بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ))صدق الله العظيم
مشروع البرنامج السياسي لمجلس الحراك السلمي لتحرير الجنوب
المقدمة:
•إن مجلس الحراك السلمي لتحرير الجنوب يضع أمام شعب جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وبمختلف تكويناته السياسية و الاجتماعية و الثقافية و الشعبية. وأمام العالم هذه الوثيقة التاريخية ليوضح فيها أن هذا الشعب كان وما زال جزء لا يتجزأ من الأمة العربية والإسلامية، ويستلهم نضاله الوطني من تراثه الحضاري الضارب في أطناب التاريخ الذي شيده على ارض جنوب جزيرة العرب منذ أكثر من سبعة ألاف سنة.. شعباً يعشق الحرية ويناضل منذ القدم ضد الظلم والاستبداد والاستعمار ، وقدم التضحيات الجسام في سبيل الحفاظ على استقلاله وحماية ترابه الوطني من براثن الغزاة والمحتلين، وكانت أرضه وما تزال مقبرة للغزاة المحتلين ، وان هذا الشعب لم يكن ذات يوم جزء من شعب آخر أو دولة أخرى ، وإنما شعب مستقل في أصول جذوره الإنسانية منذ آلاف السنين . غير انه كان على الدوام محباً في تقديم يد العون للآخرين ويحترم حقوقهم وجيرتهم عليه ، ويقدس انتمائه العربي.
•هذا الشعب الذي كان طموحاً لتحقيق الوحدة العربية والتقارب والتعاضد بين أبناء البشرية جمعا واشترك مع شعب ودولة الجمهورية العربية اليمنية في 22 مايو 1990م في مشروع وحدة سلمية قائمة على الشراكة المتساوية بين طرفين مستقلين اعتقاداً منه أن الطرف الآخر سيبادله نفس المشاعر ، لكن ما حصل هو العكس ، فقد قامت سلطات الجمهورية العربية اليمنية وجيشها بشن حرباً عسكرية استعمارية ظالمة في عام 1994م واحتلال الجنوب أرضاً وأنساناً ضاربة بعرض الحائط اتفاقيات مشروع الوحدة بين الطرفين وقرارات الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي ومجلس التعاون لدول الخليج العربي والشرعية الدولية المتمثلة في قراري مجلس الأمن الدولي (924) و (931) لعام 1994م التي رفضت فرض الوحدة بقوة السلاح ، فقتل الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ وشرد عشرات الآلاف من أبناء وقيادات شعب الجنوب إلى خارج وطنهم واستولى على كل ممتلكاتهم العامة والخاصة.
•على اثر احتلال الجمهورية العربية اليمنية لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في 7/7/1994م قامت سلطات الاحتلال بأبشع الأعمال ضد شعب الجنوب من تدمير لمؤسسات دولته وجيشها والاستيلاء على الأرض ، ونهب ثرواته وتدمير ومحو لحضارته وتاريخه وأذلال كرامتة اعتقاداً منها أن هذه التصرفات التي لم يقم بها الاستعمار البريطاني ضد شعب الجنوب كفيلة بضمان استمرار احتلالها لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ، غير أن شعب الجنوب اعتبر احتلال وطنه قضيه مقدسة، وبدأ نضاله من اجلها منذ اللحظة الأولى لشن الحرب عليه، حيث ظل يقاوم ببسالة ولمدة ( 70) يوماً ، ثم اتخذ نضاله أشكال وأساليب متعددة ، ومنها ظهور حركات سياسية وفعاليات شعبية ، فقدم شعبنا خلال هذه الفترة قوافل من الشهداء والجرحى وآلاف المعتقلين ، وحيث شكلت هذه الأشكال النضالية إرهاصات أولية لانطلاقة الحراك السلمي الذي عبر شعب الجنوب عن دعمه لها بالتفاف شعبي غير مسبوق ، وروح مسئولة رائعة من خلال تطبيق مبدأ التصالح والتسامح والتضامن والتخلص من أثار صراعات الماضي.
• لقد كان توحد قوى الحراك السلمي الجنوبي في كيان سياسي واحد تم الإعلان عنه في 9 مايو 2009م هو مجلس الحراك السلمي لتحرير الجنوب ، الذي عبر عن هويته وتوجهاته ورؤيته على الصعيدين الداخلي والخارجي من خلال هذا البرنامج الذي يحدد معالم المهام المرحلية النضالية لشعب الجنوب وأدواتها وأساليبها وهدفها الاستراتيجي والمتمثل في تحرير شعب الجنوب لأرضة واستعادة دولته المستقلةـ جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ـ ذات السيادة على كامل ترابها الوطني ومياهها الإقليمية ، ونظامها السياسي الديمقراطي التعددي وسياستها الداخلية وعلى مختلف الصعد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والدفاعية والأمنية ، ومنطلقات سياستها الخارجية على المستويين العربي والدولي ، وإنها ستكون عامل بناء في نشر السلم والاستقرار الإقليمي والدولي .
