بسم الله الرحمن الرحيم
4- (( في الزنزانة رقم (18) ))
في الزنزانة رقم (18) وهي زنزانة متوسطة 3م * 3م وبابها من قضبان حديد وتتوسطها مروحة كهربائية تدور دون توقف , أنكمش لدي العالم الكبير هنا وضاق ولم يعد يوسعنا إلا تلك الأمتار المعدودة والتي صارت عالمي الخاص تدور فيه الحكايات والروايات التي لا تتعدى خلايا دماغي المنهك بالتفكير والتحير والتحريز والتوهم ولكنها في الأساس ترحل إلى أصقاع الأرض وتستقر في مناطق الجنوب حائرة متسائلة عن كل شي وعن أهم شي يدور في ذهني ما ذا حصل يا ترى ؟ ماذا جرى ؟ كيف صار الحراك الجنوبي ؟ وماذا حصل ؟ وما هي أخبار فلان ؟ وهل اعتقلوا أحدا غيري ؟ ماذا يدور خلف هذه الجدران وخلف هذه الأسوار ؟ والكثير من الأسئلة التي تدور في ذهني والتي لا أجد لها جواب لأعود مضطرا إلى التحملق في جدران زنزانتي الأربعة العارية من غير أسمنت وكنت أعتقد أن هذا السجن ربما يكون بني حديثا لو لا وجدت كتابات صغيرة محفورة في زوايا جدران الزنزانة أقشعر بدني حين وجدت أسماء لسجناء كانوا يقطنوها وتواريخ مختلفة ومنهم من كان في عام 1974م ومنهم من وضع تاريخ لكتابة أسمه في منتصف الستينات وهي كثيرة ولكن ما أثرني أكثر هو السجين الذي حفر تاريخ احتفاله بمرور عامه التاسعة وهو حبيس هذه الزنزانة اللعينة تذكرت ما كان أهلنا يعانوه في هذه ألحقبه من ذلك الزمان المرعب وخاصة فترة الستينات وبداية السبعينات وما نعانيه نحن اليوم من سلطة الاحتلال الغاشمة وكأنه قد عاد الزمان أوكأن الأربعين عاما الماضية من المعاناة لا تكفي وأرهبتني هواجس لا آخر لها سرعان ما ذهبت في تذكر إن شعبنا شعب عظيم ومتسامح وقد استفاد من كل تلك المآسي وشق طريق نضال جديد طريق نضال سلمي وشعبي .
كانت الأيام التي تمر ثقيلة ورتيبة لا تحمل بوادر الانفراج أو الخروج من هذا السجن الكل هنا غريب عن هذه المدينة أو ربما أنني غريب عن هذا المكان من مننا هو الغريب لا أدري المهم لم أجد من يفهمني أو حتى يتعاطف معي أو يشفق حتى ولو شفقه مع معاناتي الكل هنا من الشمال من (اليمن) لعل الكائنين الوحيدين الذي شعرت بأنس لوجودهم جنبي أحيانا هم القطة التي تأتي لتتلمس أقدامي والغراب الذي يحط على ذاك العود أمامي وأسمع صوته المألوف لدي أقول لها ما جاءا بك أيتها القطة المسكينة إلى هذا المكان لعلنا غريبين في هذه الوحشة ما أوحشك يا أيام السجن الأولى ما أوحشك يا أيام السجن الأولى , حاولت أكثر من مرة أن اعرف ماذا حصل وخاصة عند مبنى الأيام لأنني حين قلت لهم إلى متى سيستمر اختطافي عندكم قال لي أحد المحققين أثناء التحقيق أحمد الله أننا اعتقلناك لأنك كان يمكن أن تقتل عند الأيام عندها قلت له ماذا جرى عند الأيام ؟ لم يقل لي إلا كلمة واحده (معركة) وأشعلت ذهني هذه الكلمة وكانت أكبر مؤرق لي خلال الأيام التالية مرت الأيام يوم وراء يوم وأنا أضع في كل يوم يمر خط على أرضية الزنزانة وقد مر 21مايو بعد عشرة خطوط وضعتها على الأرضية وزادت الأسئلة لدي (لا اعلم ماذا يجري ؟) وانأ الإنسان المحسوب على أعلام الحراك الجنوبي كل هذه الفترة لا ادري بشي كنت لو قرحت طماشه في المهرة من ضمن قلائل يعلموا بها وهذه ليست مبالغة , المهم كان يوم سعدي أو يوم شقائي لا أدري هو يوم جمعه ألجمعه التي جاءت بعد 21مايو 2009م فهناك مسجد ليس ببعيد وفيه سماعات كبيرة وهناك خطيب ألجمعه (داعية سلفي شمالي) ضيف على هذا المسجد الحديث في حي الفتح يشن هجوم كبير على الحراك الجنوبي في خطبته ويقول ضمن ما ورد فيها (( أن هولا الذين يرابطون أمام مستشفى النقيب يرجمون السيارات التي تحمل أرقام 1و2 دون ذنب إلا كونهم من أخوتكم أبناء المحافظات الشمالية و... )) هااااه !!! ها قد وجدت ضالتي من الأخبار وأي أخبار هي !!! هنا يعني أنها تمت فعالية احتجاجية أو احتفالية وهي بكل تأكيد قمعت ولهذا هناك جرحى أكيد ما دام الجماهير بجانب المستشفى ومادام أن القمع قد خلف جرحى فبكل تأكيد وبدون شك هناك قتلى وهنا بدأت معاناة من نوع جديد وأسئلة من نوع جديد من هم ؟ وكم هم ؟ ويا ترى هل فيهم من الذين أعرفهم والى آخر من هذا القلق الذي ما ينتهي إلا ويبدءا من جديد ..
و و إلى الملتقى ..