تقرير / الموجات الثورية العربية تسفر عن «صعود إقليمي» للدور الخليجي
ارسال | حفظ | طباعة | تصغير الخط | الخط الرئيسي | تكبير الخط
| القاهرة - من عبدالله كمال |
أنتجت الموجات الثورية العربية، مجموعة من العوامل المتتابعة، التي أدت إلى صعود «الدور الخليجي» إقليميًّا وانتقاله من مرحلة «الشريك الفعال» إلى فترة «الفاعل المؤثر»، تلك هي أبرز المتغيرات الإقليمية المباشرة لما بعد يناير 2011، الشهر الذي شهد خروج الرئيس الهارب من تونس زين العابدين بن علي، وبدأت فيه عملية الاحتجاج معروفة النهاية ضد الرئيس المصري السابق حسني مبارك.
المعادلة التقليدية، وفقا لموازين العقد المنصرم كانت تقسم إقليم الشرق الأوسط، في كل من نطاقه العربي واتساعاته الجغرافية مع دول الجوار، إلى مجموعة ما يلي:
محور الاعتدال المكون من: مصر وكل دول الخليج - باستثناء قطر وخفوت سلطنة عمان ـ ومعهم الأردن وظهير فلسطيني ممثل في حركة «فتح» والسلطة في رام الله وظهير لبناني ممثل في معسكر 14 آذار، وهو محور له عمق «تحالفي» أميركي ـ أوروبي.
المحور الراديكالي الذي يضم كلا من: إيران وسورية وقطر، وظهير فلسطيني ممثل في حركة «حماس» الحاكمة في غزة، وظهير لبناني ممثل في «حزب الله»، وبدوره هو محور له عمق يمتد في اتجاهات التوسع الإيرانية، خصوصا نحو التنظيمات المتطرفة والحركات القومية من ذات الطراز الراديكالي.
شطر غربي من الإقليم العربي، حيث دوله في شمال أفريقيا، منشغل بذاته في نطاقات محلية صرفة، وغير مهموم بقضايا المشرق، إلا لما يحدث غالبا من خلال انفلاتات الشطط الديبلوماسي الليبي أو بعض «الظهورات» الجزائرية الموقتة.
«ومضات تحركية» تركية، خصوصا في الأعوام الثلاثة الأخيرة، كانت تتداخل حينا مع المحور الأول، وحينا آخر تقترب مع المحور الثاني، وحينا ثالثا باستقلال غير مُجدٍ، وفي كل الأحوال لأسباب اقتصادية في الأساس.
من حيث الكم والتفعيل المؤثر، كان المحور الأول «الاعتدال» أكثر قدرة على الحركة الإقليمية، خصوصا مع وجود التنسيق العميق بين كل من القاهرة والرياض، وانضمام أبوظبي لهما في توقيتات مختلفة. وفي المواجهة فإن هذا التفعيل كان يواجه تعطيلا من المحور الأقل عددا، أي الثاني الراديكالي.
ولا ينفي هذا أنه كانت هناك تنافسات لحظية تقع بين كل من القاهرة والرياض، لم تكد تلبث أن تتلاشى بعد أن تسبب فتورا موقتا، ومثال ذلك اختلاف الرؤى في التعامل مع الملف السوري من قبل السعودية قبل أن تعلق الرياض «مبادرة س- س» في لبنان، وينتهي تجمد القنوات على المستوى الأعلى بين قيادتي البلدين.
و3 عوامل جوهرية أدت إلى تغيير في هذه المعادلة التقليدية، وإحداث بعثرة في مكونات أطرافها:
الأزمات المتوالية إقليميًّا بسبب الموجات الثورية العربية، وخشية دول الخليج من انتقال العدوى إلى بعضها «حالة الرغبة في التظاهر في السعودية وحدوث احتجاجات سلطنة عمان»، واقتراب بعض هذه الأزمات من فضائها الجغرافي الأقرب «حالة اليمن»، بل وفي عمق محيطها «حالة البحرين».
اختفاء شخصية أساسية في بناء محور الاعتدال، أي الرئيس المصري السابق حسني مبارك وخروج وزير خارجيته أحمد أبوالغيط من الحكومة، ونهاية معلنة لدور رئيس مخابراته عمر سليمان الذي كان في اللحظات الأخيرة قبل التغيير نائبا للرئيس السابق، وهو اختفاء لم يتلوه تبلور في دور مصر التالي، بغض النظر عن ارتباكات في تصريحات وزير خارجيتها الجديد نبيل العربي.
حدوث تقاطعات متنوعة في العلاقة بين محور الاعتدال والولايات المتحدة، إذ عانت دول الخليج من ارتباكات واشنطن وتخبطها في أكثر من مسالة، دون أن ينفي هذا وجود تنسيقات عميقة في ذات لحظة الارتباك..ففي الوقت الذي جرت نقاشات حادة بين كل من الرياض وواشنطن في جانب، وأبوظبي وواشنطن في جانب آخر، خلال الاحتجاجات المصرية اعتراضا على الموقف الأميركي من الرئيس السابق حسني مبارك..فإن تفاعلا «أميركيًّا خليجيًّا » قد جرى أثناء أزمة البحرين ومن ثم في الفترة الزمنية نفسها خلال أزمة ليبيا.
العامل الأخير أقل تأثيرا استراتيجيا، حتى إن كان مؤثرا في مجريات الأمور ميدانيا، وأقصد به الانخراط الإعلامي لقنوات خليجية إخبارية رئيسة في مجريات اضطرابات الدول التي تعرضت للموجات الثورية عربيا..وفي صدارة هذا الانخراط دور كل من قناتي الجزيرة القطرية تحفيزا وتثويرا والعربية السعودية التي تبدل دورها من حالة إلى أخرى فوصل إلى مستوى التحفيز ليبيًّا وسوريًّا والأقرب إلى الحياد مصريًّا ويمنيًّا.
بينما اعتاد الإقليم أن يحصد نتائج تفاعلاته على مدى فترات غير قصيرة نسبيا، فإن التحديات التي فرضت نفسها، والاستحقاقات التي وجب دفعها فورا في التعامل مع الأزمات المتوالية، أدت إلى صعود فوري للدور الخليجي إقليميًّا في ذات الوقت الذي حدث انفراط في عقد المحور الراديكالي، وعدم قدرة على التأثير حتى مع وجود الرغبة الحثيثة لدى الجار التركي الطموح.
في هذا السياق يمكن رصد المؤشرات التالية المجسدة لصعود هذا الدور:
أولا: تحرك له طبيعة عسكرية مباشرة خارج حدود الدول، متمثلا في الدور الذي قامت وتقوم به قوات درع الجزيرة في البحرين، من خلال السعودية والإمارات والكويت، سبقته مشاورات واسعة النطاق.
ثانيا: تحرك له طبيعة عسكرية مباشرة وفعالة، ليست بعيدة الصلة عن أوضاع البحرين، من خلال المشاركة الملموسة لطائرات كل من قطر والإمارات في عمليات فرض حظر الطيران على ليبيا..سبقته قيادة دول الخليج لاجتماعات وزراء الخارجية العرب في اتجاه الموافقة على فرض منطقة حظر الطيران دوليا.
ثالثا: تحرك سياسي متكامل في اتجاه لملمة أزمة اليمن وفقا للخطة المعلنة من مجلس التعاون الخليجي بعيد اجتماعه يوم الأحد الماضي، وفي الخلفية تنسيق «أميركي ـ خليجي» واضح.
رابعا: تحرك اقتصادي تعاوني في اتجاه احتواء الأوضاع الاجتماعية التي كادت تتفجر على نطاق واسع في سلطنة عمان.
خامسا: وقوف شبه جماعي في اتجاه التدخلات الإيرانية في شؤون الخليج خصوصا والإقليم عموما تمثل في تصريحات حادة صدرت عن عواصم خليجية مختلفة، خصوصا بعد أزمة البحرين، ولاسيما بعد كشف شبكة التجسس التي أعلنت في الكويت لصالح المخابرات الإيرانية.
من المؤكد أن هذا الاندفاع الخليجي، على مستوى يمكن وصفه بأنه أقرب إلى الاستراتيجي، خصوصا مع نشوء الفراغ الذي خلقه انشغال مصر في أوضاعها الداخلية، لم يكن مخططا، وبقدر ما فرضته الظروف والمتغيرات الطارئة فإنه كشف عن بنية يمكن لها أن تحتمل الصمود على الأقل حتى تستعيد مصر زخمها وتعود إلى محور الاعتدال وفق ما هو مفترض وغير متوقع التغيير.
لقد استدعت دول الخليج من رصيدها أكثر من مقوم ساعدها على هذا الانتشار السريع سياسيا على مستوى الإقليم ومنه رسوخ الإطار التنظيمي الذي يجمعها، لاسيما مع إدراك الدوحة أهمية أن تنضوي تحت لوائه من دون اجتهادات بعيدة عن الصف الخليجي متمثلا في مجلس التعاون، ومنه البنية الاقتصادية القوية لدى غالبية دول الخليج «جماعيا»، ما ساعد على مرونة الحركة إقليميا، ومنه كذلك الحافز الديني المتقاطع في جوار وعلاقة متشابكة مع إيران، ومنه تماسك ووضوح قيادة السعودية للصف الخليجي.
إن السؤال الجوهري الذي يتلو هذا الصعود هو إلى أي مدى يمكن له أن يصمد فترة أطول من الوقت، وهل سوف يواجه تنافسات تعرقله أو عوامل تعطله؟
والإجابة تتعلق في الأساس بمعرفة الدوافع التي أدت إلى هذا، وهل هي نابعة من طموح خليجي دفين أدت المتغيرات إلى الكشف عنه والدفع به، أم أنه ناتج عن «اضطرار» أنتج الفتح الاستراتيجي واسع النطاق. والأهم: ما هي المنافع التي يمكن أن تحققها دول الخليج مجتمعة من هذا كله وهل هي في حاجة إليها أم أنها فقط تدرأ بعضا من الأخطار وهي ليست في حاجة إلى كل هذا في وقت واحد؟
هذه أسئلة تبقى معلقة، وهي برمتها مرتبطة بطبيعة التغيير الذي ستسفر عنه الموجات الثورية الحالية، وهل سوف تقتصر على ما هو واقع الآن أم أنها ستمتد إلى مناطق أخرى، ومن ثم ما هي طبيعة التصورات الأميركية لمعادلات الإقليم، وحدود تأثر الاتجاهات التوسعية الإيرانية بما يجري في المنطقة خصوصا في سورية.
http://www.alraimedia.com/Alrai/Arti...&date=13042011