العوامل والمسببات الخاصة للتقارب السعودي الإيراني:
بالنسبة لمسببات التقارب الخاصة، فقد بدت واضحة منذ نهاية القرن الماضي، ومنذ عقد من الزمن تقريبا، وذلك بتطورات ملحوظة في علاقات دول مجلس التعاون بإيران. ذلك أن عناصر التباعد لم تكرس القطيعة بين الجانبين، وقد رأت السعودية أن تبدأ صفحة من التقارب مع إيران، وكانت الأخيرة تسعى بالاتجاه نفسه. وكانت عدة مسببات قد عززت هذا التقارب، منها( ):
1- الزيارات المتبادلة منذ عام 1997م بين مسؤولين في قمة الهرم السياسي من إيران وبعض دول مجلس التعاون الخليجي. ومنها زيارة وزير الدفاع الإيراني علي شامخاني للسعودية (23/4/2000)، والتي تزامنت مع إعداد قادة دول مجلس التعاون الخليجي للقمة التشاورية في عمان. وسنتحدث عن هذا البند لاحقا.
2- اتفاقيات التعاون العسكري بين إيران وبعض دول الخليج مثل سلطنة عمان في التسعينات.
3- اتفاقية التعاون الأمني بين إيران والسعودية وتتضمن أوجه التعاون في مجالات مكافحة الجريمة والإرهاب وغسيل الأموال وغيرها، وسنتحدث عنها فيما بعد.
4- اللجان المشتركة بين إيران ودول المجلس (8 لجان) من أهمها اللجان العليا بين الطرفين.
5- زيادة حجم التبادل التجاري بين الجانبين الخليجي والإيراني، والذي بلغ ما يقارب 4، 2 مليارات دولار عام 2001م.
6- إعفاء مواطني دول مجلس التعاون من الحصول على تأشيرات دخول إلى إيران( ).
7- التنسيق التام بين السعودية وإيران في اجتماعات منظمة دول الأوبك لمناقشة زيادة إنتاج دول الأوبك من النفط خلال الفترة الممتدة من أوائل 2000 حتى الآن، بعدما أدت سياسات المنظمة إلى رفع سعر برميل البترول حتى وصل إلى ما يقارب 30 دولارا للبرميل الواحد( )، ثم إلى أكثر من 60 دولارا فيما بعد.
وكما يرى بعض الدارسين، فقد كان لتبادل الزيارات بين الطرفين الدور الكبير في عملية التقارب، كأهم عامل بهذا الخصوص؛ فقد تولد عنه الكثير من العوامل التي عززت من أوجه التقارب.
ثالثاً: تبادل الزيارات بين السعودية وإيران:
منذ انتخاب الرئيس الإيراني محمد خاتمي (شهر محرم 1418ه، مايو 1997م) أضحت طهران مزارا لكبار المسؤولين السعوديين؛ فقد زارها الأمير عبدالله ولي العهد آنذاك أثناء مؤتمر قمة المؤتمر الإسلامي بطهران في شهر ديسمبر 1997م، وتعد أول زيارة رفيعة المستوى بين البلدين منذ قيام الثورة الإيرانية 1979م. وزار وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء الدكتور عبد العزيز الخويطر طهران بُعيد انتخاب الرئيس خاتمي حاملا رسائل من كبار المسؤولين السعوديين إلى الرئيس الجديد والرئيس السابق هاشمي رفسنجاني. وزار طهران عام 1998م كل من سعود الفيصل وزير الخارجية ووفد من مجلس الشورى السعودي برئاسة رئيس المجلس الشيخ محمد بن جبير. وفي شهر مايو عام 1999م زار الأمير سلطان وزير الدفاع والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء آنذاك طهران حيث التقى خلالها كبار المسؤولين على رأسهم مرشد الثورة
علي خامنئي( ). ويلاحظ على هذه الزيارات تأكيدها عمق الصداقة والإصرار على توثيق
العلاقات بين البلدين.
