عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-11-26, 02:28 PM   #8
عبدالله البلعسي
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2009-01-15
المشاركات: 13,875
افتراضي

هدوء اليمن

أحمــد المرشــد
لم تبرح الوساطات الخليجية والدولية العاصمة اليمنية صنعاء علي مدي الاشهر الماضية
وتزايدت التحركات الدبلوماسية مؤخرا علي امل توصل الفرقاء السياسيين في اليمن الي حل سياسي وامني يفضي الي تجنيب هذا البلد المزيد من ويلات الحرب والدمار وانتشار الخراب في البلاد في ظل اسوأ ازمة اقتصادية نتيجة تدهور الاوضاع الاقتصادية. وكلما نجحت وساطة في تقريب المسافات بين هؤلاء الفرقاء، كلما ابتعدت تلك المسافات مع تزايد التراشق بالكلمات وتبادل الاتهامات، لتعود الازمة الي المربع واحد بعدما يتراجع كل طرف عن تعهداته خاصة من جانب مؤسسة الرئاسة. فالمشكلة تكمن بصورة كبيرة في تشبث علي عبدالله صالح بالسلطة .. فهو يصر علي البقاء رئيسا خلال الفترة الانتقالية الي حين اجراء انتخابات رئاسية جديدة، سواء كانت الفترة الانتقالية من ستة أشهر أم سنتين، علي ان يتسلم نائبه عبد ربه منصور هادي ادارة البلاد في هذه الفترة عبر ممارسة صلاحيات الرئيس. ومن العقبات التي يضعها صالح ايضا امام الحل السياسي، تحفظه الشديد عن أي اعادة هيكلة للأجهزة العسكرية والأمنية التي يسيطر أقرباؤه علي المناصب الحساسة فيها، معتبرا أن كل ذلك يضفي جوا من التشاؤم علي فرص الحل الخليجي والدولي.. كان هذا الوضع حتي قبل يوم الثلاثاء الماضي عندما اعلن جمال بن عمر مبعوث الامم المتحدة الي اليمن ان جميع الاطراف باليمن توصلت لاتفاق حول آلية تنفيذ للمبادرة التنفيذية المبادرة الخليجية . وهي المبادرة التي استقبلها المتظاهرون من انصار المعارضة
بغضب شديد، ورددوا هتافات مثل "لا حزبية ولا احزاب ثورتنا ثورة شباب" و"من فوضكم للحوار نحن أصحاب القرار"و " لا تفاوض و لا حوار يكفيكم لعب الأدوار". "علو صوتكم ياشباب سمعو قيادة الاحزاب". وتشدد المتظاهرون بعد دقائق من اعلان قبول المبادرة الخليجية من كلا طرفي الصراع، انهم لن يقبلوا بأية مبادرات لا تتضمن رحيل فوري لصالح وأولاده ومحاكمتهم. واصاب هذا التضارب المراقبين بالتشكيك بشأن استمرار سريان المبادرة ببنودها المختلفة، خاصة وان المعارضين اعربوا عن استيائهم الشديد لعدم تضمن المبادرة نصا يقضي بمحاكمة الرئيس علي كل ماسبق وارتكبه في حق اليمن واليمنيين. والتساؤل الاخر لجماعات المعارضة اليمنية او المتظاهرين اذا شئنا الدقة هو: "كيف وافقت جبهة المعارضة علي بند يتضمن ضرورة موافقة صالح علي نقل صلاحيات الرئيس كاملة الي نائبه، ثم تشكل خلال أسبوع حكومة وحدة وطنية لا تضم بين أعضائها أي متورط أو مشتبه بتورطة في قضايا حقوق الانسان؟". كما تنص المبادرة محل الخلاف علي أن تشكل المعارضة والحزب الحاكم لجنة عسكرية تتولي الاشراف علي الجيش والأمن وازالة التوتر واعادة وحدات الجيش الي ثكناتها. يليها اصدار قانون عدم المساءلة أو الحصانة الذي ينص علي عدم ملاحقة أي من مسؤولي نظام صالح أو أي من معارضيه في اتهامات بحقهم خلال حكمه، ثم تتم الدعوة بعد صدور هذا القانون الي انتخاب رئيس الجمهورية خلال 90يوماَ. وهو الامر الذي اعترض عليه المتظاهرون بشدة، لانه يضع كل من ارتكب جرائم سياسية واقتصادية وجنائية من حزب علي عبدالله صالح في مأمن تام وبعيدا كل البعد عن المسائلة القانونية والسياسية.
موافقة صالح وحزبه علي قبول نصوص المبادرة الخليجية فجأة اصاب المعارضين بدهشة شديدة، فقبل ساعات قليلة من اعلان بن عمر قبول طرفي الصراع توقيع المبادرة، استمر علي عبدالله صالح طويلا في تصلبه في مواقفه، الامر الذي اضفي تشاؤما علي فرص نجاح مساعي المبعوث الدولي جمال بن عمر، وكاد ان يدفع بوساطته الي انسداد الافق السياسي للازمة اليمنية. المشكلة إذاً تكمن في شخص الرئيس، فهو تمسك بنظرية التوريث، هذه النظرية الجهنمية التي تربط الرئيس العربي بكرسي السلطة مدي الحياة سواء له او لاحد انجاله. حتي ان اليمنيين تساءلوا كثير: "ما معني ان يلوح علي عبد الله صالح بتسليم السلطة الي الحرس الجمهوري الذي يقوده نجله العميد احمد؟". واذا اضفنا الي تلك المشكلة مشكلة اخري وهي ان الرئيس صالح نفسه كان قد اعلن قبل ايام انه سيسلم السلطة لنائبه لتجنيب بلاده شر الفتن . فمشكلة علي عبدالله صالح انه يشعر بانه الرئيس الفعلي لليمن في حين ان الواقع يقول عكس ذلك، فلا الشعب يأخذ بكلامه او تصرفاته مأخذ الجد، فهو لم يعد الرئيس لانه ربما يكون مات سياسيا منذ وقوعه اسيرا لاصابته الشديدة التي اقعدته كثيرا وجعلته يختفي عن الانظار لفترة كبيرة لدرجة تشكك فيها بعض اليمنيين بانه لن يعود سليما مائة في المائة وانه مجرد دمية تتحرك. نعود الي ملف التوريث الذي اختار له صالح وقتا غير مناسب بالمرة خاصة مع انهيار هذا الملف في مصر وليبيا، فجزء كبير من الثورات العربية قامت من اجل القضاء علي هذه الفكرة، واليمنيون بطبيعة الحال جزء من تلك الثورة الرافضة لتولي الانجال رئاسة البلاد. وكان حريا بصالح الاعلان عن تنازله عن السلطة الي نائبه كما تقضي المبادرة الخليجية منذ بداية عرضها، وليس ان يقول ان سيسلم السلطة الي الحرس الجمهوري كبديل للمجلس العسكري في مصر وتحديدا الي نجله، فهو اعلان غير مقبول وكان كفيلا باطالة امد الازمة ويدفع بالمبادرات سواء الخليجية او الدولية الي حافة الهاوية.
ربما تكون موافقة الاطراف اليمينة علي توقيع المبادرة الخليجية فرصة سياسية جديرة بالتفكير لتجنب فرض عقوبات دولية علي اليمن، خاصة في ظل موقف صالح والمعارضة برفض نصوص المبادرة والوساطة الدولية، الامر دفع الاطراف الغربية والامم المتحدة لبحث مسألة فرض عقوبات علي أربع شخصيات يمنية من السلطة والمعارضة وهم الرئيس اليمني ونجله العميد أحمد علي عبد الله صالح قائد قوات الحرس الجمهوري، واللواء المنشق علي محسن الأحمر والقيادي في تجمع الاصلاح الشيخ حميد الأحمر، بهدف وضع مزيد من الضغط علي أطراف الأزمة للرضوخ للحل السلمي. وقضية نجل الرئيس صالح في الازمة انه شارك بدور كبير فيها ، خاصة ان كان يتصلب في مواقفه هو الاخر ويميل الي الحل العسكري علي اعتبار امتلاكه للعتاد العسكري، رغم ان كافة المحللين يعتقدون أن الحل العسكري لا يحل المشكلة.
وحتي اذا كانت المبادرة الخليجية قد كتب لها النجاح الجزئي لكي تري النور بعد ان ظلت طويلا حبرا علي ورق، فإن اليمن لا يزال يدور في فلك ملامح الازمة السياسية والامنية. وهذا يتطلب ان يستثمر الوسطاء الغربيون الصفقة السياسية بما يدفع نحو انجاح الحل السياسي او علي الاقل اعطائه فرصة للنجاح وتجاوز الازمة الحالية. هذا لان السيناريو البديل هو ان تبقي الأوضاع علي ما هي عليه، أي معلقة، ويستفيد أمراء الحرب والأزمة في السلطة والمعارضة من خلال تعزيز مواقعهم. فيما يقود سيناريو ثالث متشائم الي أن تنزلق البلاد الي الحرب اذا ما تراجع صالح عن موافقته علي المبادرة الخليجية، واذا ما عاد له الشعور بالتفوق العسكري علي خصومه، مع أن عددا من القادة العسكريين والأمنيين نصحوه بأن الحل العسكري لا يمثل الحل ولن يكون لصالحه بالضرورة.
اجمالا.. ربما فرص الحل قد حانت في اليمن وعلي الجميع استثمارها، حتي يكون الهدوء في اليمن هدوءا دائما وتنتهي الي الابد نظرية التوريث في هذا البلد.
كاتب ومحلل سياسي بحريني

11/2011/ Issue 4054 - Date 26-
Azzaman International Newspape
http://www.arab2.com/akhbar/f/f.html...w.azzaman.com/
__________________
[IMG]file:///C:/Users/dell/Downloads/562735_452337594800990_1195827186_n.jpg[/IMG]
عبدالله البلعسي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس