بركة دم قيادية في عدن
رحيل القادة والزعماء في جمهورية جنوب اليمن يصلح مادة لرواية كابوسية لما تضمه من فواجع ومؤامرات واعمال غدر وتنكيل قضت على اجيال متعاقبة من النخب القيادية، المدنية والعسكرية، بالاضافة الى عشرات الالوف من المدنيين، ومما له مغزى ان بطل تحرير الجنوب ورئيس اول جمهورية مستقلة قحطان الشعبي قضى على يد رفاقة إعداما بتهمة الخيانة ليفتتح هذا المسلسل الدموي إذ تقاتل الورثة فيما بينهم من غير رحمة.
من صنعاء الى عدن ثمة أربع محافظات هي ذمار وإب وتعز ولحج، كانت بمثابة كواليس خلفية تمد مسرح الاحداث والصراعات بلوازم الوقود والرجال واللاعبين، وفي عدن يطالعك ميناء التواهي الذي شهد الهجوم الشهير لمقاتلي القاعدة على المدمرة الأميركية يو إس إس كول عام200. وعلى بعد مئات الامتار صعودا ستصادفك لافتة عن موقع اسمه رامبو.. انه بيت قديم سكنه الشاعر الفرنسي رامبو يوما، وعلى مرمى بصر منه، تمثال للملكة البريطانية فيكتوريا، وهناك أيضاً ستجد ساعة “بيغ بن” أو “ليتل بن” وهي ثاني ساعة بنتها بريطانيا بعد “بيغ بن” لندن وبنيت عام 1890، أثناء احتلال عدن الذي استمر 138 عاماً وانتهى في العام 1967.
في هذه المدينة دارت مذابح وتصفيات كثيرة بين القادة السياسيين، غير ان مذبحة 13 يناير 1986 الاكثر دموية واثارة واثرا، إذ تتصل احداثها، من زاوية معينة، بما يجري اليوم من احداث ترشح صفا جديدا من الزعماء الى الرحيل عن السلطة.
في ليلة الثاني عشر من يناير، كنا نتابع من بهو فندق عدن مصير آخر الوساطات للتقريب بين الفريقين المتناحرين في قيادة الحزب الاشتراكي الحاكم، وقد استطالت المحاولة المستحيلة التي كان يتبناها “وفد عربي” صديق الى ساعات الفجر، ولم يترشح من الابواب الموصدة غير نبأ سيئ“الفريقان لم يتفقا، ومصرّان على مواقفهما”.
ومع مطلع ضحى ذلك اليوم، الاثنين الثالث عشر من يناير، كانت اعمدة الدخان قد ارتفعت من مقر اللجنة المركزية في منطقة كريتر (فوهة البركان) وفي ملتقى طريقين على بعد ميلين التقيت القيادي في الحزب سالم صالح وهو يتجه الى المقر. سألني: ماذا يحدث؟. قلت له: سمعت اصوات انفجارات. ثم استدار الرجل عائدا، وكان قد نجا من المذبحة، والفضل الى حكمة التأخر عن موعد الاجتماع الذي تحول الى بركة دم.
لقد هبت المدينة تقاتل نفسها قبل ان تزحف اليها قبائل ووحدات من الخارج، ودخل الفريقان المتصارعان (علي ناصر محمد وعبدالفتاح اسماعيل) في قتال على كل شبر من المدينة استمر لعشرة ايام طاحنة، وانتهى الى مقتل القياديين علي عنتر وصالح مصلح وعلي شايع وعبدالفتاح إسماعيل واصيب علي سالم البيض وهرب علي ناصر محمد وانصاره بعد ان اودت المعارك بحياة احد عشر ألف قتيل وسجن سبعة آلاف وتشريد 250 ألفا من المواطنين إلى شمال اليمن وعدد من الدول الخليجية. كما قتل 52 قياديا من قيادات الحزب الاشتراكي الجنوبي واعدم عدد منهم بينهم فاروق علي احمد الذي اتهم بالتخطيط للمجزرة.
قبل الاحداث باسبوع سألتُ فاروق علي احمد عما سيؤول اليه الصراع بين المجموعتين المتصارعتين في القيادة، فردّ علي قائلا: أحدنا سيرحل.
“وِحده ما تشوف، تسوّي مكياح لمجنونة”.
مثل يمني
التعديل الأخير تم بواسطة حتاته ; 2011-04-09 الساعة 12:14 AM
|