عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-03-04, 12:19 AM   #3
عبدالله البلعسي
قلـــــم ماســــي
 
تاريخ التسجيل: 2009-01-15
المشاركات: 13,875
افتراضي

الثورة السائبة تعلّم السرقة ( بقلم : عمر أمذيب )



أكاديمي يمني – مقيم في كندا

تُسرق الثورات عادةً بعد انتصارها. الثورات يصنعها أبطال ليس لهم أي مطامع في السلطة لمرحلة مابعد انتصار الثورة، هدفهم واضح ومحدد في إسقاط الطاغية. وفي الأغلب الأعم لاتكون مراحل مابعد الثورة واضحة الملامح في أذهان الثوار الحقيقيين من صانعي المجد الثوري. المتسلقون من لصوص الثورات عادةً ينتظرون متربصين مختبئين اثناء احتدام أوار الثورة، وفي زمن التضحيات الحقيقية تجدهم يتوارون في الظل مثل ضباع الجيف التي تنتظر فراغ الأسود من فرائسها. ينتظر اللصوص حتى تنتصر الثورة ويسقط الطاغية، حينها تبدأ التحركات، ويخرج سراق الثورة من جحورهم يلعنون الطاغية ويعددون مساوئه ويجملون مواقف لهم لم تكن لتظهر حتى ولو وضعتها تحت مجهر، ويزيفون مابدر منهم سلفا وسابق كلماتهم يغيرون معانيها ومقاصدها. هكذا جرت العادة في الغالب الأعم من المعلوم من الثورات ولعل أحدث الأمثلة من الثورات العربية الحديثة واضحة في حالات تونس ومصر وليبيا على الطريق.

أما ما يجري في ثورة الشعب اليمني الحقيقية الآن فهناك بوادر نلحظها في محاولات السراق في وقت مبكر وتحت شمس الظهيرة محاولين جني ثمار لم تنضج بعد. ثمار لم يزرعوها ولم يرعوها رياً، ولكنهم يتهافتون على حصادها حتى وإن لم تنضج بعد.

شباب اليمن حدد هدفه الرئيسي منذ البداية بإسقاط طاغية صنعاء ونظامه المهترئ وكل رموزه وما تعلق به من أزلام وزبانية، هدف لا يقبل أي تأويل أو تفسير، هدف يخاطب الطاغية بأن لابديل عن الرحيل. صرخة سمعها العالم أجمع في جميع ميادين المدن اليمنية وقراها.

أمام هدير هذا الفعل الشبابي توارت قيادات المعارضة الرسمية (اللقاء المشترك) وليس قواعدها وتريثت وصبرت واستكانت بعد أن كانت هددت بهبة شعبية تحتكم للشارع في تحديد مطالب يرتفع سقفها تدريجياً نحو الأعلى. هذه المواقف لازالت محفوظة في الذاكرة، كما ان بعض من قيادات المعارضة برر ذلك بأنهم جزء من النظام، كأنه يقول بأن مطالبة الشعب بإسقاط النظام تعني ايضاً إسقاط المعارضة. وهنا خلط واضح بين مفهومي النظام والدولة.

عندما بدأت الثورة تتلمس طريق النجاح وبدأ أن لفعلها صدى في الداخل قبل الخارج، وبدأت قطاعات واسعة من جمهور اليمن تنخرط في اعتصامات الشباب وتشارك فيها بفعالية وتزيد من زخم الفعل الثوري، عندها انفتحت شهية ضباع الجيف في وقت مبكر وبدأت هجومها على أسود الثورة قبل سقوط الفريسة.

مشهد دخول السيد عبدالمجيد الزنداني مع حراسته المدججة بالسلاح وسط جموع الشباب الثائر المسالم في ساحة التغيير بصنعاء ظهيرة يوم ثلاثاء الغضب، منظر يعصر القلب ألماً وحسرة وخوفاً على أن تسرق الثورة قبل أن تكتمل أهدافها، ولست بحاجة لتوضيح مواقف السيد الزنداني في بدايات ثورة شباب اليمن وترهيبهم بأن شعب اليمن مسلح وحذر من نتائج الثورة في الفوضى ومن التدخل الخارجي في الشأن الداخلي. موقف لا يختلف عن موقف النظام في جوهره. وعندما توضحت معالم طريق ثورة الشباب، هنا بدأت البوصلة تغير اتجاهها، وبدأت الشهية تفتح لجني الثمار حتى ولو قبل نضوجها.

في اعتقادي ان السماح لدخول السيد الزنداني بذلك المظهر المسلح الإستفزازي كان موقفاً غير موفق من قبل منظمي اعتصام ساحة التغيير. وصلت رسالة السيد الزنداني وحاشيته المسلحة لترهب الشباب الثائر في ساحة التغيير وتقول أنه يسعى لقيادتهم وأن يكون معهم ولكنه لا يثق فيهم ولا يشعر بأنه آمن وسطهم.

وجود السيد الزنداني المسلح وسط ساحة التغيير يشوه وجه ثورة الشباب ويشوه شعارها: لا حزب ولا أحزاب ثورتنا ثورة شباب، كما انه يرسل رسالة خاطئة لطبيعة الثورة السلمية وأهدافها، كما يخدم خطاب السلطة الرسمي الذي يحذر من سقوط الدولة في أيدي المتشددين إذا انتصر الشباب في حراكهم الثوري وسقط الطاغية.

الأمر الآخر الذي لانجد له تفسير هو المغزى من ظهور السيد الزنداني في تظاهرة غضب دعت لها أحزاب اللقاء المشترك للإنتصار لشهداء عدن في مجزرة الجمعة الدامية، فهل لاتوجد شخصية تنتصر لشهداء عدن ودماء شبابها الطاهر إلا هذا الذي شارك بالأمس القريب في فتاوى لاجتياح عدن بأطفالها ونسائها وشيوخها قبل شبابها ورجالها؟

لا نستطيع أن نشير لثوار ساحات الإعتصام ومواقع ثورة الشباب في عموم البلاد بما يجب عليهم أن يقوموا به، فهم علمونا كيف يكون الفعل الثوري وكيف يجب أن تـُقارع الطغاة وأن يُكسر استبدادهم إلا أن الأمر يتطلب الحذر فالثورات السائبة تعلـّم السرقة.
__________________
[IMG]file:///C:/Users/dell/Downloads/562735_452337594800990_1195827186_n.jpg[/IMG]
عبدالله البلعسي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس