ضلالات رئيس

[بن لقمان]

[align=center]ضلالات رئيس[/align]



[align=center]في الفيلم الرائع (عقل جميل)* يكتشف بطل الفلم .. المصاب بالفصام- الشيزوفرينيا أن الفتاة التي يشاهدها ويتعامل معها لسنوات ليست سوى ضلالات بصرية تعتبرجزء أساسي من مرض الفصام .. يكتشف البطل أنها مجرد ضلالات لأنه يلاحظ فجأة أن الفتاة مارسي لم تكبر ولم تتغير لسنوات .. ويستوعب أنها بالتالي لو كانت حقيقية لكانت قد نمت وتغيرت على مر السنين .. لا أن تظل كما هي .. بنفس الهيئة .. وتخاطبه بنفس الطريقة.


والدون كيشوت ** أيضاً .. يستمر في محاربة طواحين الهواء لفترة طويلة .. دون أن يدرك .. وربما لم يرد أن يدرك .. أنها ضلالات من صنع عقله .. ربما لأنه مريض أيضاً .. وربما يكون قد أختلقها حتى لا يواجه مشاكله الحقيقية وليهرب منها ليواجه ضلالات غير حقيقية .. أختلقها هو .. لا تتغير .. لا تنتهي .. وتبقيه مشغولاً عن مواجهة ما يجب عليه مواجهته .. ربما .. فهي مجرد رواية .. ما زالت تحقق .. بعد قرون .. مبيعات عالية.


الرئيس علي عبدالله صالح .. عندما تابعت .. كمواطن يمني بسيط .. حملته الإنتخابية .. لاحظت أنه ركز كثيراً على القضاء على الإمامة, الإنفصال, والإرهاب .. ولاحقاً بدأ يتحدث عن قنبلته الإستراتيجية .. توليد الكهرباء بالطاقة النووية .. لن أتحدث عن الطاقة النووية .. ففضيحة بهران .. وإقالته لاحقاً .. تكفي .. لن أتحدث عن نيته في محاربة الإرهاب .. لأن إدعاء هروب موقوفين .. بحفر نفق بملاعق بلاستيكية .. يكفي أيضاً.


للتذكير فقط .. تم إنهاء الحكم الإمامي في اليمن الشمالي قبل ما يقارب الخمسة عقود .. وتم تحقيق الوحدة اليمنية قبل ما يقارب العقدين .. ويردد الرئيس .. وماكنة الإعلام الرسمي .. ليلاً نهاراً .. أن الإنفصال قد أنتهى إلى الأبد .. وأن الإمامة قد ماتت .. وقد حل محلها نظام حكم .. جمهوري .. ديمقراطي .. عادل .. لكن .. يبدو أن كلمتي الإمامة والإنفصال قد فازتا بوظيفة ضلالات الرئيس علي عبدالله صالح .. دون مجهود يذكر.


قد لا تكون نهاية ضلالات الرئيس سعيدة .. كضلالات بطل فيلم عقل جميل .. وقد لا ينتهي أمره كما أنتهى أمر الدون كيشوت .. بالجنون .. فضلالات الرئيس سجلت براءة إختراع تضاف إلى أمجادنا اليمانية .. وهي أنه أستطاع أن ينفخ في ضلالاته الروح .. ليعيد لهن الحياة بعد عقود .. أصبح الإنفصال مطلب أغلبية الجنوبيين .. دون خوف .. ووصلت معاركه مع القبائل المناصرة تاريخياً للهاشميين.. إلى أبواب صنعاء.


لست أدري إذا ما كان الإنفصال .. والإمامة أيضاً .. طواحين هواء أختلقها الرئيس متعمداً .. ليهرب من طواحينه الحقيقة .. أو غير متعمداً .. أو ربما هي مخاوف حقيقة .. عانى منها الرئيس حتى استطاع من شدة تفكيره فيها أن يحيلها إلى حقيقة .. لست أدري .. ولكني أدري وكما قال الدكتور المتوكل .. أن كل ما عمله الرئيس خلال 30 عاماً .. هو أنه أخذ "يقفز بكرسيه من أزمة إلى أزمة" *** .. دون أن يحقق شيئاً ذي قيمة لليمن.


ترى .. ماذا لو ركز الرئيس وقته وجهده طيلة 30 سنة .. لتحقيق هدفين فقط .. مثلاً .. مكافحة الأمية .. ومكافحة الفساد .. أقول مثلاً .. فأعلم أن لا يمكن لرئيس دولة أن يترك كل شيء ويركز على هدفين فقط .. لكني في المقابل .. لم أرى الرئيس .. وطيلة سنوات عمري .. قد ركز على أي شيء أصلأً .. رايته مثلاً يتحدث عن مكافحة القات .. ورأيت القات يزداد إنتشاراً .. رأيته يتحدث عن التنمية .. ورأيت البلد يتراجع في مؤشرات التنمية.


لدي ضلالاتي وأوهامي أنا أيضاً .. فالناس على دين ملوكهم .. لدي وهم .. خيال .. مفاده .. ماذا لو حصلت اليمن وشعبها .. على رئيس .. طيلة السنوات الثلاثين السابقة .. له برنامج طويل المدى .. بأهداف محددة .. في المجالين الزراعي والتعليمي مثلاً .. قضى جل وقته وجهده في متابعته وتحقيقه .. برنامج يهدف فقط إلى مكافحة الأمية .. تحسين التعليم بكل مستوياته .. برنامج يهدف إلى الحفاظ على مياه الأمطار وإستصلاح الأراضي الزراعية.


ليس لدي أي وهم .. أي ضلالة .. على الإطلاق .. بأن الرئيس علي عبدالله صالح .. سيتخلى عن أوهامه وضلالاته وسيلتفت لما تبقى من عمره إلى مشكلات اليمن الحقيقية .. وسيجعلها شاغله الشاغل .. وسيراهن في طريقه إلى التعامل معها على إلتفاف شعبي .. بدلاً من إلتفاف شريحة الأوليجارك التي تهرب معه ومع كرسيه من أزمة إلى أزمة .. وتدخل اليمن ومن عليها في أزمات تمنحها وتمنحه وقود البقاء.


لدي وهم آخر .. مفاده أن الله سبحانه وتعالى سيمنح هذا البلد .. يوماً ما .. رجالاً .. سيستغلون كل ما فيه من أجله .. لن يغرقونا في ضلالاتهم .. لن يستهلكونا ويستهلكون البلد وقدراته في أوهامهم .. لن يبيعوا تاريخنا وحاضرنا وثروات الأجيال القادمة .. لدي وهم .. يقول بأنه سيكون لنا برنامج قومي .. نصب كل ما نملكه فيه .. وننتظر عند مصب النهر .. ولدي وهم آخر .. أرى فيه بلد مقسم .. تدخل دولي .. ودوامة كبيرة جداً .. لا تنتهي.



تحياتي[/align]




[align=right]* فلم مقتبس عن كتاب يحكي عن عالم الرياضايات الحاصل على جائزة نوبل جون ناش
** رواية شهيرة للأديب الاسباني سرفانتس (1605م)
*** في برنامج عن القبائل في قناة الجزيرة 2008[/align]