وفي المقابل، قام الجانب الإيراني بزيارات مماثلة إلى الرياض؛ فقد قام الرئيس الأسبق رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام بزيارة في شهر مارس عام 1998م على رأس وفد كبير ضم كلا من كمال خرازي وزير الخارجية آنذاك وعبد الله نوري وزير الداخلية وغيرهم من كبار المسؤولين ورجال الدين. وفي مايو عام 1999م قام الرئيس محمد خاتمي بجولة عربية شملت كلا من سورية والسعودية وقطر.
ونتيجة لهذه الزيارات، فقد استأنفت الخطوط الجوية في كلا البلدين رحلاتها إلى البلد الآخر، وأقيم في جدة خلال شهر نوفمبر 1998م معرض للصناعات الإيرانية ضم منتجات أكثر من مائتي شركة ومصنع. وقامت سفن حربية إيرانية في شهر مارس 1999م بزيارة بروتوكولية إلى الموانئ السعودية كرمز للصداقة بين البلدين.
ووصل الأمر إلى أن طرحت إيران فكرة التعاون العسكري بين الدولتين خلال زيارة الأمير سلطان لها عام 1999م، إلا أن الأمير سلطان استبعد هذه الفكرة آنذاك مفضلا التركيز على جوانب التعاون في المجالات الأخرى. وقد توجت السعودية هذه العلاقات بين البلدين بتعيين سفير لها في طهران من أبناء الطائفة الشيعية الذي كان عضوا في مجلس الشورى السعودي( ).
نلاحظ من الزيارات التي يقوم بها المسؤولون الإيرانيون أنها تنبع من دوافع عقائدية بحرصهم خلال زياراتهم تفقد أبناء طائفتهم وتدارس أوضاعهم مع قيادة البلد المضيف. كما كان يحصل في زياراتهم للسعودية من التوجه إلى الأحساء والقطيف وغيرها من تجمعات شيعية في المنطقة الشرقية من السعودية.
وقد أعلن الرئيس خاتمي في زيارة له للسعودية 2003م أن التقارب السعودي - الإيراني ضمان للمنطقة، بعد استبعاده حصول إيران على الأسلحة النووية. كان ذلك في حديث للوطن السعودية (16/يوليو/ 2003). وقد أوضح في رد عن تقييم العلاقات مع السعودية، فأجاب "جيدة. يجب المقارنة بين الوضع قبل سبع سنوات وقبل هذه السنة، اليوم نحن أقرب إلى بعضنا، وحققنا الثقة بعدم تدخل أي منا بشأن الآخر واحترام الطرف المقابل، كما حققنا الاطمئنان بضرورة توسيع التعاون بين البلدين. . . وبالتالي يتمتعان (إيران والمملكة) بالأهمية والتأثير، وتقاربهما وحل خلافاتهما من شأنه أن يكون فعالا جدا حتى إننا توصلنا في هذا الإطار إلى عقد الاتفاقية الأمنية المهمة، كما وقعنا بعدها مع البحرين واليمن والحديث اليوم هو توقيع اتفاقات مع الكويت وعمان وسائر الدول في الخليج"( ).
وبعد زيارة الرئيس محمود أحمدي نجاد السعودية (بين 7-8 ديسمبر 2005)، للمشاركة في اجتماع القمة الطارئة للدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي والذي عقد في مكة المكرمة، فقد وصف نجاد القمة الإسلامية الاستثنائية في مكة المكرمة بأنها مهمة وجاءت في وقتها المناسب بدعوة من خادم الحرمين الشريفين لمناقشة المستجدات والتحديات التي تواجه الأمة الإسلامية. وكان قد أكد في مؤتمر صحفي عقده في قصر الصفا في مكة المكرمة بحضور وزير الثقافة السعودي، أن العلاقات الإيرانية السعودية متنامية قائلا إن إيران والسعودية دولتان مؤثرتان في المنطقة والعالم الإسلامي وأن بينهما نقاط مشتركة كثيرة وأن وجهات النظر متقاربة( ). علما بأن الرئيس نجاد كان قد أعلن في أول مؤتمر صحفي له عن تعهده بانفراج العلاقات مع العرب.
وقد تواصلت الزيارات في حقبة الرئيس محمود أحمدي نجاد لدول الخليج؛ فقد قام نجاد بزيارة إلى الكويت (27/فبراير/2006) هي الأولى من نوعها لرئيس إيراني منذ قيام الثورة عام 1979م، وصرح بالقول أن قوة بلاده تعد قوة لدول المنطقة. وبالنسبة للخلاف الكويتي الإيراني بخصوص الجرف القاري وحقل الدرة، وهو الخلاف الموجود بين البلدين منذ أكثر من ثلاثة عقود، فقد قلل الرئيس من أهمية الخلاف، قائلاً: "إنه لا يوجد أي خلاف غير قابل للحوار والحل بين الدولتين"( ).
رابعاً: عقد الاتفاقية الأمنية بين السعودية وإيران وتوجيه العلاقات الخليجية الإيرانية:
إن العلاقات السعودية الإيرانية تكتسب أهمية خاصة في تشكيل منظومة العلاقات الخليجية الإيرانية، وذلك بحكم الثقل السياسي والتاريخي والديني والاقتصادي الذي تمثله الدولتان. فليس من باب الصدفة أن سياسة واشنطن تجاه منطقة الخليج قد اعتمدت على الدورين السعودي والإيراني في توجيه سياساتها بخصوص المنطقة لحقبة طويلة. لذلك فقد أدركت السياسة الإيرانية منذ عهد رفسنجاني أهمية العلاقة المتوازنة مع العربية السعودية لكونها الدولة الكبرى في مجلس التعاون الخليجي، وباعتبارها مفتاحا لعلاقات عربية متوازنة. ونتيجة لذلك فقد شهدت العلاقات الإيرانية السعودية في العقد الأخير درجة عالية من التنسيق الاقتصادي والسياسي، تم ترجمتها إلى زيارات من قبل المسؤولين في كلا البلدين وعلى مستوى رفيع، كما ذكر سابقا، توجت بتوقيع الاتفاقية الأمنية بين البلدين في طهران في شهر أبريل 2001م، بحيث يمكن القول إن هذه الاتفاقية تمثل مرحلة مفصلية ليس في تاريخ الدولتين فحسب، بل في تاريخ الإقليم الخليجي كله نتيجة للاعتبارات التالية( ):
1- دور وأهمية الدولتين في تشكيل وترسيخ السياسات الأمنية في منطقة الخليج، إلى جانب اقتناعهما بأن العلاقات بينهما قد وصلت مرحلة من العقلانية والنضج غير مسبوقين، وحسب ما قيل عن الاتفاقية من قبل الطرفين رسميا وإعلاميا.
2- على الرغم من الطابع الأمني للاتفاقية (مواجهة عمليات التهريب، والجريمة المنظمة، وغسل الأموال. . . الخ)، فإن دلالاتها السياسة أكبر بكثير من تلك القضايا، إذ كانت بداية مرحلة تنسيق سياسي بين الدولتين في عدة مجالات لضمان الاستقرار في المنطقة.
3- تساعد الاتفاقية على تعزيز الثقة بين دول الخليج وإيران، ليكون مفتاحا في المستقبل لحل الكثير من المسائل العالقة بين ضفتي الخليج؛ مثل قضية الجزر الإماراتية المحتلة، وقضية الجرف القاري مع الكويت والسعودية.
4- تعـزز الاتفاقية تنسيق الخطوات بين البلدين في المجـالات الاقتصادية والإعلاميـة والثقافية ضمن مبادئ التعاون الجماعي واحترام خصوصية الآخر.
بإمكانكم إكمال قراءة البحث هنا
http://forum.alnel.com/thread-19414.html