سلسلة حلقات:الصراعات في جنوب الجزيرة العربية و نجاح فكرة التحالف الجنوبي في القديم
[align=right][overline]تحدثنا في الحلقة السابقة عن مقدمات تاريخية لشعوب العالم و شعوب الجزيرة العربية ، و مفهوم كلمة اليمن و إختلاف الشعوب التي سكنت الإطار الجغرافي لما كان يعرف سابقاً ( اليمن ) أي ما يعرف بمعناه اليوم جنوب الجزيرة العربية و نواصل بهذه الحلقة من حلقات الحوار الوطني الجنوبي التي نأمل بهذا الحوار الى توحيد الخطاب الجنوبي ، و تتحدث هذه الحلقة الشيقة عن تاريخ الصراعات في الإطار الجغرافي جنوب الجزيرة العربية الذي يضم في يومنا هذا قطرين عربيين هما : الجنوب العربي و اليمن أو ما كانا يعرفان سابقاً بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية و الجمهورية العربية اليمنية و يتحدث عن تجارب قديمة ناجحة حصلت في تاريخ جنوبنا العربي القديم هذه التجارب القديمة الناجحة نخوضها اليوم تحت مسمى التصالح و التسامح و هي لم تكن جديدة في حاضرنا ، و في هذه الحلقة المتميزة من الحوار الوطني الجنوبي لا زالت تأخذ بعدها التاريخي ، لفائدة التاريخ في أخذ العبر و الدروس و ذلك للحد من دورات التكرار الممل للتاريخ الذي نحن اليوم للأسف نراه في حاضرنا ، نواصل الحوار كما أتمنى من الأخوه ذوي الإهتمام بالموضوع إثراء الحوار بما يخدم توحيد كلمة و خطاب أبناء شعبنا الجنوبي و نواصل الحلقة الثانية ( إلى هنا فقط كتبه [/overline]/ أبو غريب الصبيحي )
الحلقة الثانية من سلسلة الحوار الوطني الجنوبي
( مدخل تاريخي 2-3)
بهذا البناء و بتشكل الشعوب أكتمل البناء الأفقي و تحدد الحق و تعين وأرتسمت خارطة التجاور المكاني بين المكونات الطبيعية لسكان هذه المنطقة من جنوب جزيرة العرب بفضل ما بلغته من توازن فيما بينها و أنصرفت لتشييد بنائها الحضاري الذي دخل في مدونات التاريخ بإسم حضارات العربية الجنوبية . لقد مثل ذلك قاعدة الإستقرار للمنطقة اذ كان إداركها و الإعتراف بها يعني الإستقرار و عدم إدراكها أو تجاهلها أو التصرف على نحو يقود إلى إلغائها يعني الدفع بالمنطقة الى الإضطراب و عدم الإستقرار .
لقد واجهت هذه القاعدة أول أختبار لها حين نشأت بعض الإحتكاكات بين أوسان و حضرموت أستغلها الملك السبئي كرب إيل وتر و شن حرب مدمرة على مملكة أوسان أتت على تدمير بنيانها الحضاري ثم جاء من بعده ملوك سبأ الآخرين ليواصلوا حروبهم على مملكتي حضرموت و قتبان هادفين من وراء كل ذلك الإستيلاء على أراضيها و الهيمنة على ثرواتها و تشريد سكانها .
كانت تلك حروب كارثية أولجت المنطقة كلها في دوامة من الصراعات و الحروب المتواصلة . أستمرت ما يقرب من عشرة قرون من الزمن نتج عنها تدمير كامل البنيان الحضاري الذي كانت قد بلغته ممالك جنوب الجزيرة العربية ليدخل سكان المنطقة كلها حالة من التفكك و الضياع .
إن ذلك المنهج الذي اتبعه السبائيون في علاقاتهم مع الممالك المجاورة قاد إلى ذلك التفكك و الدخول في عمليات التكرار الممل لدورات لدورات التاريخ . و ما نسمعه أو نقرأءه اليوم من تمجيد لسبأ و قادتها و محاولات تشكيل نظرة مخادعة إلى مدمر الحضارة الجنوبية كرب إيل وتر بأنه " داعية وحدة " ، إنما هو تمجيد للمنهج السبئي المدمر و دعوة صريحة لإستمرار السير في النهج ذاته _ نهج الإلغاء و الإقصاء و تدمير الآخر .
يتبين على هذا النحو أن المنطقة مرت بعصرين :
1- عصر البناء الحضاري و تشكل البنية الشعوبية في جنوب الجزيرة العربية و تحديد الحدود الجغرافيا لكل من الكيانات التي نشأت في هذه المنطقة . بهذا الشكل تحدد الحق و العلاقات الحقوقية بين هذه المكونات .
2- و عصر آخر هو عصر التفكك و الدمار عصر دشنته سبأ الذي يختلف الباحثون في تحديد أصلها و نشأتها و ظهورها المفاجئ على على مسرح الأحداث في مأرب . إلا أن الثابت يكمن في أن حروبها المدمرة التي أتت على ممالك الجنوب القديمة قد نقلت سكان جنوب الجزيرة العربية من حالة التحديد إلى حالة الا تحديد ، من النظام إلى الفوضى و العشوائية و طغيان اللا عقل . لقد كان عملاً مدمراً للحق أفسح الطريق لسيادة الباطل . و هو عصر يستحق بجدارة تسميته بـــ ( العصر الجاهلي ) أي العصر السابق للإسلام .
أما بعد ظهور الإسلام فقد أعاد الحكم الإسلامي تقسيم المنطقة إلى أربعة أقاليم بحسب المربع التي كانت عليه قبل عشرة قرون تقريباً من ظهور الإسلام هي : صنعاء ، الجند ، عدن ، حضرموت . و هي تتطابق تماماً مع البناء الشعوبي القديم ( سبأ و ذوريدان و حضرموت و يمنت ) . هذه الاقاليم كانت تخضع جميعها للدولة الإسلامية في المدينة .
جاء الإسلام دين الحق ، ديناً منقذاً للناس داعياً إلى خلاصهم من واقع التفكك و الحروب و يهديهم إلى إحترام حقوق بعضهم البعض و إحترام ما كان قد تبين من حق و علاقات حقوقية بينهم عملاً بقوله تعالى : (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا أن أكرمكم عند الله أتقاكم ))
فالتساوي في الخلق جعل الله له تساوي مقابل في الحق ، ترتب عليه بناء شعوبي قام على تحديدات للأرض ، بلغتها الشعوب كثمرة لعمليات تاريخية طويلة أقتسم فيها الناس الأسباب و العوامل الضرورية لتأمين حق الوجود و البقاء لهم جميعاً . أن هذا النظام يقوم على سنن و قوانين و أن إدراكها و الإمتثال لها طاعة و تقوى لله عزوجل .
إن هذه التحديدات و البناء الشعوبي الذي قام عليها كانت قد أنجزت منذ زمن سبق الإسلام بكثير و جاء الإسلام يهدي الناس اليها بإعتبار أن ذلك هو الطريق لإستعادة الحق ووضع نهاية للإقتتال بين الناس في صراعهم من أجل البقاء حيث كان الإقتتال يدور في كل مكان لجهل الناس للحق و عدم تعاطيهم معه في علاقاتهم ببعضهم البعض .
كما شهدت العصور اللاحقة التي تلت ظهور الإسلام موجه أخرى من الإضطرابات و الحروب بين الدويلات التي كان يغلب عليها الطابع المذهبي و الاسري . و هي دويلات حكمتها أسر و كانت تسمى بأسمائها : دولة بنس زياد ، دولة الرسوليين ، دولة الحواليين ، دولة القرامطة ، دولة الصليحيين ، دولة الزريعين ، دولة بني معن في عدن و هم من العوالق ، دولة الطاهريين ، إمارة عدن و حاكمها الأمير عبدالقادر بن محمد اليافعي ، دولة القاسميين في صنعاء ، سلطنات الجنوب ، دولة آل حميد الدين في صنعاء .
إن أبشع الحروب فداحة في التاريخ الإسلامي لجنوب الجزيرة العربية هي حروب الغزو التي شنها الأئمة القاسميون ضد سلطنات الجنوب حين أستباحوا الارض و العرض و تحت يافطات الفتاوي الدينية التي كان يصدرها الإمام عن خروج الجنوبيين عن الدين . و بعد حروب طويلة أستمرت أربعين عاماً أو أكثر تمكنت سلطنات الجنوب من تكوين حلفاً فيما بينها لتخوض حرب الدفاع عن وجودها لتنتهي بتغلبهم على جيوش الأئمة القاسميين و تحرير الجنوب و توقيع اتفاق عــدم اعتداء بين الطرفين وقعه عن الجنوب السلطان سيف بن قحطان العفيفي و مندوب موكل من الأمام القاسم و هو اتفاق جرى أعتماده من قبل مرجعية الجنوب الدينية في عينات حضرموت ، حيث كانت تمثل الموقع أو المركز المرجعي الديني للجنوب كله .
ذلك التحالف بين سلطنات الجنوب شكل خطوه مهمة في طريق استعادة الوحدة الجنوبية التي سبق لها و أنت تفككت بسبب الحروب المدمرة التي خاضها السبائيون قديماً و حروب الكر و الفر و الرغبة في توسيع النفوذ بين الاسر الحاكمة لدويلات العصور اللاحقة لظهور الإسلام .
السمة العامة التي تميزت بها كل مراحل الصراع ان الجنوب بكل تكويناته المتغيرة قلت أم كثرت كانت دائماً في أحلاف تقوم على التعاون و التكامل في مواجهة اطماع النفوذ التي يتعرضون لها من قبل الدول المتعاقبة في الشمال أو من قبل الغزاة الأجانب على غرار التحالف الجنوبي في مواجهة المحاولات البرتغالية الي أستهدفت احتلال حضرموت و عدن .
نتيجة لعوامل عديدة محلية و أخرى خارجية استمر الصراع بين تلك الأطراف لتصل الى مرحلة وقع فيها الشمال تحت الإحتلال التركي و إخضاع الجنوب لسلطة الإحتلال البريطاني .
هذه الحقيقة قادت إلى حدوث العديد من التحولات الداخلية ( إقتصادية ، إجتماعية ، سياسية ، و ثقافية ) . إعتماداً عليها و على الإرث التاريخي القديم و ما بلغته المجتمعات من تكوينات بنيوية كان لا بد من الأخذ بها ، حيث قسمت السلطات البريطانية الجنوب العربي إلى محميتين :
1- محمية عدن الغربية .
2- محمية عدن الشرقية .
كما أقدم الترك على تقسيم الشمال إدارياً إلى لوائين :
1- لواء السهول .
2- لواء الجبال .
و ذلك ينسجم مع تقسيماتهم القديمة ، بل و حتى إنقسامهم المذهبي لم يذهب بعيداً عن هذا التكوين .
استمرت عملية إعادة البناء السياسي في الجنوب العربي من خلال توحيد السلطنات الواقعة على أراضي محمية عدن الغربية و تشكل ما عُرف بإتحاد الجنوب العربي ، و بصورة موازية كانت تجرى الإستعدادات لإنظمام سلطنات محمية عدن الشرقية للإتحاد ذاته ، و بدأت بالفعل بأنظمام سلطنة الواحدي للإتحاد ، و قبل أن ينجز ذلك ظهرت عوامل جديدة على مسرح الأحداث ، و تمكن شعب الجنوب العربي من إحراز الإستقلال الوطني لشعب الجنوب العربي و الإعلان عن قيام دولته الوطنية المستقلة على كامل أراضية المشمولة في خارطة جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية المعلنة يوم 30 نوفمبر 1967 م .
أما المسار التاريخي للشعب في الشمال فقد أفضى إلى الإستقلال عن الحكم التركي و لكنه تم على مراحل ، حيث منح الاتراك بداية الإقليم الزيدي ما يشبه الحكم الذاتي ، بموجب إتفاق صلح دعان 1911 ، بين الإمام و الأتراك ليصبح تحت سلطة الإمام يحيى حميد الدين . فيما تبقى من الأجزاء الأخرى تحت السيطرة التركية . و لكن هزيمة الأتراك في الحرب العالمية الأولى أرغمتهم على الإنسحاب من اليمن و بذلك تسهلت عملية سيطرة الإمام على الاجزاء السهلية من اليمن بعد حروب داخلية تغلبت فيها جيوش الإمام على الزرانيق في تهامه ، و على مقاومة المناطق الأخرى في تعز و ضواحيها ، على أثرها أعلن الإمام يحيى حميد الدين عن قيام مملكته ، المملكة المتوكلية الهاشمية ، و التي أستمرت بهذه التسمية ما يقرب عام واحد ، و تغير الإسم فيما بعد إلى المملكة المتوكلية اليمنية ، و كان ذلك لأول مرة في التاريخ السياسي لشعوب المنطقة أن تستخدم فيها تسمية ( اليمن ) للدلالة على كيان سياسي أصبح فيما بعد يعرف بإسم الجمهورية العربية اليمنية . و هي تسمية كثيراً ما شوشت العلاقة بين الدولتين القائمتين في كل من اليمن و الجنوب العربي ، بسبب إنها كانت و لا زالت تعطي نوع من الإيحاء الذ يطلق من حقيقة كون الدولتين تقعان في منطقة جغرافيا واحدة إسمها القديم اليمن ، الذي يعني بلغة اليوم جنوب الجزيرة العربية _ إيحاء بوجود واحدية سياسية لشعوب هذه المنطقة ، و هو مجرد وهم بنيت عليه سياسات و ايديولوجيات و وعي زائف ، كرس مفاهيم مغلوطة من قبيل "وحدة اليمن أرضاً و إنساناً " و " الفرع و الأصل " و " العاصمة التاريخية " و " الثورة الأم " و " الوطن الأم " و غيرها من المفاهيم التي قادت إلى إنتاج سياسات كارثية تجاه قضية مصيرية مثل قضية التوحد بين الدول و تشكُّل أحزاب فيما عرف " بوحدة الأداة " ، إذا جرى توحيد التنظيم السياسي الحاكم في دولة الجنوب مع أحزاب معارضة في الجمهورية العربية اليمنية ليصبحوا حزباً واحداً يحكم في دولة و يعارض في دولة أخرى في سابقة خطيرة في العلاقات بين الدول . هذا الوضع الغير مقبول لم ينتج إلا الخراب و الدمار لشعبي الدولتين لم ينتج إلا الخراب و الدمار لشعبي الدولتين فيما نتج عنه خوض الدولتين ما يزيد عن ثلاثة حروب فيما بينها ، تلك هي النتيجة الطبيعية لأي علاقات أو سياسات لا تحترم حقائق الواقع التي تتعامل معه .[/align]
__________________
إن تاريخ الجنوب يروي لنا , أن أبناءه لا يلبثون وقت الشدة إلا أن يجمعوا صفوفهم علي هيثم الغريب
لا بد من التضحية والفداء ليس كرهاً بالحياة بل تعبيراً عن حبنا لهذه الحياة التي أردنا أن تعيشها أجيالنا القادمة بسعادة وحرية وشرف وكرامة عميد الاسرى العرب ( سمير القنطار)
التعديل الأخير تم بواسطة فادي عدن ; 2008-07-31 الساعة 06:23 PM
سبب آخر: تكبير الخط
|