عرض مشاركة واحدة
قديم 2012-04-09, 07:11 AM   #16
فارس لبعوس
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2009-01-30
المشاركات: 7,469
افتراضي

قراءة سياسية في رؤية حزب الرابطة المعنّونة بـ «السفر إلى المستقبل»
الاثنين 09 أبريل 2012 01:09 صباحاً

محتج شاب يرفع شعار مناوئ للرئيس اليمني السابق علي صالح في الـ18 فبراير 2011-عدن الغد عن صحيفة عدن الغد الورقية
نقد الذات كأول الخطو نحو الإصلاح

تبدو عملية الإصلاحات الجذرية والشاملة في هذا المرحلة الفارقة ليست ضرورية فحسب، ولكنها ترتقي إلى أن تكون "فرض عين" يجب على الجميع القيام به، سواء على المستوى الفردي أو على المستوى الجماعي. ولن تؤتي أي ثورة ثمارها الإيجابية كاملة إذا لم ينخرط الجميع في هذه العملية؛ فالله لن يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.



وعلى مستوى القوى والحركات السياسية والاجتماعية يبدو أنه لا مناص، وكما يقول الكاتب أحمد غلوم بن علي، من الاعتراف بأن تساؤل الحاجة للإصلاح هو نفس تساؤل الحاجة للمجتمع, أي أن الحاجة للإصلاح هي حاجة للمجتمع, وعندما يكون هذا السؤال الأخير شرعياً وضرورياً تكون الحاجة للمجتمع ضرورية وليست سياسية ومسيسة, وعندما تكون كذلك يكون اعترافا أن الأحزاب السياسية لم تعد وصية على المجتمع ولا هي متحدثة باسمه, فاليوم يجب أن تكون تلك الأحزاب جزءاً من المجتمع وتخرج من حالة الوصاية إلى حالة الشراكة وتؤسس لعلاقة جديدة معه[1].



وما شدّني لتقديم هذه القراءة في رؤية "السفر إلى المستقبل" (علاوة على أشياء أخرى سآتي على ذكرها لاحقاً)، هي الطريقة الشفافة والواضحة ـ واللاذعة في نفس الوقت ـ المتبعة في نقد الذات، وتشريح الأخطاء والسلبيات بكثير من التجرد والموضوعية. والاعتراف بالخطأ هو أول الطريق لتصحيحه، وضمان عدم السير في الطريق التي أدت إليه.



تقول الرؤية في قراءتها وتقييمها للمشد السياسي العام، والتي هي، بطريقة أو أخرى، جزء لا يتجزأ منه: « بدت الأحزاب العربية قاطبة (حاكمة ومعارضة) متخلفة عن حركة الجماهير، عاجزة عن مواكبة الروح الإبداعية لشباب الثورة، وقدرتهم على العمل بآليات الفريق متجاوزين تباينات العقيدة والفكر والانتماء الحزبي والمناطقي والنوعية (Gender)، عاجزة عن مجارات آلياتهم الحديثة، بتقليدية أدواتها وبطء حركتها، وانشدادها للماضي وتركته»[2].



أما فيما يخص الشأن الداخلي في حزب الرابطة، فتورد الرؤية أسباب الإخفاق على النحو التالي: «سبب ثقافي وهو التردد في استخدام الصلاحيات في وجود قيادات عليا قديمة.. من منطلق إما الثقة فيها أو "الأبوية القيادية".. وهذا يقتل الإبداع والجسارة للأجيال التي تزامل تلك القيادات.. ويعيق بروز الكفاءات القيادية... وسبب منّا كـ"قيادات قديمة" وهو التصرف وفق "قوة العادة" التي تغيِّب عنّا –في خضم الأحداث المتلاحقة– أن كثيراً من زملائنا لديهم نفس قدراتنا القيادية بل وبصورة أحدث. فإن كان لدينا خبرة أطول –وليس بالضرورة أفضل– في الاستراتيجيات السياسية...»[3].



وما هو أهم باعتقادي، وكما أشارت الرؤية، أن العملية التغييرية التي تدعو إليها انبثقت عن استجابة لقناعات القيادة الحالية للحزب، بعد أن وصلت إلى إيمان كامل بأهميتها فأخضعتها للدراسة والبحث وصاغتها، وستعكف هي على تنفيذها.. وبالتالي لا يمكن أن تصطدم بمخرجاتها أو تتقاطع معها بأي حال من الأحوال، لأنها ليست عملية مفروضة من خارجها، ولا انقلاباً استهدفها يستدعي مقاومته، بل هي محصلة قناعات تطويرية وإدراك بأنها ستصب في المصلحة الجمعية للوطن والحزب، قيادات وأعضاء، وبمبادرة منها[4].



وكم تذكرني هذه الطريقة في نقد وتقييم الذات ـ عند مراحل فارقة ـ بالطريقة التي اتبعتها بعض الأحزاب الاشتراكية والشيوعية في أوروبا الغربية، في إيطاليا وألمانيا وفرنسا على وجه الخصوص، بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، وانهيار العقيدة الشيوعية. وهو ما ساعدها على إحداث تغييرات جذرية وبلورة رؤى وأفكار وممارسات هي أقرب إلى روح المجتمع في زمانٍ ومكانٍ محددين، فمكّنها، بالتالي، من الاستمرار كأحزاب فاعلة ومؤثرة في وسطها السياسي والاجتماعي.



ولقد ارتأيت، نظراً للحاجة الملحة وما تتطلبه المرحلة، أن الحديث عن الإصلاح سيكون خير مقدمة ابتدأ بها قراءتي لرؤية "السفر إلى المستقبل". وستتطرق القراءة ـ أدناه ـ لبعض العناوين الفرعية في محاولة لمناقشة الرؤية والإحاطة بها شكلاً ومضموناً.





اللغة:

لا بد، وقبل كل شيء، من الوقوف إجلالاً للغة الرشيقة التي صُيغت بها الرؤية، اللغة السلسة الانسيابية التي جمعت بين جودة المضمون، وعمق الدلالة، وشاعرية المفردة، فحلّقت بالخطاب السياسي ـ ثقيل الوطأة ـ في الفضاء الرحب دون أن تجعله خفيفاً كالريشة، فكان عن حق وحقيقة "سفراً نحو المستقبل". كما تفردت هذه اللغة بحداثية اصطلاحاتها وتعابيرها، وجاءت، على نحوٍ غير معتاد في خطابنا السياسي، والحزبي على وجه الخصوص، خالية من "المعتقات" الاصطلاحية والإنشائية الجافة، ومتخففة إلى أبعد حد من الشحن العاطفي المضلل!





مفهوم السياسية:

لقد تبنت «الرؤية» مفهوماً للسياسة غير المفهوم شائع التداول والاستخدام الذي يعتبرها فنًّاً لـلـ«ممكن» يقوم على لعبة "إدارة الصراع" بين مختلف القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في مجتمعٍ ما ضمن المبدأ الذرائعي الشهير «الغاية تبرر الوسيلة»؛ حتى جعلت السياسة الناس، في نهاية المطاف، وكما يقول الفرنسي ريجيس دوبريه، إما مجانين أو متوحشين أو خطرين![5].



ومفهوم السياسة الذي انطلقت منه الرؤية، وكما جاء في الشعار الافتتاحي "التعاون على البقاء من أجل تحقيق تنمية شاملة"، يقوم على اعتبار أن السياسة هي فنٌّ قيمي يهدف بالضرورة إلى خلق توافق وتصالح وانسجام بين مختلف قوى وأطياف وشرائح المجتمع بما يسيّر أمورهم، ويحقق مصالحهم، ويدير تفاعلاتهم وتوجهاتهم الإنسانية المختلفة بنوع من العدل والتراحم... ولهذا، أشارت بوضوح إلى بعض القيم (كقيمتي "التواضع" و "الكِبر") التي تعتبرهما قاعدتي الانطلاق في تشكيل وصياغة وعي سياسي قيمي، وبناء سياسة وثقافة قيمية.



وإذا كان الصراع هو جوهر السياسية في كل زمان ومكان كما يذهب البعض، فإن تأطير السياسة بالقيم هو، دون أدنى شك، مسعى نبيلٌ ينبغي الإشادة به، والحث عليه في ظل دوامة رهيبة من الصراعات التي لا تنتهي. وربما كانت الرؤية هنا قد حاولت أن تقبض على الشعار الشهير: «حكمت فعدلت، فنمت فأمنت»، وتنفخ فيه الروح من جديد...





في تقييم الثورة الشبابية:



ليست الثورة ثوراً أهوجاً " منفلت اللجام"، فبقدر ما يسعى إلى حرث الأرض لتفتيت الطبقة الجدباء المتصلبة كي يتيح للبذور فرصة النمو، بقدر ما يحطم الزرع السابق لمجيئه ـ والذي جاهد كثيراً كي ينمو ـ ودون تمييز بينه وبين الأعشاب الضارة التي ينبغي جرفها أثناء الحرث. وقد يقوم، في نوبة من نوبات هيجانه، بعملية معاكسة تماماً لغايته، فيحطم الزرع الذي كان قد ساعد في ولادته ونموه! (أو كما سماها توفيق الحكيم بالـ«هوجة» التي تأتي على الصالح قبل الطالح كالرياح الهوج التي تأتي على الأخضر واليابس معاً[6]).



