عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-07-16, 11:21 AM   #7
ابن المعلا
قلـــــم فضـــي
 
تاريخ التسجيل: 2009-02-27
الدولة: الجنوب العربي/عدن
المشاركات: 1,201
افتراضي

عزيزنا أبو عامر هذا ديدن من رضوا لأنفسهم أن يكونوا مطايا لذباب المستنقعات...

اليك مقال أعجبني بشدة لكاتب مصري معروف يكاد يجن من هؤلاء المنافقين:

عبقريه النفاق




عندما قلت فى الأسبوع الماضى إننى قررت التفرغ للكتبة عن الدلاى لاما و حكومة الصين ، منعاً لانزلاق قدمى فى قول كلام يغضب الكبار، كتب لى أحد القراء : هناك حل ثالث و هو أن تنافق .. الأمر سهل ) .

فعلاً لم يخطر هذا ببالى من قبل لكن الفكرة بدت جديرة بالتأمل . النفاق ليس عملاً سهلاً أو هيناً بل هو يحتاج إلى أكبر قدر ممكن من التحكم فى العواطف و فى تعبيرات الوجه و انتقاء الكلمات . عندما يجلس الرجل مع امرأة يمقتها و يشمئز منها ، فإن خروج ابسط كلمة مجاملة تغدو كالولادة المتعسرة .. الكلمات لها ثقل الحجارة و وعورتها . فقط يجتاز هذا الاختبار الرجال الموهوبون الذين يستحقون لقب جيجولو أو ( Womanizer ) كما يقول الغربيون .. هذا رجل استطاع أن يتحكم فى لسانه و ملامح وجهه كى يخرج الكلمة الثقيلة . بعض هؤلاء العباقرة ينجح فى برمجة عواطفه كذلك بحيث يعتقد صادقاً أنه يحب هذه المرأة .. باختصار : النفاق ليس لعبة للهواة ، و من يحسن النفاق يستحق المكافأة التى سينالها من حظوة و نفوذ و ثراء ..

رأيت منذ أيام على إحد الفضائيات مناظرة ثلاثية على الهواء بين أحد قيادات الإخوان و أحد رؤساء التحرير الحكوميين و سيدة حقوقية أوروبية ، و كان الكلام عن المعجزة التى جعلت عشرة الاف مرشح إخوانى للمحليات يذوبون فلا يبقى منهم إلا بضعة عشرات ، سوف يذوبون بدورهم فلا يبقى منهم أحد . كانت تهمة ( تزوير الانتخابات قبل أن تبدأ ) قوية و كلام السيدة منطقياً و مرتباً .. هنا وضعت يدى على قلبى تعاطفاً مع رئيس التحرير الذى يواجه سيل الاتهامات هذا ، خاصة و قد انضم المذيع نفسه لمن يتهمون الحكومه المصرية بالقمع و التزوير . ماذا سيقول ؟.. هذا رجل يعتمد مستقبله و نفوذه و ثراء أولاده و فيللا الساحل الشمالى و زفاف البنت فى اكبر فنادق القاهرة على الكلمات التى سيقولها حالاً ..

لكن الرجل بدأ يتكلم .. قال إن هذا دليل على على أن الأحزاب المصرية – باستثناء الحزب الوطنى – لم تستطع تربية كوادر صالحة لخوض التجربة ، و لم تستطع خوض عملية الانتخاب الطبيعى الداروينى فالموت للفاشلين .. الخ . لم يكن مقتنعاً .. كانت عيناه تحويان عدم التصديق ، و من الواضح أنه غير سعيد بما يقول ، و الأسوأ أنه الرجل الذى يأتون به دوماً للدفاع عن الحكومة فى أى شئ تفعله .. وضع عصا فى مؤخرة المعتقلين .. تعرية الصحفيات .. تزوير الانتخابات .. إلخ . الغاز لإسرائيل .. إلخ .. هو دائماً هناك ليرد و ليبدى إعجابه بحكمة الحكومة و غباء المعارضين و قلة أدبهم .

لا شك فى أنه تنفس الصعداء عندما انتهى البرنامج و تخلص من هؤلاء المزعجين الثلاثة ، لكنى أسألك بصراحة : هل تستطيع أن تحل محله ؟ .. هل يمكنك أن تدافع بهذه الكفاءةعن شئ لا تؤمن به ؟ .. أنت لا تستطيع .. هو استطاع و لهذا استحق ان يظفر بكل ما ظفر به .. ربما أوصلته العبقرية فيما بعد إلى أن يقنع نفسه بأنه يحب الحكومة فعلاً ، لكن عينيه – كما قلت لك – كانتا تشيان بأنه لا يصدق حرفاً مما يقول .. إنه ما زال فى مرحلة مغالبة النفس قبل أن يصل إلى حالة السلام النهائى النيرفانا ، و عندها يحب الأخ الأكبر على رأى الخواجة أورويل ..

خناك خبر قرأته منذ أعوام – و لست متأكداً من صحته بصراحة – عن مذيع نيجيرى كان يقدم نشرة الأخبار ، و فجأة تصلب و صمت .. ثم قال للمشاهدين : ( معذرة .. لا أستطيع المضى فى قراءة هذه الأكاذيب ) .. هذا الخبر لو صح حدث فى نيجيريا ، أى أنه يحدث فى بلد أفريقى نام لا يتمتع بوجود هؤلاء العباقرة الموهوبين ...

كنت اقرأ ما يكتبه بعض رؤساء التحرير الحكوميين فى صفحة جريدة كاملة لابد انها تلتهم ثلاثة أو أربعة آلاف كلمة بلا مبالغة .. كلام لا اول له و لا آخر و لا رأس و لا ذيل .. أسأل نفسى عن الموهبة البشرية التى أوتيها هؤلاء لكتابة كل هذا الهراء .. الأمر قد تجاوز مجال الأحكام الأخلاقية إلى مجال الانبهار بقدرات بشرية خارقة ، مثل ذلك الساحر من جزر الكاريبى الذى رأيته يلتهم عشرين ضفدعة حية دون ان يموت أو يقئ .. ألا يستحق هذا المجهود مالاً و نفوذاً ؟

احياناً يكون دافع النفاق هو الخوف .. منذ أعوام قبل غزو العراق رأيت مناظرة على شاشة الجزيرة بين دبلوماسى كويتى هادئ الأعصاب قوى الحجة ، و رئيس تحرير جريدة عراقية متوتر عصبى .. الموضوع كان عن احتلال الكويت ، و قد كان العراقى يعرف أنه يدافع عن قضية باطلة اصلاً ، لكنه كان يداقع عن حياته أولاً .. و تساءلت عما كان سيقوله لو كانت الحلقة تذاع من بلد غير العراق .. أعتقد أنه كان سيقول ما يقوله الكويتى بالضبط ..

يذكر التاريخ للشاعر ابن هانى الأندلسى بيتين مدح بهما الخليفة الفاطمى المعز لدين الله قائلاً :

ما شئت لا ما شائت القدار ...
فاحكم فأنت الواحد القهار
و كأنما أنت النبى محمد ...
و كأنما أنصارك الأنصار !!

قيل إن هذين البيتين كانا شؤماً أدى لسقوط دولة المسلمين فى الأندلس ، لكن لا تنكر أن الرجل ضحى بالكثير جداً .. لقد قبل أن يستحق الاحتقار طيلة حياتة ، و أن يظل دارسو الأدب العربى يلعنونه ، و أن يصير اسمه نموذجاً للنفاق للأبد ، خاصة و الشعر لا يموت و سيظل يطاردك حتى يوم القيامة . و أعتقد أنه نال الكثير مقابل هذين البيتين .. هذا رجل قبل أن يصير غريباً وسط أهله و قومه و أن ينعزل و أن يعتبره عامة الناس كلباً ، و أن يربطوا بين صورته و صورة فتاة الليل المستندة على عامود نور و بين شفتيها المصبوغتين سيجارة .. قبل الرجل هذا كله فهل ترضون له أن يبيع نفسه مقابل لا شئ ؟ .

عم أحمد فؤاد نجم يقول ( نبدأ كلامنا عن الأشعار و اللى صانوها .. بيرم و خيرى و كل الناس و اللى صانوها . أما الكلاب عند الجواسيس و اللى خانوها .. فدول كلاب كلاب و ما يتذكروش هنا بالمرة .. الله الله يا بدوى جاب اليسرى ) . قد تلصق بعم نجم تهماً كثيرة لكن تهمة النفاق لن تكون بالتأكيد من بينها .

نعم .. للنفاق ناسه و قومه الموهوبون القادرون على أن يكونوا مكروهين . ليس لعبة للهواة و لا يمكن تعلمه فى سن متأخرة .. لهذا لا يبقى أمامى سوى المجال الذى أعتقد أننى يمكن أن أبرع فيه : لماذا لا تسمح الصين للدلاى لاما بالعودة للتبت ؟.. و لماذا لا تسحب جيوشها من هذا البلد الصغير التعس ؟... سؤال وجيه جداً أرجو أن اتلقى عند رداً أكثر وجاهة ..


د/ أحمد خالد توفيق - جريدة الدستور - الثلاثاء - 8 ابريل 2008
ابن المعلا غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس