عيال الهامبو .. والحجة فطوم
يا حجة فطوم بقاء الشعوب يعتمد على بقاء الهوية والعادات الشعبية والحواري ملاعب الصبا . جاء الغزو الهمجي من عيال عفاش وبدأ شراء البيوت العدنية ، كانت هناك جريمة مدبرة بكل وحشية وقذارة . فجأة .. فجأة وأكرر فجأة رفع الغزاة أسعار البيوت في عدن وخاصة في الحواري العدنية ، أحضروا بلايين الريالات من مطبعة صالح بن عفاش للنقد .. بيوت شعبية قاعي دفعوا فيها ملايين الريالات. ما هو الغرض من ذلك ؟ تدمير الحوراي العدنية وإلغاء الهوية العدنية الجنوبية العربية ، أكبر وأقذر غزو فكري وثقافي . يا حجة فطوم جاء الملك عبد العزيز من نجد وغزا أرض الأشراف – أرض الحجاز ودخلها وأستولى على الحجاز القديم – أرض قريش . في البداية حاولوا تغير الهوية الحجازية ولكن كان هذا محال طمس التاريخ الهاشمي الحجازي ، تركوا الأمر لأن هذا تاريخ أمة منذ عهد النبي إسماعيل .. وبقت المطبقية والهريسة والكراعين الحنيذ وخبز التميس مع الفول في مطاعم مكة المكرمة وجدة .. تاريخ أمة.
قالت الحجة فطوم أصبر يا محمد بأعمر ماي فرست بوري وبعدين حازيني محازي عدن الحبيبة. يا حجة فطوم بعد أيام من الثورة المصرية عام 1952 لاحظت أم كلثوم سيدة الطرب العربي المثقفة التاريخية إن الإذاعة المصرية توقفت من إذاعة أغاني الأسطورة العربية بنت الشام فيروز . رفعت سماعة التلفون وتحدث مع مدير الإذاعة المصرية عن سبب منع أغاني فيروز ، قال لها إن أحد الضباط الأحرار أمر بذلك. صدمت أم كلثوم وأتصلت في الحال بجمال عبد الناصر وأخبرته بالأمر ، غضب جمال غضبآ شديدآ وأتصل بمدير الإذاعة وقال له الآن ويوميا تذيعوا أغاني فيروز .. جمال يحب أغاني فيروز . الثورة المصرية هي الحضارة والفن والعلم والأدب ، وأعتراف جمال بهوية وفن الشعوب العربية . إن طمس الهوية و التراث الحضاري جريمة في غاية الخطورة ، واليوم النظام اليمني منذ الوحدة اليمنية السرية الخطيرة التي دمرت بلادنا و تاريخنا - يحاولوا طمس هويتنا، باعوا أمنا عدن في صفقة قذرة غامضة ..
قالت الحجة فطوم قلبي يوجعني على قتل النساء والأطفال في تعز .. اليوم شكلوا حكومة بندول ، لا يغيبك يا اسبرو وأسبرين لوجع الرأس والشقيقة وممكن كمان يداوي الغُش والهُجش والآصي والخُلفه في المعدة من سؤ التغذية وسموم شركة العفاش التجارية – المؤسسة التجارية العسكرية الإقتصادية التي سممت عدن وعيال عدن. قالت الحجة هات يا محمد من السلا والضحك .. قلت لها يا حجة فطوم با أحازيك اليوم من قصص تاريخ عدن .. قصص عيال الهامبو . في حارتنا حارة القاضي الحارة خلفها حارة الشريف وفي الركن أمام بيت فنان عدن التاريخي يقع المطعم التاريخي .. مطعم صالحو الصومالي في بيوت با جنيد . يا حجة فطوم كان هذا الرجل الذي أحب عدن وقد ذكرنا تاريخه وقصصه كثيرآ ، كان يبيع اللحم والمرق فقط وفي الليل يبيع الكراعين . في مطعم صالحو كان يوجد عيال صومال في سن العاشرة يعملوا في المطعم لخدمة الزبائن والتنظيف والمساعدة في المطبخ .. كانوا دومآ حليقوا الرؤوس خوفآ من القمل .. وكان يطلق عليهم عيال الهامبو، كلمة الهامبو تعني بقايا الأكل ، والعم صالحو يعاملهم كأنهم أولاده.
قالت الحجة فطوم أصبر يا محمد با أعمر ماي سيكند بوري منشان هذه المحزاية اللطيفة. يا حجة فطوم أحضر العم صالحو هؤلاء العيال الأيتام من الصومال ليعملوا في المطعم وكان بقلبه الرحيم يعاملهم برحمة . السبب في اسم عيال الهامبو لأنهم كانوا يأكلوا بقية اللحم والمرق حين يترك من زبائن المطعم .. هؤلاء العيال يأكلوا طوال النهار والليل بقايا اللحم و بقايا الكراعين .. أجسادهم قوية ضخمة . في الساعة 2 ظهرآ يغلق المطعم ويذهب العم صالحو إلى النوم وعيال الهامبو كانوا يسكنوا في المطعم . عندما ينام العم صالحو يتسلل عيال الهامبو إلى الشارع للعب كرة القدم .. كانوا يحبوا لعب الكرة حبآ شديدآ ، وكنا نلعب معهم دومآ الكرة في الحارة . في أحد الأيام كانت هناك مباراة خاصة بيننا وبين فريق عيال الهامبو الرياضي – كانت المباراة على "شرط – أي جائزة 5 شلن". دارت المباراة وتحولت إلى معركة بسبب صحة هدف .. هاجمنا عيال الهامبو بقوة أجسادهم القوية ، ضربونا بقوة وخرجنا بهزيمة .. "ديم محمض بليم" هزيمة تحدث عنها الركبان من بيت النورجي إلى بيت الزيدان.
قالت الحجة فطوم ضاحكة عيال لهم قوة كبيرة يأكلوا لحم و كراعين الليل والنهار ,انتم يا عيال حافة القاضي تأكلوا رز وصانونه مُطافيه .. ما عندكم قوة – عيال ركيكين هشتي. قلت لها لا تتشفي فينا يا حجة فطوم لا تستجعلى الأمر با تسمعي الخبر بعد قليل. عقدنا مجلس طوارئ ، أقترح عبد الله عراقي أن نذهب إلى خالتنا الحجة خدوج بنت جوهر زوجة عمنا معتوق عبدالاه وهي من بنات جيبوتي وشرحنا لها الأمر. قالت ضاحكة شوفوا يا عيالي – عيال الصومال يخافوا من البواكير ويحترموا كل إنسان يحمل باكوره روحوا ألعبوا معهم وقبل وصولكم خليهم يشوفوا أن معكم بواكير. سلمنا على رأسها ونحن نضحك. ثاني يوم اتفقنا مع عيال الهامبو على مباراة ودية دون شرط – أي جائزة مالية. حضرنا إلى الحافة ونحن نحمل البواكير والبعض يحمل وجر – أي عصا صومالية غير أنيقة – يعني صميل . قالت الحجة فطوم ضاحكة أصبر يا محمد با أجيب القفشه حق البوري.
قالت الحجة فطوم يا محمد ايش معنى كلمة "وجر" – قلت لها كلمة وجر كلمة صومالية وهي عصا بدائية تستخرج من شجرة الوجر في الصومال. دارت المباراة وتركنا البواكير والوجر عند عبدالله عراقي الذي كان يجلس فوق قعاده أمام محل الدوبي سيف . فجأة حدث خلاف عن صحة هدف ، قام إسماعيلو بردع صالح زيدان ، دارت المعركة فجأة وبقوة غريبة ، رمى لنا عبد الله عراقي بالبواكير والوجر ، وضربنا عيال الهامبو الذين أخدتهم المفاجأة بإستعمال هذا السلاح الذري القاتل .. سلاح البواكير. هرب عيال الهامبو في ذعر من هول المفاجأة الرهيبة وعادوا إلى المطعم الذي يبعد عدة أمتار من ميدان المعركة - أنها يا حجة فطوم معركة واترلوا الشهيرة. يا حجة فطوم جلست شهور وشهور لا أمشي من أمام مطعم العم صالحو ، أستعمل الدرج عند بيت الفنان أحمد قاسم ، ثم أحول الطريق إلى حافة العجايز خوفآ من عيال الهامبو. لعب عيال الهامبو دور كبير طفولتنا .. كانوا أصدقائنا ورفاق طفولتنا وأيضآ طفولتهم وملاعب صباهم .. عدن التي أحبتهم .. عدن قمة الرحمة والحضارة والإنسانية – عدن عاصمتنا - عدن المحبة والسلام .
تحجرت دمعة في عيوني .. قالت الحجة فطوم أتركها تسيل وأمسحها .. هناك دموع في تعز وصنعاء وعدن .. الدمع صلاة .. هناك دماء في الشوارع وكل دقيقة ينفجر شريان دم في تعز الريحان والبطولة وصمود الشباب في الساحات وذكرى الشهيدة عزيزة – عزيزة النفس والروح . هل في الجيش اليمني رجل يحمل مسدس وهو يرى دموع الأيتام .. وحزن الأرامل في تعز .. ومخ عزيزة تناثر على قارعة الطريق – قتلها الحرس الجمهوري .. جبناء .. تفوه شاهت الوجوه
محمد أحمد البيضاني كاتب عدني ومؤرخ سياسي كوبنهاجن
__________________
وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق

|