاكد اليوم 100 % ] ، بيد اننا - للاسف – إزاء وعي سياسي محكوم بالولاءات الاضيق والاصغر والاقصر كثيرا من فضاء الجامع الوطني وغاياته الاشمل والاسمى والاكبر من الافراد والعلاقات الولائيّة الاولية او السياسية ، التي تتعامل / تتعاطى مع الاخر المختلف في اطار وحدة الهم والوجع والالم من خلال الاحكام المسبقة ، وليس من خلال صواب او عدم صواب الرؤى او الحقائق التي يُبررها في خطابه السياسي او الفكري والنظري ومستوى جمعه بين القول والفعل في الممارسة والسلوك النضالي .
***
لناخذ المسكوت عنه على صعيد التاريخ السياسي الجنوبي الحديث ، ليس من اجل نكئ الجراح لان ذلك لا يخدم قضيتنا ، وإنما العودة الى المحطات المهمة من ماضينا القريب لهدف معرفي يلهمنا الدروس والعبر ، كي نتكئ عليها لنتجاوز اسبابها السياسية والثقافية التي افضت الى الحاضر الكارثي والماساوي للجنوب : الارض والانسان والتاريخ .. الهوية والوجود . ويساعد شعب الجنوب على خوض معركة الخلاص من الحاضر ، الذي غدا ثقباً اسودا يلتهم كلما يمت للجنوب بصلة . إذ بدون قراءة الماضي قراءة مغايرة تنطلق من نتائجه وتتسق معها بما ان نتائج الماضي وصيرورته هي حاضر شعب الجنوب ، الخاضع لاحتلال عسكري إقتلاعي .. ومالم نقوم بذلك فإن مواجهة الشعب الجنوبي المنكوب والمغدور للخلاص من حاضره الفجائعي سوف تستمر " خبط عشواء" ، تضرب في كل الاتجاهات ، دون تحديد افق معلوم وواضح ولعل ذلك ، مركز دائرة ازمة الثورة الشعبية الراهنة ، الذي قاد الى تراجعها في وقت كان عليها ان تتقدم الى الامام وتحقق نجاحات ميدانية وسياسية ما كان لها ان تبلغها قبل فبراير الماضي ، ولكن حدث ما يمثل برهانا على هذه الرؤية ، بتفجير الارادة الشعبية واهداف الثورة بين اكثر من صوت واكثر من مطلب ومشروع حل ، في الداخل والخارج وقد شكل المجلس الاعلى للحراك اداة هذا الانقسام وساحته واجلى صورة لذلك : الانقسام الداخلي خلف انقسام قيادات الجنوب السابقة ، أي بين لقائي القاهرة وبروكسل .. وقدرة الاول على استقطاب المئات الى لقاء 20 نوفمبر الماضي في القاهرة ، مستهدفا كسب شرعية الوصاية ... الخ .
***
ابو البيض غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

=
Loading...


Powered by vBulletin® Version 3.8.12 by vBS
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions Inc.
 

تنـويـه
بسم الله الرحمن الرحيم

نحب أن نحيط علمكم أن منتديات الضالع بوابة الجنوب منتديات مستقلة غير تابعة لأي تنظيم أو حزب أو مؤسسة من حيث الانتماء التنظيمي بل إن الإنتماء والولاء التام والمطلق هو لوطننا الجنوب العربي كما نحيطكم علما أن المواضيع المنشورة من طرف الأعضاء لا تعبر بالضرورة عن توجه الموقع إذ أن المواضيع لا تخضع للرقابة قبل النشر