الشهيد صالح طالب اليافعي الأب المثالي والقائد السياسي والعسكري (الحلقة الأخيرة)
الالتحاق في السلك العسكري:
كانت رغبة الشهيد قبل الالتحاق في السلك العسكري أن يدرس الطب وهو ما دفعه للاستقالة من عمله ممرضاً والتفرغ الكامل لدراسة الصف الثالث ثانوي لغرض كسب معدل يؤهله للقبول في كلية الطب وفعلاً تحقق المعدل المطلوب لكن رغبة الشهيد قدتغيرت واتجه نحو السلك العسكري في عام 1975م بعد أن تم اختياره ضابط أمن في منطقته (أمن الدولة سابقاً) (الأمن السياسي حالياً) بعد أن تحصل على الدورات التخصصية في مجال عمله الجديد وأصبح رجل أمن من الطراز الأول حسب إشادة زملائه فيالعمل من بينهم زميله العميد علوي حيدره المحرمي، إلا أن طموح الشهيد لم يتوقف عند هذا الحد بل كان يعمل باستمرار على رفع كفاءاته العملية ومستواه التعليمي فدفعه ذلك الطموح للالتحاق في الدراسة الجامعية .
واستمر في امن الدولة برصد حتى تمت الموافقة له على مواصلة دراسته الجامعية فتمكن في سنه 1980م من الالتحاء بكليةالاقتصاد و العلوم الادارية بجامعة عدن التي منحتة في سنة 1984م شهادة البكلاريوس في الاقتصاد و العلوم الادارية (تخصص اقتصاد) وفي العام نفسه ترقى إلى رتبة ملازم كأول كاستحقاق يحصل عليه كل من يحمل هذه الشهادة وفقاً للقوانين النافذة في المؤسسات العسكرية والأمنية آنذاك .. بعدها واصل العمل في وزارة امن الدولة بعدن , في القسم الاقتصادي حتى سنة 1994م.كما عُيّن للعمل في وزارة أمن الدولة مسؤولاً عن المشاريع اليمنية السوفيتية بالدائرة الاقتصادية وظل يعمل في هذا الموقع حتى عام 1994م ليتم إقصائه مثله مثل غيره من أبناء الجنوب وكوادره من مختلف التخصصات الذين أُقصوا من وظائفهم وصارت غنيمةً من غنائم الحرب اللعينة0
وبعد حرب صيف 94م اوقف عن العمل و تم قطع مرتبه حتى تم اعادته سنة 1997 م الى الجهاز المركزي للامن السياسي ,فرع الجوف , وفي 11/8 من السنة نفسها عين رئيسا لقسم التوجيه السياسي بالجهاز فرع الجوف برتبة رائد , و استمر بذلك حتى تم تعيينه في 21/2/99م بالادارة العامة لجهاز الامن السياسي رئيس لقسم التوجيه السياسي في الادارة العامة الرابعة والثلاثين.
واستمر في الادارة العامة حتى ترقى الى رتبة عقيد , بعدها احيل الى التقاعد قسرا سنة 2002م وبالرتبة نفسها.
توديع حالة العزوبية والاستقرار الأسري:
في عام 1979م ودع الشهيد حالة العزوبية بعد مدةٍ طويلةٍ من الكد والكفاح ومتاعب الدراسة والترحال بين أعمال ووظائف مختلفة لم يتحقق له في أي منها وضع معيشي مستقر غير أن الراحة والاستقرار تحققا مع مجيء الأولاد (فلذات الأكباد) فقد رزقه الله بخمسة أولاد وثلاث بنات وقد أحسن تنشئتهم وأجاد تربيتهم وتفوق على نفسه في تعليمهم فصار يشار إليهم بالبنان بحسن الخلق والآداب والسجايا الحسنة المتعددة وأما التعليم فقد تفوق جميعهم على أقرانهم في مختلف مراحل التعليم فصار علي طبيب أسنان (جامعة حلب/سوريا) ومانع مهندسا (كهرباء وحاسوب في الجامعة الهاشمية في الأردن) ومحمد في السنة الثالثة طب أسنان في الجامعه الاردنيه في الأردن أيضاً، ويافع في السنةالثانية كلية الطب جامعة عدن (صيدلة)0
إن ما دفعنا لذكر هذه التفاصيل هو أن نجعل القارئ يقف على قدرات الشهيد الإبداعية في التعليم والتربية والحكمة فقد كان الأب والمعلم والمربي والأخ والصديق لأبنائه وهذه المميزات لعمري قلما تجتمع في شخص واحد واستطاع أن يوصل أولاده إلى أعلى المستويات في التخصصات الأكثر تعقيداً كالطب والهندسة
نشاطات اجتماعية وسياسية متعددة:
وكان للشهيد نشاطات سياسية واجتماعية متعددة يمكننا أن نمر بعجالة على أهمها لنعطي القارئ صورة عن شخصية الشهيدالمكافح، فقد ذكرنا عدداً من إسهامات الشهيد خارج العمل الوظيفي ويمكننا هنا أن نشير إلى بعض الإسهامات في النشاطات الاجتماعية والسياسية على النحو الآتي:
في عام 1992م كان الشهيد أحد مؤسسي الجمعية الزراعية متعددة الأغراض بمحافظة عدن بئر أحمد باسم جمعية الوطن ((ثابت عبد سابقاً)) وانتخبه أعضاء الجمعية رئيساً لها0 وظل في هذا الموقع منذ التأسيس إلى يوم استشهاده0
وعند إنشاء الاتحاد التعاوني الزراعي كان أحد المؤسسين وعضواً قيادياً في الهيئة الإدارية للاتحاد الذي يضم 27 جمعية تعاونية زراعية أما في الحقل السياسي فقد تناول كثير من المشاركين في مواضيع هذا الكتاب نشاطات الشهيد السياسية ،غير أن السنوات الثلاث الأخيرة من عمل الحراك الجنوبي تحتاج إلى بعض الإيضاح0
فقد كان الشهيد إحدى الشخصيات التي تبنت الدعوة للتصالح و التسامح الجنوبي وعقدت اجتماعها التاريخي في مقر جمعية ردفان الاجتماعية الخيرية بعدن بتاريخ 13يناير2006م وتلاها سلسلة من المؤتمرات والمهرجانات الجماهيرية الحاشدة التيشملت كل المحافظات الجنوبية وكان للشهيد حضور فاعل في أغلب هذه الفعاليات وهذا يعد من أعظم الأعمال السياسيةوالإنسانية الرائعة والتي شكلت الأساس الصلب لانطلاق ثورة الجنوب السلمية وصار شهيداً في إحدى فعالياتها السلمية حيث قدم روحه ثمناً لقناعات وطنية راسخة تكونت لديه مبكراً فاحتل مكانةً رفيعةً في قلوب كل المناضلين الشرفاء من أبناء هذا الجنوب ورسم اسمه في سجل الخالدين، وكان الشهيد قيادياً بارزاً متمرساً من قيادات الحراك الجنوبي القوية وأهم ما يميزه عن غيره أنه كان مستقلاً لم ينتمي إلى أي من مكونات الحراك السلمي بل كان له حضور مستمر في اجتماعات ونشاطات كل المكونات وهو مامكنه من طرح آراء واضحة ومسموعة وانتقادات بناءه نظراً لتحرره من التزامات الأعضاء في مكوناتهم مع أنه كان قبل ذلك ينتمي إلى الحزب الاشتراكي وعضو لجنة مديرية فيه إلا أنه ومنذ مدة طويلة قد انقطع عن ذلك الالتزام ووجه كل نشاطه نحوالحراك وقضاياه مثله مثل كثيرين من أعضاء حزبه الذين صار الجنوب حزبهم، وكم نحن بحاجة إلى أن يقتدي بهم أولئك الذين مازالوا متأثرين بأفكار الأيديولوجيا التي أصبحت في ذمة التاريخ، إننا نوجه الدعوة إلى أولئك المتمسكين ببرامج الأحزاب العتيقةأن يتحرروا منها ويضعوا تحرير الجنوب واستعادة دولته برنامجاً لأحزابهم لإنقاذها من حالة الشيخوخة والموت المؤكد، وهم قادرين على ذلك بالتأكيد لكنهم وربما قد لا
يدركون الفرصة التاريخية السانحة أمامهم وأخيراً فإن ما تقدم لم يشمل تفاصيل سيرة حياة الشهيد كاملة لاسيما في مجال النشاط السياسي وإنما تم الاكتفاء بما يمكّن القارئ من التعرف على شخصية الشهيد والاقتداء به في الكفاح والتضحية من أجل الوطن الغالي والخالد إلى أبد الآبدين0