عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-08-20, 09:33 PM   #71
السفير الحميري
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2009-12-21
المشاركات: 6,292
افتراضي

السؤال:
ما هو شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه :
( آية المنافق ثلاث ، إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان )،
وحديث عبد الله بن عمرو في الصحيحين أيضا فيه زيادة :
( وإذا خاصم فجر ، وإذا عاهد غدر )، ما معنى :
( إذا خاصم فجر ) ؟ نرجو التوضيح ، وجزاكم الله خيرا .



الجواب : الحمد لله
يمكن أن نتكلم على هذين الحديثين بالمسائل المختصرة الآتية :
أولا :
نص الحديثين
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ :
إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ،
وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ،
وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ )
رواه البخاري (33) ومسلم (59)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا ،
وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا :
إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ،
وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ،
وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ،
وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ )
رواه البخاري (34) ومسلم (58)
ثانيا :
معنى كون هذه الصفات من علامات النفاق
الكذب ،
وإخلاف الوعد ،
والخيانة ،
والغدر ،
والفجور عند المخاصمة :
من أبرز صفات المنافقين من أهل المدينة الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ،
والقرآن مليء بالآيات التي تصف حالهم هذا ،
وهم إنما عرفوا بها ، والله عز وجل يقول :
( وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ ) محمد/30.
فإذا اتصف أحد المسلمين - الذين يشهدون بكلمة التوحيد - بشيء من هذه الصفات :
فقد اتصف بصفات المنافقين التي ذمها الله عز وجل ،
وعمل أعمالهم ، وحصل له من النفاق بقدر ما عمل .
ولكن ذلك لا يستلزم أن يكون هذا المسلم المتصف بالخيانة أو الكذب مثلا قد خرج عن الإيمان بالكلية ؛
لأن الإيمان يرفعه درجاتٍ عن النفاق ،
ولكنه يحاسب على هذه الأخلاق الذميمة ،
ولذلك يسمِّي العلماء هذه الآفات المهلكات بـ :
" النفاق العملي "،
يقصدون أن المتصف بها آثم مستحق للعقوبة ،
ولكنه ليس في درجة المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر .
ولذلك ذهب العلماء في تأويل هذا الحديث إلى خمسة أقوال :
1- المقصود بالحديث هو تشبيه المسلم المتصف بهذه الأخلاق الذميمة بالمنافق ،
فالحديث على سبيل المجاز وليس على سبيل الحقيقة ،
وهذا جواب النووي .
2- المقصود بالنفاق هنا النفاق العملي ،
وليس النفاق الاعتقادي ،
وهذا جواب القرطبي ،
ورجحه الحافظ ابن رجب ، والحافظ ابن حجر العسقلاني ، وهذا أرجح الأقوال .
3- وقيل المراد بإطلاق النفاق الإنذار والتحذير عن ارتكاب هذه الخصال ،
وهذا ارتضاه الخطابي .
4- المراد : من اعتاد هذه الصفات حتى أصبحت له سجية وخلقا دائما ،
حتى تهاون بها، واستخف أمرها ،
فهذا كأنه مستحل لها ،
ومثله يغلب عليه فساد الاعتقاد .
5- المقصود بالحديث ليس المسلمين ،
وإنما المنافقون الحقيقيون الذين كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ،
ولكن ضعَّف هذا الوجه الحافظ ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (1/430)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قال النووي :
هذا الحديث عده جماعة من العلماء مشكلا من حيث إن هذه الخصال قد توجد في المسلم المجمع على عدم الحكم بكفره .
قال : وليس فيه إشكال ،
بل معناه صحيح ، والذي قاله المحققون إن معناه :
أنَّ هذه خصال نفاق ،
وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ومتخلق بأخلاقهم .
قلت – أي الحافظ ابن حجر - :
ومحصل هذا الجواب الحمل في التسمية على المجاز ،
أي : صاحب هذه الخصال كالمنافق ،
وهو بناء على أن المراد بالنفاق نفاق الكفر .
وقد قيل في الجواب عنه :
إن المراد بالنفاق نفاق العمل كما قدمناه .
وهذا ارتضاه القرطبي واستدل له بقول عمر لحذيفة :
هل تعلم فيَّ شيئا من النفاق ؟
فإنه لم يرد بذلك نفاق الكفر ، وإنما أراد نفاق العمل .
ويؤيده وصفه بالخالص في الحديث الثاني بقوله :
( كان منافقا خالصا ) .
وقيل : المراد بإطلاق النفاق الإنذار والتحذير عن ارتكاب هذه الخصال ،
وإن الظاهر غير مراد ، وهذا ارتضاه الخطابي .
وذكر أيضا أنه يحتمل أن المتصف بذلك هو من اعتاد ذلك وصار له ديدنا .
قال : ويدل عليه التعبير بإذا ، فإنها تدل على تكرر الفعل . كذا قال .
والأولى ما قال الكرماني :
إن حذف المفعول من " حدث " يدل على العموم ، أي: إذا حدث في كل شيء كذب فيه .
أو يصير قاصرا ، أي إذا وجد ماهية التحديث كذب .
وقيل : هو محمول على من غلبت عليه هذه الخصال ،
وتهاون بها ، واستخف بأمرها ،
فإن من كان كذلك كان فاسد الاعتقاد غالبا .
وهذه الأجوبة كلها مبنية على أن اللام في المنافق للجنس .
ومنهم من ادعى أنها للعهد فقال :
إنه ورد في حق شخص معين ، أو في حق المنافقين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ،
وتمسك هؤلاء بأحاديث ضعيفة جاءت في ذلك لو ثبت شيء منها لتعين المصير إليه .
وأحسن الأجوبة ما ارتضاه القرطبي . والله أعلم " انتهى.
" فتح الباري " (1/90-91) .
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله :
" الذي فسره به أهل العلم المعتبرون أن النفاق في الشرع ينقسم إلى قسمين :
أحدهما النفاق الأكبر ،
وهو أن يظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ،
ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه ،
وهذا هو النفاق الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم ،
وأخبر أن أهله في الدرك الأسفل من النار .
والثاني : النفاق الأصغر ،
وهو نفاق العمل : وهو أن يظهر الإنسان علانية صالحة ، ويبطن ما يخالف ذلك .
وحاصل الأمر :
أن النفاق الأصغر كله يرجع إلى اختلاف السريرة والعلانية كما قاله الحسن ،
والنفاق الأصغر وسيلة إلى النفاق الأكبر ،
كما أن المعاصي بريد الكفر ،
وكما يخشي على من أصر على المعصية أن يُسلب الإيمان عند الموت ،
كذلك يخشي على من أصر على خصال النفاق أن يسلب الإيمان فيصير منافقا خالصا .
وسئل الإمام أحمد : ما تقول فيمن لا يخاف على نفسه النفاق ؟
قال : ومن يأمن على نفسه النفاق " انتهى باختصار.
" جامع العلوم والحكم " (1/429-432)

ثالثا : أخلاق المنافقين المذمومة هذه ليست على سبيل الحصر ،
وإنما على سبيل المثال .
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وجه الاقتصار على هذه العلامات الثلاثة أنها منبهة على ما عداها ، إذ أصل الديانة منحصر في ثلاث : القول ، والفعل ، والنية . فنبَّه على فساد القول بالكذب ، وعلى فساد الفعل بالخيانة ، وعلى فساد النية بالخلف " انتهى.
" فتح الباري " (1/90)

رابعا : معنى الفجور عند المخاصمة
يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله :
" ( إذا خاصم فجر ) يعني بالفجور :
أن يَخرج عن الحق عمدا حتى يصيِّرَ الحق باطلا والباطل حقا ،
وهذا مما يدعو إليه الكذب ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( إياكم والكذب ،
فإن الكذب يهدي إلى الفجور ،
وإن الفجور يهدي إلى النار ) ،
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم :
( إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم ) ،
فإذا كان الرجل ذا قدرة عند الخصومة – سواء كانت خصومته في الدين أو في الدنيا – على أن ينتصر للباطل ،
ويخيل للسامع أنه حق ،
ويوهن الحق ، ويخرجه في صورة الباطل ،
كان ذلك من أقبح المحرمات ، وأخبث خصال النفاق ،
وفي سنن أبي داود عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( من خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع )
وفي رواية له أيضا :
( ومن أعان على خصومة بظلم فقد باء بغضب من الله )" انتهى باختصار.
" جامع العلوم والحكم " (1/432)
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" ( إذا خاصم فجر ) الخصومة : هي المخاصمة عند القاضي ونحوه ، فإذا خاصم فجر .
والفجور في الخصومة على نوعين :
أحدهما : أن يدعي ما ليس له .
والثاني : أن ينكر ما يجب عليه .
مثال الأول : ا
دعى شخص على آخر فقال عند القاضي :
أنا أطلب من هذا الرجل ألف ريال ، وهو كاذب ،
وحلف على هذه الدعوى ،
وأتى بشاهد زور ، فحَكَم له القاضي ،
فهذا خاصم ففجر ؛ لأنه ادعى ما ليس له ، وحلف عليه .
مثال الثاني :
أن يكون عند شخص ألف ريال فيأتيه صاحب الحق فيقول :
أوفني حقي ، فيقول : ليس لك عندي شيء ،
فإذا اختصما عند القاضي ولم يكن للمدعى بينة حلف هذا المنكر الكاذب في إنكاره أنه ليس في ذمته له شيء ،
فيحكم القاضي ببراءته ، فهذه خصومة فجور ، والعياذ بالله .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
( من حلف على يمين صبر ليقتطع بها حق امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان )
نعوذ بالله .
وهذه الخصال الأربع إذا اجتمعت في المرء كان منافقا خالصا ؛
لأنه استوفى خصال النفاق والعياذ بالله ، وإذا كان فيه واحدة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها " انتهى باختصار.
" شرح رياض الصالحين " (4/49-50) .
خامسا :
في هذا الحديث دليل على أن المسلم قد تجتمع فيه خصال الخير والشر
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" فيه أيضا دليل على أن الإنسان قد يجتمع فيه خصال إيمان وخصال نفاق ،
لقوله : ( كان فيه خصلة من النفاق )
هذا مذهب أهل السنة والجماعة :
أن الإنسان يكون فيه خصلة نفاق وخصلة فسوق ،
وخصلة عدالة ، وخصلة عداوة ، وخصلة ولاية ،
يعني أن الإنسان ليس بالضرورة أن يكون كافرا خالصا ،
أو مؤمنا خالصا ،
بل قد يكون فيه خصال من الكفر ،
وهو مؤمن ،
وخصال من الإيمان " انتهى.
" شرح رياض الصالحين " (4/50) .
وينظر الأجوبة الآتية : (12387) ، (23317) ، (30861)

والله أعلم .



هذا الحديث لا اخص به احد وانما للجميع

وقال الله تعالى ( فذكر فأن الذكرى تنفع المؤمنين ) منقول للفايده

بارك الله في الجميع .
__________________


وانها ثوره حتى النصر
السفير الحميري غير متواجد حالياً