جرة قلم العرب يستبدلون دكتاتورية بأخرى! كتب علي أحمد البغلي :
تمر بلاد «الربيع العربي» بمخاض عسير، وأوضح مثال على ذلك ما يحدث في تونس (مشعلة ثورات «الربيع العربي») ومصر.
إذا ركزنا الأضواء على تونس ذلك البلد العربي، الذي كان شعبه يتسم بالانفتاح والتسامح والمساواة، يكاد ينقلب رأسا على عقب، فبعد فوز «الاخوان المسلمين» (حزب النهضة) بأغلبية مقاعد البرلمان وسيطرتهم على معظم مفاصل الدولة، فهذا الحزب لا يريد الاصطدام المبكر مع المنتمين للتيارات السلفية، الذين طفوا على سطح الارض بشكل مفاجئ وعنيف ومدوٍّ.. سبق ان تكلمت في هذا العمود عن زيارة الداعية المصري المثير للجدل وجدي غنيم، الذي صال وجال في طول البلاد وعرضها، كما يقول أحد التقارير الصحيفة المنشورة عن تلك الزيارة الظاهرة!
غنيم السلفي المتزمت، ومن فوق منابر المساجد التونسية الحكومية التابعة لوزارة الاوقاف، التي يرأسها وزير «إخونجي»، ألقى خطابات قسّم فيها الشعب التونسي الى كفار ومسلمين، وسخر من النشيد الوطني، واجاز ضرب النساء وختانهن، وسمح برفع السلاح في وجه الدولة، كما اعتبر سيادة الشعب كفراً وضلالاً، والحرية الشخصية باطلة وفاسدة، واجاز اقامة حد الردة على من يمارس حرية التدين.
ونحن نرثى لحال الشعب التونسي الذي اثر فيه هذا المتطرف، ونقول لهم «هذا على الاقل داعية زائر سرعان ما سيطس إلى حيث ألقت أم قشعم».. اما نحن فقد ابتلينا بأمثاله ممن اتت بهم صناديق الاقتراع، فبعضهم من مخضرمي التطرف، والبعض الآخر ممن لم ينبت له ريش بعد، ولكننا ابتلينا به، وجاءت به صناديق الاقتراع بفضل طرحه المتطرف المتوازي مع طروحات شيخكم السلفي ذي الطرح الخارج عن المألوف!
***
الإخوان المسلمون لانتهازيتهم ووصوليتهم لم يهاجموا غنيم، فالغنوشي زعيمهم في ذلك البلد قال «إن المشكلة لا تتمثل في هذا الداعية، بل في الاعلام».. وهو ما يعيد لأذهاننا تلقيب زملاء الغنوشي الكويتيين في حزب الاخوان للاعلام الكاشف لهم بالاعلام الفاسد!
الرئيس التونسي المؤقت المنصف المرزوقي اتصف بقدر أكبر من شجاعة الغنوشي، فوصف غنيم ومستضيفيه في تونس بــ «الجرثومة» (حسب ما نشر في الصحافة).
السلفيون لم يقفوا صامتين امام اهانة الرئيس المؤقت لداعيتهم المفضل، فخرج منهم الآلاف في مسيرة بعد صلاة الجمعة الفائتة، رافعين اعلام حزب التحرير السوداء ومرددين هتافات مست بالرئيس والقوى الليبرالية.. ردد فيها المتظاهرون هتافات مثل «وحدة وحدة اسلامية ضد الهجمة العلمانية» و«عم منصف وش تخرف» و«أنا مسلم مش جرثومة» و«الاعلام واللي تابعهم العلماني هو الجرثومة» و«يا اعلام يا وجه البومة».
***
وما نملك إلا القول: عليه العوض ومنه العوض، اذا كان هذا ما اتتنا به صناديق الاقتراع، فنحن استبدلنا بدكتاتورية باطشة (بن علي وحسني مبارك) دكتاتورية بوجه مختلف متجهم تكفيري، لا يؤمن بالرأي الآخر، ولا حرية عقائد، ولا حريات شخصية، هو لا يؤمن الا بأدبياته وفقهائه ممن يعيشون خارج نطاق تغطية واقعنا المعاصر!
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
علي أحمد البغلي
[email protected]
http://arabic-media.com/newspapers/kuwait/alqabas.htm