كما أن الثورة ليست عبارة عن مجموعة من الأحلام الوردية التي تأسرنا بدفق ودفء حضورها فتدفعنا إلى التسليم لها والانسياق وراء خيالاتها الشاطحة لنكتشف، في لحظة من اللحظات، سذاجة وطفولية أحكامنا، والفرق الشاسع بين رفاهية الحُلم وبشاعة وتعقيد الواقع.



إن الثورة، وكما جاء في الرؤية، هي ظاهرة إنسانية، وسنة من سنن التغيير، وتأتي الحاجة إليها حين تصبح جميع طرق التغيير التقليدية غير قادرة على إحداث أي ثقبٍ لدخول الضوء عبر الجدار المنيع.



ولهذا جاء الموقف منها متزناً، وعلمياً، وغير متوجس منها، ومسلماً، في نفس الوقت، بضرورة حدوثها، بل ومنخرطاً في صيرورتها، لكنه ليس ذلك الانخراط المنفلت من أي إعمالٍ للعقل. فهي، كأي ظاهرة إنسانية أخرى، ينبغي أن تخضع للدراسة والتمحيص العلمي لفرز الإيجابيات من السلبيات، وتقرير الكيفية التي يتم فيها ربطها بواقعها المنبثقة منه وعملية تفاعلها مع عناصره المختلفة، خصوصاً الفاعلة، حتى تؤتي في النهاية أكلها كاملة.



وفي هذا الصدد، قامت الرؤية، وبطريقة موضوعية محايدة، برصد واستخلاص أهم السمات التي ميّزت الثورات العربية، عوامل القوة وعوامل الضعف، ونقاط الوهن التي أصابت بعض من أجزاءها. كما عملت على تمييزها عن الثورات السابقة كي لا يُعاد إنتاج واستخدام نفس الأدوات والآليات عند التعامل معها والتي استخدمت مع الثورات السابقة فقادتنا إلى غياهب الاستبداد.

ولم تغفل الرؤية الإشارة إلى أن الثورات الحالية لم تقم ضد أحدٍ ما، ولا في إطار احتدام الصراع الأيدلوجي أو الطبقي، بل قامت لأجل مطالب حقوقية وإنسانية عامة تخص الشعب المعني فقط. وإذ كان الشباب هم من تصدرها، فإن الشعب بكامله قد انخرط في المشاركة فيها، لذلك ليس من حق أي طرف الاستفراد بجني ثمار نجاحها، واعتبارها مكافأة له على تضحيات منفردة مدّعاة!

وفي الحقيقة، للمرة الأولى، بالنسبة لي على الأقل، التي أجد فيها أحد القوى التي توصف بالـ "التقليدية" تقدّم تقييماً فاحصاً، ووعياً ناضجاً ومفارقاً عند تناولها الثورات الشبابية العربية، وتداعياتها المختلفة، وهذا كله، بالتأكيد يُحسب لحزب الرابطة.





صورة "الشباب" في الذهنية العلمية والعامة:

عادة ما تحاصر "فئة الشباب" الأحكام المعيارية الفوقية للكهول، فيتم تصوير عالمهم وكأنه عالم عادم للقيم، ويتم تصويرهم وكأنهم أناسٌ "قُصّر"، يفتقدون للقيم، عديمي النضج والانضباط ولا مبالين، أو، في أحسن الأحوال، ذو قيم متناقضة.



وفي بحث له بعنوان "القيم السياسية وأخلاقية الشباب"، رصد الباحث المغربي الدكتور محمد الشيخ الأنماط التي اختزلت فيها صور الشباب، حتى وصل إلى استنتاج مفاده: «أنك تجد من البحوث عن "الشباب" التي تحمل من العناوين: "الشباب والجنوح" أو "الشباب والمخدرات" أو "الشباب والعنف" أو "الشباب والتطرف" أو "الشباب والبطالة"، أكثر مما تجد من البحوث عن "الشباب والسعادة" أو عن "الشباب والأمل" أو عن "الشباب والطموح"، بل إن حتى البحوث التي تبدو من عنوانها أنها لا تحمل حكم قيمة في ذاتها، شأن "الشباب والثقافة" أو الشباب ووسائل الاتصال الحديثة"… يخرج أصحابها ـ في الأغلب ـ بنتائج سلبية، مثل أن "الشباب صار لا يقرأ" أو أن "الشباب أمسى يستهلك الإعلام استهلاكا سلبيا".[7]



وفيما يتعلق بالشأن السياسي، وصل الأمر إلى أن يوصم الشباب بأنانية فجة. فقد ذهبت البحوث والدراسات إلى القول بأن شباب اليوم أقل إقبالا على الاهتمام بالشأن السياسي ـ أقل "تسيسا" ـ من شباب الأمس(الذين باتوا كهولاً اليوم وملاك لليقين وموضع لإصدار الأحكام!)، وأقل اطلاعا منهم على الأمور السياسية، بل أن السياسة تأتي في آخر اهتماماتهم. فالشباب لا يصوت ـ إن حدث له أن صوت، وقلما يفعل ذلك ـ إلا بتصويت ظرفي؛ أي بحسب رهانات هذه الانتخابات ومدى جنيه لنتائج نافعة له منها أو تهمه عن قرب.



وفي تعليلها لهذه الظاهرة، وباتجاه تعميق القوالب السلبية، تتحدث الباحثة ناهدة عز الدين عن أشكال عدة يأخذ بها الشباب عوضاً عن الاهتمام بالشأن السياسي: كـ« الانغلاق على المصالح الفردية، أو اللجوء إلى الرؤى المثالية، أو تبني الاتجاهات الدينية المتطرفة، أو الاستغراق في المتع والملذات الترفيهية السطحية ما دامت بمنأى عن السياسة ومخاطرها»[8]. وهذه الأحكام والتقييمات (المتجنية) لا تراعي مدى استقامة الشأن السياسي وصلاحية مؤسساته المختلفة قبل أي شيءٍ آخر، ، ودرجة الرضا التي تحوزها العملية السياسية بشكل عام، فتظهر وكأن المشكلة هي، في الأصل، مشكلة "شبابية"(إن جاز التعبير) بامتياز. وكانت هذه الأحكام على إطلاقها هذا مبرراً كافياً لإقصاء وتهميش هذه الفئة عن المشهد أو التعامل معهم كأطفال طيلة الفترة الماضية، بغض النظر عن الإمكانيات والمهارات.

واليوم، وبعد الأدوار الأسطورية التي لعبها الشباب ـ تحديداً ـ من خلال ثوراتهم المتلاحقة، وأدت إلى نتائج ما كانت ورادة حتى في أي خيال، وليس في الخيال السياسي فحسب، بات من اللازم على هذه الدراسات والبحوث، وكذلك الإرث الإنساني بكامله، إعادة النظر في كل هذه الأحكام المغلقة والمجحفة واللاعقلانية بحق الشباب.



الشباب في الرؤية

نظرت الرؤية إلى الشباب (العصري) بسلوكياته وقيمه وتمثلاته المختلفة بطريقة مغايرة لثقافة "المستنقعات" التقليدية، فالمستقبل مستقبله ـ بحسب تعبير الرؤية، وهم الأكثر دراية بكيفية صناعته وإدارة تفاعلاته المختلفة. والتعامل معه ليس فقط (بشكل العصر) بل وبروحه ووفق معطياته وسياق حركته وسكونه؛ وربما، وهو الأهم، القدرة على التفكير الموضوعي وطرح آراء وأفكار جديدة وجريئة لعدم وجود كوابح معيقة من عواطف أو خبرات في ظروف مختلفة[9].



وهذه الطريقة في التعامل هي التي نصح بها عالم الاجتماع البريطاني الشهير أنتوني جيدنز في كتابه "العالم الثالث: تجديد الديمقراطية الاجتماعية". فبدلاً من النظر إلى عصرنا (وفي طليعته الشباب) على أنه عصر "تحلل أخلاقي"، فإنه من الأفضل أن ننظر إليه على أنه عصر "تحول أخلاقي". فالنزعة الفردية ـ إن وجدت ـ هي نزعة مؤسسية، وليست هي نزعة أنانية، وليس لها خطر على التضامن الاجتماعي، ولكنها تعني أننا يجب أن ننظر إلى أساليب جديدة لخلق التضامن، ولا يمكن أن نضمن تحقق التماسك الاجتماعي عبر فعل يأتي من أعلى تقوم به الدولة أو باللجوء إلى التراث[10].

وفي هذا الصدد، تقول الرؤية: «أدهش الشباب مراقبي ثوراتهم بقدرتهم على أداء الوظائف الكلاسيكية لمنظمات المجتمع المدني بأدوات مبتكرة انتزعوها من روح العصر وتطوراته التقنية والإدارية، كما فرضوا مكانتهم كحامل أساسي ومحرك لأي تغيير مجتمعي، وبدوا مؤهلين للتعاطي مع الأسئلة الكبرى من قضايا واحتياجات شعوبهم في صياغة سياسات جديدة تعزز التنمية الاجتماعية والاقتصادية، بل وتخليق أطر تشاركية لا تتنافر فيها التباينات المجتمعية، بل تتناغم لأداء وظائف ذات قدرات مستجيبة لحاجات الناس وتطلعاتهم، وهي ذات مصداقية وقدرة على اكتساب ثقة الجماهير العريضة من الشعب"[11].



ولعل مشروع تأهيل الشباب الذي أعلنت عنه الرؤية، والكيفية التي سيتم بها ـ كما أوضحت، يصب باتجاه "تمكين" الشباب ومساعدتهم في امتلاك الأدوات والقدرات والمهارات الكافية التي تمكنهم من إدارة مستقبلهم وبأقل عدد من الأخطاء. وما هو مهم، إن الرؤية تحاشت، وإلى أبعد حد، ممارسة طريقة الاحتواء التي تفضل الأحزاب التقليدية التعامل بها مع الشباب حتى بعد زلزال الثورات الشبابية العربية!





ما يشبه الخاتمة:

إذا ما حاولنا أن نصنف حزب الرابطة، فهو ينتمي إلى تلك الأحزاب الوطنية النخبوية، وهو يشبه إلى حد ما حزب"الوفد" المصري الذي غُيّب مضطراً تحت وطأة واحتدام الصراعات الأيدلوجية التي سادت طيلة الستة العقود الماضية حتى بدأت بضاعتهما الوطنية وسط هذا الاحتدام غير ذات رواج!.


وجميعناً يتذكر، في هذه المناسبة، الدور الوطني الكبير الذي لعبه هذا الحزب في عقد الخمسينات من القرن الماضي، وذلك الجيل النوعي الذي احتضنه وساهم في تنمية وعيه وقدراته ومهاراته السياسية والثقافية عن طريق توفير الوسائل الضرورية لذلك وبصورة لم تتكرر على المستوى المحلي، لدرجة أن كل قيادات الحركات الوطنية اللاحقة كان لا بد لها كي يتفتح وعيها الوطني أن تمر، في بداية مشوارها، عبر حزب الرابطة.


ومن يعود اليوم إلى الأدبيات والأطروحات التي يحتفظ بها أرشيف الحزب، سيكتشف كم هي نخبوية هذه الأدبيات، وسابقة لواقعها المحلي، وفي نفس الوقت، مستشرفة لأهم التحديات والمشاكل التي تبين في وقت لاحق كارثيتها على الوطن؛ ومقدمة أنجع الحلول والتصورات التي لو كان تم الأخذ بها، لكنا استطعنا أن نتجنب كثير من الويلات والمزالق.


إن رؤية "السفر إلى المستقبل" التي تفضل بطرحها حزب الرابطة تأتي ضمن هذه السلسلة الطويلة من الرؤى النخبوية والناضجة والاستشرافية في آن والتي عودنا الحزب أن يُبادر بطرحها كنتاج لخبرة طويلة من النضال الوطني الراقي والمراجعة الدائمة لكل المراحل لاستخلاص الدروس والعبر. ولعل ما يميزها اليوم، أنها أتت في لحظة فارقة تماماً.


وفي ختام هذه القراءة، آمل أن يساعد الظرف التاريخي الحالي في تحول هذه الرؤية إلى حقيقة على الأرض ليقيني بأهميتها وجدواها، فضلاً عن إننا مدعوون للمشاركة في الدفع بمثل هذا الرؤى إلى الأمام والمساهمة في تكريسها وتعميقها وتطوريها ـ إن لزم الأمر ـ عن طريق مداولاتها والتعرض لها بمزيدٍ من الدراسة والبحث والمناقشة لأفكارها بما يجعلها فعلاً أداة "السفر إلى المستقبل".

*من امين اليافعي -القاهرة.





اقرأ المزيد من عدن الغد | أخبار وتقارير | قراءة سياسية في رؤية حزب الرابطة المعنّونة بـ «السفر إلى المستقبل» http://adenalghad.net/news/9589.htm#ixzz1rVd8A3Sa
فارس لبعوس غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس