عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-05-05, 11:09 AM   #72
حيد حديد
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2009-12-06
المشاركات: 13,431
افتراضي

مواقف مضيئة من حياة الشهيد البطل شهيد ملحمة تحرير جبل العر :

عادل حسين صالح بن مسعد الصلاحي

تحرير : محمد الزعوري / عبد الرب الحدي


ولد الشهيد عادل حسين صالح بن مسعد الصلاحي في قرية ( السحلة ) منطقة ( آل بن صلاح ) بمديرية ( لبعوس ) يافع في يوم الخميس الموافق30/ 12/ 1979م .. تربى هناك بين جبالها وصخورها ومناظرها الخلابة ، وتمر السنوات فيتصلب عوده ، ويقوى ساعده ، وتتفتح مداركه على الحياة ، ولم يكد يتعرف على وقعها المتصادم في ضل دولة الجنوب ( ج ، ي ، د ، ش ) حتى أدخلت البلاد والعباد بجرة قلم غبية في وحدة أسموها ( الوحدة اليمنية ) مع عضو غريب وعجيب.. فتبددت الملامح ، وغابت التفاصيل التي يعرفها ، وأصبح المكان غير المكان .. فهو واحد من جيل كامل مضت معظم سنوات عمره الأولى تحت راية جديدة اقتحمت سارية الجنوب بصورة فجة في يوم نحس تاريخه 22مايو 1990م .. فصارت تلك الراية نشازا مشوهاً الوجه الأسطوري المتميز لمدينة ( لبعوس ) التاريخية .. لم يكن الشهيد ( عادل حسين ) حينها يدرك معنى ذلك .. ولا فحوى وجودها هناك عدا انه راءا قومه يومها ينتزعون علم وطنه الذي أحبه كثيرا ليضعوه جانبا ويستبدلوه بذلك الشر القادم من المجهول.. فهاله ما يجري .. فهذا العلم وقف تحت ظلاله أربع سنوات في مدرسة ( الشهيد بدر الابتدائية ) وكانت أياما قد حفرت بذاكرته البعيدة بكل تفاصيلها ولن تمحها المتغيرات مهما بلغت .. فقد عرف الشهيد نفسه تلميذاً يردد النشيد تحت خفقانه .. ويقدم التحية له كل صباح .. نعم رآهم يستبدلوه في لحطة درامية بائسة لم يستوعبها .. فآلمه كثيرا ودمعت عيناه .. وهو يرى تلك الألوان المقززة وقد علت أسطح المباني والمرافق الحكومية .. فكان يتساءل مع أقرانه ما الذي يدور ؟! غير انه أيقن فيما بعد إن شيء ما يحدث .. وان فصلا جديدا بدأ للتو تحددت ملامحه بتلك الألوان الثلاثة المتنافرة فوق سارية المدرسة .. فلم يعد يعني له النشيد شيئا بعد ذلك.. ولم يعد لتحية العلم وقعاً مؤثراً في نفسه كما كان .. وصار ذاك الذي نصبوه فوق رؤوسهم عبئا ثقيلا يؤرقه ، وشيئاً غريبا في المكان ليس إلا .

أكمل الشهيد المرحلة الابتدائية بكل ما حملته من أحلام وتطلعات الطفولة ، وأخذته قافلة الحياة معها بلا توقف ، فيندمج مع أحداثها حد التماهي ، وبينما هو يستعد للانتقال للمرحلة القادمة .. عصفت بالوطن رياح هوجاء تقتلع المراسي ، ودخل الوطن نفق الضياع الأكيد.. فبدأت ملامح الصورة المشوهة تتضح لديه.. فما كان يحمله ( الشهيد عادل ) هاجسا طفوليا في نفسه بدأ واقعا جديدا على الأرض يلمسه ، ويدرك مغزاه ، فهاهي الألوان الثلاثة يتدثر بها الغزاة ليشنوا حربا ضروسا تستبيح كل شي ، الأرض ، والعرض ، والإنسان والهوية .. وكان رغم خبرته القصيرة شاهدا على آخر فصولها الدامية في 7/7/1994م ، يوم احتلال الجنوب .. وفي هذا الوضع المشحون بالقهر والضيم وصراع القيم انتقل الطالب ( عادل حسين ) إلى ثانوية ( الشهيد عبدالرحمن قحطان ) لبعوس ليكمل ما تبقى من سنوات الدراسة المتبقية ليجد نفسه وزملاؤه في ساحة حرب جديدة اشد فتكا وضراوة من حروب الجبهات العسكرية التي شهدها ، كان سلاحها المناهج التي حَرفتْ التاريخ ، وبدلتْ الأحداث ، وشوهت الحقائق ، وجعلت من الجنوب وأهلهِ هدفا لأسوء حربٍ فكرية عرفها الإنسان ضد شعب الجنوب المستباح ، في محاولة حثيثة لاقتلاعه من جذوره ، وطمس هويته ، بتدمير جيل كامل نشأ في ضل الاحتلال أسموه ( بجيل الوحدة ) فكان رغم أنوفهم جيل الجنوب بلا منازع .

كانت الدراسة هم الشهيد الأول مركزا على ما هو نافع منها ، تاركا خلف ظهره سياسة المحتل الممنهجة الذي حاول بها ترسيخ وجوده وهيمنته على الجنوب ، من خلال إفساد العقول بتحريف التاريخ وتشويه الحقائق .. ولكن كان هما آخر يورقه أيضا .. خاصة بعد وفاة والده فلم يجد من سبيل غير التضحية بمستقبله التعليمي ليرعى مستقبل إخوته السبعة الذين كانوا بحاجة إليه لأنه أكبرهم ، فكان لهم أخا وأبا حنونا يسهر على راحتهم ، ويعمل مكافحا ومجتهدا لتوفير لقمة العيش الكريمة لهم ، في زمن صار المواطن الجنوبي غريبا فوق أرضه وبين أهله .. وبالإرادة وحدها التي عرف بها الشهيد استطاع أن يجمع بين العمل بمهنة البناء التي يتميز بهاء أهل ( بن صلاح ) وبين التعليم الثانوي حتى أكمل سنواتها الثلاث بنجاح ليتوقف بعدها عن الدراسة لان ظروفا قاسية فعلت فعلها بحياة هذه الأسرة الكريمة جعلت منه بطلها الوحيد ليخلصها مما هي فيه ، فكان نِعمَ الابن فلم يخذلها ، وعمل بكل طاقته مؤسسا لها حياة آمنة وكريمة …

الشهيد متزوج ولديه من الأبناء خمسة ، ثلاثة بنين وهم : (حسين سبع سنوات ) و ( ياسر ثلاث سنوات ) و ( يعقوب الأصغر سناً وعمره عام واحد ) وله بنتين الكبيرة ( مريم ثمان سنوات ) والصغرى (مرام وعمرها خمس سنوات ) . وهو نفس عدد الأبناء لشهيدي تحرير العر الآخرين الشهيد البطل ( ناصر هرهره ) والشهيد البطل ( عبدالسلام التركي )

تميز الشهيد بحسن أخلاقه بين الجميع ، ويتمتع بصفات الرجل الأصيل المحب للخير ومساعدة الآخرين . هذه الصفات التي تربى عليها الشهيد عمل جاهدا على تنشئة أخوته عليها ، ولان حياة لن يرضى بها الشهيد وهو يرى خيرات وطنه تنهب من قبل لصوص الاحتلال وقادته .. ويرى القصور والفلل تتكاثر كالفطر ليسكنها أبناء العسكر ومشائخ القبائل اليمنية التي تحتل بلده .. بينما هو وشعبه يعيشون حياة الكفاف وبحار النفط تسحب من تحت أقدامهم يتقاسم موارده الحمر والغبر وكل ألوان الطيف القادمة من اليمن ، وفوق هذا وذاك عدوان سافر ومجازر يندا لها الجبين لكل ما هو جنوبي .. كل ذلك عزز من إيمانه بعدالة قضية شعبهِ ، فكان واحداً من أبطال الرفض العارم الذي اجتاح الجنوب منذ انطلاقة الثورة الجنوبية ، وكان الشهيد البطل من أوائل المنخرطين في النضال السلمي الجنوبي ، مناضلا من اجل استعادة الدولة المحتلة وتطهيرها من دنس الاحتلال البغيض .. فلم يتوانى أن يهجر عمله ويضحي بمصالحه ومهنته وقوته ليشارك أبناء شعبه ثورتهم ، فالكرامة والحرية للشعب الجنوبي كان همه الأول ، ورغبة جامحة تتملكه لن يوقفها إلا الشهادة .. فكان متفاعلا مشاركا باستمرار في فعاليات الحراك الجنوبي في كل المحافل والميادين .. لما تعنيه له هذه القضية ولموقعها الرئيس في اهتماماته .

