فاتحة الحروب الاهلية
حرب الشمال والجنوب الاولى أثارت الالتباس الاول حول السؤال المبكر عما يريده اليمنيون حقا، وذلك مع استيقاظ صبوات نائمة منذ آلاف السنين: دولة قبائلية. امهرية. عروبية. اشتراكية. ناصرية. خليجية..الخ.
في الشمال لم يكن علي عبد الله صالح، خلال تلك الحرب، غير مقدم فخور بقبيلته الجمهورية وهو يتهجى خطوات العقيد القذافي في ليبيا ويستدل بها الى السلطة عن طريق الخطابات وبناء حلقة حاكمة متراصة رافعتها قبائل كبيرة ونافذة، وقد جرب ان يهرب بالحكم بعيدا عن التوترات مع جيرانه.
وفي الجنوب لم يكن علي سالم البيض، آنذاك، غير سياسي غض مندفع اختار الراديكالية الحضرمية هوية وطموحا الى قيادة “الجبهة القومية” التي خرجت تواً من مؤتمرها الخامس بخطاب زاخر بـالجمل الثورية وبتطلعات مشوشة الى الوحدة اليمنية عبر إحداث تغييرات اجتماعية، اشتراكية، في الشمال مماثلة لما تم في الجنوب.
غير ان البيض، خلافا لصالح، كان آنذاك أكثر رصيدا في ممارسة المسؤولية، فقد كان نفسه عضوا في وفد الجبهة القومية الى مفاوضات الاسكندرية مع جبهة التحرير عشية الاستقلال بمبادرة وحضور عبد الناصر، وكان وزيرا في أول وزارة عقب الاستقلال، فضلا عن انه كان مكلفا بتوريد الاسلحة للثوار من افريقيا خلال الشهور التي سبقت الانتصار الناجز على القوات البريطانية في صيف عام 1967.
في الشمال كان القاضي عبد الرحمن الارياني (رئيس المجلس الجمهوري) يدير، مع الشيخ أحمد النعمان، لعبة الحكم والوحدة، بمهارة سياسية في التعامل مع منتديات الرأي والسياسة والمقايل وطبقة كبار الضباط، وبأقل حذر مع المؤسسة القبلية وجماعة الضباط الصغار الذين اعيتهم الصراعات السياسية مع الاشباح. وفي هذا المحذور زلت قدم القاضي الايرياني في الثالث عشر من حزيران(يونيو) عام 1974 لكي يرحل الى خارج اللعبة و(البلاد) كلها، ولكن بعد ان حضر بنفسه حفل افتتاح عهد الحروب مع الجنوب تحت شعار اقامة الوحدة وانهاء عهد التشطير، وهو الشعار الذي انتهى الى برك دماء لا اول لها ولا آخر .
وليس من قبيل الصدف ان تندلع حرب 1972 من (قعطبة) التي تقع على حدود الشطرين الشمالي والجنوبي وتحتفظ بسجل طويل من الاحداث منذ ان وصلها الاتراك في القرن السابع عشر.. المنطقة التي ستكون مسرحا لحربين قادمتين بين اليمنيين، حيث يجد انصار كل طرف قواعد ومسالك ونقاط عبور وخطوط تراجع وموالين دائما، وحيث شقّت الحكومتان، الشمالية والجنوبية، فيها جيوبا مستمرة خلال ظروف التوتر والحرب، ثم تغيبان عنها في ظروف السلم والتعايش الأمر الذي جعل من هذه المحطة شرارة صالحة للاندلاع في أي وقت.
نحن في مدرسة نموذجية للحروب الاهلية التي تختلط فيها الجغرافية بالتاريخ.. المحبة بالكراهية.. الدين بالقبلية بالقومية.. شعارات اليمين باليسار.
وكلام مفيد..
“ ما أضمر أحد في نفسه سراً ، إلا ظهر على صفحات وجهه وفلتات لسانه”.
الامام علي
التعديل الأخير تم بواسطة حتاته ; 2011-04-09 الساعة 12:11 AM
|