المشاريع التقسيمية وتركة الرجل المريض
* د. ناصر محمد ناصر
لم تبدأ المشاريع التقسيمية من بعدها الثقافي ولا من بعدها الاجتماعي، فالمجتمع اليمني من أكثر شعوب الأرض تجانساً، وإنما بدأت من بعدها السياسي، ومن مركز النظام نفسه، الذي عمل منذ أكثر من ثلاثة عقود على إجهاض النظام الجمهوري وتحويله إلى ملكية تحت غطاء جمهوري، فأقصى وهمش -بتلك السياسة- كل أبناء اليمن، ليس من المواقع المفصلية في القوات المسلحة والأمن، وإنما من الوظيفة العامة والمشاركة بشكل عام، حيث باتت الوظيفة العامة حكراً على ثلة من محيطه بالقصر، تخدم مشروع التوريث وتعمل في إطاره. ثم ما لبثت حمى التوريث أن تفشت وانتشرت، ففي صعدة رأى بيت الحوثي أن من يسعى إلى وراثة تركة لا يمتلكها لا يحظى بأي مشروعية دينية أو تاريخية، فأخذوا يفتشون في التراث الديني فخرجوا بمقولة البطنين، بعد ألف وأربعمائة سنة قضوها في سبات، وأخذوا يروجون هذه المقولة التي باتوا يرون فيها وسيلة نافعة لامتطاء ظهور اليمنيين وإعادة الملكية من باب المذهبية، مستغلين جملة معطيات داخلية وخارجية، منها تفشي الأمية في الوسط الاجتماعي اليمني، وفشل النظام في إحداث تقدم في عملية التنمية، ووجود بيئة إقليمية مناسبة، لقد مكنتهم هذه العوامل من تحويل الأميين من أبناء القبائل إلى حراب لمواجهة النظام وأدوات وتروس في مشروعهم المذهبي، ولا يخجلون في نفس الوقت من مجافاة العصر ومن إعلان نزعتهم الاصطفائية ونظرتهم الاستعلائية على كافة اليمنيين باعتبارهم سلالة عرقية ذات منزع عنصري تدعي التميز على كافة البشر. وما إن حققت الحوثية أولى انتصاراتها على النظام وأجبرته على التفاوض معها حتى حرك ذلك شهية قبائل الضالع الذين أخذوا يتذكرون ملكهم الذي ضاع، فقد كانت المحافظات الجنوبية حظيرتهم التي طالما ذبحوا وسلخوا فيها دون حساب أو عقاب، وفجأة أصبحت هذه الحظيرة ضمن أملاك مشروع أسروي وراثي يديره الغير، فأخذوا يعدون العدة لاسترداد الملك الذي ضاع.
والحل من وجهة نظري يكمن في تسليم جميع الفرقاء بأن السلطة ليست ملك هذه الحثالات وهذه المخلفات المتصارعة، وإنما هي ملك الشعب اليمني، يسلمها لمن يريد وينتزعها ممن يريد عبر صندوق الاقتراع، في انتخابات حرة ونزيهة وشفافة، السلطة ليست سلعة يمكن سرقتها وتوريثها كما يفعل النظام، وليست تركة أوصى بها الجد لأحفاد الأحفاد كما تفعل الحوثية، التي استيقظت بعد سبات تجاوز ألفاً وأربعمائة عام، وليست حظيرة ضائعة يجب استردادها كما يفعل رموز القروية والمناطقية، أي أن الحل للخروج من هذه الأزمة وهذا المأزق يكمن في مشروع وطني يسع الجميع، مشروع يراهن على المستقبل وعلي قيم العصر لا على العودة إلى ماضِ مذهبي أو مناطقي، فالعودة سواءً كانت مذهبية أو مناطقية، يمينية أو يسارية هي في نهاية المطاف أصولية، والأصولية هي -عبر التاريخ- مكون أعمى لم يجلب للشعوب التي تبنته سوى الدمار والخراب، علينا اليوم أن نبحث عن حلول، وأن نبحث عن هذه الحلول في واقعنا المعاش وفي واقع العصر ومتطلبات المستقبل الإنساني لأجيالنا القادمة، لا في مخلفات نوازعنا الأنانية والمذهبية والمناطقية.
* كلمة أخيرة: ..
الأخ العزيز الدكتور عيدروس النقيب، إن البعرة تدل على البعير، وإصرارك على تحميل الوحدة كل أخطاء، وكل جرائم النظام لا يتعارض مع موقف الحزب الذي تترأس كتلته البرلمانية، وإنما يجسد حقيقة موقفك غير الموضوعي وغير العقلاني من الوحدة، إذ لا يعقل أن يختلط الأمر على شخص بمستوى تعليمك، فلا يستطيع التفريق بين الوحدة والسلطة، إن هناك مئات وآلاف العاطلين والمتبطلين الذين يمكنهم الدفاع عن المواقف المناطقية للعطاس، وأنت كرئيس كتلة الاشتراكي في البرلمان كنا نتوقع منك أن تملأ وأن تستغل موقعك كي تكون مركز استقطاب في إطار مشروع وطني، لا مجرد تابع للعطاس ومدافع عنه، لقد أخفقت مرتين.. الأولى حين عجزت عن ملء وتوظيف المكان والموقع الذي تشغله، والثانية حين قررت أن تضع نفسك في موضع التابع لمن هو تابع أصلاً ولا يمتلك حتى نفسه.
|