لم يكن للشهيد أي انتماء حزبي ، فهو يرى إن الحزبية لا تخدم إلا سلطة الاحتلال ، وكان دائما يردد ويقول للشباب : ( فليكن حزبنا هو الجنوب والحراك الجنوبي ) .. ولان قيما نبيلة وسامية تربى عليها الشهيد وحملها طوال سني عمره .. ولأنه تشرب سجاياه وصفاته من جبال يافع الشامخة الأبية الرافضة كأهلها لحياة الذل والانكسار عبر التاريخ ، خرج مع الشرفاء مجسداً ذلك حقيقة في واقع الكفاح والنضال ملبيا نداء الواجب لخدمة قضيته ومنطقته ، فكان في الصفوف الأولى لمواجهة الاعتداء الغاشم البربري لقوات الحرس الجمهوري المتمركزة في ( جبل العر اليافعي ) ، منذ اليوم الأول للملحمة ، وطوال إثني عشر يوماً هي مدة المواجهات لم يتغيب الشهيد ساعة واحدة عن الجبهة حتى آخر أيام فصولها فقد قال لمحبيه قبل معركة العر : ( لن أعود إليكم إلا منتصرا أو شهيد ) وكان يعني ما يقول تماما ، فقد كان واحدا من الصناديد الذين جعلوا من أجسادهم حائطا بشريا لصد الهجوم الذي نفذته قوات الاحتلال اليمني مساء الأحد 1/5/2011م ضد أبناء يافع بحرب غير متكافئة أستخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والخفيفة وقصف الطائرات الحربية منطلقة من معسكر العر المتمركزة فيه منذ غزو الجنوب ، وفي الساعة الرابعة فجرا انطلقت قذائف الحقد والدمار ضد متارس الثوار فلقي الشهيد مصرعه بقذيفة مدفعية اخترقت ظهره وهو يحمي أهله ورفاقه من وحشية المحتل القبلي المتخلف ، لينظم إلى قافلة الشهداء الأبرار شهداء الثورة الجنوبية السلمية المباركة فجر يوم الأثنين الموافق 2/5/ 2011م وهو يوم تحرير جبل العر ورحيل المحتلين .

وفي اليوم التالي الثلاثاء 3/5/2011م شيع جثمان الشهيد بموكب جنائزي مهيب ، شارك فيه الآلاف من أبناء يافع والجنوب ، وحضره كل قيادات الحراك في يافع وبمشاركة قيادة محافظة لحج برئاسة الدكتور ناصر الخبجي ، وكل شيوخ يافع وحشد كبير من أبناء ردفان والصبيحة والضالع وأبين ، حيث انطلق موكب التشييع من مستشفى اكتوبر حتى مسقط رأس الشهيد بقرية آل بن صلاح بيافع .

ألف رحمة تغشاكم أيها الشهداء الأبطال وخيرة الرجال وأكرمهم ، فقد طهرتم بدمائكم الزكية صخور جبل العر من دنس المحتلين ورويتم بدمائكم ارض الجنوب الطاهرة ، وبفضل تضحياتكم أصبحنا اليوم نشعر بمعنى العزة الكرامة مرفوعي الرؤوس عالياً على طريق تحرير الجنوب من باب المندب غربا إلى حدود عمان شرقا إنشاء الله .

لكم الخلود في جنة الفردوس مع الأنبياء والصديقين والشهداء ، ولأهلكم الصبر والسلوان (إنا لله وإنا إليه راجعون ).

حيد حديد غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس