عرض مشاركة واحدة
قديم 2009-03-14, 12:59 AM   #28
بو مبارك
قلـــــم نشيـط
 
تاريخ التسجيل: 2009-02-03
المشاركات: 92
افتراضي خفايا التآمر على الجنوب الحلقة 5

ميزان القوى عشية الحرب
1. الجانب العسكري التقليدي :
كان الجيش الجنوبي في عداد الجيوش التي يحسب لها حسابها في المنطقة ، ويعتبر في نظر الخبراء أحد أقواها بسبب تركيبته الخاصة وطرق التدريب الصارمة التي اشرف عليها خبراء سوفيات وكذلك العلاقة الخاصة بين موسكو وعدن . إلا أنه تعرض لضربتين اساسيتين . الأولى في احداث عام 1986 ، عندما استنزف النزاع الداخلي جرءاً اساسياً منه ، وترتب على ذلك فرار اعداد كبيرة تقدر بعشرات الالاف من قيادته وكوادره الى الشمال ، للحاق بالرئيس المخلوع على ناصر محمد . والضربة الثانية جاءت مع الوحدة . لقد جرى نقل الألوية المحترفة داخل هذا الجيش الى الشمال وخصوصاً اللواء المدرع الثالث ولواء باصهيب . وان كان حظ الألوية التي نقلت الى الشمال انها وقعت في فك كماشة الوحدة ، فان القوات التي ظلت في الجنوب ن لم تكن في وضع افضل ، لقد تعرضت هي الاخرى للنسيان والاهمال .
وفي الوقت الذي استمر الجيش الشمالي على حاله في فترة ما قبل الوحدة ، وحافظ على بارمجه الخاصة من تدريب واعداد وتجنيد اعداد اضافية ، فأن الجيش الجنوبي توقف على هذا المستوى عند الوحدة ولم يتم الالتفات إليه على الاطلاق . وتكمن الاسباب هنا في مجموعة من المعطيات . منها أن القيادة الجنوبية سلمت قدرها بالكامل الى دولة الوحدة ، واعتبرت الجيش في عداد المؤسسات الوحدوية التي ينبغي ان تحوز على قدر من الاهتمام الذي لا بفرق بين هذه الوحدة الجنوبية وتلك الوحدة الشمالية ، دون ان تتلمس فعلياً نوايا القيادة الشمالية التي كانت تعتبر ان الجيش الموالي للحكم من القاعدة الى القمة هو الضمانة الفعلية للحكم . وعلى رغم وجود جنوبي في وزارة الدفاع انذاك ( العميد هيثم قاسم طاهر ) ، وبروز صيغتين لتوحيد القوات المسلحة ، فإن الجنوبيين على عكس الشماليين اهملوا القوات التابعة لدولة الجنوب السابقة ، ومنذ اعلان الوحدة وحتى 19 اغسطس ، لم يقم أي مسؤول جنوبي بتفقد قطعة عسكرية للإضطلاع على اوضاعها ، في حين أن الطرف الأخر كان يشتري الاسلحة من ميزانية الدولة ( ملحق – رسالة العطاس الى الرئيس صالح في شهر يناير 1994 والتي اشارت الى التجاوزات ) ، لتذهب الى القطاعات العسكرية التابعة له ، وكان يواصل برنامج التعاون العسكري مع العراق على صعيد بناء الحرس الجمهوري والأمن المركزي كقوات خارج نطاق وزارة الدفاع . وهناك وقائع دامغة حول ما آل إليه وضع المؤسسة العسكرية يمكن تلخيصها في أن جيش الشمال ظل تحت تصرف القيادة الشمالية ومثال ذلك أن "الفرقة المدرعة الأولى" التي يقودها العقيد على محسن الأحمر ، ولم يتمكن وزير الدفاع طيلة سنوات الوحدة من معرفة تعداد افرادها وبرامج تدريبها ونوعية تسليحها . في حين أن القسم الأساسي من جيش الجنوب بات مهملاً او تم كسب القسم الأكبر من كوادره وضباطه من قبل القيادة الشمالية ، بعدما أهملته القيادة الجنوبية وأدارت له الظهر . وهي تبرر ذلك على أنه سلوك وحدوي كان يستوجب وفق منطق بناء قوات مسلحة موحدة لكل دولة الوحدة ، وأن النقاش مع الشريك الآخر في الحكم يدور على هذا الاساس . وإلا أنه كانت المحصلة عشية اعتكاف البيض وجود قوات جنوبية مترهلة ومشتتة وموزعة الولاءات . ترهلت بسبب عدم وجود برامج تدريب متواصلة . تشتت بناء على اتفاقية الوحدة ، وتوزعت الولاءات داخلها لعدم متابعة اوضاعها من قبل القيادة الجنوبية . في حين ان الطرف الأخر حافظ على لياقة قواته وواصل برامج التدريب والتسليح والتجييش . وأن المرء عليه ان يكون مجنونا ليقتنع ان القوة الجنوبية قادرة على استعادة لياقتها خلال وقت قصير من الزمن .ولم يتوقف الأمر عند ذلك ، بل أن اوساط الحكم في صنعاء عملت على الاستفادة وعلى نحو كبير من الخبرات العسكرية الجنوبية وخصوصاً مايتعلق منها بجانب التسليح ، ومثال ذلك ان وزير الدفاع هيثم قاسم طاهر ، قدم من خلا ل مجلس الوزراء تصور لشراء اسلحة مناسبة للجيش اليمني ، إلا أن ذلك العرض جرى تجميده من قبل رئاسة الدولة ، لكن ذلك لم يمنع القيادة الشمالية من شراء هذه الاسلحة من خلف ظهر رئيس الوزراء ووزير الدفاع .
ان القيادة الشمالية لم توفر فرصة لاستمرار تعبئة قواتها ، ففي عز احتدام النقاش على انهاء الازمة بالطرق السلمية ومنها اقتراح حل الجيوش غير النظامية ، كانت تبحث مع دولة عربية امكانية انشاء 4 ألوية وحدات خاصة لتنضم للحرس الجمهوري والأمن المركزي ، وذلك كقوات غير نظامية ، كان يتم الصرف على تدريبها وتسليحها من ميزانية الدولة ومن المساعدات الخارجية الآتية من العراق على وجه التحديد والمتمثلة بالخبرات والأسلحة .
يضاف الى ذلك نقطة اساسية وهامة ، لعبت دوراً اساسياً خلال الحرب وتكشفت خلال الاعداد لها وهي تتمثل في الرؤية الاستراتيجية البعيدة المدى لدى القيادة الشمالية حول مسألة انتشار القوات الشمالية في الجنوب والجنوبية في الشمال بعد الوحدة ، لقد اكدت الوقائع بما لا يدع اي مجال للشك ان الخطة المقترحة انذاك من قبل الشمال كانت بمثابة تحضير لمسرح العمليات الحربية . بحيث تتموضع القوات الشمالية في مواقع جنوبية تمنع أي اتصال عسكري بين قوات الجنوب الموجودة في الجنوب . في حين تتموضع القوات الجنوبية في الشمال في مواقع تمنعها من الاتصال بالجنوب ويسها ضربها في حال الحرب دون مضاعفات .
