عام على السيطرة
أنصار الشريعة.. هكذا سيطروا على أبين وهكذا حكموها (2)
عبد الرزاق الجمل ـ صحيفة الوسط
سيطرة القبائل على مدينة شقرة الساحلية تعني الحيلولة دون وصول الإمدادات لأنصار الشريعة في مدينتي جعار وزنجبار، والتي تأتي غالبا من المحافظات المجاورة، مأرب وشبوة، رغم وجود طرق تهريب صعبة وغير آمنة. ووجود مدينة شقرة بالقرب من مديريات مودية ولودر والوضيع يعني أن هذه السيطرة قد تطول، نظرا لوقوع تلك المديريات تحت سيطرة اللجان الشعبية المدعومة من صنعاء والرياض لمحاربة القاعدة.
كما أن سيطرة القبائل على تلك المدينة الصغيرة يعني وقوع أنصار الشريعة في جعار وزنجبار بين الجيش من جهة عدن وبين القبائل من جهة شقرة التي تبعد عن زنجبار بنحو 35 كيلومتر. هذا ما قالته بعض وسائل الإعلام بعد سيطرة القبائل على مدينة شقرة في 19\7\2011م: لقد وقع أنصار الشريعة في كماشة الجيش والقبائل.
لكن أنصار الشريعة لا يتواجدون في مدينتي جعار وزنجبار فقط، فلهم تواجد في مديرية المحفد على الحدود مع شبوة، وهي مديرية تقع خلف مدينة شقرة من جهة الشرق، وقريبة من مديرية مودية، كما أن لهم تواجدا في مدينة عزان بمحافظة شبوة. المدينة التي شكلت مركز إمداد هام لأنصار الشريعة في حربهم بمحافظة أبين. وهذا يعني أن أية مضايقة لهم في الطريق إلى زنجبار ستقابل بمضايقة مشابهة منهم لتلك القبائل في الطرق التي يسيطرون عليها، والغالب أن تنتهي مثل هذه الحالات إلى التزام كل طرف بعدم مضايقة الطرف الآخر أثناء مروره من مناطق سيطرته.
• يوليو 2011م شهر الارتباك
كان شهر يوليو "7" 2011م هو شهر الارتباك الكبير بالنسبة لمقاتلي أنصار الشريعة، وربما بدا لبعضهم أن خطوة الظهور والسيطرة على الأرض لم تكن محسوبة بدقة، وأن سهولة السيطرة على الأرض قد لا تعني الاحتفاظ بها طويلا، وأن الاحتفاظ بها قد يكون على حساب خسائر تفوق هذا المكسب، بالإضافة إلى أن العودة إلى الوضعية السابقة، وضعية الاختفاء في الجبال وشن حروب عصابات، تتطلب وقتا للترتيب.
في ظل هذه الورطة الجغرافية الجديدة سيكون على أنصار الشريعة أن يتخذوا قررا جريئا، قبل أن تفعل ذلك قبائل محافظة أبين القادمة من شقرة إلى زنجبار بالنيابة عنهم.
• انقلاب بعض القبائل يضاعف الأزمة
إلى جانب ما بدا أنه أزمة جغرافية بدا أيضا أن أنصار الشريعة يعيشون أزمة أخرى، تتمثل في انقلاب القبائل عليهم، وهي التي رحبت بهم مسبقا "بسبب معارضتها للسلطة المركزية في صنعاء" كما يقول الزعيم القبلي من مديرية مودية محمد النخعي.
وأضاف النخعي أن "القاعدة باتت في وضع حرج جدا لأنها لم تتوقع بأنها ستتعرض لمثل هذه المضايقات التي ستحد من نشاطها بشكل كبير كون أبين تشكل منطقة إستراتيجية لها بحكم موقعها القريب من عدن".
ونقلت فرنس برس حينها عن أحد الأعيان المتعاطفين مع تنظيم القاعدة قوله "إن التحدي الذي يواجهه التنظيم هو وقوف القبائل ضده مما سيؤثر على نشاطه أكبر من خطر ملاحقته من قبل السلطات، وإذا استمرت القبائل في هذا النهج فستزول القاعدة من المحافظة".
وكانت القبائل التي تمكنت من السيطرة على مدينة شقرة الساحلية في 19يوليو 2011م قد أمهلت أنصار الشريعة المتواجدين في منطقة العرقوب القريبة 12 ساعة لمغادرة المنطقة قبل أن تضطر لدحرهم منها بالقوة. كانت مدينة زنجبار هي الهدف التالي للقبائل بعد مدينة شقرة.
لم يكن أنصار الشريعة حينها قد ردوا على ما يقوم به بعض أبناء القبائل، وكانوا يأملون أن ينتهي الأمر إلى تفاهم يحيد القبائل عن المشاركة، تجنبا لتبعات فتح جبهة جديدة، لكن قرار الطرف الآخر كان يُصنع ويتخذ في صنعاء قبل أن تنفذه القبائل في أبين.
كانت معظم الأخبار التي تنشرها وسائل إعلام محلية وخارجية تتحدث عن تقدم قوات القبائل والجيش في المعارك ضد أنصار الشريعة. لكن أنصار الشريعة لايزالون يحكمون الحصار على اللواء 25 ميكانيكي منذ سقوط مدينة زنجبار في أيديهم، وبقاء اللواء محاصرا يعني بشكل تلقائي بقاء كامل مدينة زنجبار تحت سيطرتهم.
• المخابرات السعودية والطيران الأمريكي
في وسط هذا الكم من الأزمات، لم يكن أنصار الشريعة بحاجة إلى أن يفقدوا قادة كبار بحجم عائض وعوض الشبواني، من آل شبوان بمحافظة مأرب، وكذا علي بن سعيد بن جميل المعروف باسم "موحد المأربي" وآخرين. كان الأمر أكبر من فقد قائدين لو أنهم عرفوا أن قتل وموحد المأربي نتيجة لعمل استخباراتي سعودي، وإن كانوا يعرفون أن طيران أمريكا هو من قام بالمهمة.
ففي تاريخ 13فبراير 2012م أعدم أنصار الشريعة مخبرا كان يتواجد في صفوفهم منذ أشهر قبل أن يكتشفوه، واعترف المخبر الجاملي (من محافظة مأرب) أنه عمل لصالح المخابرات السعودية، وأنه من تسبب في مقتل موحد المأربي (علي بن سعيد بن جميل) وخمسة آخرين بينهم قادة ميدانيون. وهو الشخص الذي ادعت وزارة الدفاع اليمنية في 2011م أنه قتل في مواجهات مع الجيش. لكن الصحف السعودية أكدت أنه قتل بغارة جوية. كان لدي السلطات السعودية تفاصيل دقيقة عن العملية. معظم من قتلهم الطيران الأمريكي كانت تنشر أخبارهم بدقة صحف سعودية.
أي أن عميل المخابرات السعودية هو الذي سهل للطيران الأمريكي عملية اغتيال بعض أولئك القادة، وربما يقف مخبرون آخرون لم يكتشفوا وراء استهداف البعض الآخر، لأن الطيران الأمريكي أعمى حين لا يجد على الأرض من يقوده إلى أهدافه. أي أن أمريكا والسعودية وقوات الجيش والقبائل والمخبرين، كانوا جميعا يعملون داخل محافظة أبين ضد خصم واحد بدا أنه يعاني من أكثر من أزمة، لكنه سيقاتل حتى النهاية.
ما زاد الطين بلة هو أن زوارق حربية أمريكية كانت تشارك قوات الجيش حربها ضد أنصار الشريعة في مدينة زنجبار بقصف من البحر على مناطق تمركز مقاتلي الأنصار فيها.
وقد ذكرت وكالة "فرنس برس" نقلا عن مواطنين أن زوارق حربية أمريكية انتشرت في السواحل اليمنية، قبالة منطقة زنجبار، وبأنها تقترب من سواحل منطقة زنجبار.
لكن فشل الطيران الأمريكي في اغتيال المطلوب الثالث الشيخ فهد القصع أنقذ أنصار الشريعة من أزمة أخرى. وكانت بعض وسائل الإعلام قد نشرت خبر مقتل الشيخ القصع بغارة جوية أمريكية استهدفت قسم شرطة كان متواجد بجانبه في مديرية الوضيع بتاريخ 17يوليو 2011م.
وحينما التقيت بالشيخ فهد القصع في شهر سبتمبر 2011م، أي بعد تلك الغارة بشهر ونصف، أخبرني أنه كان متواجدا بالفعل في تلك المنطقة، لكنه نجا من القصف.
لقد سهلت كل تلك الأجواء، بالإضافة إلى حداثة سيطرة أنصار الشريعة على تلك المناطق في محافظة أبين، وكذا حداثتهم بالإستراتيجية الجديدة، إستراتيجية الظهور والسيطرة، سهلت على الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية تجنيد مخبرين، كما سهلت على المخبرين حرية العمل، فأنصار الشريعة في حالة حرب مستمرة، وهذه الحالة تعني الارتباك المستمر والانشغال بالعدو المعروف في مناطقه المعروفة، لهذا السبب نجح الطيران الأمريكي في اصطياد قادة ميدانيين مهمين، لعل أبرزهم، أبو علي الحارثي، وهذا غير أبي علي الحارثي الذي اغتالته الطائرات الأمريكية أواخر عام 2002م في صحراء مأرب، وكذا عمار عبادة الوائلي، الذي كان خبيرا بالمدفعية، وقتل بقصف جوي أمريكي في وقت حاجة التنظيم الماسة لخبراته.
كما خسر التنظيم عددا من مقاتليه في كل تلك المواجهات، أورد بعضهم في إصدار له باسم "ركب الشهداء". وكثير منهم قتلوا بصواريخ الطيران الأمريكي. وحصيلة قتلاه هذه قد تبدو كبيرة، إن اعتمدنا التقديرات الدولية التي تقول إن مقاتلي تنظيم القاعدة في اليمن يقدرون بنحو 300 مقاتل. لكن أعداد مقاتلي التنظيم كانت قد تجاوزت تلك التقديرات بعشرات المرات، بعد أن التحق به كثيرون من مختلف المحافظات اليمنية، كما مثل هروب أكثر من ستين من عناصره من سجن المكلا المركزي بتاريخ 22 يونيو 2011م دعما قويا له، حيث اتجه كل هؤلاء إلى محافظة أبين للمشاركة في القتال إلى جانب أنصار الشريعة.
كان الطيران الأمريكي حينها في أوج استباحته للأجواء اليمنية. وعلى خلاف ما قاله مسئولون في البيت الأبيض، كان هذا الطيران لا يفرق في عملياته بين قيادي ومقاتل عادي. وكان مسئولون أمريكيون قالوا إن عمليات الطيران الأمريكي تقتصر على قائمة لقادة قاعدين مصادق عليها من البيت الأبيض.
وحينما زرت محافظة أبين في تاريخ 30 أغسطس 2011م، كانت الحفر التي أحدثتها الصواريخ الأمريكية تمتد على طول الطريق العام من المحفد مرورا بشقرة وحتى مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين.
ونقلت وسائل إعلام أمريكية حينها عن مسئولين أمريكيين قولهم إن الإدارة الأمريكية استغلت انشغال أطراف الصراع في اليمن لشن حرب مباشرة على تنظيم القاعدة عبر طائراتها من دون طيار.
• أغسطس 2011م شهر ترتيب الأوراق
كان على أنصار الشريعة أن يعيدوا ترتيب أوراقهم، وأن يتم ذلك بشكل سريع، وأن يبدؤوا بالأكثر أهمية. ولم يكونوا بحاجة إلى من يقنعهم بأن السيطرة على مناطق حيوية جديدة وتوسيع رقعة التواجد وفتح منافذ للدعم هو أهم ما يمكن البدء به، لأن هذا الأمر أيضا جزء من خطة إسكات الإزعاج القادم من قبل لجان القبائل، وكذا جزء خطة تقليل الخسائر.
وكانت مدينة شقرة الساحلية، بموقعها الجغرافي المتميز، أهم منطقة يمكن أن يسيطر عليها أنصار الشريعة مجددا، لأنها ستؤمن خطوط الإمداد من المحافظات الشرقية، وستغلق بعض المنافذ لمديريات خارجة سيطرتهم، مودية، ولودر، والوضيع.
وبقليل من المقاتلين، لا يتجاوزون العشرين، استطاع أنصار الشريعة بتاريخ 19 أغسطس 2011م، أي بعد فقدانهم لها بشهر تماما، استطاعوا أن يستعيدوا مدينة شقرة الساحلية من القبائل. لم يكن لدى أبناء القبائل ما يدفعهم إلى الاستبسال في القتال حتى النهاية بعد أن نهبوا كل ما في منشآت الدولة داخل المدينة. أجهزة بملايين الريالات قُطعت وبيعت خردة بمبالغ زهيدة، وإن كان هؤلاء ـ في لغة وسائل إعلام المعارضة ـ قبائل منضمة أو مؤيدة للثورة. كانت وسائل إعلام المعارضة تقول إن الحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة من بعض دواعي تشكيل تلك اللجان.
لقد نجح أنصار الشريعة في تحقيق أهم ما سيعينهم على تحقيق باقي خططهم الأخرى.
