البعوض البشري ومراكز الموت :
عبدالله الهديّاني
وللأوطان في دم كل حرٍّ يدٌ سَلَفَت ودينٌ مستحقُ
أحمد شوقي
وصلت المأساة إلى كل بيت , وغطى الحزن كل شبر في أرض الجنوب عامة , والضالع خاصة , فما من قبيلة إن لم نقل أسرة إلا وودعت خيرة أبنائها , وما من حارة أو قرية إلا وأبَّنت شاباً من شبابها ... هذا هو حال الجنوب بامتداداته المستباحة ؛ وقبل أن يجف الدم المراق في الأمس القريب هاهو النظام يفاجئنا بارتكاب مجزرة أخرى – بدم بارد - يوم الاثنين الفائت في الضالع بعد أن حشد لها آلته العسكرية منذُ ساعات الصباح الأولى , وبمشاهد حقيرة تعيد إلى الأذهان تلك المشاهد التي كانت تمارسها عصابات (الهاجانا ) بضواحي القدس في ثلاثينيات , وأربعينيات القرن الماضي ؛ ثم لا يستحي هذا النظام , وجهازه الدموي أن يطالعنا في (المؤتمر نت) بتصريحات نجاح حملته الإجرامية في القضاء على مركز عصابات التمرد , ووكر الإرهاب وغير ذلك من التصريحات التي لا تمت للواقع بصلة لكن الحقيقة على الأرض غير ذلك فليس بمقدور النظام أن يقر بها ولا حتى بإمكان مراد هاشم نقلها كما هي .. فماذا حقق النظام غير عشرات الضحايا بين قتيل وجريح كلهم في سن الشباب أو دون ذلك ( جيل الوحدة ) بينهم أربع نساء ومعلم أفنى حياته في خدمة وطن لم يعد له وجود إلا في كتاب (أطلس) وبعض كتب الجغرافيا في المخازن التالفة و(خيراً فعلوا) حينما أرسلوا له قذائف الموت وهو في منزله مستلقٍ على فراشه آمناً بين أطفاله وبناته ليكفوه عناء المصير المنتظر ...!!!
فرحمك الله يا أستاذ عبدالوهاب قد حصرت حياتك بين ثلاث جهات لا سواها البيت والمسجد والمدرسة حتى أتاك الموت على فراشك وتبّت يدا من أمر ونفذ الجريمة ؛ ثم ماذا ؟! تدمير عدد من المنازل على رؤوس ساكنيها دون مراعاة حالة من فيها من العجزة والنساء والأطفال والمرضى .
هكذا يعبث النظام الوحدوي بأرواحنا متكئاً على الفتوى الهاجانية منذُ 1994م في الوقت الذي لايزال بيننا طابور من الجنوبيين يتسولون على أبواب السياسة يقدمون الولاء والطاعة لقتلة النساء والأطفال , وناهبي الأرض والتاريخ , الساخرين بتشريعات السماء وبالضمير الإنساني دون استحياء أو مروءة ؛ ولهذا الطابور من البعوض البشري المتسول في مطابخ سياسات الإجرام أقول : يا هؤلاء إن المناصب التي يتحفكم بها النظام والفتات الذي يلقيه إليكم لن تعفو عنكم أمام مسائلة التاريخ والأجيال القادمة فوجودكم في هذه المستنقعات جعلكم شركاء في الجريمة ؛ ومع من تختلفون ؟! مع أهلكم لصالح الغريب فـ
خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) ؛ وفوق هذا أتحداكم جميعاً أن تتمكنوا من إقناع أولادكم الذين تطعمونهم من ذلك السحت والفتات بحقيقة ما تفعلون ؟! بل أنتم والله تناقضون حتى أنفسكم بما تفعلون ؛ وإن كنتم تختلفون مع قيادات في الحراك فلماذا لا تقدمون رؤيتكم وتصححون الاعوجاج؟! وقبل هذا وذاك فهذه ثورة شعبية يقودها الظلم الواقع قبل أن تقودها القيادات فلتكونوا من قياداتها طالما أنكم لا تملكون حجة لتقاعسكم وخذلانكم ومهما قربكم النظام واستعملكم اليوم لتخريب بيوتكم بأيديكم سيرميكم غداً إلى مزابل التاريخ ملعونين منه ومن أهلكم فما أنتم سوى مناديل معطرة يمسح بها فاه أو يديه ثم يلقي بها إلى المزبلة ؟! فأنتم جنوبيون أولاً وأخيراً في نظر النظام نفسه وصدق الشافعي :
والتبر كالترب ملقى في أماكنه والعود في أرضه نوع من الحطبِ
أيها البعوض البشري: لا تدعون الحكمة وتتذاكون بالوهم وتطيلون التفلسف فالنار إن شبَّ لهيبها لا تستثني أي من أعواد الحطب ولستم أذكى أو خير من الصحابي الجليل سعد بن عبادة الأنصاري رضي الله عنه الذي وقف أمام من لا ينطق عن الهوى حينما تذمر الأنصار من حرمانهم عند توزيع الغنائم في إحدى الغزوات ورغم إيمانه بمن يخاطب لم يتردد في إجابته والانحياز لقومه أمام خير العالمين حين سأله عن موقفه فقال: (ما أنا إلا واحد من قومي) .... فهل أنتم من قومكم أم خدّر الضمير بكنهكم وماتت النخوة ولم تعودوا تجرؤون على إعلان المواقف ؟!
أيها البعوض البشري: إن وجودكم في سلطة هذا النظام أبقاكم نكرة في قومكم وبقدر ما أعطاكم فقد سلبكم أشياء كثيرة أبسطها الشخصية والإنسانية والرجولة .
أيها البعوض البشري: ما الذي يجعلكم تقبلون العيش في تناقض مع أنفسكم وتجعلون حياتكم مجرد (كروت) في يد آخرين ربما هم أدنى منكم علماً ونسباً وأخلاقاً ؟! فمنصب الوزير والعميد والوكيل والمدير و .... و.... لا تساوي في ميزان هذا النظام منصب شيخ قبيلة راكم الدهر في جلبابه كل أدران الأمية وجهالات الوجود . أما آن الأوان كي تعودوا لرشدكم ؟!! راجعوا حساباتكم وتداركوا ما تبقى وقرروا ماذا أنتم فاعلون ؟!!!!!!