2 / الجانب السياسي والبشري :
أ ) الشمال :
لم يشهد هذا الجزء أي الجمهورية العربية اليمنية حياة حزبية بالمعنى المتعارف عليه منذ نهاية الملكية عام1962 ، باستثناء المعارضة السرية المتمثلة بالجيوب الناصرية والبعثية والقوميين العرب . بل أن الحكومات العسكرية التي توالت عليه ، منعت تكون احزاب ذات نشاط سياسي فعلي ، ودفعت برموز القوى المشار اليها نحو الخارج فكانت عدن والقاهرة ودمشق وبغداد ، بؤر تجمع لهذه المعارضة ، وخصوصاً عدن التي استوعبت هذه المعارضة داخل اطار النظرة التقدمية للوحدة ، الى حد ان الشماليين الذين نشدوا التغيير في الشمال ، انطلاقاً من قاعدة عدن تحولوا مع الزمن الى حكام في الجنوب ، ومنهم على سبيل المثال عبدالفتاح اسماعيل ، محمد سعيد عبدالله ( محسن ) ، جار الله عمر ، يحيى الشامي ، أحمد على السلامي ، عبدالواحد المرادي ...إلخ . والى حين تولي العقيد علي عبدالله صالح الحكم في الشمال عام 1978 ، كانت الحركة السياسية تعبر عن نفسها في ثلاثة اتجاهات الأول معارض من الخارج له رصيده الشعبي في الداخل والمعبر عنه بالجبهة الوطنية التي كان من قادتها البارزين المرحوم السلطان أحمد عمر . والثاني يعمل في الصمت من داخل الحكم وخارجه هو التيار التقليدي للإخوان المسلمين ، والثالث القبائل ، وهي ممثلة بقبيلة الحكم حاشد التي ينتمي الى احد بطونها سنحان العقيد صالح ، وقبيلة بكيل الموجودة على نحو اقل في السلطة من خلال بعض الرموز . لكن عدم استقرار الحكم وتعرضه لأكثر من محاولة انقلابية ودخوله الحرب مع الجبهة الوطنية عام 1979 ، دفعه الى البحث عن قاعدة سياسية مؤطرة تتماشى مع مقتضيات المرحلة ، فكان تأسيس المؤترم الشعبي العام عام 1980 الذي طرح برنامجه السياسي ( الميثاق الوطني ) كبرنامج الحكم . وضم شرائح واسعة من التيارات السياسية من البعث الى الأخوان المسلمين والناصريين والمستقلين والعسكر والقبائل . لكن القوة الأساسية داخله هي من أبناء حاشد العسكريين ( الرئيس وأقاربه ) والقبائل ( الشيخ الأحمر وحاشيته ) ، والبعث ( العميد أبوشوارب وانصاره الذين عكس ، بعضهم من خارج حاشد واجهة متمدنة وعصرية مثل العميد يحيى المتوكل ) .
بقي المؤتر الشعبي العام الحزب الوحيد الحاكم في الشمال وليس الحاكم الى حين تحققت الوحدة ، فأقتضت الظروف ان يتحول من تيار عام الى حزب فخرج من الاخوان المسلمين والبعثيون وزعماء القبائل ، لتتشكل خارطة سياسية جديدة بمقتضى قانون الاحزاب الجديدة الذي يعترف بالتعددية الحزبية . وهنا برز الى الوجود التجمع اليمني للإصلاح كقوة رئيسية الى جانب حزب المؤتمر الشعبي العام الذي دخل في اتفاقية اقتسام السلطة من الحزب الاشتراكي بعد اعلان الوحدة .
لاشيء جديد ميز المؤتمر الشعبي العام في فترة الوحدة عنه ماقبل الوحدة ، فرئيسه ظل صالح ، بل تعززت صفوفه ببعض القيادات الاشتراكية السابقة من انصار الرئيس الجنوبي السابق على ناصر محمد والتي هي عداوة مع رفاق الأمس في الحزب الاشتراكي . وشكل ظهور الاصلاح الظاهرة الجديدة الملفتة للنظر . فهذا الحزب تكون من تحالف زعيم قبائل حاشد الشيخ الأحمر والتيار التقليدي في الاخوان المسلمين بزعامة ياسين عبدالعزيز والداعية الوهابي عبدالمجيد الزنداني أحد القادة الروحيين للمجاهدين العرب في افغانستات . ومنذ اللحظة الأولى جرى النظر الى هذا التكوين على أنه يشبه خليط مولوتوف متفجر ، وإلا ما الذي يجمع شخصية في منتهى البراغماتية مثل الشيخ الأحمر ، مع شخصية في الطرف الآخر من الطيف درجت على أصدار فتاوي التكفير مثل الزنداني ؟ ربما كان النزوع الى تسليم الحكم أو المشاركة فيه بقسط كبير تحت راية السلام .
قبل أن ندخل في تشريح مآرب كل طرف لدى الطرف الآخر لابد من الاشارة الى مسألة تظل راسخة في اذهان الأوساط السياسية في الشمال وهي أن الشمال محكوم من قبل القبيلة التي تغير ملابسها واسلحتها وفق ماتقتضيه الظروف . وهي وأن كانت ممسكة بالحكم من خلال الجيش وهو غالبيته من حاشد فإنها لم تكن لتترك الحركة السياسية تفلت منها ، لذلك اعتبر دخول الشيخ الأحمر في تحالف مع الاسلاميين بشقيهم المعتدلين الأخوان والمتطرفين الأفغان ، يرمي الى هدفين : الأول عدم السماح بنشوة حالة سياسية مستقلة في الشمال بعيداً عن قبضة حاشد . والثاني وضع الحركة الاسلامية تحت رقابة حاشد لئلا تشق العصا وتفكر بالاستيلاء على الحكم . ويضاف الى ذلك ، ان لكل من الطرفين مآربه الخاصة من هذا التحالف ، الشيخ الأحمر يوسع قاعدته للمرة الأولى على نحو سياسي خارج نطاق القبيلة ، والعكس بالنسبة للإسلاميين . وقد برزت بعد عام من الوحدة صورة الوضع في الشمال وهو يتبلور الى تحالف عسكر المؤتمر الشعبي العام والمستفيدين منه مع القبيلة المتمثلة في حاشد والحركة الاسلامية الأخوانية و الافغانية دون أي وزن يذكر للقوى السياسية الشمالية الأخرى ، إلا في أوساط الطلبة والمثقفين . يضاف الى ذلك أن هذا التحالف يجد سبده في قاعدة شعبية واسعة ، يوفرها التعداد البشري في الشمال ( 12 مليون ) والمستوى المتدني للتعليم ( نسبة الأمية قرابة 80% ) .
هناك قاسم مشترك جمع اطراف هذا التحالف منذ اليوم الأول لقيام الوحدة ، وهو أن الشمال هو المرجع والاساس والأصل ، وأن الجنو ب هو الفرع الذي عاد الى الاصل وأن الحز بالاشتراكي انتهى مع نهاية المنظومة الاشتراكية لكن لابد من مسايرته الى حين تتم عملية هضم التجربة الجنوبية وعندما ابدى الاشتراكي معارضة لهذا الفهم كانت الحرب الاعلامية وسلاح الاغتيالات قد اشهر ضده مما قاد الى رد الفعل الذي تمثل في اعتكاف البيض في 19اغسطس 1993.
ويمكن تلخيص الصورة في اوساط هذا التحالف عشية الحرب من خلال الشهادة الخاصة للرجل الأساسي فيه الشيخ الأحمر الذي أدلى بها في مقيل في يوم 25ابريل والتي سبق ان اقتطفنا منها بعض المقاطع في الحلقات السابقة :
أكد الشيخ الأحمر عزمه على خوض مواجهة مع الاشتراكي الذي وصفه بأنه كافر وملحد . وأن الفرز الذي حصل في اليمن اثبت اننا لن نستطيع التخلص من هذه الشلة الكافرة والملحدة بدون التعاون الصادق والمخلص مع المؤمنين بالله والمجاهدين في سبيله من أهل اليمن والمسلمين في مغارب الأرض ومشارقها .
ورداً على سؤال من أحد الحاضرين حول كيفية مواجهة الاتهامات التي يوجهها الحزب الاشتراكي لحزب الاصلاح بانه يسعى الى التخلص من الاشتراكي لاقامة دولة دينية على غرار السودان وايران . قال أن ما حققة الاصلاح في اليمن يفوق ما حققته البهة الاسلامية في السودان والثورة الاسلامية في ايران .
ومضى يقول وبالحرف الواحد الحمد لله أن وضعنا في اليمن افضل من وضع اخواننا في السودان ولكن مع ذلك يجب الا يصيبنا الغرور أو الخوف ، وعلينا حسم المعركة مع العلمانيين والكفار الاشتراكيين وعدم المراهنة على التكتيك الذي يتبعة الرئيس معهم .
وحدد الشيخ الأحمر تفاصيل خطته لمواجهة الاشتراكي وقال سنبدأ بحملة اعلامية في الاسبوع المقادم وسأخرج عن صمتي وسأتكلم عبر الصحف الدولية ومحطات التلفزة العربية والاجنبية .. وسأقوم بعد ذلك بالتعاون مع الشيخ الزنداني والدكتور الارياني والقبائل باعلان الجهاد ولا أخشى في ذلك من مصر وامريكا أو أي قوة على الأرض .
واعرب الأحمر عن قلقة العميق من اهداف الوساطة المصرية مشيراً الى أن مصر تريد نقل معركتها مع الاسلاميين الى اليمن وانها وجدت في الاشتراكي الناقة التي تركب عليها .. وحذر من المبالغة في امتداح الوساطة المصرية مشيراً الى أن قلوب المجاهدين المسلمين تهفوا الى اليمن للظفر بالشهادة في معارك الاسلام ضد العلمانية التي تمثلها اليوم الأزمة التي افتعلها الاشتراكي بهدف تقويض النصر العظيم الذي حققه ما وصفه بالتحالف الاسلامي من المؤتمر والاصلاح في انتخابات 27 ابريل 1993 .
وأعاد الأحمر الى الأذهان ما وصفه بالموقف المتذبذب للأخ الرئيس اثناء معركة الاستفتاء على الدستور وأنه لو صدق فيما افقنا عليه لكنا حسمنا مشاكلنا مع الاشتراكي الذي يصر على عدم الاعتراف بان الوحدة قامت انما اعادت الأمور الى نصابها بعودة الفرع الى الأصل والجزء الى الكل والأبن الضال الى أبيه الشرعي . لكن الاشتراكي ومنذ قيام الوحدة يحاول اعطاء الفرع الشارد نفس مكانة وحقوق الأصل الثابت وهو ما لانرضاه ولن نقبله .))
ب ) الجنوب :
اختلف الوضع في الجنوب عنه في الشمال على صعيد وجود حياة حزبية وتنظيمات نقابية ، وذلك يعود الى طبيعة باناء الجنوب الذين ساعدتهم ظروف مقارعة الاستعمار البريطاني والتجارة مع الخارج عبر مينائي عدن وحضرموت على اطلالة انفتاح لم يتميز بها الانسان البدائي الشمالي الذي اعتاد حياة الغزو والرعي والزراعة البدائية . وبالتالي فإن مقومات الحياة السياسية في الجنوب تعود الى مطلع القرن . لكن البارز منها ما تكون خلال مرحلة الكفاح ضد بريطانيا وتمثل على نحو سياسي بثلاث قوى اساسية الجبهة القومية وغالبيتهم من ابناء الحجرية ذات الانتماءات الشمالية ، جبهة التحرير ، رابطة أبناء الجنوب العربي . وقد تسلمت الجبهة القومية الحكم من بريطانيا وسرعان من أقصت الحركتين الأخريين ، وتحولت بعد ذلك عام 1978 الى الحزب الاشتراكي الذي خاض صراعات متوالية ،كان آخرها الصراع الدموي في 13 يناير 1986 .
وجه ذلك الصراع ضربة كبيرة للحزبالاشتراكي إذ غيب جزاءاً هاماً من قيادته التاريخية وكوادره الانسانية ، أما الذين نجو من الموت فانقسموا الى فريقين ، فريق خرج مع علي ناصر محمد الى صنعاء وبعض العواصم العربية ، والفريق الثاني بقي في الحكم بقيادة علي سالم البيض . لقد حاول البيض خلال السنوات الأربع السابقة للوحدة أن يغلق قدر الامكان ملف احداث يناير وتحقيق مصالحة وطنية ، وقد نجح الى حد كبير ، مما ساعدع على السير نحو الوحدة بخطوات ثابتة ، إلا أن الشق الآخر من الملف والذي انتقل الى صنعاء مايزال مفتوحاً ، حيث انضم العديد من كوادر الحزب الى المؤتمر الشعبي العام ، وظلوا يتحينون الفرص للثأر من رفاق الأمس ، وقد استغل صالح هذه الورقة جيداً ، من خلال فترة الوحدة وعشية الحرب وخلال الحرب . فهذه الكوادر العسكرية والمدنية التي ظلت محسوبة من الناحية النظرية على الرئيس علي ناصر ، أبلت بلاءً حسناً في تصفية الحسابات مع رفاق الأمس ،من خلال شق الجبهة الداخلية الجنوبية . من دون شك أن احدى حسابات البيض لدى اعلانه الاعتكاف الثاني في 19 اغسطس 1993 ، كانت استناده على الحيثية الجنوبية التي عبرت عنها الانتخابات التشريعية في 27ابريل 1993 ، عندما صوت الجنوب بالكامل لمرشحي الحزب الاشتراكي . وهو انطلاقاً من هذه النظرة ، وعندما رأى نذر الحرب تلوح في الأفق حاول أن يستكمل مسألة بناء الجبهة الداخلية في اتجاهين : الأول الإغلاق النهائي لملف احداث يناير . الثاني دعوة المعارضة الجنوبية الموجودة في الخارج للعودة الى الجنوب للإسهام في الحياة السياسية وتحقيق مصالحة جنوبية شاملة . ورغم الانجازات الملموسة على هذين الصعيدين ، فإن المحصلة النهائية لم تكن كبيرة . فمن جهة كان الوقت متأخرا ، ومن جهة أخرى لم تساعد الآلة الحزبية الأمين العام على تحقيق هذا الطموح الكبير .
لقد بدأ الحزب الاشتراكي عشية الحرب مجموعة من الجزر المتناثرة هنا وهناك والتي يغني كل منها على ليلاه . ففي الوقت الذي بدأت فيه الحرب تطرق الأبواب ونيرانها تشتغل في بداية السهل ، وكانت قيادات اشتراكية بارزة منصرفة الى حسابات صغيرة أو غارقة في وهم امكانية العودة الى ماقبل 19اغسطس من خلال ايجاد مخارج للوثيقة . الى حد أن البيض أدرك في تلك الآونة أن الأولوية في اصلاح وضع الحزب كما قاله لي في آخر لقاء خاص جمعنا به في منزله بالمعاشيق مساء 23 ابريل . فهو كان مدركاً خطورة انكماش آلية الحزب وخضوع جزء كبير من قيادته للحزب النفسية التي يشنها دعاة الحرب باسم الوحدة . إلا أنه في تقديري الشخصي ، لم يكن ليتصور أن حجم الخلل كان سيصل للذي وصل إليه عندما انسحب العديد من اعضاء المكتب السياسي للحزب من شماليين قبل كل شيء ، وعن ساحة المواجهة .والمؤلم في الأمر بالنسبة له ، سيكون بالتأكيد لدى اندلاع الحرب ، ليس خطأ هؤلاء القادة في تقدير وقوع الحرب وابعادها ومراميها ، بل اعتبار أن هذه الحرب ستقع بسبب خطأ الحزب الاشتراكي في التكتيك ( وجهة نظر جار الله عمر التي قدمها للمكتب السياسي للحزب صباح 27 ابريل . وقا بنشرها كاملة في نهاية الحرب ، كنوع من براءة الذمة ) بل أن البعض الأخر اعتبرها سوف تنقذ الوحدة من النزعة الانفصالية لدى البيض والعطاس والسييلي على وجه التحديد . وبرز في هذه الآونة ، من يطالب بضرورة التضحية بكل من السييلي والعطاس ، كرموز تحرض على الانفصال .
لقد كانت عدن عشية الحرب منقسمة على نحو كبير ، وكانت الشائعات تزكم الأنوف حول الصراع الداخلي في الاشتراكي بين وحدويين وانفصاليين بين جنوبيين وشماليين وقد ساهمت مسألتان في تحويل هذا الجو الى حقائق نفسية ثابتة لدى المواطن العادي . الأولى الاستغلال الذكي لإعلام الاطراف الشمالية في الحكم . الثاني الطابور الخامس وهو شمالي من الذين عاشوا في عدن تاريخياً واكتشفوا هويتهم الشمالية خلال الوحدة ، وباتوا يخشون من نزعة جنوبية تجردهم من مكاسبهم في الجنوب .
أما الجبهة الشمالية التي كانت متماكسة خلف القبيلة - الأصولية – العسكر ، بدت الجبهة الجنوبية منقسمة ومهترئة وقابلة لشتى الاحتمالات . يضاف الى ذلك أن المواجهة دارت في صورة غير متكافئة بين جنوب يبلغ تعداد سكانه 2 مليون وشمال يتجاوز 12 مليون نسمة .
بو مبارك غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس