اليمن الجديد.. إلى أين ؟!
عدنان كامل صلاح
تعيش اليمن الساعات الأخيرة لنظام علي عبد الله صالح، الذي حكمها لحوالي اثنين وثلاثين عامًا.. وبالرغم عن أن الرئيس اليمني يطلق التصريحات عن مخاطر تركه الرئاسة وإسقاط نظامه، وتنبؤه بحرب أو حروب أهلية في بلاده إلا أن عناده وتردده الفاضح في الانسحاب من قصر الرئاسة لن تطيل بعمر النظام، وإنما ستزيد الأمور تعقيدًا في هذا البلد المملوء بكميات هائلة من الأسلحة التي يمتلكها أفراد وقبائل إلى جانب الدولة، والتي يمكن لأقل استفزاز أن يؤدي إلى استخدام أي طرف من هذه الأطراف المختلفة للسلاح، وسقوط الضحايا كما شاهدنا خلال الثلاثة شهور الأخيرة منذ أن لجأ الشباب اليمني في مظاهرات سلمية إلى الاعتصام داخل وخارج صنعاء العاصمة.
إذا استمر علي عبدالله صالح في التشبث في السلطة فإن احتمالات الحرب الأهلية كبيرة.. وهناك أكثر من طرف يرحب بها، أكان الاشتراكيون في جنوب اليمن، الذين سلموا علي عبدالله صالح الجنوب اليمني، ثم تمردوا عليه، أو الحوثيين الذين أصيبوا بالخيبة نتيجة لفشل انتفاضتهم العسكرية ضد صنعاء أو عناصر القاعدة، وهم أقل عددًا إلا أنهم يتمتعون بحلفاء أقوياء في أكثر من مكان في اليمن.
تجنب أو احتواء العنف أصبح الآن أكثر صعوبة مما كان عليه حين سعى الخليجيون لوضع مبادرة لانتقال سلمى للسلطة في البلاد، وقع عليها معظم المعارضين لعلي صالح وكذلك قادة حزبه ولم يلتزم بها، على الأقل حتى كتابة هذه السطور.. مع أن هذه المبادرة تعطي لصالح أفضل فرصة للنجاة بنفسه من انتقام الثائرين عليه، وتوفر في نفس الوقت ضمانة معقولة لكي تدخل البلاد في مرحلة انتقالية تهيئ لوضع جديد يكون للشعب اليمني دور أكبر في تكوينه.
فالسبيل الأفضل للبلاد ولعلي عبدالله صالح نفسه نقل السلطة في أسرع وقت ممكن إلى حكومة وحدة وطنية، من الضروري أن يكون الشباب الثائرون والمعتصمون أحد مكوناتها الرئيسية، وأن تتولى هذه الحكومة إدارة البلاد في مرحلة انتقالية، وتقوم بإعداد جدول للانتقال إلى المرحلة التالية عبر انتخابات حرة ونزيهة، ويتم تكوين هيئة وطنية تعد دستورًا جديدًا للبلاد تشارك في إعداده مختلف مكونات الشعب، وتأخذ بالاعتبار مطالب المكونات المختلفة للمجتمع اليمني، بحيث يجري إلغاء المركزية الحالية للسلطة، والنظر في إقامة نظام لا مركزي، قد يكون فيدراليًا، ترتضيه المناطق المتذمرة من عدم اهتمام صنعاء الحالي بها وبمصالحها.
المبادرة الخليجية أو المساعي الغربية الأخرى لن تستطيع حل الأزمة الحالية في اليمن أو ما يمكن أن يحدث في هذه البلاد ما لم يكن اليمنيون أنفسهم على استعداد للتعالي على خلافاتهم والتواصل فيما بينهم على قواعد جديدة للعيش المشترك.. وهناك من لازال يتحدث عن تغليب النظام القبلي في أي حل قادم لليمن، وسيكون من المؤسف لو أن هؤلاء أصروا على هذا الأمر، فالشباب الذين خرجوا إلى الشوارع في صنعاء وغيرها من المدن ليسوا نتاجًا لنظام قبائلي، وإنما هم مواطنون من أبناء القبائل، ويطالبون بالكرامة والحرية في ظل نظام يتساوى فيه أبناء الوطن الواحد ولا يكون الولاء للقبيلة هو الأساس فيه، وإنما الولاء للوطن الواحد.. وإذا ما اتجه المؤسسون الجدد للدولة اليمنية إلى نظام مبني على غلبة القبيلة على الدولة، فإننا سنجد نظامًا يقوم على أن يفرض القوي بقوته لا بحجته ومنطقه أجندة النظام.. وسيؤدي الأمر إلى بروز ديكتاتور جديد، ومن المحتمل أن يخلق وضعًا يتقاتل فيه القبليون لتأكيد تفوقهم على بعضهم البعض؛ ولذا سيكون من الضروري أن يسعى المجتمع الدولي إلى رعاية التوصل إلى تفاهم وتعاون بين اليمنيين لتحديد معالم اليمن الجديد.
والدور المطلوب من دول الخليج خاصة والمجتمع الدولي بشكل عام مساعدة اليمن ماديًا ومعنويًا لتخطي وضعها الحالي، فالبلاد تعتبر أكثر الدول العربية فقرًا نتيجة لسوء إدارتها، فالبطالة تفوق الثلاثين بالمائة، ويكاد أن يكون نصف سكانها أميين، ودخلها من البترول تقلص كثيرًا، ومن المتوقع أن يتقلص أكثر من ذلك إن لم تتم اكتشافات جديدة للبترول أو الغاز.. ومن الضروري إعادة الحياة إلى برنامج تأهيل اليمن اقتصاديًا للدخول إلى مجلس التعاون الخليجي، إذ أن المجلس قبل بدخول اليمن مجلسه وبدأ برنامجًا لذلك الغرض، إلا أن سوء الإدارة الحالي أدى إلى تباطؤ تنفيذ هذا البرنامج، وليس إلغاؤه كما أعتقد بعض الكتاب عندما سمعوا بموافقة مجلس التعاون على التحاق الأردن والمغرب به.
ويمر اليمن اليوم بمرحلة تاريخية هامة في حياته، ولا يمكن لأحد من خارج اليمن أن يعيد بناءه، وسيجد اليمنيون أنفسهم في مواجهة قرارات صعبة لا يستطيعون أن يلوموا الخارج عليها، بل سيكون عليهم هم تحقيق إعادة بناء بلادهم.. وصحيح أنه لا جيرانهم الخليجيون ولا أصدقاؤهم الدوليون يرغبون في مشاهدتهم يختلفون حول بنية البلاد؛ مما قد يؤدي لإيصالها إلى صومال أخرى بعد أن دفع بها النظام الحالي إلى حافة الهاوية، إلا أن الآخرين لا يمكنهم إلا أن يقدموا الدعم، وعلى اليمنيين أنفسهم يقع عبء ضمان سلامة وطنهم ووحدته بالتراضي فيما بينهم.
ص.ب 2048 جدة 21451
[email protected]
http://www.al-madina.com/node/305795