حضور الربيع العربي.. وغياب الربيع العقلي
الربيع العربي وإن تغير في هيكله الخارجي وقشرته الخارجية إلا أنه بحاجة كبيرة جداً الى إعمار البنية الذهنية والعقلية، فالديكتاتور الخارجي وإن أُسقط يبقى الديكتاتور الداخلي المربوط بالعقل يجب إزاحته وإسقاطه هو الآخر
كثير هم الكُتاب والمثقفون الذين تحدثوا عما يلوح في الأفق العربيّ من سقوط أنظمة وزوال إمبراطوريات حديدية وما يحمله معه من بشائر الأمل بغدٍ لا مكان فيه للاستبداد، ورغبةً في بناء دولة سيادة القانون وما يتمخض عنه من نشوء مجتمع مدني ديمقراطي تسوده التعددية، واحترام حقوق الإنسان، لكنني أتساءل: هل سيتحقق ذلك بهذه الثورات؛ وخصوصاً أن هذه الشعوب رزحت مدّة مديدة من الزمن تحت وطأة الاستبداد؟ ناهيك عما تجذّر في الممارسة الشعبية، ولطالما كان الشّعب يصفّق في الماضي القريب ويهتف بالروح وبالدّم، وهو لا يدري لماذا؟ وعلى ماذا؟ والآن يهتف ويصفق بعد الربيع العربي!
هل هناك فرق بين هتافاته وتصفيقات يده في الأولى والثانية؟
هل ستنقلب الأمور رأساً على عقب في وعي الفرد العربي؟
هل فجر الحريّة سيبقى قريب المنال بعد ثورة الربيع العربي؟ أم أنه سيبقى الأمل بالتغيير حلماَ مستحيلا؟
هل يمكن أن تتحول القبيلة في اليمن أو ليبيا بين عشية وضحاها إلى أفراد يؤمن أصحابها إيماناً حقيقياً بالديمقراطية والمساواة ومبادئ حقوق الانسان، ويطبقون الانتخابات على أساس الأفضل والأجدر؟ أم أنهم سيتحولون إلى نسيج حزبي، وطائفي، وعرقي، ومناطقي، ومذهبي، كما هو الحال في مصر وتونس والعراق؟ يبدو أنهم لايزالون في حاضرهم ومستقبلهم يعيشون الماضي التعيس ولكن بحلة جديدة !
إنني أتساءل: لماذا تقدمت إسبانيا بعد زوال الاستبداد بشكل سريع ووصلت الى مصاف الدول المتقدمة مع أنها كانت ترزح تحت أثقال الديكتاتورية ؟
لماذا هذه القفزة السريعة من اليابان بعد الهيمنة السياسية التي فُرضت عليهم في الحرب العالمية الثانية؟
وكذلك الحال في ألمانيا كيف وصلت إلى أن تكون أكبر قوة اقتصادية في العالم بعد الحروب الدموية الضارية؟
مثلاً في عام 2003م بعض الجنود البريطانيين اعتقلوا بعض العراقيين ومُثل بأحدهم ومات تحت التعذيب. وبعد 8 سنوات من البحث والتحري شكل المجتمع البريطاني هيئة قضائية أصدرت تقريرها، أدانت فيه الجنود الذين قتلوا ذلك الرجل تحت التعذيب، واعترفت الحكومة البريطانية بأن جنودها قتلوا المواطن العراقي، أما العرب فالتفنن في القتل حالة طبيعية فيما نراه في الفضائيات وعلى مرأى الجميع .
يقول الأستاذ القدير إبراهيم البليهي: "العرب طوفان من البشر تحركهم العواطف وتستبد بهم اللحظة العابرة وهم مهيؤون للإثارة في أي اتجاه، فليس للفرد من كثير من الأقطار العربية ما يفقده، ومن السهل استخدام عاطفته المفرطة وعجزه عن ممارسة المنطق العقلاني وقابليته الشديدة للإثارة.. العرب كمن يأكل الثمرة دون أن يعرف الشجرة ولا كيف نبتت ولا الظروف التي هيئت لها النمو والإثمار."
انني أتساءل: هل سيساهم الربيع العربي في تحرير الفرد من سيطرة العقلية الماضوية التي أصلها التعليم كمنهج تربوي يُكرس فيه أمجاد العصبيات والغناء على أطلال النعرات الطائفية والقبلية؟
هل ستتغير العقلية العربية المنكمشة التي تتوجس من الآخر وتصنفه في خانة التآمر والخيانة؟
هل سيتغير الشعور النرجسي والإحساس بالرفعة ودعاوى امتلاك الحقيقة المطلقة؟
هل ستبدل ثقافة الصمت والإسكات بثقافة النقد؟
هل ستتغير عبارة "نفذ ثم اعترض" إلى عبارة "اعترض ثم نفذ "؟
إنني أتصور أن الربيع العربي وإن تغير في هيكله الخارجي وقشرته الخارجية إلا أنه بحاجة كبيرة جداً الى إعمار البنية الذهنية والعقلية، فالديكتاتور الخارجي وإن أُسقط يبقى الديكتاتور الداخلي المربوط بالعقل يجب إزاحته وإسقاطه هو الآخر، فالديكتاتور كالحرباء يستطيع التلون بأكثر من شكل وبأكثر من طريقة.
http://www.alwatan.com.sa/Articles/D...ArticleID=7362