عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-05-14, 07:24 AM   #3
رابطية من الرعيل الاول
قلـــــم نشيـط
 
تاريخ التسجيل: 2010-02-05
المشاركات: 47
افتراضي

خامساً: الوساطات الخارجية
سعت مصر خلال عقد الستينات من القرن الماضي إلى تشكيل جبهة وطنية تضم جميع القوى الوطنية في الجنوب ، وان تلتقي الجبهة القومية مع منظمة التحرير إلا أن قيادة الجبهة القومية انقسمت تبعاً لمسألة الوحدة مع منظمة التحرير إلى فريقين ، فريق يؤيد الوحدة دون قيد أو شرط وفريق يرفضها، في حين كان أغلب كوادر الصف الثاني في الجبهة القومية يرفضون هذه الوحدة ، وهؤلاء هم فيما بعد جاء على عاتقهم جر عربة الجنوب إلى الشمال منذ 1969 إلى 1990.

في 13 يناير 1966 تم إعلان دمج الجبهة القومية ومنظمة التحرير في جبهة تحرير جنوب اليمن المحتل . أيدت حركة القوميين العرب هذا الدمج ، فيما أعترض نايف حواتمه وأصدر بيان شجب فيه الدمج وأعلن تجميد عضويته في الأمانة العامة للحركة وبدء ينسق مع فرع حركة القوميين العرب في اليمن الشمالي وأخذا يحرضا كوادر الصف الثاني في الجبهة القومية على إحباط ما تم تسميته بانقلاب يناير.

الغريب أن فرع الحركة القومية في الشمال تقدم بموقف مؤلف من أربع نقاط:

1) إن الخلافات بين جبهة التحرير والجبهة القومية خلافات طبقية، فالأولى تمثل السلاطين والبورجوازية العدنية، والثانية تمثل العمال والفلاحين والفئات التقدمية من البورجوازية الصغيرة.
2) بما أن الأمر على هذا الحال فليس ثمة مجال للتعاون بين الجبهتين.
3) يتوجب على قيادة الجبهة القومية إن يغادروا تعز ويعودوا لشن النضال في الجنوب.
4) إن الجبهة القومية ستبدأ بتثقيف كوادرها وتدريبهم لتعزيز عملياتهم.

وفي مارس 1966 اعترفت الجامعة العربية بجبهة التحرير كممثل شرعي وحيد لشعب الجنوب. وتم التوصل إلى تسوية مؤقتة ما بين الجبهة القومية ومنظمة التحرير بتشكيل مجلس قيادة " لجبهة التحرير" بالمناصفة ما بينهما.
وفي عام 1966 أقر المؤتمر الوطني الثاني للجبهة القومية المنعقد في مدينة جبلة البقاء في إطار جبهة التحرير ولكن على أساس جبهوي يستثني السلاطين من التحالف. وعلق المؤتمر عضوية أعضاء المجلس التنفيذي في الجبهة القومية وهم : قحطان ، فيصل عبد اللطيف، علي الشعبي، جعفر علي عوض ، سالم زين ، طه مقبل، علي السلامي. وتم تعليق عضوية قحطان وفيصل بدعوى أنهما نددا بالدمج بالأقوال فقط . وشكل المؤتمر قيادة عامة جديدة ، انتخب 12 منها وعين ثلاثة. وكان بينهم 11 من قيادة الصف الثاني في الداخل وانبثق عن هذه القيادة لجنة تنفيذية مؤلفة من خمسة أعضاء.
وفي شهر أغسطس 1966 تم التوقيع على اتفاقية الإسكندرية بين الجبهة القومية ومنظمة التحرير وأقرت الاتفاقية باعتبار جبهة التحرير ممثل شرعي وحيد لشعب الجنوب . إلا أن هذه الاتفاقية أثارت استياءً في الداخل . فعقد في سبتمبر 1966 اجتماع موسع شارك فيه ممثلو فرع شمال اليمن لحركة القوميين العرب طلب بفسخ اتفاقية الإسكندرية والخروج نهائياً من جبهة التحرير. فانسحبت الجبهة القومية في 22 ديسمبر 1966نهائياً من جبهة التحرير.

سادساً: بداية فتنة الصراع بين الجنوبيين
كان ذلك عام 1967 عندما احتدم الصراع بين جبهة التحرير والجبهة القومية ، والحقيقة هو صراع بين المشروعين الجنوب العربي والجنوب اليمني وكان للعقليتين دور بارز في هذا الصراع . هذا الصراع الدامي بين الجبهتين تكلل بسير الجبهة القومية في طريق احتكار السلطة إثر الاستقلال وكان للجيش والشرطة الدور الحاسم في حسم المعركة لصالح الجبهة القومية. وفي 6 نوفمبر اعترفت بريطانيا رسمياً بالجبهة القومية ممثلاً شرعياً وحيداً لشعب الجنوب ، واعترف جيش الاتحاد بالجبهة القومية. وهنا سارعت الجامعة العربية لتبرم اتفاق سلام وقع عليه عبد القوي مكاوي ( عن جبهة التحرير ) وفيصل عبد اللطيف (عن الجبهة القومية) ينص على عقد مفاوضات ما بين الجبهتين لتشكيل حكومة ائتلافية مؤقتة تتسلم السلطة من بريطانيا. إلا أن المفاوضات لم تثمر عن شيء . حيث عارض عبد الفتاح إسماعيل وعبد الله الخامري هذا الاتفاق بين مكاوي وفيصل.

سابعاً: الاستقلال والتفرد بالسلطة
في 30 نوفمبر 1967 تم إعلان قيام جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، والملاحظ أن اسم الدولة الوليدة جاء تجسيداً لمشروع الجنوب اليمني 1955 . وتولت الجبهة القومية مهام السلطة العليا للدولة الوليدة ، وتم تعين قحطان الشعبي رئيساً . في حين دعت جبهة التحرير إلى إجراء انتخابات حرة ومنح الشعب حرية الاختيار ، إلا أن الجبهة القومية لم تستجيب لهذا النداء . والسؤال لماذا لم تجري انتخابات حرة في الجنوب بعد الاستقلال ؟ ولماذا ربطت الوحدة بالديمقراطية وليس بالحق الدستوري الأرض والثروة في الجنوب مقابل كثافة السكان في الشمال؟ لأن إجراء الانتخابات قبل الوحدة في الجنوب كان سيكون الخاسر الأكبر فيها التيار الشمالي ، بينما بعد الوحدة الخاسرة بكل تأكيد هم الجنوبيين لأن الانتخابات في ظل أكثرية السكان لدى الشمال تعني انقراض الجنوبيين ونهب الأرض والثروة وهذا ما حصل ويحصل. إن للزمن هفوات إلا أن هفوات الجنوبيين كارثية.

ثم إن الجبهة القومية ليس فقط رفضت إجراء انتخابات عقب تسلمه السلطة عام 67م ، بل سارعت بإجراء عملية تطهير واسعة لم يشهدها تاريخ الجنوب وهي طرد السلاطين وجيش وأمن ومؤسسات الجنوب العربي. وكل هذا تحت شعار تطهير الدولة من عملاء بريطانيا وأمريكا. وحول هذه العملية يقول المرحوم احمد علي مسعد في مذكرات في ص 63،64 يقول: ( استدعاني محمود عشيش إلى مقر الجبهة القومية الذي كان قصر السلطان علي عبد الكريم في كرتير، وطلب مني أن اقف على باب شركة النفط للتأكد من وصول الموظفين كل صباح. كما كان يفعل محمود عراسي عندما كان يقوم بأعمال مدير عام الشركة بعد التأميم لعدة أسابيع قبل تعييني والحق أنني أصبت بالدهشة والاستغراب لأنني رغم خدمتي الطويلة وفي عدة مرافق لم افعل هذا في حياتي لأن ذلك يتنافى مع أبسط شؤون النظم الإدارية ويسئ إلى سمعة الشركة وعمالها وكرامتهم لا سيما وإنهم يأتون للعمل في الأوقات المحددة وفي غاية الانضباط وأن عملاً كهذا لابد وإنه يصيب العمال بالإحباط ، كما أن في إمكان أي موظف أن يجلس في مكتبه طوال ساعات الدوام ولا يؤدي عملاً يذكر وشعرت أن هذا الكلام لم يأت من فراغ وان خفافيش الظلام قد بدأت تعمل ولم يمض وقت طويل إلا وبدأت الشخصيات القيادية في الشركة المؤهلة بالعلم والخبرة أما تطلب إعفاءاً من العمل أو إحالة إلى التقاعد وتسليم مستحقات خدمتهم لدى الشركة أو التسلل إلى شمال الوطن ، ومن هناك الالتحاق بشركات نفطية أخرى ومن بينها شركة"شل" نفسها في الخارج. وكانت الشركات شديدة الابتهاج باستقبال هذا النوع النادر من الكوادر المؤهلة بل إنني لا استبعد أن يكون وراء ذلك العمل نوع من الانتقام، إلا أن هذا لا يعفينا من أننا بتصرفاتنا قد ساهمنا في ذلك النزوح لكوادرنا الوطنية، جريحة القلب وكسرة النفس ويظهر ان هذا النزيف المبكر لخيرة كوادرنا لم يقتصر على شركة النفط بل أمتد إلى بقية مرافق المؤسسة الاقتصادية ثم تعداها بعد ذلك إلى مستوى الدولة بكامل أجهزتها المدنية واستبدلت هذه الكوادر بعناصر أخرى لا تمتلك قدرات ومؤهلات وخبرات الكوادر المهاجرة رغم إرادتها وتدني مستوى العمل بشكل مخيف وتم إهدار الملايين من المال العام وتدهور اقتصادنا الوطني واختلط الحابل بالنابل ودب الخوف في قلوب من تبقى من الموظفين وبدأ وكأننا نسير نحو الهاوية). اعتقد لا يوجد تعليق بعد هذا الكلمات التي ذكرها المرحوم احمد علي مسعد في مذكراته. بل تتضح الصورة للأجيال بأن من يتحكم بالجنوبيين فعلياً هم الشماليين برأسه عبد الفتاح وشلته. في حين سلاطين وقيادات الجنوب تبحث عن لجوء في بلاد الغير، وهذا المشهد للآسف تكرر لمعظم قادة الجبهة القومية الجنوبيين الذين جاءوا إلى السلطة بعد 1969 والذين دفعوا بإدراك أو بدون إدراك حياتهم من أجل جر عربة مشروع الجنوب اليمني إلى الشمال ، لأنه بكل بساطة معد ومخرج السيناريو نفس العقلية سوى كان في عدن باسم الأممية أو في صنعاء باسم القبلية.

ثم جاءت الخطة اللاحقة وهي تحطيم جهاز الدولة في الجنوب. طرح اليسار في المؤتمر العام الرابع للجبهة في مدينة زنجبار برنامج قام بإعداده لجنة تحضيرية تصف بأنها من اليسار المتطرف ضمت كلاً من مقبل ، عبد الله الخامري وسلطان أحمد عمر وعبد الله الأشطل بتنسيق تام مع نايف حواتمة.

طرحت هذه اللجنة برنامج تدمير جهاز الدولة في الجنوب وحل الجيش والشرطة وتأميم المؤسسات الأجنبية والخاصة ، وإجراء إصلاح زراعي جذري بدون تعويض للملاك ، وتخفيض رواتب الموظفين ، واختصار الوظائف الإدارية ، وإغلاق الميناء الحر في عدن وجعله ميناء جمركياً ، وتسليم السلطة لمجالس العمال والفلاحين الفقراء والجنود ، واتباع الطريق اللارأسمالي للتنمية.

أثار هذا البرنامج ، ولا سيما إثارته لمسألة حل الجيش والبوليس واستبدالهما بجيش شعبي وبمليشيا ، سخط ضباط الجيش ، ووقعت في الأيام الأولى التي تلت نهاية المؤتمر عدة مبادرات لليساريين استدعت تدخل الجيش . كان على رأس الجيش حسين عشال المعروف بتحالفه الوثيق مع الجبهة القومية إبان حرب الاستقلال. حيث قام الجيش في شهر مارس بقيادة عشال بالسيطرة على الإذاعة وتطويق عدن لإنقاذ البلاد من " الخطر الشيوعي الأحمر" . إلا أن محاولة الجيش فشلت. فتقدم قحطان مساء 20 مارس وأذاع بياناً أدان فيه المتطرفين اليساريين وأدن تصرفات الجيش ووصف التمرد بأنه " رد خاطئ على خطأ".

ثم جاءت حركة ما أطلق عليها حركة 22 يونيو التصحيحيه 1969 وهي في الحقيقة جاءت لتقضي على ما تبقى من تاريخ وهوية الجنوب تحت شعارات القوى الإمبريالية والرجعية. وفي أبريل 1970 تم نقل قحطان وفيصل إلى المعتقل. وفي المعتقل تم قتل فيصل.

وفي عام 1978 انعقد المؤتمر الأول للحزب الاشتراكي اليمني. وعلى التو دخل الحزب الجديد في حوار توحيدي مع الأحزاب اليسارية في الشمال وانتهى هذا الحوار في مارس 1979، بدمج المنظمات اليسارية العاملة في الشمال في إطار الحزب الاشتراكي اليمني بينما استبعدت بل حرمت على الأحزاب والشخصيات الجنوبية التي هاجرت قهراً . كان الدمج عضوياً وسرياً على مستوى كافة الهيئات، وتحول فيه الحزب الاشتراكي اليمني إلى حزب اشتراكي يمني لكل الإقليم( شمال وجنوب) بالفعل وليس بالاسم. وقبل إعلان الوحدة بيومين تم الإعلان عن حقيقة هذا الدمج.

الخلاصــة:
* صحيح أنه بعد نصف قرن من التآمر وعشرين سنة من الاحتلال عرف الجنوبيين مكر الشماليين إلا أنه للأسف بقيت الثقافة والأفكار التي بثوها وهذه لن تموت إلا بطرح أفكار وثقافة جديدة أساسها الهوية الجنوبية.
* أن من دخل في الوحدة مع الشمال ليس الحزب الاشتراكي وإنما دولة الجنوب. الاشتراكي باقي ويحظى بدعم من السلطة والمعارضة لن الاشتراكي في نظرهم هو حبل السر الذي يربط الجنوب بالشمال. وإلا كيف يلتقي القبيلي والسياسي والديني والبعثي ورجال الأعمال في اللقاء المشترك.
* أن الحزبية لن تخدم القضية الجنوبية بل تميعها لأنها تنظر للوحدة باعتبارها وحدة وطنية بين سلطة ومعارضة في حين القضية الجنوبية هي قضية وحدة سياسية بين دولتين جاءت حرب 1994 وألغت الوحدة السياسية بينهما وأدت إلى احتلال الشمال للجنوب بالقوة.
* أن لا طريق لحل القضية الجنوبية إلا بتوحيد مكونات الحراك ليكون الممثل الشرعي للقضية الجنوبية وأن يكون شعاره الجنوب أولاً وأخيراً والابتعاد عن الذات لأن الذات هو من أوصلنا إلى ما نحن فيه اليوم.
* أنه كلما زادت معرفتنا بجوهر قضيتنا زاد فهمنا لحلها وبالتالي زاد تحمل بعضنا لبعض.

بعد كل ذلك نقول بصوت جنوبي واحد انطلاقاً من عدالة قضيتنا وتمسكنا بهويتنا وأرضنا وثروتنا بأننا لن نكرر ما قاله اينشتاين ( إنه لمن الحماقة أن تعتقد أنك ستحصل على نتائج جيدة وأنت تعيد الشيء نفسه) . ألف رحمة على الجنوبيين الأحياء والأموات.

المصادر:

- حركة القوميين العرب (النشأة-التطور- المصائر) محمد جمال باروت.
- فصول من ذاكرة الثورة والاستقلال (شهادتي للتاريخ) أحمد علي مسعد.
- أغنية عودة الفرع للأصل ( لمن كل هذه القناديل) أيوب طارش.

د. خالد عبد الله محمد
9 مايو 2010
رابطية من الرعيل الاول غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس