مة بغداد العربية و المبادرة العربية لحل القضية الجنوبية
بقلم : سالم مفلح
هناك ما يشبه الاتفاق بين المحللين السياسيين في الشأن اليمني ، بان ما اطلق عليه اسم ( المبادرة الخليجية لحل الازمة اليمنية ) ، ليست الا خارطة طريق ( دولية ) ، قدمت (لغرض في نفس يعقوب ) عبر ايدي ذوي القربي ، ثم حين تم التوقيع عليها من قبل الاطراف المعنية ، عادت الى حضن المجتمع الدولي ليصدر بها قرارا ملزما .
تقع ( القضية الجنوبية ) من حيث مضمونها الدولي ، في صلب مهام المجتمع الدولي الذي اصدر بشأنها قراراته منذ اول ظهورها اثناء حرب احتلال الوطن الجنوبي عام 1994م ، و هي اخطر بما لايقاس مقارنة بخطورة ( الازمة اليمنية ) ، من حيث مترتباتها الاقليمية و الدولية ، و لا تعادلها في تلك الخطورة الا ازمة الاحتلال العراقي لدولة الكويت الشقيقة .
منذ وقت مبكر من النشأة الدولية للقضية الجنوبية ، اصبح الميثاق و القانون الدوليين ، هما الطرف الثاني في القضية ، و استبعدت او كادت دولة الاحتلال من المشاركة في مداولاتها و معرفة حقيقة امرها و مصيرها ، و اصبح دور الرئاسة اليمنية محصورا في الاستدعاء للتوقيع و التبصيم على ما يقرره المجتمع الدولي ممثلا بمجلس الامن ، و اتخذ الامر بين الطرفين (الدولي والرئاسة اليمنية ) صفة السرية التامة ،او ( سري للغاية )......................................
يبدو ان المجتمع الدولي ما كان له ان يقوم بتحريك قراراته المعنية بالاحتلال اليمني للوطن الجنوبي ، في ظل غيبوبة الشعب الجنوبي عن قضيته ، تلك الغيبوبة التي كانت نتاجا مباشرا لطمس هويته الوطنية الاصيلة بفعل ثقافة اليمننة التي اصابته بحالة عمى وطني طوال مرحلة ما قبل ظهور الحراك الوطني الجنوبي عام 2007م . و نفس الامر ينطبق
على دول مجلس التعاون الخليجي و بيان مؤتمر ( ابها ) الذي رفض صراحة تصرف حكومة صالح بفرض الوحدة بالقوة المسلحة .
استطاعت الحركة الوطنية الجنوبية السلمية المقاومة للاحتلال اليمني ، ان تكسر حاجز الصمت الاقليمي و الدولي ، و تمكنت باقتدار مبهر ان تضع القضية الجنوبية على طاولة المشاكل الاولى بالحسم ، تحسبا لمخاطر خروج الامر عن السيطرة من احد الطرفين او الطرفين معا ، و هو الامر الذي يتحمل المجتمع الدولي و الاقليمي مسؤولية مترتباته التي تم رصدها و توثيقها مبكرا في قرارات مجلس الامن و بيان ( ابها) لدول مجلس التعاون الخليجي .
دوليا استقرت القضية الجنوبية على طلب اعادة المقعد الدولي للدولة الجنوبية ، و هو طلب مسنود بقوة الميثاق و القانون الدوليين ، لا تملك اية دولة كبرى او صغرى حق الاعتراض عليه ، هذا من ناحية ، و من اخري ، ان بند العضوية في المنظمة الدولية ، بند مفتوح و دائم امام مجلس الامن ، و هذا يعني ان الطلب الجنوبي ليس في حاجة لكبير عناية في طرحه امام المجتمع الدولي ، و اذن ، فان اعادة المقعد الدولي لدولة الجنوب مسألة محسومة و حق لا جدال فيه و لا يقبل المساومة او التسويف ، نظرا لكل تلك الظروف المحيطة بالمسألة التي تم ذكرها آنفا .
غير ان لتلك المسألة مترتبات اقليمية لا يستطيع المجتمع الدولي و الاقليمي ان يدير لها ظهره ، تلك المترتبات التي اوجزها وزير الخارجية السعودي في احد تصريحاته الصحفية الاخيرة بقوله : ( ان انفصال الجنوب عن شمال اليمن سوف يحدث زلزالا في المنطقة ) ، و هو يقصد بلا شك ان الجنوب خلال سنوات الاحتلال اصبح المجال الحيوي لشعب دولة الاحتلال ، و ان حدوث فك الارتباط دون ترتيب شؤون البيت ( اليمني ) هو الزلزال بعينه ، الامر الذي سوف ينعكس بالضرورة على الامن الاقليمي بشكل مباشر ، و لعل الدور الخليجي و الدولي لحل مشكلة الازمة اليمنية امس ، يندرج تحت المسؤولية الاقليمية و الدولية في ترتيب البيت اليمني ، استعدادا لاستعادة الوضع الدولي للدولة الجنوبية .
لا يقف الامر فقط عند ترتيب شؤون البيت اليمني ، و هي مسألة دونها التزامات كبيرة اقليمية و دولية ، بل يتعدى ذلك الى التعويضات المستحقة دوليا للشعب الجنوبي عن سنوات الاحتلال ، و تلك قائمة طويلة ، لاشك انها في جاحة الى مساهمة المجتمع الاقليمي و الدولي في تحمل بعض تبعاتها .......................
كما ان اعادة الدولة الجنوبية الى ارض الواقع الوطني الجنوبي ، ليست نزهة سهلة ، بل مسألة لها ايضا تعقيداتها ، التي تتطلب بالضرورة هي الاخرى مساهمة المجتمعين الاقليمي و الدولي في مهمة اعادة تأسيس الدولة الجنوبية و اجهزتها المختلفة ......................
نظرا لكل تلك التعقيدات العملية المحيطة بمسألة اعادة المقعد الدولي للدولة الجنوبية ، فان مؤتمر القمة العربية القادم في بغداد ،يعتبر فرصة سانحة للمجتمعين الاقليمي و الدولي ، لوضع خارطة طريق دولية ، و تقديمها للاطراف المعنية بايدي عربية ، ربما يطلق عليها ( المبادرة العربية لحل القضية الجنوبية ) ، و التي سوف يصدر بها قرارا دوليا ملزما عند اقرارها من قبل الطرفين المعنيين ، تماما كما هو الحال فيما اطلق عليه ( المبادرة الخليجية و آليتها المزمنة لحل الازمة اليمنية ) ، و لعل اجتماع كل من الرئيسين ناصر و العطاس بالسيد العربي امين عام الجامعة العربية ، و كذا رسالة الزعيمين البيض و باعوم له ، تندرج تحت دور القمة العربية القادمة في حل القضية الجنوبية ، كتكليف دولي ........
يترتب و يتحقق ضرورة ، على تلك المبادرة العربية ، اجراء ات التفاوض بين الطرفين المعنيين و باشراف دولي و اقليمي ، وهنا يأتي دور الشعب الجنوبي في دعم فريقه التفاوضي ، من خلال فعل منظم و عقلاني و هادف ، و تلك مهمة لا بد ان تتم بمشاركة مباشرة من القيادات و الكوادر الجنوبية في الداخل و الخارج ، و ارى ضرورة الاستعداد لها من الان و دون تأخير
|