عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-04-12, 08:09 AM   #54
فارس لبعوس
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2009-01-30
المشاركات: 7,469
افتراضي

أنصار الشريعة.. هكذا سيطروا على أبين وهكذا حكموها (4)

عبد الرزاق الجمل ـ صحيفة الوسط

تذكير لا بد منه
قبل أن تسيطر القاعدة على مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين بأسبوعين كنت قد كتبت تقريرا لصحيفة محلية بعنوان "الحرس الجمهوري أفعى اقتلعت القبائل أنيابها". وبسبب هذا التقرير صودرت الصحيفة من قبل نقطة للحرس الجمهوري في منطقة قحازة خارج صنعاء. كان وقع أحداث المعارك على قوات صالح يستدعي إجراءات كهذه.

والشاهد هو أن القوات التابعة لنظام صالح كانت تعاني من انهيار غير مسبوق في المعنويات، وعزز هذا الانهيار حديث إعلام المعارضة الدائم عن السقوط الوشيك للنظام، خصوصا بعد موجة الانشقاقات التي عقبت جمعة الكرامة، من قبل سياسيين وعسكريين، وبعد نجاح القبائل في الحيلولة دون تنقل ألوية الحرس الجمهوري بين المحافظات.

وإذا كانت القوة العسكرية التابعة للنظام تتكبد خسائر كبيرة من قوات قبلية غير مدربة بالقرب من العاصمة صنعاء، في نهم وأرحب والحيمة وغيرها، فكيف سيكون وضعها في محافظات الأطراف أو في المحافظات البعيدة عن العاصمة صنعاء؟.

كان صالح حينها مهتما بصنعاء وبتعز، لوجود علي محسن في صنعاء، ولوجود شعب في تعز يمكن أن يشكل إجماعه ضد صالح حرجا كبيرا له أمام الرأي العام، أما باقي المحافظات فكانت خارج اهتمام صالح تماما، ليس إهمالا لها وإنما اهتمام بما يرى أن عليه الاهتمام به في تلك المرحلة. بل بما يرى أن إهماله قد يحدد مصيره في الحكم. لكن لأن أبين كانت تهم أمريكا كثيرا، ربما أكثر من العاصمة صنعاء، فقد وجدت المعارضة اليمنية نفسها تهتم بأبين فجـأة.. وكثيرا. رغم سقوط أكثر من منطقة بيد أكثر من جهة.

فعلى سبيل المثال لم يعلق أحد على سقوط مدينة صعدة في أيدي الحوثيين خلال شهر مارس من العام 2011م. بل إن كثيرين لا يعرفون إلى الآن كيف ومتى سقطت "مدينة صعدة" في أيدي الحوثيين. ونتحدث هنا عن مركز المحافظة، لأن المحافظة أو أجزاء كبيرة منها كانت تحت سيطرة الحوثيين من قبل الثورة.

أما محافظة الجوف القريبة منها، فقد انتهى القتال فيها بين الإخوان المسلمين والحوثيين إلى تقاسمها فيما بينهم، بعد اتفاق أفضى إلى هذا. ولم تكن قوات صالح قادرة على التنقل بين معظم المحافظات. على سبيل المثال حين تحركت قوة من اللواء 63 إلى حضرموت اعترضتها قوة قبلية في نهم ونهبت معداتها وقتلت وأسرت عددا من جنودها. وحين أراد لواءان عسكريان في أرحب أن يتحركا إلى صنعاء اعترضتهما قبائل أرحب وأجبرتهما على العودة. ومثل ذلك فعلت قبائل المحويت والحيمة وغيرها.

كان كل ذلك يتم باسم الثورة ولصالحها، في صنعاء وغيرها، وكانت قوات صالح لا تجيد القتال في غير العاصمة وتعز. حين تحركت قوة تابعة للحرس الجمهوري من البيضاء لمساندة قوات الحرس الجمهوري المحاصرة بمحافظة لحج، اعترضتها قبائل آل حميقان وكبدتها خسائر كبيرة، ثم تم اقتحام المعسكر التابع للحرس في لحج وأخذ كل ما فيه. قيل إن ذلك تم بدعم من اللواء علي محسن الأحمر.

