نتائج عكسية لثورة على أزمات اجتماعية في اليمن
صنعاء - علي سالم
الخميس 9 أغسطس 2012
تشهد الطبقة المخملية في اليمن حركة هدايا متبادلة يرى بعضهم فيها استفزازاً لكرامة الانسان في بلد يواجه حوالى نصف سكانه أزمة حادة في الغذاء، بخاصة بعد أن أفضت الاحتجاجات الشعبية إلى إعادة النخب السياسية التقليدية التي اعتادت الجلوس إلى طاولة تقاسم السلطة والثروة... وخلو الساحة من أي معارضة.
ومنذ تشكيل حكومة موقتة جمعت بين حزب الرئيس السابق والمعارضة، تصاعدت وتيرة الفساد واتسعت دائرة شبكات المصالح، وبدلاً من أن يشكّل شهر رمضان مناسبة للتقشّف في الانفاق الحكومي واتخاذ إجراءات عاجلة للحدّ من مشكلة تفاقم الجوع، يبدو رمضان هذا العام مناسبة لمزيد من الترف الحكومي والفساد.
ويقول موظف حكومي ساخراً من حركة الهدايا التي تشهدها جهة عمله ويجري تبادلها ما بين المسؤولين انفسهم وتُشترى من المال العام: «هكذا تستقبل جمهورية الموز شهر الصوم». وتكشف مصادر مطلعة دخول شركات أجنبية ومحلية عاملة في مجال النفط على خط الهدايا الرمضانية التي تقدر قيمتها بملايين الريالات.
ويعتمد الاقتصاد اليمني بشكل كلي على النفط الذي يشكّل حوالى ثلث إجمالي الناتج المحلي، و75 في المئة تقريباً من الإيرادات الحكومية، و90 في المئة من الصادرات.
ويصنّف اليمن بحسب أدبيات الفساد ضمن نمط الدولة «المغولية» حيث تتنافس النخب المفترسة للانقضاض على مصادر البلاد للكسب الخاص بينما يكمن التزامها الوحيد، مقابل هذه المصالح، في توفير هدوء سياسي بين جماعاتها المعنية. وعلى رغم الهدوء السياسي النسبي منذ انتخاب الرئيس التوافقي، إلاّ أن قطاع العمل لم يشهد أي تحسن وكانت النشاطات الاقتصادية تراجعت، منذ اندلاع الاحتجاجات مطلع العام الماضي بحوالى 50 في المئة.
وأصبح قطاع النفط وبعض الشركات الحكومية أقرب إلى الملكية العائلية، إذ باتت الشركات النفطية أمينة لتوظيف أقارب المسؤولين وأبنائهم وبعضهم لم ينه دراسته الجامعية. وكانت تقارير منشورة كشفت ذهاب المنح الدراسية المقدّمة من شركات النفط لمصلحة أبناء كبار المسؤولين وذويهم. ومنذ تشكيل حكومة وفاق وطني وفقاً لاتفاق سياسي اقترحته دول الخليج ورعته الامم المتحدة واميركا والاتحاد الاوروبي، تشهد المؤسسات الحكومية عمليات توظيف على أسس حزبية ومناطقية ومذهبية، بالتوازي مع صرف مكافآت مالية للموالين ورحلات سفر.
وعلى رغم سقوط مئات القتلى من المتظاهرين المطالبين بالتغيير أتت النتائج لمصلحة القوى التقليدية التي بقيت على مدى نصف قرن تتصارع على السلطة والثروة وتشكّل عائقاً أمام التحوّل الديموقراطي، وتتكوّن من زعماء قبائل وقادة عسكريين وسياسيين من ايديولوجيات باتت تؤلّف طبقة برجوازية متطفّلة تعتمد على تسخير الموارد العامة للمصلحة الشخصية. ويبدو الهدوء السياسي النسبي مشروطاً باستمرار فساد هذه النخب في وقت لم يعد للفقراء صوت أو قناة تنقل همومهم، ولو من باب المناكفة على غرار ما كان يحصل خلال السنوات القليلة الماضية. وعلى العكس من ذلك باتت المرحلة الانتقالية المحدّدة وفقاً للمبادرة الخليجية بسنتين بمثابة موسم عسل تُمارس فيه هذه النخب فسادها بكل طمأنينة الأمر الذي يُنذر بنتائج كارثية ربما فاقت نتائج تقاسم السلطة الذي شهدته البلاد عقب قيام الوحدة عام 1990 والذي أفضى حينها إلى اندلاع حرب أهلية.
ولعلّ في استقالة وزير التعليم العالي يحيى الشعيبي أخيراً مؤشراً إلى حجم الفساد الحاصل، فعلى رغم أنه يُعتبر من الشخصيات النزيهة إلاّ أنه لم يستقل من منصبه الاّ بعد احتجاجات شهدتها وزارته وتسريب وثائق تؤكد ضلوعه في توظيف أقارب له وصرف منح دراسية.
ومع تناقص الموارد وارتفاع نسبة الذين يعيشون على أقل من دولارين في اليوم إلى أكثر من 50 في المئة من إجمالي السكان البالغ عددهم 23 مليون نسمة. بات الأمن الغذائي والاجتماعي في خطر، وتنتشر في العاصمة صنعاء والمدن اليمنية عصابات مسلحة تمارس السرقة والسلب، فيما تواصل جماعات قبلية تفجير أنابيب النفط للحصول على مكاسب من الدولة تصل إلى ملايين الريالات، مقابل تأمين «الحماية» لهذه الانابيب.
وكانت إجراءات اتخذها الرئيس التوافقي، ومنها التمديد للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد واستمرار صرف المخصصات المالية لشيوخ قبائل والمقدرة بحوالى 3 بلايين ريال سنوياً عزّزت لدى الكثيرين الانطباع بأن لا شيء تغير!
http://alhayat.com/Details/425061