رسالة إلى أحمد ناصر الحماطي ..

[طائر الاشجان]

من حق القارئ أن يتساءل : لماذا أحمد ناصر الحماطي تحديداً ؟ ولماذا جاءت هذه الرسالة متأخرة بعض الشيء ، وقد مرّ على تبوئه منصب وكيل وزارة الإعلام وقت ليس بالقصير ، وأتمنى قبل الإسترسال في الرد على مثل هذه التساؤلات أن يقيض الله لكلماتي هذه من يسوق خبرها إلى معاليه ، ولو من باب الصدفة .
الأخ العزيز .. أحمد ناصر الحماطي
من الصعب أن تصلك معاني هذه الرسالة ما لم تضع طاقية الوكالة جانباً ، وتهرول معي عبر مسافات الزمن الغابر إلى استوديوهات الإذاعة والتلفزيون في التواهي ، ولا مانع في أن نستقل سيارتك " الأوستن ميني " لصعود الجبل برفقة المخرج محمد محمود سلامي الأكثر قدرة على تدوير أشرطة الذكريات من خلال " مونيتور " فضي، وقبل صعودنا السيارة لا ننسى أن نثبت علامة " المرسيدس " التي تصر بعناد على وضعها في مقدمة سيارتك المذكورة ، ولا بأس من جولة في ردهات المسرح الوطني ، ففي ما ذكرت من الأماكن صورٌ لشاب تتقد في نفسه جذوة الحماس فيبهرنا بأدائه كإعلامي ، وشاعر ، وأديب متجاسر ، ولصوتك نبرة مميزة لا تنساها الأذن ، ولها عندي ذكرى لا تُمّحى من الذاكرة ، فذات ليلة ، وفي شعب العيدروس إبان الكفاح المسلح ضد الإستعمار ، ومع انفجار قنبلة يدوية بجانب مسجد الضياء ، مصدرها أحد عناصر جبهة التحرير ، ووسط هالة من الدخان يجلجل ذات الصوت الجهوري ، بعبارات لم يعلق في ذهني منها سوى " أخرج أيها الجبان .. لقد لجأت إلى أحضان أمك " قال لي أحدهم ساعتها : لقد فعلها الحماطي ليوهمنا بأنه بطل ، كاد أن يزرع الشك في نفسي حينها ، ولكن مواقف أخرى لاحقة أثبتت عكس ما ظننت ، وشهد لكم شخص كان يمثل قمة الهرم ، وأنا هنا بصدد التلميح لكم أن معرفتي بكم عن قرب ، ما يشفع لرسالتي هذه ، ويمنحها مبرراً لا يجوز معه أخذها على محمل التطاول .
أخاطبك الآن .. لأنه لم يعد هناك مجالاً للتمادي في المكابرة ، والتغاضي عن سماع نبض أخوتك في ساحات الحراك السلمي ، أخاطبك الآن .. لأن ردحاً من الزمن قضيته بين أولئك الأوباش لا بد وأنه أظهر حقيقة العبث الذي نتجاهله دوماً ، ونبحث له عن أعذار واهية لا تمس قناعاتنا ، ولا ترقى إلى مجرد التصديق بها ، أخاطبك الآن .. لأنك قد أجحفت في حق أحمد ناصر الحماطي بما فيه الكفاية ، وأرغمته على استعذاب الوهم ، وعدم الإعتراف بالحقيقة ، وأنت أدرى الناس بأنك وكثيرين غيرك من أبناء الجنوب أسماء مستغلة لمآرب النظام الحاكم ، لماذا قبلت بأن تكون مضغة في ألسن الشرفاء ، وكنت أكثرهم تمسكاً بالشرف ، ماذا استجد في النظام الذي كنا بالأمس القريب نردد ( ما لبا وحدة مع حكم رجعي ) هل أصبح تقدمياً بين عشية وضحاها ، وما دلائل ذلك ! لم يتغير شيء في طبيعة النظام ، الديمقراطية التي لا يفقهون معناها ونحن من لقنهم أبجدياتها ، زعماء العشائر الذين يتبولون على الدستور ويتقاسمون المصالح مع زعيمهم الغير صالح ، إن كل جنوبي يضع يده في يد النظام الحاكم إنما يستجيب لإرادة هذا المحتل في طمس هوية الجنوب ، وما أبشع أن يفتح هذا النظام سوق مزاد علني لشراء ذمم أبناء الجنوب لكي يشرعن أهدافه المقيتة ، ألم يكن راشد محمد ثابت أجدر منك على تولي منصب الوكيل ، بل الوزير إن شئت ، بحكم الخبرة ، لكن ذلك غير ممكن بالنظر إلى جملة المواصفات والمقاييس ، فهل تراك تجهل كل هذا ؟! .
ويزيدني إشفاقاً تلك التصريحات التي يطلب منكم الإدلاء بها من حين لآخر ، فتمجد باني الوحدة وحاميها " حراميها " وتتحدث عن المنجزات والحريات ، وكأني بك تتعمد إغاظة الماضي الذي تبرأت منه فجأة ، لأنك آنست إلى بريق المنصب وحاولت إقناع ذاتك بأن بقائك حتميٌ ، ولم تتعظ ممن سبقوك إلى الخروج عنوة من بيت الطاعة - كما يحلو لهم تسميته - وخسروا الحاضر والمستقبل ، وكانت خاتمة أعمالهم نقطة سوداء بحجم خيانة الوطن .

تحياتي
طائر الاشجان