أخي الكريم / السقلدي ..
علمتنا التجربة الأقسى من الحجر ، والأمر من الصبر مع جيراننا أن نكون على يقظة تُجنبُ أبناءنا وأجيالنا اللاحقة مغبة الوقوع في براثن الغدر والخيانة نتيجة طيب النوايا ودوافع حسن الظن ، ورسخت في نفوسنا القناعة بوجوب الحيطة والحذر ، وفي مثل هذه الدعوة المثالية التي تجنح إلى المحبة والسلم ، وتدعو إلى القبول بالآخر شريكاً في المواطنة لا بد من التأمل في الأبعاد الآتي ذكرها :
أولاً : في أواخر خمسينيات القرن الماضي تشكلت جمعية ( عدن للعدنيين ) وأصبح كل مواليد عدن من أصول آسيوية وأفريقية يطالبون في إطار هذه الجمعية باحتكار عدن كوطن قومي لهم باعتبارهم يشكلون عرقيات متجانسة ، وكونهم يؤلفون جنسية عدنية تذوب فيها جنسياتهم الأصلية ، وأن حاجة الإستعمار إليهم كانت أكثر من حاجته إلى أبناء الجنوب ، ولهذا استقدمهم من مستعمراته في شبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا ، وأسس لهم موطناً تناسلوا فيه ، وأصبحوا في عزلةٍ عن جذورهم ، حتى أنهم أتقنوا اللغة العربية وأصبحت اللغة الأم لأبنائهم ، ومنهم من اعتنق الإسلام ، وتخلى عن نصرانيته أو وثنيته ، كما لعب العنصر التاريخي دوره في الإنتماء بجانب العقيدة واللغة وجغرافية المكان . وهذه الدعوة برغم كونها تندرج تحت مفهوم الجحود ونكران الجميل ، فقد تعامل معها الجنوبيون بصبر وحكمة ، ووضعت الأمور في نصابها تلقائياً عندما تعرض المستعمر نفسه لحرب التحرير التي دامت أربع سنوات أدرك الجميع خلالها أن الوطن أكبر من الوساوس الشيطانية ، وأن أبناءَهُ هم من يصنعون القرار ، وليس لغيرهم الأهلية إلا بالقدر الذي تسمح به المصلحة العليا والأهداف المصيرية للأرض والإنسان ، وتعايش الجميع بمفهوم الإحتواء ، فنحن جميعاً يضمنا هذا البيت المسمى وطن ، ونحن في كنفهِ أسرة واحدة ، وهو بين أضلعنا الهوى السرمدي .
ثانياً : في فترة زمنية تمتد إلى بدايات القرن الماضي كانت عدن تمثل ازدهاراً منقطع النظير ، وقبلة للتجارة الدولية بحكم المضيق الحيوي " باب المندب " وما يمثله من أهمية في الملاحة البحرية بعد قناة السويس ، وطبيعي أن تشهد عدن تدفق أفواج بشرية من اليمنيين المطحونين بين شقي رحى الإمامة ، وكانوا يجدون متنفساً في الجنوب من خلال حملة الإغتراب في مدنهِ وريفه ، ويمارسون مهناً حرة تساعدهم على اكتساب معايشهم ومنهم من استوطن فيها مستفيداً من حرية العيش في الجنوب إبان عهد الإستعمار ( على عكس ما يروج له البعض من أن الإستعمار عمل على تشطير اليمن ) .
هذه الجموع الغفيرة من النازحين اليمنيين شملتهم ذات المعاملة من قبل الجنوبيين ، فهم لم يشكلوا جمعية يمنية على غرار جمعية العدنيين ، ولكنهم شكلوا سياسة ذكية ذهبت بالجنوب والجنوبيين إلى هوةٍ سحيقة بما فيهم عدن والعدنيين .
ولم يرفع جنوبي واحد شعار معاقبة أي يمني أو قل مجازاً " شمالي " بدعوى أنه ينتسب إلى من أضاعوا الجنوب أرضاً وإنسانا . فما زلنا نعتبرهم بجانب إخوتنا الوافدين ممنوحي الحق الكامل في المواطنة متساوية الحقوق ، إن هذا لهو الدليل الذي يجب على كل مُنصف أن يضعه في الميزان ، كيف أن الجنوبيين على هذا القدر من الرقي والحضارة إنسانياً وفكرياً وقومياً .
ثالثاً : بعد حرب صيف عام 94م واحتلال الجنوب ، ركن المحتل إلى قوته العسكرية ، فعمد إلى ممارسة سياسة الفيد والغنيمة ، وحرمان الجنوبيين من مصادر أقواتهم ، وأطلق أيدي المتنفذين للسطو على أراضي الجنوب ومصادرتها ، فعاثوا في الأرض فساداً ، وكان من الطبيعي أن يتحرك أبناء الجنوب ، وهنا نتوقف قليلاً لنقول : إن المحتل وعملاً بمشورة مستشاريه الذين شعروا باقتراب الطوفان ، وأن حتمية فك الإرتباط باتت وشيكة ، بادروا إلى التوجيه بإصدار بطاقات إثبات الشخصية لمئات الألوف من مستوطنيهم في الجنوب ، تحمل دلائل على تواريخ ميلاد وأماكن جنوبية مزورة ، كل ذلك تحسباً لحملة استفتاء ربما تقترحها هيئة الأمم المتحدة لمعرفة موقف الجنوبيين من قضية فك الإرتلاط وتقرير المصير ، ويتم بذلك ترجيح كفة الرفض ، وتلك الفئة الأخيرة هي التي أفسدت الحوض ، وبات من حقنا التحفظ على فكرة الإندماج مع فئة لم تلامس الهمّ الجنوبي ، ولم تعايش وجدانه وتسمع نبضات قلبه ، وإنما جاءت لتنفيذ مهمة احتلالية ، ودق آخر مسمار في نعش قضية الجنوب ، بذات المكر والدهاء الذي درج عليه أسيادهم أولياء الشيطان . " يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ، ويأبى الله إلا أن يتم نورهُ ولو كره الكافرون " . صدق الله العظيم .
تحياتي
طائر الاشجان
__________________
طلائعُ ثوّار الجنوبِ تآزروا ... وساروا على دربٍ عليهِ تَدَرّبوا
ألا إن شعبي اليومَ أمضى عزيمةً ... وحربُكَ للمُحتلّ يا صاح واجِبُ
التعديل الأخير تم بواسطة طائر الاشجان ; 2011-09-15 الساعة 10:06 AM
|