الحراك صحوة شعب ومخاض وطن:
عبدالله الهدياني
من الطبيعي أن تتعدد الآراء وتتباين وجهات النظر بين الكتاب حول قضية ما بشرط أن يكون هذا التعدد أو التباين في إطار الاجتهادات ويستند إلى حقائق أو أدلة لأن الكتابة رسالة بين الكاتب والمتلقي ومهنة لها آدابها بدءً باحترام الذات وانتهاءً باحترام المخاطبين (القراء) ؛ والإنسان يقاس بأفكاره لا بهيئته ومن العيب أن يستهزئ كاتب بقرائه إلى حد السخرية كما فعل الصوفي في مقاله الأخير في صحيفة القضية عندما تساءل وأجاب عن نفسه بطريقه لا تعبر إلا عن إفلاس وتفكير سقيم وما وصل إليه من تصحّر ثقافي حين ألقى بنفسه في بحر ليس لديه أدنى خبرة في التعامل مع أمواجه , والمضحك في الأمر قوله أن أبناء الجنوب إن عادوا إلى المعاجم اللغوية سيضع الجنوب (الحراك) أمام محنة الاسم , ولا أدري هل كان الصوفي واعياً حين كتب مقالته ؟! أم أنه يتندر على نفسه ؟! بل لا أدري أي معاجم لغوية يعنيها ؟! ومن موقع تخصصي في اللغة فإنني لا أجد له مخرجاً وأنا هنا أقدم له معلومة مجانية وإن كانت ليست في محلها فأقول يا هذا : ألا تعرف أن للكلمة أكثر من معنى في اللغة العربية فهناك المعنى المعجمي الموجود في المعاجم وهناك المعنى الدلالي الذي قد تكتسبه الكلمة من خلال السياق ؛ تأمل إلى معاني الفعل (ضَرَبَ) في : (ضرب الرجل خصمه – ضربت لك موعداً عند العاشرة صباحاً – وضرب الله مثلاً ) , ثم إن كلمة (حراك) هنا مصطلح وللمصطلح خصوصيات , ومثله فك الارتباط ؛ وقد فتشت أكثر من معجم لغوي وجميعها تؤكد أن (حراك) من جذر (حرك) ؛ والمحرك ذاتي كذلك شعبنا وحتى المحرَّك (اسم مفعول) قد يكون محرِّكه (اسم فاعل) هو داخلي وربما قد يكون الجراح أو المعاناة والظلم الواقع عليه وقد يكون الخصم بتطاوله هو من استثاره وعشرون عاماً من المعاناة والظلم والإقصاء والإلغاء هي كفيلة بتحريك الجمادات وليس البشر فقط ؛ ولكن إلى أي حوار يدعو الصوفي ؟! فقد صام دهراً ونطق كفراً .
هكذا بدا لي الصوفي وهو يروج لـ ( أيديولوجيته العقيمة ) من خلال تساؤلاته وإجاباته حول معنى الحراك .
لقد علمتنا الحياة وأخبرتنا تجارب الزمن أنكم لا تعترفون بحقوق الآخرين ولا تترددون في أخذ ما ليس لكم ولا تتحاورون مع جهة إلا إذا وصلتم إلى مرحلة العجز ولا تعترفون بالعجز إلا إذا وصلتم إلى قناعة بزوالكم الحتمي وإلى الأبد , ثم إن الحوار معكم كاللاحوار وكيف نصدق أنكم تؤمنون بالحوار؟! وأن من تنكروا لمعاهدات واتفاقيات دولية سيحترمونها هذه المرّة ؟! ومن يضمن أن بنت الصحن أو غيرها من منتجات مطابخكم لن تتكرر؟!
ثم إن الحوار لا يكون إلا على قواعد وأسس يقرُّ بها ويختارها المتحاورين وهذا ما لا تقدرون عليه كما إن آلية الحوار لا تلجئ إليها الأطراف المتصارعة إلا في حالة الحقوق والمصالح المشتركة بينهم بهدف الوصول إلى حل وسط يضمن مصلحة المتحاورين
أما عن حراكنا فله رجاله الذين جعلوكم تفكرون ألف مرّة قبل دخولكم الضالع المحاصرة بقضكم وقضيضكم وأنت من رحل منها خائباً بعد أن جئت بالأمس منظّراً وحرّفاً للحقائق كما حرفت الكلم في مقالك الأخير وإذا ما زلت على جهلك فحراكنا لم يطمح في يوم أن يكون حزباً سياسياً لأن أحزاب هذا الوطن ما هي إلا تحفٍ في بلاط الحاكم ومجمل القول أن حراكنا ما هو إلا صحوة شعبٍ ومخاض وطن بل هو ثورة جيل كنتم تعتقدون أنه سيأتي على فجركم ولن يتذكر إلا ما صنعتم بعد أن حاولتم طمس الهوية ليلاً ونهاراً وتغيير ملامح الجغرافيا وتزوير التاريخ ولكنه جاء ووجد نفسه بين متناقضات أقلها تبختر الجهلة والمتسولين على أبواب السياسة بمصير ه ومصير وطنه وصور أبيه وشهادات أعمامه الذين ترجّلوا من الطائرات نحو الجبل لرعي الأغنام في زمن غادرته حتى الأسئلة.