جمعية ردفان .. من قاعة مستباحة إلى وطن للسماحة !

[أبو عامر اليافعي]

جمعية ردفان .. من قاعةٍ مستباحة إلى وطنٍ للسماحة !

معايير أحادية:

هنالك عملاء وبائعون .. وهنا فقراء وكادحون .. هنالك سلاطين ومشائخ رجعيون .. وهنا ثائرون وتقدميون.. هنالك أحزاب موتورة .. وهنا حزب واحد للثورة .. هنالك صحف صفراء ... وهنا صحف حمراء ....هنالك خائنون ... وهنا صامدون ... هنالك زمرة ... وهنا طغمة .. هنالك ديكتاتورية رأس المال ... وهنا ديكتاتورية العمال ... هنالك معركة التآمر والعمالة .. وهنا معركة البطولة والبسالة ..

متاهات ومحطات من أشلاء ودماء:

.. 13 يناير 66م دمج القومية والتحرير ... 20 مارس حركة رجعية .. 14 مايو حركة تقدمية .. 22يونيو حركة تصحيحية عسراء ... اغتيالات وإقامات جبرية وتأميمات عامة ... حرب الشمال والجنوب ...جبهة قومية موحدة وكتم الأنفاس... حزب طليعي من طراز جديد .. 26 يونيو انقلاب من طراز جديد وإعدامات .. حزب اشتراكي يمني طابور خامس ... الحرب الثانية بين الشمال والجنوب ... إقالات خطيرة واغتيالات عبثية ... انقسامات مخيفة تنذر بعاصفة .. العاصفة 13 يناير 86م حرب على الهوية.. وحدة على منوال مجبراً أخاك لابطل ...94م الحرب الثالثة حرب الشمال على الجنوب ... انتقامات كيف أعاودك وهذا أثر فأسك ... ضم وإلحاق ... احتلال همجي..

ومضات وآمال:

اتحاد الجنوب العربي فكرة أولية ... 14 أكتوبر ميلاد الكفاح المسلح من ردفان.. 30 نوفمبر الاستقلال عهد جديد .. جنوب واحد من 23 إمارة ومشيخة وسلطنة عملاً مشهودا وتغييراً مذهلا.

إلى أين؟

أربعة عقود فيها من الأحداث ومن التصنيفات ما لم يستوعبه العقل وما لم يكن في الحسبان .. خبطاء عمشاء تضرب شمالا ويمين..
منظرون بلا نظر.. ومناضلون على الوطن ..ثورة تأكل أولادها.. ووطن يرزح تحت ثقل مأساتها .. وشعب صابر ليس له إلا الدعاء بالفرج من إحكام حلقاتها.
كيف يمكن إزاحة كل ذلك ؟ ومن أين تبدأ الحكاية .. وكيف ستكون النهاية .. ومن اجل من ؟ .. ومتى تكون ؟... وهل من أمل ؟؟
كانت الأسئلة ثقيلة محبطة وتبدو الإجابات اشد ثقلاً وإيلاماً.

ورغم ذلك!

من ردفان ثانيةً وثالثاً وآخراً .. في 13 يناير 2006 تولد الابتسامة .. تشع البهجة وتقبل السلامة .. من قاعة صغيرة "جمعية ردفان" * بحجم الوطن يحل السلام والسكينة وتزدهر الروابي المجدبة بعد عقود عجاف ... لتندمل القلوب المكلومة .. وتزدان الأعين نظرة ونضارة ... وتشرأب الأعناق للعناق .. مودعة زمن الافتراق .. وجحيم الرفاق .. ويشع نور الجنوب في الآفاق .. معلنا الطلاق لكل ماكان ومالا يطاق . وداعا للجراح .. والبكاء والنواح .. والاحتكام للسلاح .. فليكبِّر المكبِّر ولينادي المؤذِّن فقد آن الصباح .. حي على الصلاة .. حي على الفلاح .

في جمعية ردفان اجتمع الجنوب من أقصاه إلى أقصاه .. مذعنة جميعها من الأصقاع أن لردفان ولاداتٌ لا تنتهي .. وطهرٌ نبوياً إليه ينتمي .. ونبراسٌ به نهتدي .. إلى التسامح لما مضى .. والتصالح لما بقى .. والتناصح على الوفاء..
هنا عدن الحبيبة هنا المهرة الرحيبة هنا أبين المنيبة هنا شبوة العجيبة هنا حضرموت المهيبة هنا لحج النجيبة .. ولكننا في الجمع والوحدان مولودون من ردفان ومهووسون في ردفان .. ومنذ الزحرة الأولى إلى أن نرتدي الأكفان نعاهد كل من سبقوا ومن رحلوا ومن سقطوا فداءاً ليبقى أجمل الأوطان ولن ننكص على الأعقاب ولن نحرص على الأرواح والأبدان حتى يستقيم الحق وتتحقق إرادة خالق الأكوان ووعده بمحكم القرآن بنصرة المظلوم والمقهور و إعادة شوكة الميزان .

* جمعية ردفان: قاعة صغيرة مساحتها " 35 متر مربع " بمدينة عدن تم إغلاقها في 15 يناير 2006م بأوامر من نظام الاحتلال حتى لا يتصالح الجنوب ويتسامح مع نفسه ليتحول الجنوب كله " 350 ألف كيلومتر مربع " إلى قاعة كبيرة اسمها انطلاقة ردفان للتسامح والتصالح ثم ابتدأت حكاية شعب وثورة ووطن .