يا لثورات العقول و تباً لثورات البقر
كنت في زيارة عمل دورية لأحدى مزارع الألبان , و بعد انتهائي من عملي , عرض عليَّا مدير المزرعة تناول كوب من القهوة في مكتبه . و مدير المزرعة شاب مصري أسمه حلمي عُين مديراً للمزرعة مؤخراً , و لم يسبق لي أن قابلته في زياراتي الماضية . فقبلت الدعوة .
و في بداية الحوار تحدثنا عن حالة الأبقار في المزرعة , و عن الطاقة الإنتاجية , ونوعية الأعلاف , و تناولنا خطط المهندس حلمي لتطوير المزرعة , و ناقشته في خطته لفتح خط أنتاج جديد لإنتاج لحوم البقر و تغليفها . فكان الحوار المهني مثمر و جيد و أحسست أن هذا الشاب في طريقه لعمل نقلة نوعية في هذه المزرعة العتيقة.
بعدها انحرف الحوار كعادة العرب إلى الجانب السياسي , و ربيع الثورات العربية , فبدأنا من ثورة تونس و مصر و ليبيا و سوريا حتى وصلنا إلى الثورات اليمنية ..... فقال: يا دكتور فاهم , ما فيش حاجة أسمها ثورة يمنية ... الصحيح هو أزمة سياسية أو نزاع على الكراسي أو تقاسم الغنائم الثورية , أو الهروب من الحساب إلى ساحة الثورة ..... فقلت : نورني يا مهندس حلمي , كلامك عايز ثورة عشان أفهمه ......
قال : يا دكتور , شفت المشكلة الدائمة في مزارع الأبقار , لمَّا البقر الصغيرة , اللي بنخطط نحولها بقر حلوب بتسيب الثور الجديد و بتروح و راء الثور المسن , و كلما أعدناها إلى الحظيرة التي فيها الثور الشاب الجديد , بتسيبه و تعتزله و بتحاول تروح الحظيرة التي فيها الثور المسن ..... قلت له : نعم .... هذه حالة غريزية عند الأبقار و مش اكتشاف , و لذلك هذه البقر التي تعتزل الثور الجديد , هي مصدر اللحوم , لأنها تحوَّل إلى الذبح . .....
فقال : ممتاز يا دكتور , طيب إنسان عاقل خلق الله له العقل , و منحه القدرة على البحث و الدراسة و الاختيار و اتخاذ القرار , ولا تقوده الغريزة ....... إذا هذا الإنسان ترك كل هذه القدرات, و تبع الغريزة و العاطفة , و التف حول شخصيات منتهية سناً و فكراً و حتى أخلاقاً , فقد كانوا جزء رئيسي من الفساد و أصحاب قرار في تدمير اليمن , ماذا يكون مصيرهم ؟؟؟ أليس الفشل يا دكتور ..... و ألا يذهب إلى مذبحه و فشله بقدميه !!!!
عندها تنبهت إلى شيء كنت أشعر به و لا أستطيع التعبير عنه , و فوراً جاء على بالي , قصة الإطارات المرقَّعة , و كأنَّ القدر يجمع الشواهد للجنوبيين , لتتعلم و تتعظ من غيرها ....... ثم ضحكت من نفسي ...... و قلت لها لقد صدق الرجل , علينا التوجه خلف قيادة جنوبية جديدة شابة , لديها الكثير لتقدمه , و علينا توعية الجنوبيين و الدفع بهم للدراسة و البحث عن ديناصورات الجنوب , و أنهم قد بلغوا من الكبر عتيَّا , و كل هذا العمر الطويل , مليء بالإخفاقات و لا إنجازات فيه تستحق الذكر ... فيه أوردونا من فشل إلى فشل , و من مأساة إلى كارثة ....... و قلت : يا مهندس حلمي , سجل الدكتور فاهم كان بقرةً حتى اليوم , و لن يكون بعدها بقرة لا للذبح و لا للحلب . ..... و سيناضل ليكون جزء من نخبة العقول , و ليس عضو في قطيع البقر الذي تقودها غرائزها .
بقلم / الدكتور فاهم الحدي
23 / 9 / 2011
الصورة في الرابط ههههههههههههههههههههههههه
http://siyasapress.net/default.asp?p...70&NewsID=2957