في هـذه المـرحلة كما في كل المـراحل , على الحـراك السلمي الجنوبي لملمة كل الجهـود لا إلى تشتيتها , والحكمة تقتضي السعي إلى تحقيق تـلاحـم وطني سياسي واجتماعي للقوى والفئات والشـرائح الاجتماعية والسياسية الجنوبية , والنضال جنبا إلى جنب لمقاومة الاحتلال وحمل قضية الشعب الوطنية لانجـاز الهـدف المنشود , فإن كان الجميع صادقين في الدعـوة لتحقيق الوحـدة الوطنية الجنوبية وعملية بناء وتطـويـر الحـراك السلمي وتقـويم عملة خـلال الفتـرة الماضية , فـلا بـد من المصارحة الجادة والصادقة مهما كانت مكلّفة ومؤلمة . . وإلاّ كيـف نعـرف أن الذي نسميه اليـوم حـراكاً سلمياً , ليس هـو تكريساً لماض جعـل شعبنا يـئـن من قسوّة المآسي وشـدّة المعاناة ؟! .
قـد يـرفض البعض مثل هـذا الطـرح وهـذه المصارحة الجادة والصادقة , للاعتقاد بأنها قـد تـزعـزع الأرض تحت أقـدامنا فـنـفـقـد الارتكاز على إحـدى القـدمين ويختل التوازن السياسي والاجتماعي . . قـد يحصل هـذا . . لكن لبـرهة قصيـرة من الـزمن , ولا داعي للخوف مادامت الأخـرى ثابتة , فالأمـر أشبة بتناول حبة الـدواء , ففيها المـرارة وفيها الشفاء أيضاً .
وقـد تكون الممارسات العسكرية القمعية لسلطات الاحتلال ضد جماهير الحـراك والشعب الجنوبي . . مفهومه , وكذلك لجوء نظام صنعاء في حـربه ضد شعب الجنوب إلى الخداع والحيلة والتضليل , مستغلا امتلاك وسائل الدولة السياسية والدبلوماسية والإعلامية , في تبـريـر الاحتلال وتحـريـف وتشويه الحقائق وبـث الإشاعة ونشر الخبـر الكاذب , وقد يكون مفهوماً الهجوم الإعلامي المشوّه للحـراك وللقضية الجنوبية في صحف وإعلام المصطفين مع الاحتلال وأعـوانه والموالين له , ولها مبـرراتها ودوافعها السياسية في الصـراع القائم بين المقاومة الشعبية الجنوبية ( الحـراك ) مع نظام الاحتلال ومن يقف معه ويصطف خلفه . . وهي من الأعمال المغـرضة الهادفة إلى تشتيت وتمـزيق وحـدة الصف الجنوبي , وجــزء من خطط وسياسات الاحتلال بهـدف كسـر الإرادة وهــزيمة المعنويات في الحـرب الدائـرة بين الطـرفين . .
لكن , هل يمكنا مساواة نـقـد مسيـرة الحـراك السلمي الجنوبي , الموجّـة من بعض قـادة الحـراك ومن نشطاه وجماهيـره مهما كان قاسياً , مع ما يـبـث ويصدر عن الاحتـلال , والنظـر إليهما من منظـور واحـد ؟ ! . الجـواب لا , فـلا يمكن المساواة بين ما يصدر عن عـدو يشن حـربا ضد شعبنا وبين النقـد الداخلي لإصلاح مسيرة الحـراك , ولا يمكنا أيضاً وصفـة بالمغـرض أو الهـادف إلى تشتيت وتمـزيق وحـدة الصف الجنوبي , رغـم أن هـذا النقـد مع الأسف الشـديد يأخـذ طابعـا شخصيا في بعض الأحيان مما يضعـف من مصداقيته وقـدرته على الفعـل والتغييـر .
ما يثيـر الحيـرة والدهشة معـا هـو إن أغلبية واضحة من جماهيـر الحـراك يقــرّون أن الحـراك يفتقـر إلى اللوائح والأنظمة والوثائق السياسية والتنظيمية , المنظمة لمسيـرة نضاله الوطني , حيـث يـرافـقها الكثيـر من النواقص والأخطاء , لكن لا أحـد يحـدد ماهـيّـة تلك الأخطـاء أو يعـرّف طبيعتها , أو أن يصمـد على رأيه أمام من ينـكـر وجـودها , أو يعـارض العمل على سـد الثغـرات واستكمال النواقص في كلما يتطلبه الأمـر لتـرتيـب وتنظيم الحـراك السلمي الجنوبي , فما أن يـبـدأ أحـدهم بالحـديث عما يمكن اعتباره ناقصاً وخطـأ , حتى تهـب الأصوات المخلصة دفـاعـاً ( دون وعي للهـدف ) عـن الحـراك , تـارة باسم الظـروف الموضوعيـة وأخـرى بعـدم شـق صـف الحـراك , ثـم يلـي ذلـك وصـف المتحـدث بالمندس وصاحـب مشاريع مشبوهـة أو نعـتـه بالعمـالة والخيـانة , مع حشـر العامل الـذاتي ووجـوب مـراعـاة الظـروف والأوضاع المحلية والإقليمية والدولية التي لها ناسها ومفكـريها من القـادرين على استيعابها وفهمها , وغيـرها من الصيغ الجاهـزة .
إن الحياة العادية سواء للإنسان الفـرد أو للأسـرة , لا تكون طبيعية ولا تستمـر بصورة مناسبة من دون نـقـد وإصلاح وتقويم دوري لمجـرى سيـر حياتها والتحولات الطارئة عليها ومن حولها , كذلك هـو الحال بالنسبة للكيانات السياسية وحـركات التحـرر فـقـد تعتـرضها الأمـراض وقـد تواجـه حـالات من النجاح أو الإخفاق وأحياناً الفناء , إن لم تـراعي تلك الاعتبارات .
إن الإشكالية في أحـد أوجهها , تتمثل في سيادة ثقـافة تنظـر إلى تاريخ الحـزب الاشتـراكي اليمن ( 1969 ــ 1990 ) كأنه تـراثا مقدسا ينبغي صيانته والحفاظ علية كما ورثنـاه . . تـراثاً لا يُسمح المساس به . . وخطاً احمـراً لا يمكن تجـاوزه , فهو تاريخ بطولات وتضحيات ونضال وإخلاص لقضايا الشعب والوطـن , وبعض من هـذا حقيقة لا جـدال فيها , بل لا ينكـرها حتى خصوم الحـزب . غيـر أن المبالغة في التكـرار وممارسة بعض أعضاءه في قيادة الحـراك أنماط سلوك توحي باللجوء إلى أساليب الماضي وكأنها خالية من الأخطـاء , والتـركيـز على هـذا الجانب , يـؤدي لا محالة إلى إهمال ما تبقى من تاريخه .
فهل يُعّـد مثل ذلك السلوك عـودة إلى ممارسة أساليب الماضي ( الوصاية ) ؟ . أم هـو تـرساً لحماية الحاضـر وإبقاء الوضع كما هـو عليه ؟ .
إن معـرفـة الإجابه عن السؤال مهـم جـدا لـتـبُـنـى عليهـا خـطـوات لاحـقـة