الرقص على رؤوس الأفاعي
مطلوب التفكير قليلا بعقل بارد واعطاء هامش للتفاوض ، رغم أجواء الربيع العربي الملتهبة، وقد يلتمس المراقب مبررات موضوعية لحالة الانفعال،أهمها ان من يقود ويحرك الثورات والاحتجاجات هم جيل الشباب ،المتحمس بالضرورة للتغيير اكثر من غيره ، ثم انه ليس سهلا السيطرة على انفجار مخزون هائل من القهر والظلم والفساد ، راكمته انظمة استبدادية طيلة عشرات السنين ، فضلا عن لجوء الانظمة الى القمع الدموي .
ليس المطلوب استمرار الاحتجاجات والاعتصامات لذاتها،فالمهم هو الوصول الى الاهداف ،وفي الحالة اليمنية ربما كان بالامكان الخروج من عنق الزجاجة في وقت مبكر بعد انطلاق ثورة فبراير الماضي،لكن اظن ان سخونة المناخ الثوري و ركوب احزاب المعارضة موجة الثورة ومناورات النظام ،عطل فرص التوصل الى نهاية مبكرة للثورة ،ودخلت العملية في طريق مسدود نحو تسعة اشهر،ووصل الطرفان الى نقطة يحاول كل منهما لي ذراع الاخر،واطلق صالح مقولته الشهيره»فاتكم القطار»!.
التوقيع على اتفاق يتضمن الية تنفيذ المبادرة الخليجية ، من قبل الرئيس علي صالح واحزاب المعارضة»اللقاء المشترك» في الرياض قبل ايام،لم يحسم الأزمة بشكل جوهري،وهو لا يختلف كثيرا عما كان مطروحا في شهر نيسان الماضي عندما اطلقت المبادرة الخليجية،بل ربما حقق الاتفاق لصالح شروطا افضل لخروج»مشرف»من السلطة اكثر مما كان متاحا في البدايات ، ما اثار غضب شباب الثورة ،ووضع احزاب المعارضة التي وقعت على المبادرة في حالة محرجة، وارتفعت اصوات تندد بالمعارضة وتضعها في صف النظام، اذ بعكس ما يطالب به الثوار من تنحي صالح ومحاكمته ، ضمنت المبادرة حصانة له ولابنائه من المحاكمة .
*لست معجبا بصالح ونظامه، فهو من فصيلة الديكتاتوريات العربية العائلية، التي حولت الاوطان الى شبه اقطاعيات ،لكن يسجل لصالح حفاظه على وحدة اليمن رغم ما رافق مسيرة الوحدة من اخطاء ،وينبغي الاشارة ايضا الى ان اليمن الموحد كان في مقدمة البلدان العربية، التي بدأت مسيرة تحول ديمقراطي تعتمد التعددية الحزبية ،قبل ان تنتكس بعد محاولة الحزب الاشتراكي فصل الجنوب مجددا عام 1994 والتي حسمها صالح عسكريا . لا يختلف اثنان على ان السياسة تقوم على الاكاذيب والمناورات والخداع وصالح ليس استثناء ،بل انه قارن ذات يوم بين حكمه لليمن الذي صمد 33 عاما بالموازنات والمواءمات وبين» الرقص على رؤوس الافاعي»،ومع ذلك فقد اطلق اكثر من تصريح في وقت مبكر ،بعد ان تأكد من جدية الثورة،دعا فيه المعارضة للحوار بهدف الاتفاق على جدول زمني لاجراء انتخابات مبكرة،بمعنى انه اعلن استعداده للتنحي وفق الية ديمقراطية لنقل السلطة، ودائما ظل يكرر انه رئيس منتخب وهو صحيح،لكن الثورات الشعبية تسعى لنسف المعطيات السياسية القائمة ،وكان سقف مطالب الثورة يرتفع اولا بأول ،ووصل الى المطالبة برحيل صالح فورا ومحاكمته، هو والعديد من ابنائه ورموز حكمه،وجاءت محاولة اغتياله في مسجد الرئاسة لتزيد الامور تعقيدا.
*وقت طويل تم هدره في الدوران بحلقة مفرغة،من الجدل والسجالات والمناكفات والتحدي المتبادل وسط استمرار التظاهرات والاعتصامات وتعطيل انشطة الحياة ،واظن ان الخسائر الناجمة عن ذلك في الجانب الاقتصادي والحياتي والانساني كانت هائلة ،وان اعادة ترميم ما خلفته الفترة الماضية يحتاج الى سنوات ، وجهود مضنية وأموال ضخمة في بلد يصنف ضمن أفقر دول العالم .ورغم ذلك لا يبدو ان اتفاق الرياض قد انهى الازمة،والافاق لا تزال مفتوحة على المجهول ، بعد رفض شباب الثورة الاتفاق وتصعيد الاحتجاجات ،واكثر ما يثير القلق ان أخطر الاحتمالات لما يجري في اليمن اليوم سيكون انفصال الجنوب،ذلك ان الحراك الجنوبي الذي يطالب بالانفصال، انطلق قبل هبوب رياح الربيع العربي،ومن سخريات القدر ان يفتح رحيل صالح عن المشهد باب* الانفصال .
[email protected]