ثمن سقوط النظام اليمني
سامي كليب
نصف الشعب اليمني يعيش تحت عتبة الفقر أو أنه عاطل عن العمل. وجل الشعب اليمني «يخزِّن» نبتة القات الشهيرة فينسى همومه المعيشية طيلة فترة بعد الظهر وحتى ساعة متأخرة من الليل، وجنوب اليمن يعيش منذ سنوات حالة انفصال نفسي عن صنعاء بانتظار تحقيق الانفصال الفعلي، والحوثيون خمدوا في صعدة، لكن جمرهم لا يزال متقدا، وتنظيم القاعدة وجد أكثر من مرة في اليمن ساحة فضلى لتحركاته قبل أن يفتح الرئيس علي عبد الله صالح أبواب دولته واسعة للاستخبارات الأميركية بغية ملاحقة عناصر هذا التنظيم، وكسب بالتالي ود واشنطن وقسما من الغرب.
وفي شمال البلاد تتململ المعارضة منذ بضع سنوات ضد النظام، لكنها قلما رفعت التحدي إلى المستوى الذي ترفعه الآن. ولو أضفنا إلى كل ذلك أن قسما لا بأس به من قبيلتي حاشد (قبيلة الرئيس) وبكيل انضم إلى صفوف الغاضبين، وأن قسما لا بأس به من إسلاميي الإصلاح هم منذ سنوات أيضا غاضبين على الرئيس، تصبح الصورة قاتمة فعلا أمام النظام اليمني.
فهل يسقط علي عبد الله صالح؟
نعم هو قابل للسقوط، ولكن ما لم يتم ذلك عبر انقلاب عسكري يقوده أحد الضباط، فإن البلاد مرشحة فعلا للغرق في مستنقع من الدماء، ذلك أن صالح ليس حسني مبارك ولا زين العابدين بن علي ولا حتى معمر القذافي. هو نموذج خاص من الحكام العرب عرف مراراً كيف يخترق المعارضة والقبائل، ولديه في الأمن والشارع من يستطيع إسالة دماء كثيرة قبل السقوط.
يسعى صالح لكسب الوقت أملا في أن يتم التغيير في موعده الدستوري المقبل، وهو أعلن بعد سقوط بن علي أنه لن يرشح نفسه ولن يلجأ إلى التوريث، ومد يده مراراً في الأيام الماضية للمعارضة بغية المشاركة في حكومة وحدة وطنية، ناهيك عن الإجراءات الاقتصادية الكثيرة التي قام بها أو وعد بتنفيذها لتحسين مستوى المعيشة ورفع الرواتب وتخفيف البطالة.
وقبل يومين فتح الرئيس اليمني النار على أميركا وإسرائيل وبعض وسائل الإعلام العربية، معتبرا أن هذه كلها تتآمر عليه، وهي التي تقود «التمرد» ضده. وسارعت واشنطن للرد بالقول إن عليه أن يلبي مطالب شعبه وأنه يدرك تماما أسباب الأزمة. يوحي ذلك بأن صالح الذي اعتمد كثيرا على الأميركيين في السنوات القليلة الماضية بات يسمع من واشنطن كلاما مغايرا يدعوه لتقصير مدة ولايته أو الاستقالة.
ما هو المنتظر؟
من الصعب التفكير بسقوط الرئيس من دون أمرين بارزين، أولهما خروج الجيش عن طاعته، وثانيهما إجماع قبيلة حاشد على ضرورة رحيله، وهذا بحاجة إلى أمرين، أولهما أن تكون واشنطن قادرة فعلا على الدفع بهذا الاتجاه، وثانيهما أن تقرر السعودية بأن تلعب قبيلة حاشد دوراً حاسماً في التغيير، وذلك نظراً للصلات السياسية والمالية والمعنوية الكبيرة القائمة بين قادة هذه القبيلة والسعودية.
وأما إذا اقتصر الأمر على أحزاب اللقاء المشترك والمعارضة، فإن هذه ستكون اعجز من أن تسقط الرئيس، ذلك أن لدى صالح ما يكفي من قوة الردع الشعبي والأمني بحيث يغرق اليمن بتظاهرات ضد تظاهرات، وسلاح ضد سلاح، فليس في اليمن بعد القات ما هو أكثر انتشاراً من السلاح.
يبقى المخرج الأخير، وهو أن يقرر الرئيس اليمني، بما يتمتع به من قدرة كبيرة على المناورة، أن يرفع سقف التنازلات وينقل السلطة فعلياً إلى المعارضة، وذلك عبر تسريع الخطوات المؤدية إلى ذلك. وغير ما تقدم، سيكون كارثة، اعنف من كارثة ليبيا.
http://www.assafir.com/Article.aspx?...76&Author=سامي كليب