لكن الإخوان المسلمين الذين تمكنوا من إيقاف الحوثيين في الجوف، كان يدركون جيدا أنهم لن يتمكنوا من فعل ذلك في محافظة أبين ولا في محافظة شبوة، لهذا كانوا أكثر من يتحدث عن استلام وتسليم للمحافظة. ومثلما كان ما يحدث من عمل عسكري ضد قوات صالح في مناطق أخرى، باسم الثورة ولصالحها، كان ما يحدث في أبين ضد الثورة، في إعلام المعارضة.

لقد ساعدت صورة المشهد المذكور أنصار الشريعة في الدخول السهل إلى محافظة أبين، فمعنويات الجنود منهارة، ولا يعرفون لمَ وعلامَ يقاتلون. كانوا ينتظرون ما ستؤول إليه الأوضاع في صنعاء، وكانوا يعتقدون أن ذلك سيحدث سريعا. لهذا أرجع اللواء الصوملي الهزيمة في زنجبار إلى حالة الخور والجبن التي كانت تعيشها قوات الأمن المركزي وغيرها في مدينة زنجبار.

وإن كان على أنصار الشريعة أن يتوجهوا بالشكر لأحد على ما تم، فسيكون عليهم أن يتوجهوا به لشباب الثورة ولأحزاب المعارضة، على تهيئة الأجواء لسيطرة غير مكلفة كثيرا، مقارنة بها لو تمت في غير هذه الحالة. لم تكن القاعدة سوى جهة من الجهات التي أتاحت لها الثورة السيطرة وفعل أكثر مما يمكنها فعله في الظروف الطبيعية.

• سبتمبر 2011م
قبل أن ينسحب أنصار الشريعة من جبهة القتال في دوفس، كان كل ما يقومون به هو الحيلولة دون تقدم الحملة العسكرية إلى مدينة زنجبار واللواء 25ميكانيكي، ورغم نجاحهم في إيقافها لأشهر، إلا أنهم كانوا يخسرون بعض مقاتليهم، وطول بقائهم في الجبهة مدافعين، يعني خسارة المزيد من المقاتلين، لهذا قرروا الانسحاب بعد أن أعدوا خطة عسكرية لما بعد تقدم الجيش إلى أطراف زنجبار من الجهة الشرقية.

الخطة الجديدة دُرست بعناية فائقـة، لأن تقدم خمسة ألوية عسكرية إلى أطراف مدينة يسيطرون عليها، بالإضافة إلى وجود لواء سادس ظل محاصرا لأشهر ويريد أن ينتقم من محاصريه، أمر ليس بالسهل، على اعتبار أن الانسحاب التكتيكي قد يتحول إلى هزيمة محققة إذا ما فشلت الخطة وتمكنت قوات الجيش من اقتحام مدينة زنجبار.

ولأن قوات الجيش تدرك أكثر من غيرها أنها تقدمت بعد انسحاب لأنصار الشريعة من جبهة دوفس، وبأنها بقيت لأشهر في مكانها دون أن تتمكن من التقدم خطوة واحدة، رغم أنها قوة مدرعة ورغم أن دوفس منطقة مكشوفة، لأنها تدرك هذا كله لم تحاول التقدم بحملة واسعة لاقتحام مدينة زنجبار. كانت تدرك تماما ما الذي ينتظرها.

ووفق خطتهم المرسومة، كان على أنصار الشريعة أن يتقدموا هم إلى حيث أرادوا لقوات الجيش أن تتقدم، بالإضافة إلى نصب الكمائن، كي يتمكنوا من استنزاف الجيش بعد أن كان الجيش هو الذي يستنزفهم في دوفس. ولم يكن أمام الجيش سوى إمطار مدينة زنجبار الخالية من السكان بالصواريخ وقذائف المدفعية. كان القصف يتم بشكل عشوائي، وكانت نسبة إصابة الهدف صفر.

حينها كانت صنعاء بشقيها الرسمي والمعارض، تعيش فرحة انتصار قوات الجيش على مقاتلي أنصار الشريعة واستعادة مدينة زنجبار منهم، ولم تكن بحاجة لسماع أخبار تعكس حقائق أخرى، خصوصا أحزاب المعارضة التي كانت تعيش حالة قلق أيضا بسبب العودة المرتقبة لصالح من المملكة العربية السعودية بعد تعافيه النسبي من إصابته، بالإضافة إلى الاهتمام بما كان يجري في منطقة الحصبة وحي صفوان بالعاصمة صنعاء من مواجهات وكذا بمواجهات تعز الدامية.

لهذا لم يصل صنعاء من أبين خبر سقوط ما يزيد عن 130 جنديا في صفوف قوات الأمن المركزي بمحيط معسكر الأمن المركزي في تاريخ 17سبتمبر 2011م، أي بعد أسبوع واحد من انتهاء حصار اللواء 25 ميكانيكي والتحرير المزعوم لمدينة زنجبار في تاريخ 10سبتمبر 2011م. بالإضافة إلى عمليات عدة كانت قد سبقت هذه العملية أوردها التنظيم في تقرير له ضمن البيان المذكور على هذا النحو:

((وفيما يلي تقرير إخباري عن أهم العمليات العسكرية بولاية أبين من تاريخ وصول الإمدادات البرية من قبل حكومة علي صالح إلى اللواء 25 ميكا:
1. في يوم الأحد 14 شوال 1432هـ الموافق 11 سبتمبر 2011 مت مقتل جنديين في محيط اللواء 25 ميكا بزنجبار.
2. في يوم الأحد 14 شوال 1432هـ الموافق 11سبتمبر 2011 م مقتل عدد من الجنود وأسر آخرين بعد اقتحام مبنى كانوا يتحصنون به في منطقة الكود.
3. في يوم الاثنين 15 شوال 1432هـ الموافق 12سبتمبر 2011م وعلى مشارف مدينة زنجبار نصب المجاهدون كمينا على رتل عسكري أدى لمقتل عشرة وجرح آخرين من قوات الجيش اليمني وتدمير عربة "مدرعة" وقد قتل في هذه العملية الأخ عبد ربه العولقي)).

وبيان أنصار الشريعة الأخير هو أول بيان يتبنون فيه عمليات ذات صلة بمعارك محافظة أبين، إذ فضل أنصار الشريعة قبل ذلك إبقاء ما يجري في محافظة أبين بعيدا عن الارتباط بمسمى القاعدة، حتى إنَّ إصدار "ركب الشهداء" الذي تضمن سير بعض من سقطوا في معارك زنجبار، تأخر نشره لأشهر، لأنه صادر عن المؤسسة الإعلامية لتنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب "مؤسسة الملاحم".

كما كان هذا البيان أول توثيق مؤرخ لأحداث محافظة أبين منذ سقوط المحافظة في أيدي أنصار الشريعة بتاريخ 29مايو 2011م. لكنه لم يصل إلى وسائل الإعلام، لأن التنظيم كان لايزال يمارس نشاطه الإعلامي على طريقته السابقة: تبني العمليات عبر بيانات تنشر في المواقع الجهادية. رغم أن واقعه بات مختلفا تماما بعد السيطرة، ويتطلب اتصالا بوسائل إعلام من خارج الدائرة.

مع العلم أن أنصار الشريعة أصدروا بيانين آخرين منذ السيطرة على زنجبار في أواخر مايو وحتى شهر سبتمبر، الأول تبنى عملية ضد الحوثيين بمنطقة المطمة في محافظة الجوف أواخر شهر رمضان الماضي، والثاني تحدث عن قصف الطيران لمدينة جعار في 5سبتمبر 2011م. لكن الثاني جاء في وقت متأخر ويتحدث عن عملية للخصم لا عن عملية لهم.

ومن خلال حرص أنصار الشريعة على تبني العمليتين المذكورتين في تلك الفترة، وتجاهل أحداث كبيرة وكثيرة في المحافظة كانت بحاجة لأكثر من بيان، يتضح أنهم حينها كانوا يريدون تكريس فكرة أن هنالك فارقا بين تنظيم القاعدة وبين جماعة أنصار الشريعة، قبل أن يتصرفوا لاحقا بشكل مغاير، بعد أن صاروا مسيطرين على معظم مناطق محافظة أبين. لقد وصلوا بالاسم الجديد إلى المرحلة التي لم يعد يحرجهم فيها الظهور باسم تنظيم القاعدة.

والملاحظ في البيان الأخير أيضا، وكذا ما تلاه من بيانات، أنهم بدؤوا يهتمون بذكر التاريخ الميلادي الموافق لتاريخ العمليات بالهجري، على العكس من طريقة توثيقهم للعمليات في بياناتهم السابقة.

• مقتل العولقي
عزز مقتل الشيخ أنور العولقي حالة الشعور بالنصر على تنظيم القاعدة بمحافظتي أبين وشبوة، لأن مقتله كان بمحافظة الجوف في تاريخ 30سبتمبر 2011م. أي بعد انتهاء الحصار عن اللواء 25 ميكانيكي وبعد ما قيل إنه تحرير لمدينة زنجبار بعشرين يوما.

ولأن مقتل الشيخ أنور العولقي حدث بعد عودة صالح إلى اليمن بأسبوع، بعد أن تعافى نسبيا من إصابته، فقد اتهمت أطراف، منها من ينتمون إلى أحزاب المعارضة، صالحا بالتعاون مع الأمريكان في هذه العملية، مشيرين إلى أنها ورقة أخرى من أوراق صالح.

ومع أن العولقي اغتيل من قبل الأمريكان في محافظة لا نفوذ لنظام صالح فيها، حيث يتقاسم السيطرة على محافظة الجوف حزب الإصلاح والحوثيون، إلا أنها رُبطت بصالح وبعودته، رغم أن صالح ـ في نظر خصومه ـ يقف وراء انتصارات القاعدة لا العكس.

ولا يستبعد البعض أن يكون الغرض من اتهام صالح هذه المرة تحديدا هو التغطية على المتعاون الحقيقي مع الأمريكان في عملية الاغتيال، خصوصا وأن الإخوان المسلمين يريدون أن يثبتوا للإدارة الأمريكية أنهم قادرون على تقديم ما لم يقدمه نظام صالح، ولا أقوى من تقديم معلومات عمن رأته الإدارة الأمريكية أخطر القاعديين عليها.

والإخوان لا يتحرجون من التعاون مع الإدارة الأمريكية في هذا الجانب، حيث سبق لرئيس الكتلة البرلمانية لحزب الإصلاح بمجلس النواب عبد الرحمن بافضل وأن أبدى استعداده لفتح الأجواء اليمنية لطائرات أمريكا وفرنسا كي "تدق القاعدة في اليمن".

وبرغم أن الإخوان قد يرجعون مثل هذا التعاون إلى الرغبة في تفويت فرصة لعب صالح بورقة القاعدة، حرصا منهم على الثورة، كما يقولون، إلا أن الرغبة في الوصول إلى السلطة قد تكون الدافع الحقيقي لهذا التعاون، لأنه لم يكن وليد الثورة بل سبقها بأعوام، وكانت الثورة مناسبة للإفصاح عنه فقط.

وكانت وسائل إعلام أمريكية قد نقلت عن مسئولين أمريكيين في وقت سابق تأكيدهم بأن حزبا إسلاميا كبيرا في اليمن يساعد أجهزة المخابرات الأمريكية في عملها من خلال مدها بمعلومات عن القاعدة وتحركاتها.

والمهم هو أن مقتل العولقي حرم أنصار الشريعة من الاستهداف الناعم للمواطنين في الغرب بتسجيلات الشيخ أنور العولقي، وبمجلة انسباير الناطقة باللغة الإنجليزيـة.

وخلال سيطرة أنصار الشريعة على محافظة أبين وأجزاء من محافظة شبوة اهتموا كثيرا بمشروعهم الداخلي، ولم يقوموا بتصدير أية عملية للخارج، على النقيض مما حدث في العامين اللذين سبقا عام السيطرة، 2009م و2010م. وكانت مجلة انسباير التي كان يعدها ويحررها الشيخ أنور وسمير خان، بالإضافة إلى تسجيلات العولقي المسموعة والمرئية باللغة الإنجليزية، تشكل خطرا كبيرا على أمريكا والغرب، يفوق خطر عمليات الأحزمة الناسفة، لأنها تستهدف العقل الغربي والأمريكي تحديدا كي يراجع مواقفه من حروب بلده، لكن هذا الخطر انتهى بعد نجاح الأمريكان في اغتيال الشيخ أنور العولقي.

غير أن خطر تنامي تنظيم اليمن على مصالح أمريكا في المنطقة العربية يزداد يوما بعد آخر، ولا يبدو أن غارة أو غارات جوية أمريكية ستوقفه، ولا حتى تحالف إسلاميين مع أمريكا ضد القاعدة في اليمن.

نكمل في حلقة قادمة أخيرة.
فارس لبعوس غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس