تمر الأيام متثاقلة في شهر رمضان وكل يوم يمر من هذا الشهر الكريم يعتبر دهرا خاصة ونحن متعودون قضاء أيام رمضان بين أولادنا , وقد كنت أتذكر أولادي في كل وقت كنت أقول يعملون الآن في البيت كذا وكذا , ولكن يا ترى هل لديهم ما يحتاجون إليه من لوازم رمضان ؟ كيف يتصرفوا ؟ ماذا عملوا ؟ كنا نتألم طوال وقت وجودنا في سجون الاحتلال من كل ما يجرى لنا من حرماننا أسرنا وحرمانهم منا إن الحنين الكبير للأولاد والشوق لعالم الأسرة بما فيه من حنان وحب لهو شوق لا يضاهيه شوق و كانت الآمال منذ مدخل الشهر تنتعش أحيانا و تأفل أحيانا أخرى يراودنا الأمل في شهر الرحمة من أن الإفراج عنا لابد سيكون في هذا الشهر الكريم وقي ضل الوقائع على الأرض يعود الأمل ليتحطم على عتبات أبواب السجون الحمقاء عندما لا يوجد أدنى بصيص ينعش آمالنا مثل خبر أو حتى كلمة عابره سمعناها من ضابط في المعتقل أو من سجان حقير ومع ذلك بقى التفاؤل مغيب إلى أن حصل في أحد أيام رمضان وبعد صلاة الفجر بأكثر من ساعة ونصف والجناح الغربي قد ساده الهدوء التام كبقية أقسام وزنزانات الأمن السياسي وأثناء ذلك ومن بعيد كنا نسمع أصوات العسكر وهي تقترب وترتفع شيئا فشيئا والجميع يكتم أنفاسه وبسمع دون أن يقول حرفا إلى أن وصلت الأصوات إلى قرب باب زنزانتنا وبداء السجان يفتح الباب في غير عادته ومعه ضابط برتبة عقيد واثنان آخرين برتب اقل وكان بقراء أسم أحد المعتقلين على ذمة الانتماء إلى القاعدة أنضم إلى زنزانتنا قبل أيام معدودة ويأمره أن يلملم حاجياته الخاصة في سرعه لأنه مغادر وبسرعة البرق لف ما كان يمتلكه ووزع ما أراد توزيعه لأصدقائه من بطانيات وملابس عربية وكأنه يتخلص منها كي لا تثقل خروجه وتعيقه وبشق الأنفس تركوه يسلم على بعض أصدقاءه ويخرج من الباب ليتوارى ذلك الشخص خلف الباب وخلف تنهدات كثيرة وخلف ذكريات زملاءه لأيامه وأعوامه الثلاثة التي قضاها بينهم , كنا متيقظين قبل دخول السجان وكلا منا تحت بطانيته الدافئة يرحل في عالمه الخاص عالمه الكبير الذي تعيش فيه روحه المحلقة بين أهله وناسه حين ما تتخطى كل الحواجز لترحل إليهم كل يوم .
أفرج عن المعتقل خالد ألنهدي في العشر الأواخر من رمضان ورغم عدم معرفتنا به من قبل إلا إننا فرحنا لخروجه وهو الشخص الوحيد الذي تم الإفراج عنه من هذا السجن منذ زج بنا النظام في زنازينه قبل عدة أشهر وكان لخروجه كسر للقاعدة التي علقت في أذهاننا ان هذا السجن لا يخرج منه أحد وهذا الشعور رسخه لدينا ما وجدنا من مظالم كثيرة يعانوها المعتقلين في هذا المعتقل فمنهم من قضى عدة أعوام في هذا المعتقل دون محاكمات وبعضهم قد أمضى أعوام حكمة بل وأضاف أعوام أخرى دون أن يتم الإفراج عنه , وبعد الإفراج عن ألنهدي تجددت الآمال عندنا وكان التفاؤل يزداد مع كل يوم يفوت من العشر الأواخر من رمضان إلى أن سمعنا بخروج آخرين وأظن إن منهم الزملاء محمد الربيعي وعلى شايف وبعد ذلك تعلقت أذهاننا كلما سمعنا العسكر يتحدثون بعد الفجر ويفتحون أبواب الجناح ألحديديه التي في طريقهم من موقع أدارتهم إلى باب الزنزانة ونظن أنهم جاءوا لفتح زنزانتنا أنا وصديقي صلاح السقلدي لأخراجنا حتى إننا حين تقترب الأصوات نلتفت إلى بعضنا وبصمت نرفع أيادينا إلى السماء متضرعين إلى الله أن يكون هذا اليوم هو يوم الإفراج عنا إلى أن مرت أيام رمضان وكان آخر الأمل إلى آخر ساعات رمضان المبارك ومع أول ساعات عيد الفطر كانت أجسادنا قد أنهكها الانتظار ونفوسنا قد انكسرت والأمل هرب إلى حيث لم نعد نشعر بعودته على المدى القريب ولذلك لو سألني أحدهم ما هي أسوء أيام السجن ؟!! بالتأكيد كل أيام السجن سيئة إلا أن أسوء أيام السجن هي أيام العيد .
انتظرونا ...
