ندرك تماما، أن حق تقرير المصير، ارتبط وبشكل أساسي بالاستعمار والاحتلال الخارجي، أو الأجنبي، ويعبر عنه في القانون الدولي، بأنه حق ثابت، أي يتمتع بالقوة الآمرة.
ولكن هل هناك ما يفيد الادعاء القائل، أن حق تقرير المصير ارتبط، بفترة زمنية معينة في تاريخ الشعوب، التي كانت ترزح تحت سيطرة الاستعمار الأجنبي.
ومن المؤكد، أن هذا التساؤل يُدخل حق تقرير المصير في إشكالية لا حصر لها في القانون الدولي المعاصر، فغالبا اليوم لا يوجد حديث عن حق تقرير المصير، بالمفهوم الكلاسيكي السابق الذكر، باستثناء الاحتلال الإسرائيلي طبعاً.
إذن مع تطور القانون الدولي المعاصر، وبروز معاهدات ومواثيق حقوق الإنسان، كمصادر أساسية في القانون الدولي المعاصر، بالإضافة إلى ظهور انقسامات داخل كثير من الدول، أدت في بعض الأحيان، إلى ارتكاب مجازر، وحروب ضد الأقليات العرقية، والقومية، ما أعطى لحق تقرير المصير، دلالات جديدة في ظل هذه المتغيرات.
بحيث أصبح من الممكن، أن تطالب الأقليات، بحق تقرير المصير، وأن تطالب بحق الانفصال، هذا بالطبع ضمن شروط، أحياناً، تكون مرتبطة بالقانون الدولي، وأحياناً أخرى ترتبط بالدعم السياسي من الدول ذات النفوذ على الساحة الدولية، أو تتطلب كلاّ الحالتين معاً.
وللوقوف على هذه الإشكالات، بالبحث والتحليل، استلزم على الباحث، تقسيم البحث إلى أربعة فصول، ويتناول الفصل الأول: التعرف على نشأة حق تقرير المصير في القانون الدولي، والأحداث التي رافقت ارتقاء حق تقرير المصير في القانون الدولي، وكيف يصاغ حق تقرير المصير في ميثاق وقرارات الأمم المتحدة.
والفصل الثاني: يتحدث عن مضمون حق تقرير المصير، بمعنى، كيف يفسر حق تقرير المصير في القانون الدولي، وما مدى القيمة القانونية الذي يتمتع بها، هل هي قيمة مطلقة، أم تخضع للإستنساب؟
والتعرف على أشخاص حق تقرير المصير في قرارات الأمم المتحدة، كالشعوب غير المستقلة، والشعوب المطالبة بالحكم الذاتي، والشعوب التي كانت خاضعة لنظام الوصاية.
وفي الفصل الثالث: تتاح إمكانية وجود نقيضين "صحيحين" في القانون الدولي، أي كلاهما واجب التحقيق، من خلال التعرف ما إذا يمكن للأقليات، أن تطالب بحق تقرير المصير، وبالمقابل حق الدول في الحفاظ على سيادتها، ووحدتها الجغرافية، ورفضها للتجزئة، وما هي الشروط الواجبة لذلك في القانون الدولي، إضافة إلى إلقاء الضوء على حدود حق تقرير المصر، بحيث تتعرف على المفاهيم، التي ارتبط بها حق تقرير المصير، ويكف تفسر تطبيقاته في القانون الدولي المعاصر.
أما في الفصل الرابع: يهدف إلى تناول مسؤولية الأمم المتحدة في مساعدة الشعوب، في نيل استقلالها، وتقرير مصيرها، والتعرف على الوسائل، التي تستخدمها الأمم المتحدة لهذا الغرض.
وفي القسم الآخر من الفصل، سنتعرف على الوسائل التي تستخدمها الشعوب، بهدف تقرير مصيرها، كالوسائل الودية، واللجوء إلى القوة المسلحة، وهنا تبرز، إشكالية أخرى، بحيث أصبح من الممكن الخلط بالقانون الدولي، بين الإرهاب واللجوء إلى القوة المسلحة، بهدف تقرير المصير، وسنرى كيف يؤثر ذلك على المطالبة بحق تقرير المصير.
حق تقرير المصير في القانون الدولي