كانت حال اندماج ووحدة قسرية ومستعجلة ومفاجئة بلا حسابات للمستقبل
هل سيعود اليمن الجنوبي للحياة !؟
طريق الدماء و التضحيات الكبيرة التي بذلها الشعب العربي في جنوب اليمن منذ تحقيق حالة ألإندماج أو الوحدة المستعجلة و القسرية و المفاجئة التي حدثت في مايو 1990، و تمت دون إستحصال موافقة و رغبة شعب جمهورية جنوب اليمن لا تترك مجالا لأية خيارات مستقبلية سوى بالعودة السريعة لحالة ما قبل تلك التجربة التاريخية التي أثبتت الأحداث و الوقائع الميدانية فشلها التام و النهائي في ظل حالة الفشل الواضح الذي تتخبط به حكومة اليمن بشكل عام ، عودة جمهورية جنوب اليمن للحياة من جديد لا يعني أبدا إنهاء ملف الوحدة اليمنية الشاملة ، بقدر ما يعني بأن ذلك سيكون محطة توقف و إختبار جديدة من أجل دراسة النتائج الماضية و التخطيط الحقيقي لتأسيس وحدة يمنية حقيقية تكون الديمقراطية و العدالة الحقة هي معيارها الأول بعيدا عن صيغ العشائرية و العائلية و الطائفية المتخلفة التي جعلت من شعب جنوب اليمن صاحب التجربة السياسية و الإجتماعية المتقدمةبمثابة الضحية الأولى و الكبرى لتلك الوحدة القسرية التي كان واضحا منذ البداية أنها كانت تحمل بذور فشلها لعدم أخذ رأي الشعب اليمني الجنوبي بها في ظل أوضاع داخلية و إقليمية ودولية كانت حساسة و متداخلة ، تداخل فيها حلم الوحدة الوطنية الشاملة مع طموحات الفئات التي ركبت قطار الوحدة دون أن تكون مؤمنة بجدواها و طبيعتها الحقيقية بل أرادت ركوب ذلك الهدف المقدس لتحقيق تسلط قمعي و فرض قيم متخلفة لا تتناسب أبدا مع أرتفاع مستوى الوعي السياسي و الفكري و الإجتماعي في جنوب اليمن ، وخلال السنوات التسعة عشر التي مرت على تلك التجربة المتعثرة جرت مياه و دماء عديدة تحت كل الجسور ودخل اليمن في أشنع حرب شيعت الوحدة لمثواها منذ صيف عام 1994 ، صحيح أن تلك الحرب كانت قد رسمت خطوطا على الرمال اليمنية الساخنة و فرضت منطق التسلط العسكري و القمعي و أدت لإطالة أمد ذلك الإندماج القسري إلا أن القوة المفرطة وحدها لن تستطيع للأبد إسكات الأصوات الحرة و لا قمع إرادة الشعب في الجنوب الذي يعيش اليوم مرحلة تصحيح المسيرة و التاريخ و حتى الجغرافيا ، اليمن تعيش اليوم تداعيات حقيقية لفشل السلطة و نظام الحكم و إستسلامه الواضح أمام حزام الأزمات الداخلية الذي فشل في إدارة ملفاته بشكل حاسم و فعال ، فمشكلة الحوثيين في الشمال و الإنتكاسات الأمنية و فشل إتفاق الدوحة بهذا الشأن و تكرار الخروقات الأمنية التي ألهبت الأوضاع قد أدى لكارثة حقيقية على صعيد السلم الأهلي ، كما أن تخبط السلطة في إدارة الملفات الساخنة و إرتفاع أسهم التيارات الأصولية المتطرفة و محاولة تصدير تلك الأزمة للخارج و للجماعات التي تطالب بالعدالة و إقرار الحقوق و تطبيق الديمقراطية الحقيقية قد جعل من أزمة السلطة بمثابة كارثة حقيقية لبلد يحاول وداع تخلف القرون الوسطى بأسلحة بدائية و ليست فعالة أبدا ، و المطالبة الواضحة و المعلنة اليوم بإعادة الحياة لجمهورية اليمن الجنوبي ليست مجرد حلم طوباوي مستحيل التحقيق ، بل العكس هو الصحيح بالكامل ، فالظروف اليوم أكثر من مؤاتية للبدء بنشاط دولي و إقليمي من أجل فك الإرتباط القسري و العودة بالحالة الدستورية لجمهورية جنوب اليمن إلى ما قبل إندماج مايو 1990 مع تحقيق ضمانات دستورية و مبدأية بالعمل الحقيقي على تحقيق وحدة يمنية حقيقية لا تكون على النمط القسري و العائلي و العشائري بل تتخذ بعدا وطنيا شاملا ، نعتقد أن العد التنازلي لإحياء جمهورية جنوب اليمن قد بدأ فعليا ، و لن يستطيع الطغاة مقاومة رياح الحرية و الإنعتاق مهما إجتهدوا في ذلك ، فالوحدة مبدأ إنساني و أخلاقي قبل أن تكون هيمنة و تسلط و طغيان ، و العودة الجديدة المحملة بالتجارب المرة لجمهورية جنوب اليمن قد تكون الخطوة ألأولى في طريق التحديث و العصرنة في اليمن الذي كان سعيدا!!؟
منقول للكاتب : داود البصري من أوسلو