عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-11-21, 08:09 PM   #90
حسان الجنوب
مشرف
 
تاريخ التسجيل: 2009-05-23
المشاركات: 1,745
افتراضي

السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم

التوفيق بين بر الوالدين وتجنب الحرام


السؤال : كيف أوفق بين خدمة وطاعة والدي وتجنب
الحرام ؟


الجــواب : هـــــذا السؤال يقتضي أن نذكر لك جوابا
مفصلا بشـأن معاملة الولد مع والديه ، وذلك فــي
الأمور الآتية :

أولا : قاعدة الشرع المطهر هــي : أنــــه فرض عين
على الولد البر بالوالدين ، وطاعتهما في المعروف ،
والإحسان إليهــمـــا ، وذلك بلين القـول ، والرفق ،
والمحبة ، والعطف عليهما ،وإيصال النفع إليهما في
أمــور الــديــن والدنيا ، وخدمتهما ، وصلة رحمهما
وأهل ودهما ، وهو من تمام الإحسان إليهما ، وهذا
يشمل كل والد مهما علا ، ومن الأجداد والجدات من
كل ولد مهما نزل من الأبناء والبنات ، وهــذا أمــــر
معلوم من الدين بالضرورة ،والأدلة عليه كثيرة من
الكتاب والسنة والإجماع ، قال الله تعالى ( وَاعْبُدُواْ
اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ) وقال
سبحانه (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَاناً )
وهو وصية الله إلى عباده ؛ كمــا قال عز مــــن قائل
( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّـــــهُ وَهْناً عَــلَى
وَهْنٍ ) إلى أن قال سبحـانه ( وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن
تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا
فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ
مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ )

وفــي الحــديــث المتفق عـلى صحته عن أبي هريرة
رضـي الله عنه « أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقال يا رسول الله : من أحق الناس
بحسن صحابتي ؟ قـال : أمك ، قال : ثم من ؟ قال :
أمك ، قال : ثم من ؟ قال : أمك ، قال : ثــم مــن ؟
قال : أبوك » زاد مسلم : « ثم أدناك أدناك »

ولهــذا جــاءت النصوص من الكتاب والسنة بتحريم
عقوقهما أو إيصال أي أذى إليهما ، وهـذا مما أجمع
المسلمون على تحريمه وأنه مـن أكبر الكبائر وأشد
المآثم ، ومــن العقوق : تـــــرك البر بهما ، والملل
والضجر ، والغضب والاستطالة عليهما ،وبخاصة
في حال كبرهما . نسأل الله السلامة والعافية .
ولهـذا أيضا فإنه على تقدير الإساءة من الوالد لولده
فــإنـه لا يجـــوز للولد المقابلة بالسيئة ، بل يقابلها
بالحسنة ؛ عملا بقول الله تـعــالى ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ)

والوالدان أولى بالإحسان من غيرهما ولقول الله
تعالى ( وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا )

ثــانــيــا : طاعة الوالدين في المعروف واجبة عــلى
ولديهما ما لم يأمرا بمعصية ، فـــإذا أمـــرا بمعصية
« فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق » لقول الله
تعالى ( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جَاهَدَاكَ
لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ) وقــوله
سبحانه(وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ
بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً )

وثبت عن النبي صلى الله عليــه وسلــم أنــه قــال :
«لا طــاعــة لمخلوق فـي معصية الخالق » رواه
الإمام أحمد .

ولهــذا فــإذا أمر الوالدان ولدهما بفعل معصية مـــن
شرك بالله عز وجل ، أو شرب خمر ، أو سفور ، أو
تشبه بالكفار من اليهود والنصارى وغيرهم ونحــو
ذلك مـــن المعاصي ، أو أمــر الوالدان ولدهما بترك
فرض مــن الصلوات الخمس المفروضة ، أو عـــدم
أدائها من البنين في المساجد ،ونحو ذلك مما أوجبه
الله على عباده - فإنه لا يجوز للولد طاعتهما فـــــي
شــيء مــن ذلك ، ويبقى للوالدين عــــلى الولد حق
الصحبة بالمعروف والبر ، مـــن غيـــر طاعة فـــي
معصية أو في ترك واجبا ، أمـا ما يتعلق بطاعتهما
فــي الأمور المباحة والعادية ، وفــي أمــر التزويج
والطلاق ، فهـذا يعود إلى تقدير المصالح والمضار
والمقابلة بينها ، فإذا أمر الوالدان ولدهما بشـــيء
من ذلك منعا أو إيجابا ، والمصلحة فـي مخالفتهما
فلا حرج على الولد في ذلك ،بلطف وحسن معاملة؛
لعموم قوله صلى الله عليه وسلم« أنتم أعلم بأمور
دنياكم » ولا يكــون الولد عاقا بذلك ، وإذا كـــانت
المصلحة راجحة في طاعتهما في شيء مـــن ذلك
ففـــي طــــاعة الولد لهــما الخيـــر والبركة والبر
والإحسان ، والوالدان هما أولى الناس بنصح
ولدهما والحرص على نفعه .

ثـالثـــا : على الولد إذا رأى من والديه انحرافا فـــي
دينهما ؛ كالتهاون في الصلوات وارتكاب المحرمات
وكسب المال الحرام ،أن يبذل النصح لهما بأداء حق
الله عليهما ، والتزام شرعه المطهر ، ويكـــون ذلك
بالرفق واللين ، مع الدعاء لهما بالهداية ، ويحسن
التعاون مع من يساعده مــــن قريب أو صديق فيما
يصلح الحال ، فـــإن حصلت الاستجابة فالحمد لله ،
وإلا فـيستـعــيـــن الــولــــد بالله ويجـتنـب كسبهما
ومساكنتهما ، ويبقى على مصاحبتهما فــي الدنيا
معروفا متبعا سبيل مــن أناب إلــى الله تعــالــــى ،
ولا يعتبر ذلك عقوقا ، لكن لا يجوز أن يحمله ذلك
على عقوقهما والقطيعة لهما . وبالله التــوفيــــق
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .


اللـجــنـــة الـدائمــة للبحــوث العــلـمــيــة والإفــتـــــاء
كتاب : فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
المجموعة : 1 ، الجزء : 25 ، الصفحة : 132
الفتوى : 19680
حسان الجنوب غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس