شبح الفتنة المذهبية يطل برأسه في شمال اليمن تقف المحافظات الشمالية اليمنية حيث مركز الشيعة من أتباع المذهب الزيدي والمسلحين الحوثيين على أعتاب فتنة طائفية انتجتها التحركات الأمنية التي أعقبت هجمات السيارات المفخخة، ولا سيما بعدما أعلن تنظيم "القاعدة" في اليمن مسؤوليته عنها وسط حضور لافت للاعبين جدد في هذه المنطقة التي كانت مسرحاً لستة حروب بين الجيشين اليمني والسعودي والمسلحين الحوثيين وخلفت دماراً كبيراً.
ويلقي شبح الفتنة المذهبية تداعيات خطرة على شمال اليمن المجاور للسعودية، خصوصاً مع انحسار جهود الوساطة القطرية التي استؤنفت منتصف العام الجاري، واتجاه الحوثيين والقبائل الموالية وكذلك الجماعات السلفية إلى الانتشار في الكثير من المناطق وتشديد عمليات التفتيش والفرز للموالين والمعارضين في ظل أجواء مشحونة.
ويؤكد ناشطون وسياسيون في صعدة والجوف أن نشاط الجماعات السلفية في المحافظتين والمناطق المحيطة، شهد تصعيداً في الآونة الأخيرة بالتوازي مع تحركات واسعة في أوساط القبائل التي تتمتع بعلاقات قوية مع المملكة العربية السعودية، لبناء تحالفات جديدة بغية التقليل من سيطرة الحوثيين على مناطق القبائل.
وخلفت هجمات السيارات المخففة تداعيات أمنية خطرة عبرت عنها تقارير الحوثيين التي ما انفكت تتحدث عن مخطط أميركي لزرع فتيل الحرب المذهبية في مناطقهم في سيناريوات غير بعيدة عن ملف الصراع الأميركي الإيراني.
ومنذ إعلان التنظيم الأصولي نقل نشاطه من المحافظات الجنوبية إلى شمال اليمن جاءت البيانات المتتالية للتنظيم لتنذر بمرحلة جديدة، وخصوصاً بإعلانه الشروع في تأليف فرق انتحارية "لاستئصال النبتة الخبيثة التي زرعها الشيعة الإيرانيون الروافض في صعدة"، ما وضع هذه المنطقة الملتهبة من جديد بين فكي رحى حرب اهلية.
وأبدت دوائر سياسية ومنظمات حقوقية يمنية خشيتها من نُذُر الفتنة المذهبية التي بدأت تطل برأسها في الشمال، وأعتبرت ان البيان الذي نسب إلى التنظيم الأصولي وأعلن فيه ضلوع عناصره في قتل المرجع بدر الدين الحوثي في أحدى الهجمات التي استهدفت الحوثيين المحتفلين في مناسبة عيد الغدير الشهر الماضي، دليل يكشف المساعي المحمومة لأجهزة مخابرات إقليمية لإشعال حرب مذهبية في اليمن.
وحذر وجهاء قبائل وسياسيون من أزمة تتفاعل تحت الرماد قد تنفجر في أية لحظة نتيجة أعمال التعبئة الواسعة في الأطر التنظيمية للحوثيين وخلايا "القاعدة" من جهة، والمسلحين والجماعات السلفية من جهة اخرى، والتي صارت تلوح بأزمة جديدة في هذه المناطق ذات الأكثرية الزيدية.
ويشار إلى أن الفترة الماضية شهدت تصعيداً خطيراً في المواجهات بين الحوثيين والجماعات السلفية الوهابية في المدارس والمساجد والمرافق الحكومية الخدمية، والتي يقول الحوثيون أن الجماعات السلفية حولتها مراكز للتعبئة ونشر ثقافة التكفير وتأجيج الصراع بين القبائل الزيدية ومحيطها الموالي للسعودية على أسس طائفية.
ويأتي ذلك، بحسب مصادر محلية، مع تعزيز الحوثيين انتشارهم إلى نشرهم المزيد من حواجز التفتيش واستنفار مسلحيهم في مناطق عدة لمواجهة هجمات جديدة.
ومضى الحوثيون في نفي التهمة عن تنظيم "القاعدة " في مسعى عزاه البعض إلى محاولتهم قطع الطريق على القوى الساعية إلى تحويل مناطقهم حلبة صراع جديدة مع "القاعدة".
وتبدو هذه الرؤية متفقة إلى حد ما مع رؤية بعض زعماء القبائل والسياسيين الذين يعتقدون أن أي تجاذبات مع خلايا "القاعدة" أو الجماعات السلفية في هذه المناطق قد تتحول وقوداً لصراع طائفي مع الزيديين الشيعة في محيط سني كبير، كما يرى الحوثيون أن أي صراع يشتعل على أسس طائفية في هذه المناطق، ربما يفقدهم التعاطف الشعبي الذي تشكّل خلال جولات الحرب السابقة.
استناداً إلى معطيات دينية وسياسية واجتماعية، يرى البعض ان محافظة صعدة هي من أكثر المحافظات المرشحة لفتنة مذهبية، كونها لا تزال المركز الرئيسي لأتباع المذهب الزيدي، ويقيم فيها مراجع المذهب الكبار الذي ظلوا مدى السنوات الماضية هدفاً للجماعات الأصولية والسلفية.
يزيد من ذلك الموقع الجغرافي لصعدة التي تتوغل بعض مناطقها في عمق الأراضي السعودية في حين أدت المواجهات التي اندلعت العام الماضي بين المسلحين الحوثيين والجيش السعودي إلى تزايد النقمة على السلفيين الذين يتهمهم الحوثيون بالسعي إلى ضرب الزيدية في معاقلهم.
وتتناقل الدوائر السياسية اليمنية سيناريوات تديرها مخابرات إقليمية لإقحام اليمن في حرب طائفية بالوكالة وهو ما عبرت عنه اخيرا الفاعليات السياسية والدينية، والتي حذر بعضها من "مخطط زرع بذور الفتنة المذهبية" من طريق الزج بخلايا "القاعدة" في مناطق الزيديين ناهيك عن مناشدتها الشعب اليمني "التصدي للفتنة المستوردة والحفاظ على وحدة البلاد وأمنها وسيادتها".
وبحسب وجهاء ومثقفون في صعدة، فان أصوات المدافع والرصاص تلاشت بعد ستة حروب عاصفة بين الجيش والحوثيين، إلاّ أن أجواء التوتر والتعبئة ظلت حاضرة بقوة، ولا سيما بعدما انتقلت أدوات الحرب إلى أطراف أخرى في ظل استمرار أعمال التحريض على الحوثيين ونقمة المسلحين على المخالفين والمعارضين.
ويصف البعض نُذُر الأزمة الطائفية التي بدأت تطل برأسها في المناطق الشمالية اليمنية بأنها لعبة مخابراتية قد تفتح الباب لمرحلة جديدة من الصراع في هذه المحافظات الملتهبة غير بعيدة عن ظروف الحرب التي عصفت بالمحافظة مدى ست سنوات وخلفت تركة ثقيلة من الخسائر البشرية والمادية.
http://www.annahar.com/content.php?p...arab&day=Su n