(( قليلا من الغضب يا أبناء الجنوب ))
الإهداء .. إلى كل أحرار الجنوب الذين يرفعون علمنا ويرددون شعاراتنا في مختلف ساحات النضال داخل عاصمتنا التاريخية عدن .
ان جزء حاسم ورئيسي من عملية تضمين " الجنوب " كرقم هامشي في جوف المعادلة السياسية لأطراف المنظومة السياسية ل" الجمهورية العربية اليمنية " التي احتلت الجنوب ولا زالت , من قبل الأشقاء في الخليج بشكل خاص والقوى الدولية بشكل عام , واعتبار التعامل مع الجنوب أمرا " ممكنا " كطرف ذاب كهوية سياسية وشعب وقوى وطنية تحت وطأة الاحتلال – كما هو واضح من المبادرة الخليجية – هو أمر ما كان له أن يكون لو بقيت " الأطراف الجنوبية " تحتفظ لنفسها ولقضيتها بمسافة تفصلها تماما عن قوى الشمال في السلطة والمعارضة.
قال رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري في حديثة لقناة ( الجزيرة ) ردا على خطاب الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الذي اتهم فيه قطر بالتدخل في الشئون الداخلية لليمن , أن المبادرة السياسية ليست مبادرة قطرية وإنما هي مبادرة " خليجية " جاءت بناء على طلب الرئيس اليمني نفسه .. ! وأردف الوزير قائلا - وهو ما يعنينا كجنوبيين – ان المبادرة قد تم تسليمها إلى مختلف الأطراف المعنية بها في اليمن ! .. أي أنها قد سلمت للرئيس اليمني كما رأينا عبر سفراء ثلاث دول خليجية في حين سلمت لأحزاب اللقاء المشترك و لربما أن نسخة منها قد سلمت لشباب " ثورة التغيير " في صنعاء , في حين أن معلوماتي الأكيدة تقول أن أيا من " الأطراف الجنوبية " كائنا من كان هذا الطرف لم يتسلم ولو حتى " نسخة مسربة " منها عبر الفاكس والمنة الشخصية معا ! ... فماذا يعني هذا ؟؟
أن هذا الكلام , يعني بصريح العبارة أن " الجنوب " لم يكن ضمن حسابات هذه المبادرة نهائيا , وأن وجود الجنوبيين وقضيتهم السياسية العادلة لم يكن لها مكان في إطار هذه المبادرة التي تحرص على الخروج بعملية " توافقية " مابين أطراف " يمنية " في السلطة والمعارضة والشارع , كما انها مبادرة يعتقد ويرى أصحابها ومهندسوها ان الأطراف السياسية الرئيسية المعنية بها هي الأطراف التي سلمت لها بصورة رسمية , وأما الجنوبيين – بحسب ما يعتقد هؤلاء – فما عليهم إلا ان (( يتوزعوا )) كما ارتضوا لأنفسهم مابين هذه الأطراف اليمنية التي احتلت بلادهم ! .. فجزء منهم عليه ان يجد له مكانا ضمن وفد " رئيس الاحتلال " وجزء آخر عليه ان يجد له مكانا ضمن وفد " شركاء الرئيس " في عملية احتلال الجنوب ! ومن الممكن ان يجد بعض " الشباب الجنوبيين " في عدن مكانا لهم مع فريق توكل كرمان التي ارتأت مؤخرا ان " الحراك الجنوبي " يندرج ضمن الأمراض السبعة التي يجب استئصالها يمنيا ! وأما الذين لا يقبلون بغير هذا أو ذاك فما عليهم سوى ابتلاع مرارة هذه النظرة الجائرة والقعود حيث هم بحسب المبادرة ورؤية الأشقاء .
لكننا وفي خضم هذه المهزلة التي يتطلعون الى سحب ردائها الأسود على كل الجنوب , نود ان نذكر إخواننا في قيادة مجلس التعاون الخليجي بما يلي :
ان مضمون هذه المبادرة التي تطرحونها إنما تنحصر في حلحلة الأزمة الجارية حاليا مابين الأطراف السياسية والعسكرية والقبيلة والاجتماعية التي احتلت الجنوب عام 1994م , وانه لا علاقة ل " الطرف الجنوبي " بها نهائيا , ولم يكن منتجا لها ولا طرفا فيها ,عطفا على واقع الاحتلال الذي " ألغى " وجود الجنوب بصورة نهائية , وفي هذا السياق نود ان نذكركم – كما نجده من المهم ومن المخجل – ان نذكر أطراف جنوبية أخرى تعرف نفسها تماما , بأن أزمة وحرب صيف 1994م التي كان لكم موقف واضح منها , نص بصريح العبارة في البيان الصحفي الصادر عن اجتماع وزراء الخارجية المنعقد في مدينة أبها السعودية يومي 6 , 7 يونيه 1994 على " ان الوحدة التي رحبت دول المجلس بقيامها لا يمكن أن تستمر إلا بتراضي الطرفين , كما ان هناك أمر واقع متمثل بأن احد الطرفين أعلن عودته إلى وضعه السابق وقيام جمهورية اليمن الديمقراطية, وانه أمام هذا الأمر الواقع لا يمكن للطرفين اللذين اتفقا على الوحدة التعامل في إطارها إلا بالطرق والوسائل السلمية. "
وبناء على موقفكم الواضح أثناء أزمة الوحدة التي أنتجت الحرب والاحتلال للجنوب يوم 7 / 7 / 1994م , ومقارنة ذلك الموقف بموقفكم الحالي المتجسد في " المبادرة الخليجية " الراهنة التي تجاهلت " قضية الجنوب " والطرف الجنوبي وفقا للمبادئ الخمسة التي ترتكز عليها والتي نص أولها على ما يلي :
أن يؤدي الحل الذي سيفضي عن هذا الاتفاق إلى الحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره .!!
وبغض النظر عن التناقض الواضح ما بين الموقفين المشار إليهما من جهة, ووقوع هذا المبدأ الذي تصدر المبادرة الحالية في مأزق كبير مع المنطق من جهة أخرى كونه يشترط " صيانة الوحدة " كنتيجة للاتفاق الذي سيجري مابين " طرفين شماليين " فرضا الوحدة أساسا بالقوة العسكرية على " الطرف الجنوبي " المغيب تماما بموجب معطيات هذه المبادرة , وهي نتيجة لا تحتاج الى اتفاق أو رعاية خليجية , كونها ليست موضوع خلاف بينهما ! فإننا يمكن ان نتساءل بأريحية شديدة عن الأساس والمستند الشرعي الذي بموجبه تجاهلتم " قضية الجنوب " في مبادرتكم الحالية ؟ .. ترى هل على أساس " واقع الاحتلال " الذي فرضه المحتل على بلادنا وشعبنا ؟ ام على أساس هرولة المهرولين من بعض كبارنا ؟!
وان كان الأمر كذلك .. وهو كذلك فعلا . فهل يمكن القول بموجب هذا الموقف أن عملية احتلال دولة عربية لدولة عربية أخرى مسألة يمكن قبولها على الطريقة التي حدثت للجنوب ؟ ! وان العدالة والشرعية تجاه اي قضية وطنية عادلة انما يتحدد الموقف منها وفقا لما تفرضه عناصر" القوة " من واقع مجحف على الأرض ! خاصة وانتم تعلمون علم اليقين ان هذه الوحدة باتت اليوم مفروضة على شعب الجنوب ! وهو الأمر الذي يتناقض بالكامل مع موقفكم الرافض لفرض الوحدة بالقوة كما جاء في نص البيان المشار اليه أعلاه.
ولأن الموقف الخليجي والدولي من " قضية الجنوب " هو موقف ينطلق في الأساس من حسابات " المصلحة " التي على أساسها تتركب مواقف الدول وهي معذورة في ذلك .. فمن جانبنا كجنوبيين يمكننا ان نقول بملئ الفم انه من العيب ومن العار ومن الخزي الكبير لكل جنوبي مهما كانت مكانته وقيمته ورمزيته ان يبحث في جعبته الشخصية أو الجماعية عن " مبررات واقعية " تجيز له " الانخراط " في شرعنة هذه الواقع الاحتلالي والتسليم بمعطياته , بل والتعاطي معه بكل هذه السذاجة والبرودة واللامبالاه عبر قبوله لهذه المبادرة وقبوله الاصطفاف مع هذا الطرف المحتل أو ذاك, متخليا عن الأساس الوطني الجنوبي الذي يرتكز على حقيقة واحدة لا ينبغي تجاهلها او نسيانها مهما كانت المبررات ومهما كانت الظروف وهي ان هذه الوحدة غدت اليوم مفروضة على شعب الجنوب بالقوة وان الصراع الحاصل حاليا في صنعاء إنما هو صراع مابين " منظومة القوى " التي احتلت بلادنا على كيفية توزيع غنيمة الجنوب , وان إقحام الذات الوطنية الجنوبية في جوف هذه الأزمة هو عملية إذابة متعمدة لقضية الجنوب بكل معانيها وقيمتها ومشروعيتها وقداستها . كما انه تفريط سافر بشلالات الدم الزكية لمئات الشبان الجنوبيين الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل " استقلال الجنوب " والذين خرجوا الى ساحات النضال السلمي تحت شعارات وخطابات سياسية استمعوا اليها عبر مكبرات الصوت لمكالمات هاتفيه من زعامات كبيرة في الخارج تغنوا أمامهم بالاستقلال الصريح كقيمة وطنية جنوبية لا تقبل المساومة أو حتى المناورة !
ان جزء حاسم ورئيسي من عملية تضمين " الجنوب " كرقم هامشي في جوف المعادلة السياسية لأطراف المنظومة السياسية ل" الجمهورية العربية اليمنية " التي احتلت الجنوب ولا زالت , من قبل الأشقاء في الخليج بشكل خاص والقوى الدولية بشكل عام , واعتبار التعامل مع الجنوب أمرا " ممكنا " كطرف ذاب كهوية سياسية وشعب وقوى وطنية تحت وطأة الاحتلال – كما هو واضح من المبادرة الخليجية – ما كان له ان يكون لو بقيت " الأطراف الجنوبية " تحتفظ لنفسها ولقضيتها بمسافة تفصلها تماما عن قوى الشمال في السلطة والمعارضة , باعتبارها قوى احتلال أنتجت " قضية الجنوب " وتسببت في وجودها , وهو الخطأ " الاستراتيجي " القاتل الذي وقعت فيها أطراف جنوبية " معروفة " ضمن مبرر واهي ارعن بكل المقاييس يرتكز على أساس " التكتيك والسياسة " وعلى أساس مبدأ مهزوم في داخله يقوم على مفهوم ان اي حل محلي لا يمكن ان يكون الا بموجب ما يفرضه " الخارج " الاقليمي والدولي .
لهؤلاء الذين " أنهكونا " وشتتوا شملنا وفرقوا صفوفنا وضيعوا قضيتنا وفضلوا ان تبقى أبواب قضيتنا مشرعة لقوى الاحتلال ك " قضية تخصهم " كما تخصنا في الجنوب وفقا لما جادت به عبقريتهم السياسية نهدي لهم مايلي :
حدثتني شخصية جنوبية ذات وزن وثقل كبير , أنها وبعد جلسه مطولة جدا مع حميد الأحمر الذي طالبه بالانضمام الى ثورة التغيير , قد (( سر )) له بأن جنابه الكريم سوف يتكرم على الجنوب بعد الثورة بزيادة عدد مقاعد النواب الجنوبيين من ( 56 ) مقعد الى ( 100 ) وان الرئيس سوف يكون في البداية من الجنوب , كما ان هذا " العرض " المغري جدا من الشيخ حميد لا يمكن " الوفاء به " الا بعد مرور ثلاث سنوات فقط من إسقاط النظام ! , وذلك حتى لا يخرج أحدا ما من " قوى الاحتلال على الشيخ حميد ان هو باشر " منته الكبيرة " للجنوب فورا بالقول : ان ما كان يحذرنا منه الرئيس علي عبدالله صالح من تنازلات ستقدم للجنوب صحيحه !! .. بحسب حميد وبحسب المصدر والموثوق جدا .
وحين ذكره " صاحبنا " بأن للجنوب قضية سياسية كبيرة تتجاوز هذا " العرض المغري " قال له الشيخ : ان " قضية الجنوب " لم تعد تطرح في ساحات التغيير في الجنوب وان ثورة " إسقاط النظام " قد تجاوزتها .
والحقيقة المرة التي يجب ان يغضب لها ابناء الجنوب يمكن الحديث عنها ببساطة شديدة بما يلي : ان القوتين الرئيسيتين " قوى السلطة ممثلة بالرئيس " وقوى " الإصلاح ممثلة بالقبائل والإخوان " قد افترقا بعد عدة أعوام من احتلال الجنوب , ما أتاح للقوى الأولى " نهب الجنوب " واحتلاله والاستئثار بخيراته وحرمان شريكهم في الاحتلال منه , والآن جاءت الظروف المناسبة لكي يسقط الثاني الأول ويحكم الجنوب ويحتله بوسائل جديدة وبمساعدة عناصر جنوبية جديدة .اي انه الأمر يمكن ان ينتهي بذهاب عبدربه منصور كجنوبي حليف لصالح وسيخلفه بن عبود كحليف جنوبي للأحمر !
كل هذا يحدث في حين ينسى الجنوبيون .. ان لهم وطن مستباح بالاحتلال , ويذهب البعض حد القبول بالتنازل عن هذا الوطن ورهنه لمن يحتله ولمن يستبيح ثرواته وسيادته وتاريخه ووجود أهله على ترابه الوطني , وينسى المتقاعسون منهم ان لديهم " القوة الذاتية " الكفيلة وحدها بعون الله تعالى على رفع الضيم والجبروت عن بلادهم وتحريرها بالكامل وهي " إيمان الشعب " بقضيته .. وهذا الإيمان الكبير بعدالة القضية وهدفها الاستراتيجي المشروع كان عبر التاريخ عنصر النصر الأبرز والحاسم لجميع شعوب العالم التي حررت نفسها من براثن احتلال القريب او البعيد , والتي لم تراهن قياداتها في مراحل نضالاتها على اي عوامل أخرى تسبق هذا العنصر الهام .
أحمد عمر بن فريد