منقول بقلم : احمد سالم ( أبو سلطان )
المحاكمة من اجل المصالحة :
إن الضمانة الحقيقة لوحدة الصف الجنوبي واستعادة الثقة المفقودة وإقفال باب التخوين والتخوين المضاد واقتلاع بذور الشك هو الوقوف أمام الماضي وأخطائه وتحديد الجاني ومحاكمته وإدانته. لا نقصد إدانة الأفراد . بلنقصد إدانة الأفكار والتنظيمات .. لنصل إلى مصالحة حقيقية ووحدة جنوبية حقيقية . فمن يقف ضد المحاكمة والإدانة من جهة ومن يقف ضد المصالحة من جهة أخرى هم الجناة الجدد بأعيانهم على الجنوب ، ولا ينم هذا العمل إلا عن مصالح شخصية اى كانت تلك المصالح .
المتهم : الجبهة القومية .
التهم :
1- التزوير: تزوير الهوية الجنوبية وفرض هذا التزوير وإلحاق الجنوب العربىباليمن .
- الاختطاف: اختطاف قرار الاستقلال و نضال الآخرين عبر إقصاءهم بكل الوسائل والسبل.
3- الانتهازية: الانتهازية السياسية و قد ظهرت في تبديل الو لاءات والتحالف حتى مع الاستعمار للوصول للحكم بأي طريقة كانت.
4- الاحتكار: احتكار النضال لتعطى لنفسها شرعية تمثيل الجنوب وإقصاء الآخرين و فرض نفسها الممثل الوحيد للشعب الجنوبي.
5- الإرهاب: ممارسة الإرهاب ضد الشعب وارتكاب جرائم بحقه من قتل واغتيالات قبل وبعد الاستقلال انتهاء بأحداث 1986 م.
القاسم المشترك الذي يجمع تلك التهم هو الصفة السياسية، فهي أدوات ووسائل لحسم صراعها السياسي على السلطة وفرض إرادتها. وبالتالي تكون المحاكمة محاكمة سياسية فكرية تاريخية وليست محاكمة شخصية لأحد. بل هناك شخصيات تستحق التكريم كشخصيات، وهناك شخصيات يتطلب الوضع أن يشملها العفو. لان الصراع لم يكن شخصيا بل صراعا سياسيا .
الحكم :
وجدت الجبهة القومية مذنبة سياسيا بحق الشعب الجنوبي وذنبها يتمثل بتزوير هويته وفرض هذا التزوير، وسرقة نتاج نضاله الذي تمثل في الاعتراف بالشعب الجنوبي والاعتراف بحقه في تقرير مصيره في 1960م ومن ثم قرار إعطاء الجنوب استقلاله في مطلع العام 1968 وكان ذلك التزوير وتلك السرقة عبر ممارسة التخريب والاغتيالات تحت غطاء الكفاح المسلح مستغلة عواطف الناس الصادقة والدعاية التي قدمتها لها المخابرات المصرية والنظام اليمنى الطامع . وهى نتاج غير طبيعي لمصالح من أوجدوها ولذلك أضرت بالمصلحة الحقيقية للشعب وفرضت هوية وواقعا في غير صالحه ...
النتائج:
بناء على ثبات التهمة الموجهة للجبهة القومية فلا يمثل حكم الجبهة القومية الشعب الجنوبي ، وهو حكم غير شرعي ، تم بموجبه اغتصاب السلطة في الجنوب والسماح للأجانب في الجنوب بصنع القرار مم الحق بالجنوب ضررا اشد من مجرد اغتصاب السلطة ، وبالتالي يقطع باطلا كل ما أنتجه ذلك الحكم في غياب الإرادة الشعبية الحرة وتمكين الأجانب من صنع القرار ، ويقع باطلا إلحاق الجنوب باليمن عبر تزوير هويته ، ويقع باطلا مفاوضات الوحدة بناء على هذا التزوير . ويقع باطلا قرار الوحدة واتفاقيات الوحدة وإعلان الوحدة . وان الدولة التي قامت في 22 مايو 1990 لا تمثل الشعب الجنوبي وتحولت السلطة في الجنوب بهذا الاتفاق من سلطة غاصبة غير شرعية إلى سلطة محتلة لاسيما بعد حرب 1994م .
إعلان الإدانة والتنفيذ:
يجب أن يتحد الجنوب في جبهة أو منظمة واحدة أول عمل لها إعلان إدانة الماضي والاعتذار للجنوب الشعب والهوية والتاريخ وإعادة الاعتبار لكل المناضلين الجنوبيين منذ الخمسينيات إلى الآن . وان يجعل هذا العمل ذاته هوا لعمل الأول للدولة القادة مع التعويض.
وان تعلن هذا الجبهة أو تلك المنظمة عدم الاعتراف بمسيرة الوحدة والوحدة وحرب 1994. مع الاعتراف بالحدود الموقعة مع السعودية وعمان .
الايجابيات لا تسقط المحاكمة والإدانة :
هناك ايجابيات ولاشك لحكم الجبهة القومية ولكن هذه الايجابيات لن تكون صك براءة إطلاقا للجبهة القومية ، ولو أتت إسرائيل وحكمت الجنوب ستكون ايجابيات حكمها تفوق ايجابيات حكم الجبهة القومية ..
ومهما كانت الايجابيات فلا قيمة لها بعد أن أوصلتنا سلبياتها إلى هذه الحالة التي نحن فيها ، وإذا كانت هذه الحالة نتاج الوحدة فان الوحدة والانقلاب على الوحدة نتاج تزوير الهوية الجنوبية . وحرب1994 تتويج لهذا التزوير..
إذا فلنتجاوز ألان الايجابيات فلن ينفعنا الحديث عنها شيئا إطلاقا ، وهى لا تعطى صك براءة للجبهة القومية من التهم التي توجه إليها . انه دفاع مردود وغير مقبول.
لماذا المحاكمة :
أصبحت اليوم الجبهة القومية من الماضي ، وان نحاكمها اليوم باعتبارها جزء من الماضي مازالت بعض أثاره مستمرة والهدف من المحاكمة إزالة هذه الآثار ،منها وأهمها تزوير الهوية ، وانعدام الثقة والشك ، والانتهازية السياسية ،والإثبات القاطع بان الجنوب هو جنوب جديد وبالتالي خلق الثقة في المستقبل وتهيئة مناخ مناسب للانتقال للديمقراطية .. واهم هدف هو إعادة الاعتبار للشعب الجنوبي بكل مكوناته وشرائحه ، ومن يجادل في أهمية هذه النقطة فمازال يعيش في عقلية الماضي ولا يحترم مشاعر قطاع كبير من الشعب الجنوبي .. ولا يرى إلا نفسه .
إن إدانة الماضي والاعتراف بالخطأ يثبت حسن النوايا ويخلق الثقة، بل هوا لبلسم الشافي للتخلص من كل مخلفاته النفسية والشعورية والفكرية، والتخلص من العقلية الشمولية والتخوين والشك. إن هذا الاعتراف هو التطهر النهائي من أدران الماضي .. عندما ينجز هذا العمل سوف ينام الجنوب قرير العين مرتاح البال تكلله السكينة ... وهو التعويض المعنوي المهم لمن تضرر واهم متضرر الشعب الجنوبي برمته.
ثم إن هذا الاعتراف يقطع الطريق على المزايدة على الجنوب بماضيه. وان الاحتلال أفضل من الماضي بينما هو نتاج له وتتويج لأخطائه..
إن هذه العملية تحتاج إلى شجاعة اكبر من شجاعة مواجهة الاحتلال. إنها مواجهة مع الذات مع مخاوفها الدفينة ومشاعرها المكبوتة وافاكارها المشوهة ..
المحاكمة التاريخية والمحاكمة الشخصية:
البعض لا يستطيع إن يقوم أو يساند هذا العمل لأنه لا يستطيع مواجهة الماضي وذلك انه يعتبر الماضي جزء منه ... هؤلاء هم الذين يقفون ضد اى عمل من هذا النوع . لأنهم يعتبرون هذا العمل تدميرا لهم .. وهذا خطأ كبير . يجب الفصل بين الشخص والتنظيم والفكرة . فإذا أدانت روسيا الاشتراكية الفكرة والحزب الشيوعي التنظيم فلا يعنى أنها تدين شخص من الأشخاص ولو كانوا أقطاب هذا الحزب ولا تعتبر أخطاء الحزب و خطأ الفكرة خطأ شخص بعينه .. ولن يكون الخطأ الشخصي إلا الوقوف في وجه هذا العمل الذي يصحح الماضي ويضع البلاد في الطريق الصحيح. وهنا سيكون هذا العمل المضاد خطأ شخصيا يستوجب الإدانة.. لان محاكمة الماضي هي نوع من محاكمة التاريخ والأخطاء التاريخية من يقف ضدها - اى المحاكمة - يكون موقفه في ذاته خطأ سيحاكم عليه هو كشخص طال الزمن أم قصر مادام هناك شعب حي ..
التهمة الأولى: تزوير الهوية وفرضها بالقوة.
مسوغات وعوامل تزوير الهوية.
- المسوغ الفكري والشعوري: الإخوة القومية والأممية الاشتراكية.
- مسوغ موازين القوى. لا توجد قوة تدعم الهوية الجنوبية .
- المسوغ الانتهازي: الوصول للسلطة باى ثمن سهل لها قبول الهوية اليمنية مع العوامل السابقة. وامن لها الدعم المالي والعسكري .
هذه المسوغات والعوامل الفكرية والأحلام والواقع الموضوعي والتطلع للسلطة بما حمله من تنفيذ أجنده معينة كلها شكات الجبهة القومية . وسوف نعود لها عندما نتحدث عن ولادة الجبهة القومية، ليس من الناحية التنظيمية أنما من ناحية المبررات والمسوغات والعوامل..
كيف فرضت الهوية :
لا يمكن فرض هوية على شعب بالقوة ، وهذا يعنى بطلان تلك الهوية المفروضة التي لم يستفد منهاإلا الأقلية اليمنية المتنفذة في الجبهة القومية ،واليمن حيث دعمت هذه الهوية في الجنوب .
هناك عدة أسباب تضافرت لفرض الهوية اليمنية :
منها 1- الدعم المصري للجبهة القومي
2- الأحلام القومية عند القوميين الجنوبيين الذين اغرموا بهذه الدعوة وقبلوا في صفوفهم كل عربي ، والأحلام شئ والواقع شئ أخر
3- عداء القومية للرجعية : ومم ساعد في ذلك وجود العداء لدى هؤلاء القوميين لمن يعتبرونهم حجر عثرة في سبيل تحقيق الأحلام القومية والوحدة والاشتراكية وهم النظم الرجعية
4- الوحدة قوة للقومية : واعتبر التوحد مع اليمن أو إلحاق الجنوب باليمن خطوة مهمة لمحاربة الرجعية وتحقيق الأحلام القومية
5- الوجود السياسي اليمنى في الجنوب : وبوجود اليمنيين والعمالة اليمنية في عدن وحجمها النسبي ودعوتها الصريحة إلى يمننة الجنوب التقطت هذه الفكرة فكرة اليمن الواحد
6- موازين القوى : الذي لم يكن في صالح الجنوب .
تجسدت الأحلام القومية والانتهازية تجسدت في الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن واجتمعت في هذه الجبهة المتناقضات القومية الوطنية والاشتراكية بمختلف توجهاتها وبمختلف درجات الشدة والبعثية إلى جانب الانتهازية اليمنية التي لعبت على المتناقضات الجنوبية الجنوبية ورسخت وجودها ، والأمر المهم الذي رسخ وجودها هو تزوير الهوية الجنوبية وذلك ما منحهم الشرعية المطلقة في العمل في الجنوب
...
التهمة الثانية: الاختطاف.
وتم ذلك عبر إقصاء القوى التي سعت إلى انتزاع الاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الجنوبي وقرار إعطاء الجنوب الاستقلال في مطلع 1968. وكان الإقصاء يتكئ على الشرعية الثورية وعلى الهوية اليمنية . وقد خدم تزوير الهوية الجنوبية في سرقة قرار الاستقلال من حيث محاربة الرابطة التي لا تقر بالهوية اليمنية ، واعتبارها معادية للوحدة والقومية وبالتالي اعتبارها قوة رجعية . ومن كان ضد اليمننة فهو ضد الشعب وبالتالي يجب إقصاءه وأفضل وسيلة الإرهاب . .. وخطف الاستقلال وجير لصالح الجبهة القومية . وسرقة جهدا لآخرين مع تبديل الو لاءات للوصول للحكم باى طريقة تدل على الانتهازية السياسية .
التهمة الثالثة : الانتهازية السياسية :
إن الجبهة القومية ذاتها انتهازية بغض النظر عن إخلاص عدد من أعضائها وصدقهم كثر هؤلاء او قلوا ، ان الجبهة القومية كتنظيم سياسي كانت تتصف بهذه الصفة صفة الانتهازية ، وتمثلت هذه الصفة الانتهازية في اخذ جهد الآخرين ونقصد به رابطة أبناء الجنوب والمناضلين ، عندما انتزعت قرارين أولهما اعتراف الأمم المتحدة بحق تقرير المصير للشعب الجنوبي عام 1960 وثانيهما قرار الاستقلال والذي حدد في مطلع 1968م ..
إذا تم منح الجنوب الاستقلال بموجب هذا القرار من كان سيستلم الحكم ؟الذي سوف يتسلم الحكم من ينتخبه الشعب بعد فترة انتقالية من سنتين، ولذلك كانت حظوظ الرابطة اكبر من غيرها. فما كان من الجبهة القومية إلا أن تفرض وجودها عبر ما سمى الكفاح المسلح وتزيح الآخرين وتعطى لنفسها الشرعية عبر رفع الكفاح المسلح ومن ثم تعلن نفسها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الجنوبي .
هذه الانتهازية السياسية أيضا تتمثل في تبدل الو لاءات و انتقال الجبهة القومية من المخابرات المصرية إلى بريطانيا نفسها التي رفعت الكفاح المسلح في وجهها وجعلها تتلقى الدعم من بريطانيا، وسخرت بريطانيا الجيش الاتحادي لصالح الجبهة القومية لتحسم الوضع لصاح الجبهة القومية ومن ثم تعترف بريطانيا بالجبهة القومية واعتبرتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الجنوبي بغض النظر عن الشعب نفسه .. وكانت المصلحة المتبادلة بين الطرفين خروج بريطانيا دون التزامات وتخلصها من عبئ مسؤولية كونها قوة احتلالية وكانت مصلحة الجبهة استلام الحكم باى طريقة ..
بغض النظر عن الأفراد وبغض النظر عن صدق الجبهة من عدمه، كانت الجبهة انتهازية واستغلت الدعاية والعواطف القومية ورافع شعار الكفاح المسلح والتحالف مع الاحتلال نفسه للوصول إلى السلطة.. ماذا عملت ؟ قطفت الثمرة اليانعة .. الاستقلال الذي قُرر وحُدد سلفا ولم يكن للجبهة كتنظيم فضل فيذلك. ومن ثم حكمت الجبهة القومية .
هذه الصفة ، صفة الانتهازية ، سرت و ترسخت داخل تيارات الجبهة القومية نفسها وانقلب السحر على الساحر ومورست الانتهازية والشمولية والفكر الاقصائى داخل الجبهة نفسها وكان أول ضحاياها رئيسها نفسه . وتوالت دوامة الانتهازية السياسية والشمولية الاقصائية : ذلك الذي ليس معي فهو عدوى .
التهمة الرابعة: الاحتكار.
لن يتم للجبهة القومية الوصل للسلطة التي تتطلع لها والاستفراد بالسلطة إلا عبر الإقصاء والشمولية ولتبرر هذه الإقصاء والشمولية يجب أن تظهر في صورة شرعية وحتى تكتسب الشرعية عليها أن تستند على الثورة أو الشرعية الثورية وتشوه من سبقوها وتختطف جهدهم وتجيره لصالحها ومصالح من أوجدوها من جهة وتطلعها للسلطة من جهة أخرى ، ولا يهم أن تتقاسم المصالحة على حساب الجنوب ما دام الهدف الأكبر هو الوصول للسلطة لاى سبب كان طموحات شخصية أ وتنفيذ أجنده فكرية مثل الاشتراكية ، وغيرها وكل واحد أمر من الثاني .. والغالب إن الأمرين اجتمعا معا..
استنادا على الشرعية الثورة وتخوين الآخرين فرضت نفسها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الجنوبي ، وبهذا سعت لاحتكار الجنوب بالقوة عن طريق الدعم المصري ومن ثم البريطاني ، وبالتالي فاعلان نفسها الممثل الشرعي بهذه الطريقة لا يمثل سوى إدانة لها ، إن هذا الإعلان نفسه هو إدانة في ذاته للجبهة القومية لأنه قام على أسس انتهازية اقصائية إرهابية ...
التهمة الخامسة: ممارسة الإرهاب.
لن نتحدث في هذا الأمر ونتركه للتصالح والتسامح مع التأكيد إن هذا التصالح والتسامح لن يكون عميقا وحقيقيا إذا لم تتم محاكمة الجبهة القومية وإدانتها مع إدانة الإرهاب الذي مارسته طول حكمها.. وياتى التصالح والتسامح تتويجا لهذه المحاكمة وإغلاق ملفات الماضي وتأكيدا على المحاكمة الفكرية والتاريخية ومحاكمة التنظيم لا الأشخاص ..
ذنب وجناية الجبهة القومية هو ذنب وجناية سياسيا وفكرية وتاريخية ،والإرهاب الذي مورس يدخل تحت هذه الصفة ، ومن طالهم الإرهاب يجب أن يعوضوا تعويضا عادلا معنويا وماديا يقع على عاتق الدولة الوليدة .
تعتبر محاكمة الماضي في جوهرها مصالحة جنوبية جنوبية ، والمصالحة لا تحمل الانتقام لأحد ، وهى تخدم الجميع ، صحيح قد تغبن حقوق بعض الأشخاص لكن الإنسان الجنوبي كانسان والشعب و الوطن هو المستفيد الأول ، وهى في صورة من الصور يمكن تشبيهها بصلح 1937 في حضرموت من ناحية غبن البعض ، لكنه كان فيصالح الجميع ، فلولاه لتحطم المجتمع ، وربما يزيد الضرر على الأشخاص الذين ظنوا أنهم غبنوا . فالصلح في ذاته خير " والصلح خير " .. صدق الله العظيم .
إن مصر في ذلك الوقت كانت الحليف الأقوى للجمهورية الوليدة في اليمن وتلك الجمهورية ورثت الأطماع الأمامية في الجنوب . التقت المصالح المصرية أو الأهداف المصرية مع المصالح أو الأطماع اليمنية في الجنوب وتقاطعت في نقطة الهوية ، كان الهدف الاساسى لمصر تطويق الرجعية وليس فقط دعم التحرر من الاستعمار فلا يكتمل التحرر إلا بإسقاط الرجعية والأنظمة والتنظيمات الموالية للاستعمار ، وليس هذا فقط ، بل اتخذت مصر المبدأ القائل : أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم ، كما ورد في كتاب سنوات الشدة للجابري ، اى مهاجمة الرجعية وجعلها تدافع عن نفسها بدل إن تترك الفرصة للرجعية لمهاجمة القومية .. ولهذا سعت مصر انطلاقا من اليمن وبالتحالف مع النظام الوليد في صنعاء إلى تنصيب نظام موال لها ومعاد للرجعية في الجنوب اى تجيير الجنوب لخدمة مصر بغض النظر عن مصالح الشعب الجنوبي وعن إرادته . فجسدت الهوية اليمنية خدمة المشروعين المصري واليمنى، وإذا تم ضم الجنوب إلى اليمن الخاضع للنفوذ المصري فذلك أفضل وأحسن واضمن.
وهنا تقاطعت تطلعات القوميين العرب الجنوبيين الذين يتسمون بالتوجه الاشتراكي بمختلف تلوناته ودرجاته ، والوجود اليمني في عدن الذي صهرته الدعوة القومية والاشتراكية الامميه مع القوميين العرب الجنوبيين ، تقاطعت تطلعاتهم للحكم واستلام الجنوب وتنفيذ أجندتهم سواء كانت صحيحة أم لا سواء كانوا مخلصين أم لا ، مع الأهداف المصرية في الجنوب العربي ولبها ضمان معاداته للرجعية وولاءه لمصر ، ولان القوميين معادين خلقة للرجعية ، ولضمان الدعم المصري الاتى من اليمن وضمان مساندة اليمن ، وتحت مخدر القومية العربية و فكرة الأخوة القومية والأممية الاشتراكية ، لكل هذا شكلت الهوية اليمنية القاسم المشترك الذي جمع كل هذه الأطراف و المصالح فكان النتاج " الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن " .
لو لم يتم قبول الهوية اليمنية لن تقوم الجبهة القومية. وهذا شئ مؤكد ،فلن تقبل الجمهورية في اليمن وريثة الأطماع الأمامية بجنوب مستقل ، وعلى اقل تقدير سوف تعارضه ولن تسمح بإنشائه في أراضيها وتبث له الدعاية من إذاعة صنعاء وتعز ولن تسمح بمرور السلاح إليها من اليمن مثلما فعلت تماما مع الرابطة . و فرض الهوية اليمنية على الجنوب لن يضر مصر بل بالعكس سيضمن نجاح هدفها.
كل تلك العوامل مجتمعة شكلت الجبهة القومية وفرضت الهوية اليمنية على الجنوب ... إطلاقا لم يتم حسم هوية الجنوب العربي ، إنما فرضت هوية عليه بحكم الظروف وموازين القوى كما فرضت الاشتراكية والفكر الاشتراكي ...
أحلام قومية وتوجهات اشتراكية لا تفرقه لديها في العمل بين عربي وعربي واعتبر اليمنى عربي وكل بقعة في الوطن العربي هي لكل مواطن عربي وبالتالي أصبح الجنوب وطن لليمنيين واليمن وطن للجنوبيين وإذا لا فرق بين يمن وجنوب فكلنا عرب يسكنون وطنا واحدا ، إن الفكرة الأممية في الاشتراكية والأخوة والهوية العربية الواحدة في القومية العربية ، إلى جانب ضمان الدعم المصري واليمنى ، والعمل السياسي اليمنى والثقل السكاني اليمنى النسبي في عدن ،والدعاية الهائلة للقومية أبان المد الناصري الذي اكتسح العالم العربي ،كلها شكلت قوة كبيرة استطاعت أن تفرض الهوية اليمنية على الجنوب العربي ولكل هدفه وغرضه ومشروعه ، نفس هذه القوة هي التي سددت ضربات إلى رابطة أبناء الجنوب العربي والهوية الجنوبية المستقلة . فتكالب على الهوية الجنوبية جميع فرقاء اليمن في عهد الإمامة وعهد الجمهورية الذي ضمن نفس الموقف من مصر ،وبريطانيا ، واتحاد سلاطين الجنوب العربي الذي يحمل الهوية الجنوبية لكن بمشروع لا يخدم الشعب الجنوبي ويقف على الضد من وحدة الجنوب العربي الهدف الذي ترفعه الرابطة . جميع هؤلاء الفرقاء لم تكن لهم مصلحة في الهوية الجنوبية ، فمصر تخاف من الجنوب العربي الديمقراطي الذي يسعى لتحقيق مصالحها لخاصة ولا يرى إن مصلحته في عدائه لأحد ، وليس هذا فقط بل تهدف إلى تسخير الجنوب ليكون خنجرا في خاصرة السعودية وضمان ولاءه للجمهورية التي تدعمها مصر في اليمن ، واليمن مصلحته أن يضم الجنوب إليه ، وبريطانيا مصلحتها أن تخلق نظاما مواليا لها تمثل في اتحاد الجنوب العربي يحفظ الوجود العسكري البريطاني في عدن وبالتالي الهيمنة البريطانية ، وعندما خرج الأمر عن سيطرتها عبر الضغط الدولي وقرارات الأمم المتحدة رضخت للأمر الواقع وكان يهمها عندئذ تصفية وجودها بأقل التكاليف ولو توصلت الرابطة معها على هذا الأساس لاستلمت الرابطة الحكم ولكن تمسك الرابطة بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة التي تضمن التعويض والدعم البريطاني الفني والادارى والتنظيمي حتى تقوم الدول في الجنوب على أصولها وتغيير واقع التجزئة الذي كان بفعل الاستعمار وتشجيعه هذا التمسك جعل الرابطة ترفض عروض بريطانيا ، وقد يكون هذا خطأ من الرابطة لكن سنتفهم موقف الرابطة هذا إذا وقفنا على السبب ( وهذا اجتهاد لا اعلم مدى صحته ) وهو خوف الرابطة من المستقبل وفلات الأمر من بين يديها خصوصا أن هناك لاعبين جدد واهم عقبة كانت اليمن التي لن تتوانى في إسقاط الدولة الوليدة ومصر التي تدعمها فكان لابد من أن تضطلع بريطانيا بمسؤولياتها تجاه الجنوب حتى تقوم الدولة بكل أجهزتها وجيشها وبالتالي تستطيع الدفاع عن نفسها ضد أطماع الهيمنة الأجنبية التي ستخلف الاستعمار البريطاني ..
إن الجبهة القومية بعد أن اتخذت الهوية اليمنيةوبعد أن جعلت الهويةاليمنية هوية رسمية وبعد أن شقت طريقها بعيدا عن الرجعية بل معاديا لهاضمنتحياد مصر واليمن من قيام جمهورية في الجنوب بهذه الهوية وبهذه الصفة ،فهي تعادى السعودي وتسعى للوحدة ، فلن تكون هذه الجمهورية حليفة للسعوديةضد الجمهورية الوليدة في اليمن بل أن الهوية اليمنية تجمع النظامين ولذلكباركت اليمنقيام هذا النظام الوليد ... اما تطور الأحداث في الجنوببطريقة أو بأخرى وموقفه من اليمن فهذه تحكمها ظروف ورغبات وتطلعات أخرىمنها العداء المزمن بين الزيدية والشافعية وتجيير الجنوب لتغيير الموازينداخل اليمن لصالح الشافيعة وأيضا السعي إلى تحقيق وحدة على أساس اشتراكيماركسي بعد أن سيطر التيار الماركسي وهو تيار يمنى في جوهرة ...
القومية والاشتراكية والهوية اليمنية :
هل كانت الاشتراكية الماركسية هي الوسيلة الفعالة للقضاء على الفكرالديني الزيدى المتجذر في العقلية اليمنية والذي قسم المجتمع اليمنى وهلكان نفس الفكر هذا هو الضمانة الوحيدة للسيطرة على الجنوب ؟مهما كانالأمر فقد خدمت الفكرة القومية والاشتراكية الماركسية المصالح اليمنيةبطريقة أو بأخرى ...
إن الديمقراطية والحكم الوطني لن يكون في صالح الجالية اليمنية في الجنوبفكانت الدكتاتورية والشمولية والاقصائية هي السبيل الوحيد أمامهم للبقاءولأنهم يشكلون نسبة مهمة في اللجنة المركزية والمكتب السياسي فقد شكلوابطريقة أو بأخرى القرار في الجنوب ...
لذلك فالتمسك بالاشتراكية لدى القوى اليمنية في الجنوب هو تمسك شكلي أكثرمنه إيمانا حقيقيا بها ، وإذا كانت الاشتراكية كما طبقت في المنظومةالاشتراكية كانت لها آثار كارثية على الاقتصاد والعلم والإبداع وبالتاليالتخلف الاقتصادي والعلمي لهذه المنظومة إذا كانت الاشتراكية كذلك فإنهاتكون اشد وانكي إذا اتخذت سلاحا لتحقيق أهدافا سياسية لفئة ما ، فرضتالاشتراكية على الجنوب وضيقت على الشعب الجنوبي وفى نفس الوقت أعطت فسحةلليمنيين في الجنوب لفرض سياسيتهم ومنحتهم ثقلا أكثر من حجمهم بما لايقاسعبر الشمولية والاقصائية والانتهازية التي أصبحت سمة أساسية للحكم ، وهى فينفس الوقت شكلت سلاحا ضد العقلية الزيدية ومناقضا أساسيا لها تعيدللشافعية مكانتها في اليمن عبر تغيير النظام في اليمن بالقوة في الحروبالمساه حروب المناطق الوسطى وهنا يظهر تجيير الجنوب واستفادة القوى اليمنيةفي الجنوب من الجبهة القومية التي صارت هي الجنوب والشعب والهوية .
أيا ما كان الأمر سواء خطط اليمنيون لهذا السيناريو أم لا ، لكن الشئالمهم أنهم شعروا بفائدة الاشتراكية لهم ، والنتيجة المهمة إن شَكْل الجنوباليمنى الاشتراكي الاقصائى خدم اليمننة واليمنيين أكثر مم خدم الجنوبوأعطى اليمنيين قوة ماكانوا ليحلموا بها لولا الاشتراكية والاشتراكيةالماركسية بالذات ،فقد خدمهم من جهتين إخضاع الجنوب لطموحاتهم وسياساتهملانهم يشكلون نسبة مهمة في الأقلية التي تشرع وتتخذ القرار خصوصا مع بدايةقيام الدولة ، وخدمهم من ناحية أخرى في حربهم ضد الزيدية ليس كمذهب دينيوإنما كقوة سياسية لتحجيم تلك القوة وشكلت الهوية اليمنية المظلة التي يعملتحتها الوجود اليمنى في الجنوب ...
لا يهمنا هنا مناقشة الاشتراكية كاشتراكية وهل هي صحيحة أم لا ، المهم كيفشكلت القومية والاشتراكية والهوية اليمنية مجتمعة ، وليس كل واحدة علىانفراد،النتيجة التي آل إليها الجنوب ، وبكلمة مختصرة كيف شكلت الجبهةالقومية الذي جسدت ذلك الثالوث النتيجة التي وصل إليها الجنوب ..
إن الاشتراكية في الجنوب كانت أداة للتدمير أكثر مم كانت أداة للإصلاحالاجتماعي . ويجب هنا أن نفرق بين الاشتراكية الإصلاحية ، الاشتراكية الىتدعو إلى العدالة الاجتماعية والمساواة ، الاشتراكية منزوعة الأيدلوجية،وبين الاشتراكية الماركسية ذات الجذور الإلحادية التي تهدف إلى تدميرالبنية الاجتماعية نفسها وتدمير الثقافة ومعاداة الدين ، اى فصل المجتمع عنماضيه تماما وخلق واقع جديد . وكان هذا الواقع عبارة عن مسخ الجنوبوالشخصية والهوية الجنوبية ..
علينا هنا أن نحاكم الجبهة القومية كتنظيم وليس كإفراد . إن سلبياتالجبهة القومية قاتلة ، هذه السليبات قضت على اى ايجابيات بل جعلتالايجابيات تصل عند حد معين وتتوقف وبقى إنتاج السلبيات ..
الجبهة القومية حملت عطبها داخلها ، وكانت كارثة أكثر مم كانت شيئاايجابيا .