الباب الأول
الجنوب ومسار اعلان مشروع الوحده
الفصل الاول لمحه تاريخيه:
•لا يحتاج شعب الجنوب عن دلائل استقلاليته وعظمة تاريخه كشعب ذا سيادة على أرضه في كل الحقب التاريخية، وأنه لم يكن ذات يوم جزء من شعب آخر، لأن الله وحده قد بين ذلك في كتبه السماوية الثلاثة (التوارة ، الإنجيل، القرآن) حيث بينت هذه المصادر الإلهية العظيمة, وكذا النقوش والآثار التي وجدت في أرجاء أرض الجنوب من المهرة شرقاً إلى باب المندب غرباً، أن هذا الشعب قد بنى أقدم حضارة للبشرية عمرها أكثر من سبعة ألف عام والمتمثلة في حضارة قوم عاد في منطقة الاحقاف بحضرموت وحضارة قوم إرم ذات العماد في منطقة عدن، وقد ذكر ذلك الله في القرآن الكريم في سورة الاحقاف التي خص الله بها الشعب العظيم, وغيرها من السور, وخصه الله بأن جعله من نسل نبيين عربيين هما النبي هود والنبي صالح عليهما الصلاة والسلام. وحفظ الله لهذا الشعب في المصادر السماوية والبشرية أصول سلالته الواحدة التي ترجع إلى الجد الأول وهو حضرموت ابن قحطان ابن النبي هود عليه الصلاة والسلام.
•شعب الجنوب هو أول من بنى الدولة العصرية المتكاملة، وقد تمثل ذلك في الممالك العظيمة التي ظهرت على أرضه منذ القرن الخامس عشر قبل الميلاد وحتى ظهور الإسلام (ممالك: حضرموت، قتبان، أوسان) هذه الممالك رغم تعددها وتباعد فتراتها الزمنية، فإنها من ذات السلالة النقية الطاهرة لنبي الله هود عليه الصلاة والسلام، وحفيده العظيم حضرموت ابن قحطان.. بنى هذا الشعب العريق حضارة رائعة استفادت منها البشرية جمعا فهو الشعب الذي وضع أول القوانين التجارية وحقوق المرأة والعمل وغيرها من القوانين.. شعب لم يدون له التاريخ الإنساني سواء السمعة الطيبة في نقل سمات الإنسانية وعطائها إلى بقية أرجاء المعمورة، وأرتبط اسم شعب الجنوب باسم أرضه الطيبة التي رفدت البشرية بخيراتها من البخور واللبان والتوابل، وارتبطت معها بتجارة واسعة. وحتى عندما توسع حكم الممالك الجنوبية ليشمل كل أرجاء الجزيرة العربية ووصل إلى بلاد الصين وآسيا الوسطى وأفريقيا لم توصف المصادر التاريخية ذلك الحكم بأنه استعمار، لأنه حكم كان هدفه الأول والأخير نشر القيم الإنسانية النبيلة ولم تفرض عليها الظلم والقهر والإذلال.
يتبع
•عندما أرسل الله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأعظم رسالة للبشرية قبل 1430سنة كان شعب الجنوب من أول الشعوب التي أمنت بهذه الرسالة السماوية وعملت بها، حيث ساهم أبناء شعب الجنوب في الفتوحات الإسلامية وفي قيادة جيوش تلك الفتوحات العظيمة. كما واصل علماء شعب الجنوب الإجلاء نشر الرسالة المحمدية إلى المناطق التي لم يصل إليها الإسلام بعد في آسيا وأفريقيا. ولأن شعب الجنوب قد حمل رسالة سامية سواء في تلك المناطق التي وصل إليها أو الشعوب التي عاش بين أوساطها وهي تعترف له بذلك, فأصبح كثير من أبناء الجاليات الجنوبية قيادات سياسية واقتصادية وثقافية ودينية ويضرب بها المثل في نشر الإخاء والعدل والمساواة والأمانة .
•لقد توحد هذا الشعب مع محيطه العربي ولاسيما بعد ظهور الإسلام لأن ذلك أتى ملبياً لنزعته القومية العربية وسجاياه وإرثه التاريخي الإنساني الحامل لقيم الإخاء وتبادل المصالح، كما تعرض هذا الشعب في فترات متباعدة إلى محاولات غزو أجنبية ومنها الغزو الاستعماري البريطاني في 19 يناير 1839م، وعندما احتل الصهاينة أرض فلسطين في عام 1948م عبر عن مساندته لأشقائه الفلسطينيين ليس من خلال المظاهرات والإضرابات الشعبية التي شهدتها عاصمة الجنوب التاريخية والسياسية عدن ومدن الجنوب الأخرى، وجمع التبرعات المالية والعينية، وإنما ذهب الكثير من أبناء الجنوب للقتال على أرض فلسطين وأستشهد العشرات منهم هناك.
•عند قيام الثورة المصرية في 23يوليو 1952م كان شعب الجنوب أول من هتف لهذه الثورة وعندما تعرضت مصر للعدوان الثلاثي في عام 1956م شهدت مدينة عدن أكبر تظاهرات منددة بذلك العدوان وأقفل عمال موانئ عدن الملاحة أمام السفن التجارية التابعة للدول المشاركة في العدوان بما فيها السفن البريطانية التي كان مندوبها السامي يحكم الجنوب. وعند إعلان الانقلاب العسكري على نظام الأئمة في المملكة المتوكلية اليمنية في 26سبتمبر 1962م ساند شعب الجنوب أشقائه العرب في المملكة المتوكلية اليمنية بكل الوسائل المادية والمعنوية وذهب المئات من رجال الجنوب للمشاركة في القتال لنصرة أخوانهم في الجمهورية العربية اليمنية والدفاع عن هذه الجمهورية الوليدة وأستشهد وجرح العديد منهم . وفي أسوأ هزيمة تعرضت لها الأمة العربية في 5حزيران/ يونيو 1967م كان شعب الجنوب السباق الأول في الرد على هذه الهزيمة عندما قام أبطاله في فصائل الكفاح المسلح وضباط وجنود القوات المسلحة والأمن بملحمة 20يونيو 1967م التي استطاعوا فيها فرض سيطرتهم على مدينة كريتر لمدة 14 يوماً، وقام عمال موانئ عدن بإضراب شامل ومنع أي سفن غربية بمساندة إسرائيل من التفريغ أو الشحن من ميناء عدن.
•في ظل الفكر القومي العربي الذي كان سائداً في المنطقة العربية منذ مطلع النصف الثاني من القرن الماضي أتى تحقيق الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م كنتاج للكفاح التحرري بانطلاق الثورة من قمم جبال ردفان الشماء في 14 اكتوبر 1962م في وقت كانت فيه القيادات الجنوبية الحاملة للفكر القومي وبتأثير الثورة المصرية قد تحملت مقاليد قيادة الدولة الجديدة في الجنوب، وأعلنت عن نهجها القومي الداعي ليس إلى الوحدة الإقليمية لمنطقة جنوب الجزيرة العربية وإنما للوحدة العربية الشاملة.
•جسدت تلك القيادة مع كل كياناتها السياسية تطبيق فكرها القومي بأن تبنت التسمية القديمة التي كانت تطلق على جنوب الجزيرة العربية القديمة (يمنت) وتعنى في الأصل (الجنوب) فقد كان العرب القدماء يطلقون على اتجاه الشمال (شامات ـ شمال الكعبة) وعلى اتجاه لجنوب (يمنات ـ يمين الكعبة) فأطلقت على الدولة الجديدة اسم جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية يوم الاستقلال 30 نوفمبر 1967م، وتم الاعتراف بها كدولة مستقلة في اليوم الأول لإعلانها وأصبحت عضواً في الجامعة العربية في 12 ديسمبر 1967م وفي 15 ديسمبر من العام ذاته عضواً في الأمم المتحدة. كما أصبحت عضواً فاعلاً في منظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة دول عدم الانحياز، وغيرها من المنظمات الإقليمية والدولية، ثم جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبيه في 22 يونيو 1969م. قامت هذه الدولة وبسطت سيادتها على أراضي الجنوب المعروفة حدودها الدولية منذ آلاف السنين، والمتصلة بثلاث دول عربية وهي سلطنة عمان، المملكة العربية السعودية ، الجمهورية العربية اليمنية، وكانت علاقة دولة الجنوب الثنائية بهذه الدول بنفس المقدار . بل إن الحدود بين جمهورية اليمن الديمقراطية والجمهورية العربية اليمنية أكثر تحديداًُ ووضوحاً لأنه تم تحديدها في عدة اتفاقيات دولية معترف بها ومنها اتفاقية عام 1914م. غير أن دولتي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية اشتركتا في حمل كلمة (يمنات) أو يمن وهو تجسيد لموقعهما الجغرافي. أي جنوب الجزيرة العربية، ومع ذلك فإن العلاقة تميزت بين الدولتين الجارتين بالآتي:
1.كان لكل دولة نهجها السياسي والاقتصادي والثقافي وعلاقاتها العربية والدولية التي كانت تعكس الأوضاع الدولية حينها وثقافة الحرب البارده .
2.وجود النزعة القومية العربية الوحدوية لدى شعب الجنوب ساعدت على تجذر الفكر اليساري التقدمي وحملته الذين لا يؤمنون بالوحدة العربية الشاملة فقط وإنما بوحدة القوى التقدمية في العالم، فأرادوا تطبيق ذلك بأقرب جار لديهم مستغلين كلمة( يمن) التي تحملها كلا الدولتين في تسميتهما، أما القول أن شعبي الدولتين هو شعب واحد وأن الاستعمار الأجنبي هو الذي مزق هذا الشعب إلى دولتين، فهو تجاوز لوقائع التاريخ و الجغرافيا و الهوية والثقافة و العادات والتقاليد ........الخ
3.كان العداء بين الدولتين أكثر حدة من عدائهما مع جيرانهما الآخرين، فنشبت بينهما عدة صراعات مسلحة كان أهمها حرب سبتمبر 1972م والتي نتج عنها التوقيع على مشروع وحدة بين الدولتين في القاهرة في 28أكتوبر 1972م ثم التوقيع على بيان طرابلس في ليبيا بتاريخ 26نوفمبر 1972م. غير إن هذه الاتفاقيات ظلت مجرد أنشطة لعمل اللجان المشكلة من قبل الطرفين. وفي فبراير 1979م اندلعت حربا بين الدولتين نتج عنها توقيع اتفاقية الكويت في 30 مارس 1979م وكان أبرز ما نتج عن هذه الاتفاقية هو إعداد مشروع لدستور دولة الوحدة الذي تم إنجازه في 30 /12/1981م وكانت أهم الخطوات التي حددها هذا الدستور هي:
•المناقشة لمشروع الدستور من قبل المجلسين التشريعين في البلدين ثم المصادقة عليه لإحالته إلى الشعبين للاستفتاء عليه.
•مكونات الدولة بجميع أجهزتها وثرواتها قائمة على الشراكة بين طرفين متساوين، وغيرها من الضوابط الهامة.
•في عام 1988م شهدت العلاقات بين البلدين توتراً حاداً كادت تشعل حرباً ثالثة نتيجة للخلافات الحدودية ولاسيما في المناطق التي تم اكتشاف فيها ثروات نفطية (شبوةــ مأرب ) وكانت المناطق الجنوبية هي الواعدة بالثروة النفطية. فتم في البداية التوقيع على اتفاقية الاستثمار المشترك بين الدولتين في المنطقة الحدودية المشتركة في 24مايو 1988من ثم جاء اتفاق لقاء قمة عدن (اتفاقية عدن) في 30 نوفمبر 1989م، وكذا اتفاق صنعاء في 22ابريل الذي أطلق عليه ( اتفاق إعلان الجمهورية اليمنية وتنظيم الفترة الانتقالية) والذي حدد إن إعلان الوحدة بين الدولتين سيكون في 26مايو 1990م. ويمكن توضيح هذه التجاوزات التي حدثت لنصوص الاتفاقيات التي وقع فيها طرفي مشروع الوحدة وماذا قدم كل طرف في سبيل تحقيق الوحدة فيما سيأتي:
1.اتفاقية القاهرة وبيان طرابلس واتفاقية الكويت كلها اتفاقيات أتت كإفراز لأوضاع غير طبيعية بين الدولتين، فهي وثائق نتجت عن حروب دامية بين الدولتين والشعبين، ومن الصعب أن تتحول إلى وثائق مشاريع وئام وسلام ووحدة.
2.لقاء قمة عدن كان في الأساس مقرراً للبحث عن الحلول لتنفيذ اتفاقية 24 مايو 1988م الخاصة بالتنقيب المشترك عن النفط في وادي جنة، ومع ذلك تطورت الأمور إلى اتجاه آخر للسير على طريق مشروع الوحدة، وكانت أهم الضوابط التي حددتها الاتفاقية :
•إحالة مشروع الدستور إلى مجلس الشورى والشعب في الدولتين وذلك للموافقة عليه طبقاً للأنظمة الدستورية لكل منهما خلال فترة زمنية أقصاها ستة أشهر.
•يقوم رئيسا الدولتين بتفويض من السلطتين التشريعيتين بتنظيم عمليتي الاستفتاء على مشروع الدستور وانتخاب سلطة تشريعية موحدة للدولة اليمنية الجديدة طبقاً للدستور الجديد.
•تنفيذا لذلك يشكل رئيساً الدولتين لجنة وزارية مشتركة تضم إلى عضويتها وزيري الداخلية في كلا الدولتين لكي تقوم بالإشراف على هذه الأعمال وذلك خلال ستة أشهر على الأكثر من تاريخ موافقة السلطات التشريعية في الدولتين على مشروع الدستور، ويكون لهذه اللجنة كافة الصلاحيات اللازمة للقيام بمهمتها.
•يدعو رئيساً الدولتين جامعة الدول العربية لإيفاد ممثلين عنها للمشاركة في أعمال اللجنة.
•تلتزم قيادة الدولتين بتنفيذ هذا الإتفاق خلال الفترة الزمنية المحددة في مواده.
مع الأسف هذه البنود لم يتم التقيد بحرف واحد مما جاء فيها، لا من حيث المضمون ولا الشكل ولا الوقت.
بيان إعلان صنعاء بدلاً من أن يناقش الخطوات التي تمت وفقاً لاتفاق عدن أطلق عليه (أتفاق إعلان قيام الجمهورية اليمنية وتنظيم الفترة الانتقالية) وقد حدد في مادته الأولى ((بأن يقوم مشروع وحدة بين دولتي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية بتاريخ 26مايو 1990م)) وفي مادته الثانية حدد قوام مجلس الرئاسة وتوحيد المجلسين التشريعين، وفي المادة الثالثة حددت الفترة الانتقالية بسنتين وستة أشهر, فكانت من نتائجه إلغاء ما نصت عليه مواد مشروع دستور دولة الوحدة واتفاق عدن، وحددت فترة انتقالية غير كافية. ومع إنه حدد يوم 26مايو 1990م يوم إعلان الدولة الجديدة، حتى هذا الموعد لم يتم الالتزام به، فقد تم الإعلان عنها يوم 22مايو 1990م، وحملت معها اسباب فشلها
__________________
الفصل الثاني
العوامل الموضوعية والذاتية لفشل اعلان مشروع الوحده
أن النجاح أو الفشل لتجربة ما عادة تحكمه عوامل موضوعية وذاتية ، وهنا يمكن القول إن فشل مشروع اعلان الوحدة بين الدولتين وفترتها الانتقاليه كان نتاج طبيعي لوجود عوامل موضوعية وذاتية لم يتم الأخذ بها بجدية أبرزها:
1.انطلقت قيادة الجنوب في خطواتها الوحدوية من غلبة دور العواطف الجياشة على دور العقل والمنطق ووقائع التاريخ والجغرافيا وحسابات قوى التوازن, وعدم الاستناد على دراسة الواقع الداخلي والخارجي. 2.الطرف الآخر (قيادة الجمهورية العربية اليمنية) اتجهت إلى مشروع الوحدة انطلاقاً من رؤية مسبقة لخطواتها مبيته النية لأفعال عكس الأقوال, فما أن تعقد اتفاقية مع الطرف الجنوبي لا تنفذ منها شيئاً وتسارع إلى عقد الاتفاقية الأخرى التي تلغي نصوصها الاتفاقيات السابقة . 3.إعلان الوحدة يوم 22مايو 1990م تم بصورة ارتجالية بعيدة عن أبسط التطبيق العملي لمضامين الاتفاقيات التي تم توقيعها خلال الفترات السابقة، وعدم الأخذ بضوابط التنفيذ بما في ذلك وجود جهة ثالثة عربية أو دولية تضمن حقوق الطرفين. 4.قدم الطرف الجنوبي في سبيل تحقيق حلمه الوحدوي تنازلات مهولة منها: رئاسة الجمهورية، العاصمة، العملة النقدية،الأرض, الثروات, بينما الطرف الآخر كل ما قدمه إنه أبدى مرونة في قبول متطلبات مشروع الجانب الجنوبي التي كتبت على صفحات محاضر الحوارات ولم يطبق منها شيئاً. 5.إيمان القيادة الجنوبية بطموحها الوحدوي جعلها لا تتفاعل مع نصائح بعض الدول العربية بالتمهل وعرضت عليها تقديم مساعدات مالية كبيرة ما إذا كانت بحاجة إلى ذلك . 6.أقدمت القيادة الجنوبية على مشروع الوحدة مع دولة أخرى ولم تقدم على المصالحة الداخلية لإزالة أثار الصراعات السياسية السابقة التي شهدها الجنوب 7. لقد تم إعلان الوحدة بين نظامين ومجتمعين مختلفين في قيمهما ( السياسية ,الثقافية ,الاجتماعية والقانونية .. الخ) التي اكتسباها عبر قرون من الزمن . ففي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تراكمت قيم سياسية واجتماعية وحقوقية أساسها المساواة بين أفراد المجتمع من خلال وجود الأنظمة والقوانين وتنفيذها على كافة الأجهزة الحكومية وغير الحكومية والأفراد والجماعات . بمعنى الحضور الكامل في الواقع لدولة المؤسسات . بينما في الجمهورية العربية اليمنية تراكمت منظومة متخلفة تستند في مجملها إلى القوة العائلية والقبلية والطائفية والنفوذ الاجتماعي الأقرب إلى العبودية والتي تنتفي فيها المساواة بين المواطنين الأمر الذي أدى إلى تصادم هذه القيم مع تلك . 8.تحديد الفترة الانتقالية بعامين ونصف لم تكن كافية على الإطلاق بحيث يتم خلالها إعادة تأهيل الدولتين بما يلبي متطلبات الدولة الجديدة الموحدة ، وخاصة من حيث عدم استكمال بناء مؤسسات الدولة في الجمهورية العربية اليمنية بما يضاهي دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية من ناحية، وإلغاء أو تعديل القوانين السارية أو إصدار قوانين جديدة في الجنوب تعيد صياغة دور الدولة وأشكال الملكية المختلفة من ناحية ثانية، ومع ذلك وبالرغم من تم تمديد الفترة الانتقالية ستة أشهر إضافية إلا أن شيء من ذلك لم يتم. 9.تم تجاوز حقائق التاريخ الثابتة بان الجنوب والشمال كانا على الدوام دولتان وشعبان مستقلان ليس في الجغرافيا والأنظمة السياسية فقط وإنما في جذور الأصول البشرية ، فالشعب في الجنوب ينحدر إلى سلالة حضرموت والشعب في الشمال ينحدر إلى سلالة سبا ، وان التاريخ لم يدون في صفحاته بشكل جلي عن توحدهما واندماجهما في دولة واحدة حتى أنه عندما جاء الإسلام قبل 1430 سنة حُكما الشعبان كأقاليم مستقلة تحت الخلافات الأسلامية المتعددة 10.تم التسويق لمفهوم بان اليمن شطرين وليس قطرين ، وان التشطير من صنع الأئمة والاستعمار ، مفهوم يحمل مضامين تكذيبه في كلماته؛ فالأئمة حكموا الشمال أكثر من ألف عام ولم يكن ذات يوم الجنوب جزء من حكمهم . فقد كان الجنوب يحكم من قبل سلاطين ومشائخ المنطقة. وعندما احتل الاستعمار البريطاني الجنوب في 19 يناير 1839م لم يحتل شبرا واحدا خارج حدود الجنوب ، وكذا الحال عندما سيطروا العثمانيون على الشمال عام 1872م بسطوا نفوذهم على الشمال فقط ، وبهذا كانت الحدود الدولية بين دولتي وشعبي جنوب الجزيرة العربية معروفة ومحددة حيث تم ترسيمها في عام1914م . 11. لم يدرس الجانب الجنوبي طبيعة الأوضاع السياسية والاجتماعية والقبلية والدينية السائدة في الجمهورية العربية اليمنية واعتمد على تقارير ومعلومات غير دقيقة, حتى إنه لم يستجب للاعتراضات الجنوبية التي أتت من قيادات جنوبية عند التوقيع على اتفاق 30 نوفمبر 1989م، بينما القيادة في صنعاء قامت بتوزيع أدوار محكمة بينها، منها الساعي للوحدة ومنها الرافض والمتحفظ. 12.كان الأجدر أن يتم دارسة تجارب الوحدة العربية وغير العربية الناجحة والفاشلة وأخذ العبر والفوائد منها، حتى لا يتم تكرار أخطائها، كما هو حال فشل مشروع اعلان الوحدة اليمنية الذي صدم طموح وأمال شعب الجنوب في تحقيق الوحدة العربية الشاملة. 13. منذ مطلع السبعينات من القرن الماضي كانت السلطات الحاكمة في صنعاء هي الرافضة ليس لمشروع الوحدة وإنما حتى للتقارب بين الشعبين ، لهذا فان عملية الاستعجال في مشروع إعلان الوحدة الاندماجية في 22 مايو 1990م وقبل الموعد المحدد لها في نصوص اتفاقية 30 نوفمبر 1989م كان في إطار خطة تآمرية مدروسة وترتيبات مسبقة من قيادة ( ج.ع.ي.) مع بعض الأطراف الإقليمية لإخراج الجنوب من أي معادلة إقليمية وعربية ، أفصحت عن ذلك الأحداث بعد احتلال نظام العراق الهمجي لدولة الكويت الشقيقة في أغسطس 1990م ، حيث بينت هذه الأزمة عن أولى المواقف الخارجية لقيادة الشريكين في الوحدة, فقد خرجت المظاهرات في عدن عاصمة الجنوب منذ اللحظة الأولى لاحتلال نظام العراق للكويت منددة بهذا الفعل المشين والغادر بينما خرجت المظاهرات في صنعاء مؤيدة للنظام العراقي . بل تم تشكيل اللجنة العليا لمناصرة العراق من أبرز قادة نظام صنعاء . وكان هذا الحدث بداية الخلاف في المواقف الخارجية بين الطرفين . 14.من بين أهم الثغرات التي اكتنفت مرجعية مشروع الوحدة السياسية بين الدولتين خلوها من أي ضمانات عربية ودولية تؤمن حقوق ومصالح الطرفين وعلى قدم المساواة وتأصيلها في الدستور والقانون لمشروع دولة الوحدة. وعلى سبيل المثال تم الاتفاق على الأخذ بالأفضلية من تجربة الدولتين ، لكنه ما أن تم إعلان الوحدة حتى كرس حكام الجمهورية العربية اليمنية مفاهيم حكمهم في كل مفاصل الحياة ورفضوا العمل بالاتفاق الهادف إلى بناء دولة النظام والقانون، وعندما حاولت القيادة الجنوبية التعبير عن رفضها لهذا النهج عن طريق الاعتكاف عن العمل كأسلوب حضاري سلمي للاحتجاج قابلت ذلك سلطات صنعاء
__________________
بتصعيد امني كبير ، حيث قامت بسلسة اغتيالات لأكثر من (150) كادر جنوبي ومحاولات اغتيال العديد من القيادات السياسية المدنية والعسكرية العليا ، وشنت حرباً اعلاميه شعواء ضد شعب الجنوب وقيادته ، وتحالفت مع العناصر الإسلامية الجهادية العائدة من أفغانستان لتنفيذ أهدافها الخبيثة في إخضاع الطرف الجنوبي من خلال مسلسل الاغتيالات . 15.أثر حملة الاغتيالات التي تعرض لها الجنوبيون في صنعاء ورفض الطرف الآخر من تنفيذ الاتفاقيات الوحدوية عبر الرئيس الجنوبي عن رفضه لذلك بتوقفه عن العمل, فخشيت سلطات صنعاء من حدوث مشكلة قبل انتهاء الفترة الانتقالية, فعقد لقاء بين الرئيسين في الحديدة بتاريخ 14/11/1992م بحضور الزعيم الراحل/ ياسر عرفات, فطلب الطرف الجنوبي من الطرف الشمالي التعهد على المصحف الشريف بأنه سوف يلتزم بالتعهدات السرية التي تم التعهد بها قبل الوحدة وبحضور عرفات نفسه, ومنها عدم اللجوء إلى القوة في حل الخلافات, وعدم التصرف بأراضي وثروات الجنوب... الخ, فقبل الطرف الشمالي بذلك وقطع العهد على نفسه فصدر بيان عن الاجتماع بتحديد الفترة الانتقالية بثلاث سنوات, وقد أعترف رئيس الجمهورية العربية اليمنية بذلك بعد احتلاله للجنوب عام 1994م. 16.اعتماد مبدأ التمثيل في مؤسسات الدولة على مؤشر عدد السكان دون الأخذ بالوقائع الأخرى ( الأرض ، الثروة ، الموقع الاستراتيجي والمستوى الحضاري والثقافي .. الخ ) التي يفترض عكسها على تساوي التمثيل في المؤسسات المنتخبة وأجهزة الدولة المركزية ( التنفيذية والقضائية ) وان الوحدة تحققت بين قطرين دوليين، بالتالي فان الاكتفاء بحجم مؤشر السكان وحده كان تكريساً لمصالح الجمهورية العربية اليمنية وهيمنتها ، وان تجاهل المؤشرات الأخرى الثروات والارض والبنيه الاساسيه والاصول التي تمتلكها جمهورية اليمن الديمقراطية ستؤدي إلى إضعاف تمثيلها ، لهذا اتبعت قيادة الجمهورية العربية اليمنية سياسة مرنة في تعاملها مع الطرف الجنوبي خلال المرحلة الانتقالية ، لكنها ما أن انتهت الفترة الانتقالية بإعلان نتائج الانتخابات التي تمت في 27 ابريل 1993م والتي انحصر فيها تمثيل الجنوب بـ (56) دائرة انتخابية بينما الشمال تمثل بـ (245) دائرة حتى اعتبرت سلطات صنعاء هذا التمثيل يعطيها الحق الشرعي في إلغاء حق الشراكة للجنوب وإقصائه ، وتحويله من شريك فاعل إلى مجرد طرف ضعيف في الحياة السياسية ، هذا الضعف حد وقلل من نفوذ وحضور القيادة الجنوبية في هيئات ومؤسسات الدولة المدنية والعسكرية مع أن أكثر من 80% من ميزانية دولة الوحدة كانت تمول من الشريك الجنوبي . 17.أن انتخابات 27 ابريل 1993م بقدر ما حاولت سلطات صنعاء استغلالها لإنهاء شراكة الطرف الجنوبي ، فإنها بينت اصطفاف شمالي جنوبي واضح للشعبين ، وبوادر فشل للوحدة الاندماجية ، فقد استطاع الحزب الاشتراكي الذي كان يمثل الجنوب حينها إن يحصد 98% من دوائر الجنوب ، ولم يخسر سوى دائرتين . بل وحصد أكثر من عشر دوائر من المناطق الشمالية. 18.قدم الجنوب تنازلات مهولة من اجل الوحدة منها : ( رئاسة الدولة ، العاصمة ، العملة ، الأرض ، الثروة .. الخ ) فان الطرف الآخر ( ج .ع.ي.) لم يكتف بعدم تقديم التنازلات المماثلة ، وإنما سخر هذه التنازلات لإلحاق الأضرار الفادحة بالطرف الجنوبي ، حيث ركز كل السلطات بيد الرئيس و جعل من العاصمة صنعاء مقبرة للطرف الجنوبي, فهي محيط من القبائل الموالية للأسرة الحاكمة، وفيها أهم الوحدات العسكرية ، وسخر أموال الدولة ووسائل إعلامها لصالحه ، وحول عاصمة الجنوب مدينة عدن إلى مجرد قرية ، وبذل كل جهد للسيطرة على ارض الجنوب وثرواته ، وعمل بكل السبل على الاستفادة من صراعات وخلافات الماضي ومنع أي تقارب جنوبي ـ جنوبي ، وقام بإحياء كل الموروثات من ثار وصراعات قبلية والتي تم القضاء عليها تماماً في الجنوب. 19.كان من المفترض انه خلال الفترة الانتقالية تعزيز الثقة بين شريكي الوحدة ودمج وتطوير مؤسسات الدولة الجديدة ، وترسيخ روح الثقة المتبادلة ، لكن هذا الافتراض اصطدم بالنوايا الشريرة للطرف الآخر (ج.ع.ي ) التي كانت قد تبنت روح الحقد والمؤامرة للقضاء على الشريك الجنوبي من خلال افتعال الحوادث الأمنية الموجهة ضده والصدامات المتكررة بين الوحدات العسكرية التابعة للطرفين ، فبادر رئيس الوزراء باعتباره من الطرف الجنوبي إلى تشكيل لجنة عسكرية وأمنية من الطرفين برئاسة وزير الدفاع (جنوبي ) في 11/11/1993م مهمتها وقف التداعيات الأمنية والعسكرية ، غير أن سلطات صنعاء استمرت في سياستها ، فأدخلت البلاد في أزمة عاصفة مما جعل إشراك أطراف عربية وأجنبية ضرورة ملحة للحد من تفاقم الأزمة التي وصلت إلى الصدامات العسكرية المتكررة ، فجرت عدة وساطات كانت تجول بين عدن وصنعاء ( أي الطرف الجنوبي والطرف الشمالي) للبحث عن مخارج وحلول للازمة السياسية التي طفت إلى السطح بما فيها وساطة عسكرية لوقف الاشتباكات بين الوحدات العسكرية التابعة للطرفين مكونة من الملحقين العسكريين لدول ( سلطنة عُمان ، الأردن ، مصر، الولايات المتحدة الأمريكية ، فرنسا ) إضافة إلى مجموعتين من القيادات العسكرية تمثلان كل من عدن وصنعاء ، ثم عقد لقاء بين قيادتي الدولتين في العاصمة الأردنية عمان بتاريخ 20 فبراير1994م تمخض عنه التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق, ثم عقد لقاء بين رئيسي الدولتين في سلطنة عمان في 3/4/1994م والذي تم الاتفاق فيه على سحب الوحدات العسكرية للطرفين إلى مواقعها قبل الوحدة, لكن وفد ( ج.ي.ع) بعد عودته إلى صنعاء رفض التطبيق. ،بل أن الطرف الآخر في الوحدة ( ج.ع.ي.) لم يكتف بعدم تنفيذ هاتين الاتفاقيتين وإنما كان يعد العدة لشن الحرب على الجنوب .
الباب الثاني
الحرب على الجنوب واحتلاله وموت مشروع وحدة الشراكة والتراضي التعاقدية
_________________
الفصل الاول:اعلان الحرب واحتلال الجنوب
•لم تكن الحرب على الجنوب واحتلاله وليدة الصدفة وإنما كانت نتاج لنوايا سياسية إستراتيجية رسمت وخططت من قبل الطرف الآخر (ج.ع.ي) منذ ما قبل الوحدة التي لم يسعى إليها لنزعة وحدوية قومية أو إسلامية لديه ، وإنما تجسيداً لمقولة كاذبة (الفرع عاد إلى الأصل) وسعياً إلى النهب والاستحواذ على ثروات الجنوب، فعمل على تدمير أهم ركيزة من ركائز دولة الجنوب وهي القوات المسلحة التي كانت معروفة بقدراتها القتالية والبشرية والمادية وروحها الإنضباطية من خلال التحكم بمتطلبات تموينها وتسليحها وتدريبها وتشويه صورة قياداتها ومنع استمرار تأهيل كوادرها. والحرص على نقل أهم الوحدات العسكرية الجنوبية إلى مناطق موالية له, وفي معسكرات تشاركها فيها وحدات عسكرية شمالية مما يصعب تحركها ويسهل تدميرها. وإقامة تحالف وثيق مع العناصر الإسلامية المتشددة العائدة من الجهاد في أفغانستان، وإلغاء جهازي الأمن الجنوبيين ــ الشرطة وأمن الدولة ــ واحتفاظه بهذين الجهازين التابعين للجمهورية العربية اليمنية، وإصراره على نقل كثير من متطلبات القوات المسلحة البشرية والمادية بما فيها الذخائر والأسلحة والصواريخ والطائرات من عدن إلى صنعاء، وإخلاء المناطق الحدودية من الوحدات العسكرية الجنوبية وحرمان القيادة الجنوبية الاحتفاظ بوحدات الإحتياط الإستراتيجي تحت شعار إخلاء المدن من الوحدات بينما أحتفظ هو في صنعاء بأهم وأقوى احتياط استراتيجي عسكري والمتمثل في الحرس الجمهوري البالغ عدده أكثر من ستين ألف جندي وضابط.
•لهذا لم يمر أكثر من شهرين على وثيقة العهد و الإتفاق التي تم التوقيع عليها في الأردن بتاريخ 20/2/ 1994م حتى كشف الطرف الآخر عن نواياه المناقضة لما جاء في هذه الوثيقة من خلال خطاب إعلان الحرب على الجنوب الذي ألقاه رئيس الجمهورية العربية اليمنية في صباح يوم 27 أبريل 1994م، فما أن انتهى من خطابه حتى تم بدء الهجوم في نفس اليوم على أهم لواء جنوبي وهو اللواء الثالث مدرع في عمران شمال صنعاء، ثم تواصلت العمليات العسكرية بصورة منتظمة ابتداء من 4 مايو 1994م بهدف إحتلال الجنوب في أقل وقت، لكن تلك العمليات قوبلت بمقاومة جنوبية شعبية عنيفة وغير متوقعة من قبل الشريك الآخر في مشروع الوحدة. وبعد رفض هذا الطرف لنداء العقل وللدعوات الوطنية والعربية والدولية الداعية إلى وقف الحرب وعدم فرض الوحدة بالقوة، وبناء على رغبة شعب الجنوب أعلن الرئيس علي سالم البيض عن فك الإرتباط بين الطرفين واستعادة شعب الجنوب لدولته اليمن الديمقراطية ـ في يوم 21 مايو 1994م ، وحدد بيان الإعلان قوام تشكيل هيئات الدولة ومهامها، وضمت لأول مرة ليس الحزب الإشتراكي الذي كان الحزب الوحيد والحاكم للجنوب وإنما معظم القوى السياسية والحزبية والشخصيات الوطنية المستقلة، وأن طبيعة نظام الحكم للدولة سوف يكون تعددي وديمقراطي وتداول سلمي للسلطة.
يتبع
|