• العرقوب ونهاية دور القبائل
منطقة العرقوب التي سبق للقبائل وأن أمهلت أنصار الشريعة 12 ساعة للانسحاب منها سلميا قبل أن تضطر لإخراجهم منها بالقوة في شهر يوليو، لاتزال تحت سيطرة القبائل، ولهم تواجد كبير في نقطة هناك.
أما أنصار الشريعة الذين باتوا يسيطرون على مدينة شقرة القريبة، فلم يكن عليهم أن يتوقفوا عند ما تحقق. ففي تاريخ 21\ أغسطس \ 2011م، أي بعد السيطرة على مدينة شقرة بيومين، كانت سيارة أبي جليبيب الصنعاني المحملة بالمتفجرات تتجه شمالا نحو هدفها.
ربما كان من في نقطة العرقوب، من أبناء القبائل والعسكريين بلباس مدني، يعيدون ترتيب صفوفهم لاستعادة مدينة شقرة، بعد أن أزعج خبر السيطرة عليها جهات دعم لجان أبين الشعبية في صنعاء. لأن خبر السيطرة على مدينة زنجبار من قبل أبناء القبائل والجيش هو ما كانت تلك الجهات تنتظر أن تسمعه لا خبر استعادة أنصار الشريعة لمدينة شقرة.
كانت المعارضة في صنعاء حينها منشغلة بالترتيب لما بعد فشل التوقيع على المبادرة الخليجية، وخروج صالح بخطاب جديد موجه لقبائل اليمن من العاصمة السعودية الرياض قال فيه إنه سيعود إلى اليمن قريبا. لكن أبين مصدر الحسم في نظر المعارضة، ومن تلك المحافظة تأتي كل هواجسها، لهذا ادعت بعض وسائل إعلامها أن المحروق (كما كان بعضهم يسميه) سلَّم مدينة شقرة لأنصار الشريعة ردا على إعلان المعارضة عن بدء إجراءات تشكيل المجلس الوطني. بل إن هذا هو ما نقلته وكالة "رويترز" عن قادة في المعارضة.
لم يسلم صالح مدينة شقرة لأنصار الشريعة، ليس لأنه كان منشغلا بجروحه بمشفاه في المملكة العربية السعودية، ولكن لأن أنصار الشريعة استعادوها من أيدي أبناء القبائل "المؤيدين للثورة"، ولم يسلمها الجيش لهم بعد أن سلمها أبناء القبائل له، كما ادعت وسائل إعلامهم.
لهذا واصلت سيارة أبي جليبيب الصنعاني المفخخة طريقها حتى استقر بها المقام في نقطة العرقوب التي يتواجد فيها العشرات من أبناء القبائل، وهناك انتهى كل شيء تقريبا. لقد تحول تلك المنطقة إلى ساحة لأشلاء متناثرة.
وعلى غير العادة تطابقت مصادر أنصار الشريعة مع مصادر الآخرين في تحديد الخسارة التي تجاوزت الأربعين قتيلا في صفوف اللجان الشعبية. وقد وثق التنظيم هذه العملية في فيلم "أمة واحدة". وفيه عرض التنظيم هويات عدد من المنتسبين إلى المؤسسة العسكرية كانوا يتواجدون في نقطة العرقوب بلباس مدني. لهذا بدا المسئول العسكري لتنظيم قاعدة الجهاد في جزيرة العرب، أبو هريرة الصنعاني، واثقا وهو يتحدث عن خدعة "اللجان الشعبية" وعن موقف القبائل الإيجابي من أنصار الشريعة.
وأيا كانت نسبة أبناء القبائل في تلك اللجان، وأيا كان موقف القبائل من أنصار الشريعة، فإن الشيء المؤكد هو أن تلك العملية نجحت تماما في تحييد قبائل أبين عن مشاركة صنعاء في هذه الحرب بعد ذلك. لكن المهم هو أن عملية العرقوب تزامنت مع عملية أخرى نفذها تنظيم القاعدة في منطقة اللجان الشعبية، في مديرية مودية، وقتلت عددا من قادة تلك اللجان.
كانت هذه هي المرة الثانية التي يحقق فيها أنصار الشريعة نجاحا مزدوجا من العيار الثقيل عزز من قوة سيطرتهم على مدينتي زنجبار وجعار. وهنا يبدو أن أمور أنصار الشريعة بدأت تسير في اتجاه معاكس تماما لاتجاه سيرها في الأيام الماضية.
نكمل في حلقات قادمة إن شاء الله.
ـــــــــــــــــــ
تصحيح.. تجنيد القبائل بدأ في منتصف شهر يوليو وليس في شهر يونيو، كما ورد في الحلقة الأولى.
|