وذهب ضحيت سلبياتها ألاف الرجال والاهم الوطن وتعرض للخطر ومازال وجودالانسانى الجنوبي ذاته عندما غابت هويته، ومن سلبياتها أنها كانت خليةحاضنة لجراثيم فتاكة فتكت بالجنوب وكثير من خيرة رجاله . هذه الجراثيم هيالكائنات اليمنية التي تسعى لأهداف خاصة على نقيض المصالح الجنوبية تمامامتغافلة لها ولا تعرف من الجنوب إلا عدن ..
هذه السلبية وحدها ( خلية حاضنة ) كافية لإدانة الجبهة القومية . وليستوجها الاشتراكي والقومي ذاته ، بل كونها حملت الداء اللعين بداخلها الذيفتك بها هي نفسها وفتك بالجنوب وكانت القومية والاشتراكية والشموليةشروطحياة هذا الداء .
لتصحيح المسيرة بل أن نبدأ مسيرة صحيحة ليس أمامنا إلا إدانة الجبهةالقومية والحزب الاشتراكي اليمنى كجبهة وكحزب .. مع الاعتراف بالأشخاص ،فليس مهمة الجنوب الثار من احد أو الانتقام من احد . فإذا كانت الجبهةالقومية جريمة تاريخية في حق الجنوبيجب إدانتها ، فالوقوف ضد إدانة تلكالجريمة التاريخية اليوم أو الوقوف ضد المصالحة التي هي نتاج المحاكمةوالإدانة ، إن الوقف ضد المحاكمة والمصالحة من كلا الطرفين هو جريمة فيذاته ولكنها جريمة حاضرة وجريمة يتحمل تبعتها ذلك الشخص الرافض وليس حزباأو تنظيما معينا . وهذا الموقف المضاد من عمل وطني مثل هذا إنما ينم عنأهداف شخصية ليس إلا، وليست في مصلحة الجنوب...
افبعد هذه الكوارث التي جرتها الجبهة القومية على الجنوب يستطيع شخص أنيقف ضد إدانة هذه الكوارث ؟ لمصلحة من هذا العمل ؟وإذا كانت المصالحةتخدم الجنوب فلمصلحة من يقف من يقف ضد المصالحة ؟
لن نكون بدعا في هذا الأمر ، فقد أدانت الصين الثورة الثقافية التي قام بهاماو والتي استمرت عشر سنوات واد انو أخطاءهذه الثورةالفادحة ، وبدونهذا العمل لن يستطيعوا سلوك الطريق الصحيح ، فالاعتراف بالخطأ وإدانته قديشكل باب الحل بل قد يكون الحل ذاته . ومثلت الإدانة تصالحا حقيقيا معالذات . ومع هذا اعترفوا لماو بالفضل فلولا ماو لما كانت الصين الحديثة .. فماو كان رجل ثورة ولم يكن رجل حكم واستمر بعقلية الثورة حتى كاد يدمرالصين التي بناها ، فجاء بعده رجال رافقوه في الكفاح ولكنهم كانوا رجالمرحلة الدولة لاتهم سياسيين أكثر منهم ثوريين فرفعوا شعار يناقض شعار ماو ،شعار " الثروة لا الثورة " ...
وقد فعل الاتحاد السوفياتى ذلك ، وادان ليس مرحلة فقط بل أدان ستالينذاته واعتبر المرحلة من صنعه شخصيا ، وهى كذلك ، نتيجة للإرهاب الذي مارسهستالين ولم يكن احد يستطيع أن يتنفس إلا بأمره ... وكانت هذه الإدانة صادمةللعالم ولم يتوقعها احد.. لكنها كانت ضرورية وحيوية.
بمحاكمة الماضي سنثبت هي نحن شعب حي أم لا ؟ هل نحن على مستوى المسؤوليةأم لا ؟ هذه الإدانة ليست انتصارا لأحد على آخر ، هي انتصار للوطن والهويةوالتاريخ والأرض والإنسان الجنوبي والشعب .. وسنثبت فعلا عندما نقول جنوبجديد أن هناك جنوب جديد.. إن هذه المحاكمة للماضي وإدانته ستكون ثورة أعظمواهم من الثورة السلمية لأنها تعطى لهذه الثورة هويتها الحقيقة وترسم لهاالمستقبل وستكون الثورة السلمية الوجه الصحيح للجنوب الجديد ، ولن يكونانتصار الجنوب الجديد و حصوله على الدعم من محيطه والعالم إلا مسالة وقت .
أحمد سالم ( أبو سلطان (