برقيات عاجلة .. إلى زعماء الجنوب المحتل

[د.سالم سيف الجابري]

برقيات عاجلة
إلى زعماء الجنوب المحتل

د. سالم سيف الجابري
إن القضية الجنوبية، بعد أن سطّر الشعب أشرف وأنبل صفحات النضال الوطني الحديث يقدمها على أنقاض سقوط التجربة العربية الثانية الفاشلة لوحدة اندماجية بين شعبين في التاريخ العربي المعاصر مختلفي التوجهات السياسية والثقافية والاجتماعية، فالتجربة المصرية السورية التي كان من نتيجتها الاندماجية قيام الجمهورية العربية المتحدة لم تستمر طويلاً (1958- 1961م) وكانت الشرعية الدستورية يمسك بقيادتها الرئيس جمال عبدالناصر وهو في ذروة مجده القومي ونضاله التحرري ضد الأحلاف العسكرية الغربية للاستعمار الأمريكي الجديد وربيته الوحيدة إسرائيل، وبرغم من تعدد المؤامرات لاغتيال الحلم العربي في الوحدة والمصير المشترك إلا أن انقلاب العسكريين السوريين بقيادة مدير مكتب المشير عبدالحكيم عامر في عاصمة إقليم دولة الوحدة والاتحاد دمشق (عبدالكريم النحلاوي) قد جعل الزعيم عبدالناصر يأخذ الخيار العربي في ترك السوريين يقررون مصيرهم بأنفسهم دون فرض الوحدة الاتحادية بالقوة المسلحة وقد كان يستطيع ذلك حفاظاً على أواصر الأخوة وحتى لا تراق الدماء العربية وتقدم قرابين على مذبح حلم الوحدة العربية من المحيط إلى الخليج..
أما التجربة اليمنية في الوحدة الاندماجية (22مايو 1990م) فقد كانت ترتكز في الأساس على شحن تراكمي وعاطفي لأكثر من ربع قرن في جنوب ما بعد الاستقلال، من خلال اشتغال الكثير من الرؤى السياسية الوطنية ليمننة أجزاء الجنوب العربي في محاولة لخلق هوية موحدة تأتلف فيها مجموع السلطنات والمشيخات التي كانت حاكمة لحظتئذ، وظلت هذه المعزوفة (الميمننة) تشتغل بقوة في جميع جولات الصراع السياسي حتى أوشكت أن تكون من المسلمات المحرم الخروج عنها أو التشكيك فيها أو الاختلاف حولها، وتسعى إلى توسيع الهوة بين رفقاء النضال الجنوبيين، إذ صار الجنوب بكل ما يحمله من تنوع ثقافي واجتماعي وما يشكله من اندماج إنساني بين عناصره الفاعلة كافة أرضاً خصبة لتمرير مخططات الأجنحة الشمالية الموالية لنظام الحكم في صنعاء بعد أن وجدت في انفتاح الجنوب على تجارب العصر وحركات التحرر الوطنية والإيمان المطلق بالعروبة والوحدة الكبرى مجالاً للحركة وتحريك الجبل الجنوبي تجاه (التّبة) الشمالية التي لم يكن في يوم من أيام تاريخنا المعاصر بحاملة لمشروع التوحد أو المتمثلة لهاجسه الوطني، فالبون شاسع بين نوازع شعبي الجنوب الذي فرضت عليه اليمننة بعيد الاستقلال وشمال يمني لا خلاف على صفته التاريخية، لتصبح المفارقة التاريخية أن من لا ينتمي لليمننة حاملاً لحقيقة وأماني الانتماء لليمن، ومنتمياً لها يغزل خيوطه وحباله الشائكة لالتهام الآخر ـ أرضاً وثروة وإنسانا - هذه الحقائق لم تكن غائبة - بالتأكيد - عن قيادة العمل الوطني والسياسي في أرض الجنوب، ولكنها اتخذت منها مشجباً وسلما سهّل لكثير منها ركوبها للوصول إلى سدّة القرار وإقصاء الآخر الجنوبي رفيق درب النضال والكفاح المسلح، ونجحت اليمننة في تخدير الجنوبيين زمناً طويلاً وكلفهم ذلك كثيراً فأفقدنهم دولتهم وضيّع عليهم أرضهم ونزع منهم ثروتهم.
وإذا كنا في ظل ما يشهده الجنوب من حراك سلمي شامل لا نحبذ الدخول في دهاليز هذه التفاصيل التي أصبحت مكشوفة كوثائق ويكليكس فإن المهم في هذه اللحظة التاريخية، وبعد أن تهاوت أنظمة الاستبداد في تونس ومصر، هو أن يمسك شعب الجنوب بخياره التاريخي في استعادة دولته الوطنية، وأن يستمر في نضاله السلمي مع زيادة وتيرة حركته وضرورة الاتصال والانخراط مع بقية عناصر المجتمع الصامتة حتى اللحظة وتنشيط عناصر المقاومة والمواجهة لديها وهو ما يجب تركز عليه قناة الجنوب (عدن لايف) الفضائية عبر محاورتها للشخصيات القيادية ونشرها لشعارات وطنية ورصدها لنهب الأراضي والثروات بالأسماء والأرقام، والاستفادة من المد الثوري العربي والزخم الشبابي الذي أفرزته الثورة البوعزيزية التونسية وامتدادها الطبيعي في مصر لخلق حالة من الثقة في النفس وتعميم سيكلوجية جماعية قادرة على صنع المستحيل في وقت بدأت أركان نظام الجمهورية العربية اليمنية يتهاوى وتتعمق تناقضاته وتستفحل صراعاته (الأسقبلية) العائلية، ويبحث كل منها إلى الاستحواذ على ما تبقى من ثروة في أرض الجنوب، كما أن على الفضائية الجنوبية التركيز الشديد على ما تبقى من عناصر ديكورية جنوبية يسخرها النظام لخدمة أهدافه واستمرار بقائه، ونشر تحقيقات بمدى ما تسببت فيه من أضرار جسيمة لشعبها وأرضها في الوزارات والمحافظات والمديريات وما ذلك بصعب القيام به وفضح سلوكياتها الإجرامية بحق الوطن، هذه الأساليب وغيرها من أساليب العمل التعبوي الجماهيري يجب أن يصاحبها إعلان فك ارتباط حقيقي ومعلن على جماهير الشعب بين القيادات التاريخية – خاصة - الرئيس الأسبق علي ناصر محمد الذي مازال الشارع الجنوبي ينتظر منه قطيعة كاملة مع كل أدوات النظام من تياره السابق الذي خرج معه بعد أحداث يناير 1986م، أو في أقل التقديرات تصريحات علنية بعدم قبوله لبقائهم في جسد النظام يمدونه بعناصر البقاء والهيمنة والقمع لشعبهم الجنوبي الحر الذي تنزف دماؤه كل يوم للوصول إلى الحرية والاستقلال.
أما الرئيس حيدر أبوبكر العطاس فالمواطن الجنوبي فما ينتظره منه الشعب الجنوبي يتلخص في ضرورة تمسكه بسقف الاستقلال والانعتاق من احتلال نظام 7/7 ويرغب في رؤيته وقد نفض يده عن كل المشروعات التي تؤخر يوم الخلاص، فالشعوب في تونس ومصر قد أعلنت القطيعة الكاملة مع جلاديها فكيف بشعب سلبت أرضه وانتهكت حياته ودمرت بكل أصناف القتل والتخريب والإقصاء والنهب المبرمج.
أما الرئيس الشرعي علي سالم البيض فما عليه إلا أن يكثف حضوره الإعلامي لتحريك الشارع الجنوبي وتوجيه دفة الحشد الجماهيري وتثبيت دعائم الاستقلال ومخاطبة الأنظمة العالمية – الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا والصين وروسيا والاتحاد الأوربي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية العالمية مباشرة وعبر خطاباته المتكررة لتطبيق قرارات الشرعية الدولية في ما يخص القضية الجنوبية ودفعها دفعاً إلى اتخاذ مواقف حاسمة وواضحة أمام الشعب الجنوبي الذي لن يتراجع عن حقه في الحياة وتقرير المصير واستعادة الدولة.
ويبقى الاعتماد الحقيقي في الخروج من نير الاحتلال الشمالي لأرض الجنوب مرهوناً بمدى تماسك الجبهة الداخلية وانضوائها تحت قيادتها الميدانية الزعيم الروحي للحراك السلمي المناضل حسن أحمد باعوم ورفاقه المناضلين الأفذاذ في كل الرقعة الجنوبية الثائرة.
لقد تجلّى واضحاً أن إرادة الشعوب العربية هي التي ستحدد ملامح العقد العربي القادم، وتجلّى أكثر وضوحاً ارتباك السياسة الدولية للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط وفي القلب منها العالم العربي، وهو ما يلقي بثقله على زعماء الجنوب لاغتنام الفرصة التاريخية لوضع خيارات الشعب في سلم الأولويات لخططها المستقبلية مهما بلغت التباينات في المواقف فلن يبقى في الجنوب العربي القادم إلا صوت الشعب الذي يتردد هديره في كل شبر من أرض الجنوب..