الكاتب عادل امين بروفات علي عبدالله

[النوووورس]

صعدة.. الحرب السادسة في شوطها الثاني.. ست سنوات من (البروفات) والحرب الفعلية بدأت
عادل أمين

17/11/2009

الحرب (الفعلية) لم تبدأ سوى منذ يومين، وما سبقها منذ ست سنوات مضت إنما هي (بروفة) وتمرين وتدريب لوحداتنا لتأهيلها، أما الحرب التي بدأت منذ يومين فلن تتوقف على الإطلاق مهما كلفتنا من مال وشهداء، هذا ما قاله رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، فيما كان المصدر المسؤول بالقوات المسلحة قد أعلن في وقت مبكر حسم الحرب في الأيام الأولى لاندلاعها، وأكد حينها أن جماعة الحوثي تلفظ أنفاسها الأخيرة وان الجيش شرع في تصفية أوكارها وتمشيط ما تبقى من جيوبها مُلحقاً بها هزيمة ساحقة، لكن نكتشف اليوم وبعد حوالي ثلاثة أشهر من المواجهات أن الحرب بدأت للتو، وكل ما سبق كان عبارة عن بروفة- بحسب تعبير الرئيس- وهو مصطلح عادة ما يستدعي المشاهد التمثيلية في المسرحيات والمسلسلات الدرامية، لكن هل فات الرئيس أن ست سنوات من البروفات كلفت ثمناً باهظاً جداً من آلاف الأرواح التي أزهقت والقرى التي ُدمرت، وعشرات الآلاف من النازحين الذين وجدوا أنفسهم فجأة مشردين في بلدهم؟ وماذا عن الوطن المنهك بتلك البروفات؟ كم تحملت خزينة الدولة من أموال لتستمر تلك البروفات لست سنوات متوالية؟ لا ندري هل سقوط ثلاث طائرات حربية في غضون شهر يجيء ضمن تلك البروفات؟ وهل سياسة الأرض المحروقة التي أعلن عنها الجيش في صعدة جزء من البروفات أم أنه من خارج النص؟
على كل حال السلطات اليمنية أعلنت عن بدء المعركة الفعلية مع الحوثيين في المشهد الثاني من الفصل السادس لحرب صعدة، ونتمنى أن يكون الفصل الأخير بعد بروفة شاقة وطويلة استمرت لست سنوات، لكن المشهد الثاني من الحرب وبخلاف المشاهد الأخرى يبدأ انطلاقته من داخل الحدود السعودية هذه المرة في تحول دراماتيكي مثير للقلق السعودي الذي كان يقف عند الحدود مع اليمن وأضحى اليوم داخل البيت السعودي نفسه! وهذا ربما ما لم يجل بخاطرهم، وربما أيضاً لم يعملوا حسابه.

أزمة إقليمية

بصرف النظر عما إذا كان الحوثيون قد وقعوا بالفعل نتيجة تصرفهم هذا بين فكي كماشة يمنية وسعودية، أو أنهم دخلوا عش الدبابير ليحفروا قبورهم بأيديهم كما يقول البعض، وبصرف النظر كذلك عن القلق الأمريكي والعربي بالطبع نتيجة تداعيات هذا المشهد المستفز الذي اقتحم جدار الأمن السعودي والخليجي معاً، فإن هذا التسارع والتصاعد المثير في المشهد العسكري في صعدة وخروجه عن نطاقه المحلي هو أحد مؤشرات بدء العد التنازلي لتدويل قضية صعدة وخروجها من بعدها المحلي إلى البعد الخارجي، وتحولها من ثم إلى أزمة إقليمية لن يكون بمقدور اليمن ولا السعودية حلها بمعزل عن المحيط الإقليمي والدولي أيضاً.
لقد سمحت فترة ست سنوات من البروفة اليمنية والتأهيل الغريب للجيش اليمني في جبال صعدة أن تأخذ هذه القضية أبعاداً أكبر من حجمها، وأكبر من قدرات اليمن وجيرانها على احتوائها، وبصرف النظر عن نوايا طرفي الصراع والمكاسب التي يطمح كل منهما لتحقيقها على حساب الطرف الآخر فقد أضحت حرب صعدة بوابة التدخل الخارجي الأكثر اتساعاً في اليمن. من الآن فصاعداً علينا ألاّ نفكر في أن حل قضية صعدة سينبعث من الداخل، إذ لن يكون بمقدور أي طرف داخلي فرض شروطه أو وضع خارطة طريق الحل الذي يرد بمفرده، ثمة شركاء كثر في الخارج صار لهم رأي وكلمة مسموعة في ما يجري في الداخل، وهؤلاء سيبحثون عن مصالحهم في أية ترتيبات يجري مناقشتها مستقبلاً، وستضم الدائرة المستديرة التي سيجلس عليها مستقبلاً المعنيين بالأزمة أطرافاً محلية وإقليمية بل ودولية، وهذا أمر سينحت من كرامة البلد وسيكلفه الكثير، وسيقلل من قدرته على تقرير مصيره بنفسه، وهو ما سيضعف من استقراره، ويؤخر نموه لسنوات .
حماقة أم تخطيط؟
هل يعقل أن يكون الحوثيون هم من قرر فتح جبهة عسكرية جديدة مع المملكة أم أن هنالك من دفع بهم إلى ذلك؟
الحوثيون كانوا قد اتهموا السلطات السعودية بالسماح لقوات الجيش اليمني بقصفهم من قاعدة عسكرية سعودية في جبل دخان بمنطقة جازان، في حين قالت السلطات اليمنية أنها سيطرت على ذلك الموقع وطهرته من الحوثيين، وكأن الموقع يمني وليس سعوديا! فهل استفز ذلك التصرف الحوثيين وجعلهم يغامرون بفتح جبهة مع السعودية؟ إذا كان الأمر كذلك فقد ارتكبوا خطأ استراتيجيا جسيما حينما تورطوا في فتح جبهة جديدة ليحاربوا دولتين في وقت واحد، وهو أمر لا تقوى عليه دول ناهيك عن جماعات متمردة! لكن هذا الاحتمال يبدو ضعيفاً لأسباب عديدة من بينها أنها ليست المرة الأولى التي تسمح السلطات السعودية بفتح حدودها لقوات الجيش اليمني لتنفيذ مهمات خاصة ضد الحوثيين، فلماذا استفزهم التصرف السعودي الآن فقط ؟ ولماذا يغامرون بالدخول في معركة تبدو خاسرة وفي غير صالحهم؟ الاحتمال الأرجح أن قرار دخول الحوثيين في مواجهات عسكرية مع السعودية ونقل المعارك إلى داخل أراضيها تم بناء على تحريض ودفع من طرف آخر، هذا الطرف من المحتمل أن يكون محلياً وربما يكون خارجياً!
لكن إذا كان ثمة طرف محلي زين للحوثيين الأمر وأغراهم به فما مصلحته من ذلك؟ هل يبحث عن مكاسب من نوع إنعاش سوق السلاح مثلاً وتصريف الفائض منه القادم من الصين وغيرها؟ أم هو اللهث وراء مكاسب أخرى سياسية ومادية من خارج الحدود للاستقواء على خصوم محتملين في الداخل عبر تضخيم الخطر القادم من صعدة وربطه بأطراف خارجية تتقاطع مع مصالحه؟ وإذا كان الطرف المحرض لجماعة الحوثي خارجياً فما هي أهدافه من وراء ذلك؟ هل يريد تصفية حسابات سياسية أو مذهبية مع طرف ما في المنطقة أو مع عدد من الأطراف؟ وهل يمكن أن يكون ذلك بداية مخطط مرسوم لتثوير المنطقة وإشعالها، ومن ثم تهيئة المنطقة للبدء في تسويق أفكار جديدة روجت لها من قبل بعض الخرائط السياسية الغربية التي جرى تسريبها وأظهرت المنطقة العربية في تقسيم سياسي جديد؟ مهما يكن الأمر فقد صار الحوثيون- بعلمهم أو بغير علمهم- أداة طيعة بيد غيرهم لتحقيق مآرب أكبر من حجمهم بكثير.
المثير للاهتمام داخلياً أن العملية العسكرية لجماعة الحوثي باتجاه الأراضي السعودية جاءت بعد انكشاف فضيحة صفقة الأسلحة الصينية وخروجها لوسائل الإعلام ، ومطالبة البرلمان الحكومة اليمنية بكشف حقيقة تلك الصفقة التي تم استيرادها من قبل تجار أسلحة يمنيين بوثائق رسمية مزورة كما ادعت الحكومة، ومعروف أن الحكومة رضخت مؤخراً لمطالب أولئك التجار وقامت بشراء صفقة السلاح منهم بعدما كانت أعلنت من قبل عن قائمة سوداء بأسمائهم عبر الصحافة الرسمية واعتبرت أن شحنة الأسلحة الصينية المشبوهة كانت متجهة للمتمردين!
الشيء الآخر اللافت هو تزامن العمليات العسكرية للحوثيين داخل الأراضي السعودية مع حملة إعلامية رسمية شديدة تتهم أحزاب اللقاء المشترك بتورطها وضلوعها بشكل علني- بحسب مصدر مسؤول في اللجنة الأمنية العليا- في تأييد ودعم العناصر الإرهابية في محافظة صعدة والعناصر الانفصالية في الجنوب، وهو نفس الاتهام الذي أعادت تأكيده صحيفة 'الثورة' الرسمية، وزادت عليه بان أحزاب المشترك منغمسة بشكل علني ومكشوف في توفير الغطاء للحوثيين، وكان مصدر مسؤول بالمؤتمر قد حذر في وقت سابق أحزاب المشترك من استمرار التحالف مع المتمردين، والامتناع عن توفير الدعم والمساندة لهم!! تلك التهم الموجهة من قبل السلطة لأحزاب المشترك صاحبها تهديد مبطن بحلها، في الوقت الذي يجري فيه ربط عدوان الحوثيين على المملكة بالمشترك بصفته داعم ومساند سياسي للحوثيين، وبهذه الطريقة تمارس السلطة عملية ابتزاز وتعبئة وتحريض داخلية وخارجية ضد المشترك، أما الهدف النهائي من وراء كل ذلك فيصب في خدمة المشروع الانتخابي للحزب الحاكم الذي يجري التحضير له بعيداً عن شركاء العملية السياسية.

' كاتب يمني

16