نحن عصاك التي لا تعصيك !

[ابو عهد الشعيبي]

لكل قضية كبيرة لحظة فارقة في مسارها ومسيرتها ..لحظة رسم وحسم .. ولكل لحظة توقيتها وضروفها وعناصر تكونها لها من الاقدار وإرادة المولى النصيب الاوفر , وفي قضايا الشعوب الكبرى عادة ما تكون اللحظات الفارقة والمفصلية ذات أهمية بالغة عند المنتمين لهذه القضايا , عليها حينما تأتي يترتب القادم شكله وادواته وعناوينه ومتطلباته بل ومضمونه , وما لكل ذلك من إنعكاسات وأبعاد وتأثيرات ايضا يتشكل , فيها يحضر الوعي السياسي والوطني والاخلاقي لا سيما لدى الصفوة.. فيها يحضر الولاء والإنتماء ويحضر الحساب السليم والتخطيط والتدبير للاعمال والاحداث اللاحقة ..
لم تكن قضية الجنوب المحتل إستثناء لهذه القضايا التي أمتد مخاض لحظتها المفصلية لمدة 4 أعوام وأكثر , لقد أرتبك مشهدها الحراكي العملاق في ضروف مختلفة نعم لكنها ضلت تقاوم فرضيات الاحتلال للوصول إلى تفاصيل ومفاصل لحظتها التاريخية الفارقة .. كل ما كان يُعتقد بانه متاح للدفع نحو التقدم ورص الصف والبناء المؤسسي الصحيح لهذه القضية ومشروعها التحرري قُدم بشكل أو بآخر بسخاء من قبل كل المنتمين اليها .. كلاً وفق قدراته وامكاناته أعطأ .. تحركت الارض الجنوبية بكل ما عليها للضغظ باتجاه منافذ النور والامان وبناء التلاحم .. تضحيات جسيمه قدمها الاخيار من الرجال ما يقارب من 1000 شهيد والاف الجرحى والمعتقلين والمطاردين والمقهورين بكل الوسائل كان ثمن مبادئهم باهض .
أربعه أعوام من العطاء الشعبي والنخبوي الجنوبي الكبير بغض النظر عما رافقه من قصور وضمور وفتور , مقالات وكتابات وحوارات ومحاضرات قدمناها وغيرنا خلال السنوات الماضية من خلالها بينا الكثير من هذه التفاصيل بمسمياتها , أمتدحنا الايجابيات وأنتقدنا القليل من السلبيات, ناشدنا لها الحلول والمخارج دون أن يُستجاب لها , ولكن ليس في تاريخ وحياة الشعوب نهايات .. ما يحضرني الان وبهذا التوقيت هو سؤال كبير واضح يحتوي قطعاً كل شريف يشاركني حمله ..
السؤال هو .. هل آن أوان الإنطلاقة الصحيحة والسليمة لثورتنا التحررية بمشروعها الكامل الوطني والسياسي ؟؟
هذا السؤال لا أعتقد أن هناك من سيكتب للرد عليه بشكل تفصيلي ومقنع أفضل مما كتب المناضل والمفكر الجنوبي الكبير الدكتور محمد حيدره مسدوس طوال الفترات الماضية , لنعود اليها اليوم وآخرها ما كُتب أمس تحت عنوان ( قبل لا تدخل الشياطين ) وفيها سنجد الاساس المطلوب للبناء الصحيح والبلورة العملية العلمية والقانونية والتاريخية لقضيتنا ومشروعها السياسي المطلوب , مسدوس وغيره من مفكري الجنوب أمثال القانوني الدولي السقاف والقيادي المحامي الغريب والصحفي الكبير فاروق ناصر وآخرين أعطونا بسخاء عصارة تفكيرهم واجتهاداتهم لكننا لم نستفد مع الاسف .. فهل نستفيد من ارشيفهم ..
لحظتنا الفارقة التي انتظرناها طويلاً ساعدت كثيراً في الدفع لبروزها انعكاسات وتأثيرات الثورات العربية ومنها ثورة العربية اليمنية .. على وقع ايقاعاتها تفتح فكر القائد الجنوبي المخلص وعلى ذات الوقع تعاطئ الفكر الاخر المهادن , وعلى نفس الايقاع أستشعر الشعب الجنوبي العظيم القيمة الحقيقية لمسيرته ولذاته التواقة , كيف لا وقد كان الحراك الشعبي السلمي الجنوبي عنوان فخر لكل حر على وجه الارض ..
اليوم وفي هذا اللحظة وهي الفارقة بكل تأكيد لا بد أن نتحرك عملياً إلى الامام بشكل خلاق ومنظم دون تأخير ..
كيف ومتى وماذا ؟! .. بكل تأكيد ليست عصية هذه الاستفهامات على الاستيعاب لنجيب ..فالواقع كله ضروف مهيئة لنا ولقضيتنا.. الشعور الوطني الجنوبي جارف لدى كل شرائح المجتمع .. الإنتماء متأصل في كل تشعبات الارض واينما حل ابن الجنوب ..المعطيات المتوافره ذاتية وموضوعية على مختلف الاصعدة ذهبية.. المجتمع الدولي والعربي وكل المؤسسات اليوم أكثر إصغاء للشعوب وما تريد بغض النظر عن عُرف السياسة والمصالح .. كل هذا بلا شك كافي للثقة بما لدينا حتى ننطلق وننشط وبدون تحركنا لن يسندنا أحد ..
لسنا بحاجه أكثر من أن نعبر عن تمسكنا بقضيتنا وتبني مشروعها الوطني ومعانقة لحظتها كما ينبغي ومصافحتها بكامل ما تستحق حتى نجدد العهد والثبات والعزم للسير نحو تحقيق الهدف لإستعادة الارض وعلى ترابها الدولة والحرية والامان والمستقبل المشرق الكريم ..
لسنا بحاجة لوصف من وضعته اللحظة الفارقة في محراب غير محرابنا وفي مسجد غير مسجدنا وفي رتل غير رتلنا , أن نصفه بوصوف غير لائقة ومجرحة حتى نثبت موقفنا الرافض له وما يتمثل به من توجه وعبادة .. لسنا بحاجة لان نعيد سيناريو الصراع والمأساة والاختلاف العنيف بين الجنوبيين بمسميات واجنحة كمان كان في العهد البائد ,لأن ذلك ليس في قاموس جيل الحراك السلمي وجنوبنا القادم الجديد .. نحن في العقد الاول من القرن الـ 21 , وما نحتاجه لمبادئتنا ومواقفنا والثبات عليها مع شعبنا والإنتصار لمطالبه ليس أكثر من ان نتحرك عملياً وبفاعلية حقيقية للتعبير عن ذلك كله , بمشاركة كل المخلصين من كل الشرائح ..
حتى تبدأ خطوات العمل وأضنها قد أبتدأت.. أحب أن أخاطب القائد الرئيس علي سالم البيض بالقول .. تقدم مسيرتنا بلحظتها الفارقة بموقفك الصلب المعهود ونحن إلى جانبك .. وجهنا لخدمة الجنوب بروح العمل المؤسسي المسؤل كلاً بما هو أهلاً له وستجدنا في كل الساحات جنود مخلصين لأننا اليوم أكثر من أي وقت مضى ندرك معنى الالتزام والانضباط والثبات من أجل الوصول إلى غاياتنا .. لا يجب إن يجب أن تعكر صفو مزاجك اشاراتنا هنا أو هناك لجوانب القصور والضعف التي رافقت الرحلة ولا يجب أن تؤخذ منها قشورها ,فنحن يا سيدي وطنيين مدركين لما نحن عليه ونشاركك وغيرك مزايا وصفات الوفاء والإخلاص ولم ولن نكون إلا لهذا بكل ما أعطينا وسنعطي ..
انت القائد ونحن الجنود وهناك على الارض كل الشعب ينظر اليك بذات العين .. " نحن عصاك التي لا تعصيك " .. وفقك الله وشعبنا إلى ما فيه الخير ورضاه .. والحمد لله رب العالمين ..