عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-04-21, 09:20 AM   #27
الفارس النبيل
مشــرف عـــام
 
تاريخ التسجيل: 2008-11-18
المشاركات: 10,014
افتراضي

أنصار الشريعة.. هكذا سيطروا على أبين وهكذا حكموها (الأخيرة).

18/04/2012 07:36:40



عبد الرزاق الجمل

* في أبين أشياء أخرى غير الحرب
لا يعرف اليمنيون عن محافظة أبين خلال عام مضى سوى أنها محافظة قتال دائم بين قوات الجيش وجماعة مسلحة يعتقدون أنها تتبع الرئيس السابق علي عبد الله صالح أو مدعومة منه.
ورغم أن هذا هو كل ما يعرفونه عن محافظة أبين، إلا أنه ـ للأسف ـ غير صحيح، ومن هنا يمكن القول إن معظم اليمنيين لا يعرفون شيئا عن المحافظة وعما يجري فيها، رغم أنهم لا ينفكون يشفقون عليها وعلى سكانها.
وكنت أحد المشفقين على محافظة أبين خلال الثورة، قبل أن أشفق حقا على باقي المحافظات اليمنية الأخرى بعد زيارتي لمحافظة أبين، التي بدت أكثر أمنا من كل المحافظات التي زرتها وكذا الأخرى التي مررت بها أثناء زيارتي لأبين.
* رقعة المعارك
بعد أن أحكم أنصار الشريعة قبضتهم على معظم مناطق محافظة أبين، انحصر القتال بينهم وبين قوات الجيش في أطراف مدينة زنجبار عاصمة المحافظة، ومدينة زنجبار تقع في أطراف محافظة أبين من جهة عدن، فيما باقي مناطق سيطرة التنظيم هادئة إلا من قصف الطيران أحيانا.
والطيران الذي يقصف أبين، أمريكي بدون طيار، وحربي سعودي، وحربي يمني، أما الأمريكي فيستهدف مقاتلي أنصار الشريعة، وأما السعودي واليمني فيهدفان إلى جعل مناطق سيطرة أنصار الشريعة في حالة قلق أمني، حتى لا يكون استقرار الوضع فيها مكسبا دعائيا للمسيطرين.
ورغم ذلك كان ما حققه أنصار الشريعة من أمن أكبر مما حققه الطيران الأمريكي واليمني والسعودي من خوف، في نظر مواطني محافظة أبين أنفسهم، كونهم يعرفون وضع المحافظة قبلا، في ظل وجود النظام، وفي ظل الفراغ الأمني الذي خلفه غيابه، إن كان وجود النظام قد حقق أية نسبة من الأمن حتى يكون هناك فراغ بغيابه.
وحتى لا تتوسع المعارك في المحافظة، حصر أنصار الشريعة نشاطهم العسكري في مدينة زنجبار أو في أطرافها، طوال المواجهات خلال الفترة التي سبقت التوقيع على المبادرة الخليجية وانتخاب هادي رئيسا للبلاد. وكان بمقدور أنصار الشريعة أن يتمددوا أكثر حينها، كما كان بمقدورهم أن يقوموا بعمليات على طريقتهم السابقة في أكثر من محافظة، إذ لم تتح لأنصار الشريعة فرصة تنقل كالتي أتيحت لهم خلال مرحلة الثورة.
لكن أكثر المتأثرين من المواجهات الدائرة هناك كانوا أبناء مدينة زنجبار، الذين اضطرتهم المعارك للنزوح إلى محافظتي عدن ولحج، وإلى باقي مناطق محافظة أبين المستقرة، كمدينة شقرة التي نزح إليها الشيخ طارق الفضلي.
وبقدر ما كان القصف الجوي بين الفينة والأخرى يحقق قليلا من مراد خصوم أنصار الشريعة السابق ذكره، إلا أنه كان يكسب أنصار الشريعة مزيدا من التعاطف، فأبناء أبين لا يرونهم كما يراهم الآخرون، باستثناء اللصوص وقطاع الطرق الذين فوت عليهم أنصار الشريعة أهم فرصة ممارسة السرقة في أنسب مرحلة.
* الاستفادة من الوقت
لم يكن أنصار الشريعة يعلمون متى ستضع المواجهات السياسية والعسكرية في صنعاء أوزارها، لكنهم كانوا يعلمون جيدا أن محافظة أبين ستكون هدف أطراف الصراع في صنعاء بمجرد أن تتوصل تلك الأطراف إلى أية تسوية أو تفرض عليها من الخارج.
وهذا يعني أن ذلك قد يحدث في أية لحظة، وحينها لن يكون بمقدور أنصار الشريعة الجمع بين الحرب والحكم، أو الجمع بين الأمرين بصورة تحقق لهم ما يريدون، لهذا كان على ما يجري في أبين أن يسبق ما يجري في العاصمة صنعاء.
فحينما كانت الفرصة متاحة لأي مجرم أن يمارس إجرامه في أي من المحافظات اليمنية دون أن يناله العقاب، بسبب التوقف شبه التام لمعظم مؤسسات الدولة، لم تكن أمام نظرائهم في محافظة أبين أية فرصه في ظل سيطرة أنصار الشريعة.
ومثلت أول حالة إعدام سريعة نفذها أنصار الشريعة ضد قاتل في تاريخ 29أغسطس 2011م، ردعا قويا لمن تسول له نفسه أن يكرر الجريمة ذاتها، في محافظة كان أسهل ما فيها أن تمارس جريمة من هذا النوع، بسبب الغياب شبه التام للدولة أو الحضور غير المفيد.
ولم يحل تناول وسائل الإعلام لهذه الحالة بصورة أخرى دون أن تؤتي ثمارها في المحافظة، حيث توقف هذا النوع من القتل بشكل شبه كلي، كما توقفت جرائم السرقة والتقطع وغيرها، بعد أن نُفذت حدود خاصة بها.
وكانت بعض وسائل الإعلام قد قالت إن عملية الإعدام تمت على خلفية مواقف مخالفة لأنصار الشريعة، وبطبيعة الحال لا أساس لهذا الكلام من الصحة، بشهادة أهالي القاتل والقتيل الذين التقت بهم "الوسط" حينها بمديرية جعار في محافظة أبين وروا القصة كما رواها أنصار الشريعة.
لقد استغل أنصار الشريعة الوقت بشكل أمثل، في السيطرة وفي الحكم، وفصلوا في كل قضايا المحافظة خلال مدة لا تكفي لحل قضية واحدة في محاكم نظام علي صالح، رغم الظروف الأمنية التي كانوا يعيشونها.
* معارك ومحاضرات
مضت أشهر بعد انتهاء حصار اللواء 25 ميكانيكي في تاريخ 10سبتمبر 2011م، وبعد اغتيال الطيران الأمريكي للشيخ أنور العولقي في 30\سبتمبر\2011م، لكن أنصار الشريعة لا يزالون يسيطرون على ما سيطروا عليه خلال الأشهر الماضية، بل ضموا مناطق جديدة إلى مناطق سيطرتهم. في شهر ديسمبر 2011م نصب أنصار الشريعة نقطة جديدة في قرن السوداء القريبة من مديرية حبان بمحافظة شبوة، أي على بعد نحو 50 كليم من مدينة عزان التي يسيطرون عليها.
أما الحملة العسكرية التي تقدمت من منطقة دوفس إلى مشارف مدينة زنجبار من الجهة الشرقية فقد بقيت في مكانها تستمع إلى المحاضرات من أنصار الشريعة عبر مكبرات صوت وضعت بالقرب من سور معسكر الأمن المركزي، وأحيانا إلى أصوات قذائف الهاون التي يبدو أن مفعولها كان أقوى.
ويقول أنصار الشريعة إن معركتهم ليست مع الجنود، لكن الجنود اضطروهم إلى هذه المواجهات معهم. ومن خلال المحاضرات تلك، وكذا المنشورات التي كانوا يوصلونها إلى الجنود بطريقتهم الخاصة، يسعى أنصار الشريعة إلى إقامة الحجة على الجنود حتى يكونوا على بينة تامة مما يقومون به.
وهذا الأمر قد يثير قلقا حقيقيا على حياة الجنود الثلاثة والسبعين الذين وقعوا في أسر مقاتلي أنصار الشريعة خلال معركة دوفس الأخيرة، ويؤكد ما ورد أعلاه قول المسئول للشرعي لأنصار الشريعة بقوله " بالنسبة للعسكر والجنود في القطاعات العسكرية في اليمن فقد أعلنا موقفنا من قبل أكثر من مرة وظهر ذلك على شاشات الإعلام على لسان الشيخ الشهيد "محمد عمير" رحمه الله, حيث قال: (مشكلتنا ليست مع العسكر) بمعنى أنهم لو كفوا عن قتالنا فلن نبدأهم بقتال عام في هذه المرحلة وهو موقف سياسة شرعية اقتضتها المرحلة, ولا زلنا نحيد من لم يقاتلنا, بل وعلى طول الفترة الماضية كنا نفك ونمن على من وقع في أيدينا أسيراً من العسكر إذا أعلن التوبة؛ وهذا موثق ومصور ومنشور على الانترنت, باستثناء الحادثة الأخيرة التي وقع فيها قرابة 73 أسير من العسكر في أبين ونحن نطالب بفك أسرانا لإخلاء سبيلهم".
لكن حديث السفير الأمريكي عن تغيير عقيدة الجنود القتالية، وكذا عن تجنيد اليمنيين كافة لمحاربة أنصار الشريعة، قد يوسع رقعة الاستهداف وقائمة المستهدفين بعمليات أنصار الشريعة، وبكل تأكيد لن يكون في صالح قضية الجنود الأسرى. وربما أراد السفير الأمريكي هذا فعلا، حتى تصبح القاعدة عدوا لمعظم اليمنيين، غير أن حدوث ذلك لا يعني أن القاعدة ستضعف أو ستحد من نشاطها.
* مرحلة الانتظار
منذ بداية شهر أكتوبر 2011م وحتى مطلع العام الجديد 2012م هدأت الأمور في مدينة زنجبار بشكل نسبي على مستوى المواجهات، لكن أنصار الشريعة كانوا يعيشون حالة انتظار لما بعد التسوية في صنعاء، كونهم أكثر المعنيين بها وبما بعدها، لأنهم محور الجهد الأمريكي في اليمن.
غير أن أنصار الشريعة سيقاتلون على أية حال، مادام القتال جزءا من المعتقد والمبدأ، ومادام أنهم لم يكونوا قاعدة إلا لأنهم يؤمنون بخيار القتال كخيار وحيد في التعاطي مع أمريكا ومع من يرونهم أدواتها في اليمن، لهذا كان عليهم أن يستعدوا جيدا للقادم.
وحينما بدأت تصريحات صنعاء تترجم تدريجيا إلى واقع عملي، بدأ أنصار الشريعة يترجمون تهديداتهم إلى واقع عملي أيضا. كانت الحكومة تكسب المعركة على وسائل الإعلام، لكن أنصار الشريعة كانوا يكسبونها على الأرض أكثر، بل إنهم لم يخسروا معركة واحدة طوال تلك الفترة.
* حرب إعلامية مختلفة
الحكومة الجديدة حكومة إعلام بامتياز، على اعتبار أن حضور الإخوان المسلمين فيها أكثر من غيرهم، والإخوان هم أصحاب معظم الوسائل الإعلامية الموجودة في الساحة، ومن يتابع الأداء الإعلامي الأخير وما خلقه من تأثير سيدرك ذلك. لكن أنصار الشريعة انفتحوا بقوة على الإعلام، كما نشطوا إعلاميا بشكل غير مسبوق، من خلال إصداراتهم المرئية والمقروءة والمسموعة التي باتت تصدر بشكل منضبط.
فلديهم الآن "وكالة مدد" الإخبارية، التي تصدر عنها نشرة "مدد" وهي نشرة أسبوعية مكتوبة تتناول أهم أحداث الأسبوع. ورغم أن توزيعها يقتصر على مناطق سيطرتهم إلا أنها تنزل على شبكة الانترنت. كما تنتج الوكالة ذاتها إصدارا مرئيا بعنوان "عين على الحدث" يسلط الضوء ـ في الغالب ـ على نشاطاتهم الاجتماعية والخدمية، وما استدعى أن يخرج كإصدار مرئي. بالإضافة إلى خدمة الرسائل، والتي يمكن أن نطلق عليها اسم "مدد موبايل"، وتستهدف الصحافيين ومراسلي الوسائل الإعلامية المختلفة من خلال مدهم بكل تطورات المعارك هناك.
ويقول المسئول الشرعي لأنصار الشريعة إنهم فتحوا المجال " وقد فتحنا المجال للصحفيين ووسائل الإعلام للحضور إلى المناطق التي نتواجد فيها وهم ينقلون انطباعات الناس التي رحبت بالشريعة ووجدت في حكم الإسلام كل عز ورفعة وأمن خصوصاً بالمقارنة بما كان عليه الوضع قبل وجودنا في تلك المناطق".
* المخالف في مناطق السيطرة
يقول المسئول الشرعي لأنصار الشريعة أبو الزبير عادل العباب "في ولايتنا يعرف الناس معنى الأمن الحقيقي، فهم آمنون على أرزاقهم، كما أنهم آمنون على دينهم، يحتكمون إلى شرع الله، ويعلنون الكفر بالقوانين الوضعية، لا يخافون إلا الله وتلك الطائرات الأمريكية التي تتربص بنا والله المستعان".
ويضيف: "في ولايتنا يجهر الدعاة بالحق الذي يعتقدونه، لا يخافون سلطانا إلا أن يكون سلطان الشرع، حتى الدعاة الذين يخالفوننا في المنهج يفسح لهم المجال، ومن أثار قضايا الخلاف دعي إلى الحوار والنقاش، ثم إلى المناظرة أمام الملأ كل ذلك برفق وأدب وحكمة".
ويقول القيادي في أنصار الشريعة أبو عبد الرحمن العولقي في إجابته على سؤال عن تعاملهم مع حريات الناس الشخصية وكذا حرية الناس في المعتقد بمناطق سيطرتهم: "مهمتنا هي الرقابة والقضاء، وترك المجتمع يسير ذاته بذاته دون تدخل سلطة مركزية بشكل مباشر. ونتحدث هنا عن الرقابة بمفهومها الشرعي، والتي تعني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأمور الظاهرة، ولا يعني ذلك هتك أستار الناس والتجسس عليهم في عقر دورهم، فلم نُكلف شرعا بالشق عن صدور الناس، وإنما نجري أحكامنا على الظاهر، لكن هذا لا يعني أننا سنسمح للأفكار المنحرفة بالانتشار".
ويضيف العولقي: "لن نفتش عن قناعات الناس وعقائدهم، فلهم أن يعتقدوا ما شاءوا ما دام أنهم لا يظهرون معتقداتهم ولا يدعون الناس إليها، ونحن نفرق بين المبتدع في ذاته وبين المبتدع الداعي إلى بدعته. يوجد عندنا في عزان بمحافظة شبوة مسجد للإصلاح، وآخر للسلفيين الحجوريين، ولم يحصل أن اشتكى أحد منهم بسبب أية مضايقات، بخلاف تعاملهم معنا في المناطق التي لهم نفوذ فيها وبخلاف تعامل جماعة الحوثي مع خصومها الفكريين والتي تقتل لمجرد المخالفة".
* إدارة الحياة
لا يوجد قانون أو دستور مكتوب، لكنهم يديرون مناطق سيطرتهم وفق مبادئ الشريعة الإسلامية، فالكتاب والسنة هما دستور الحياة هناك، وبالإمكان أن تدار بكل سهولة وفق نصوصهما، كما يقول أنصار الشريعة. ويضيفون بأن معظم المبادئ والقوانين التي تدار بها الحياة هناك هي من التي يشتركون في الإيمان بها مع معظم المسلمين بمختلف مذاهبهم.
لكنهم ينفذون كل ذلك عبر وسائل حديثة، فلديهم جهاز شرطة وجهاز قضائي ومحاكم ونيابات، وتفريعات أخرى اقتضاها وضعهم الجديد، مع وجود اختلاف في بعض الإجراءات. فعلى سبيل المثال لا يؤمنون بالمحاماة، إذ يرون أن بمقدور كل شخص أن يدافع عن نفسه أمام القاضي، كما أن أحكامهم لا تُقر أمور واضحة وبينة. كما يقولون.
وحين سألت الشيخ فهد القصع عن الجواسيس الثلاثة الذين تم إعدامهم، لماذا لم يكلفوا لهم محامين مادام أن لديهم محكمة؟. فأجاب: "ما ذكرتموه في السؤال هي إجراءات وضعية في المحاكم التي لا تمت للشريعة الإسلامية بصلة ولم تعرف هذه الإجراءات في تاريخ القضاء الإسلامي. أما في القضاء الإسلامي فالجانب الإجرائي بسيط وغير معقد ويتفق مع سماحة الشريعة الإسلامية كما أن القضاء في الإسلام مستقل عن السلطة. والمحكمة الشرعية تكفل للمتهم كل حقوقه, ومنها أن يدافع عن نفسه وأن يستمع القاضي لكلا الطرفين المدعي والمدعى عليه, و بعد أن قامت البينة عليهم أقر المتهمون بالتهم الموجهة إليهم أمام اللجنة القضائية وبموجبها صدر الحكم الشرعي".
وخلاصة الأمر أن أنصار الشريعة بمحافظة أبين ومحافظة شبوة نجحوا في تجريب وإدارة نموذج مصغر لدولتهم، وهو نجاح أيضا في استغلال الظروف للخروج من الحالة النظرية إلى حالة التطبيق العملي ولو على مستوى مساحة متواضعة من الأرض.
وسواء بقي أنصار الشريعة مسيطرين على ما هم مسيطرين عليه، أو خسروا ذلك، فإن ما تحقق لهم في ظل السيطرة سيكسبهم مزيد من الثقة والتمسك بمنهجهم، وكذا من الإصرار على جعل ذلك واقعا عمليا، ليس على مستوى محافظة أبين، بل على مستوى العالم أجمع، كما هي فكرتهم الأصل.


الفارس النبيل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس