بسم الله الرحمن الرحيم
أعزك الله أخي الكندي وعافاك ..
بالنسبة لما يتعلق بملف الحدود .. أو بالأصح ملف البيع "غير الشرعي" لأراضي اليمن، فلا يهمني .. وكذلك يفترض ألا يهتم أي يمني بما يراه الطرف الذي تخلى عنها ووجهة نظره ورؤيته،
فتلك هي الرؤية التي ندرك أنها لم تكن سديدة ولا نجيزها كشعب، وعلينا أن نظل نعمل لأجل تصحيح تلك الخطوة بما نملك من إمكانات .. وفي كل موقع نكون فيه، وسيوفق الله عز وجل في إسترداد ما سلب منا دون وجه حق،
أما فيما يخص "وحدة اليمن المباركة" .. فأنا لست معك مطلقا فيما ذهبت إليه،
هل تدرك لماذا؟
لأن الوحدة جعلها محررو الشمال من الإمام الطاغية آنئذ أهم أهداف ثورتهم،
كما جعلها محررو الجنوب من الإستعمار المحتل آنئذ أيضا أهم أهداف ثورتهم،
فما أقدما عليه العليان إنما كان ترجمة حقيقية لرغبة الشعب الواحد في الجانبين ... والتشكيك في ذلك يعد من سبيل الجدل العقيم...
وأزيدك أنه لو لم تكن للشعب "الجنوبي" - على وجه الخصوص- رغبة جامحة ربما أكبر حتى من رغبة الشماليين، لما دحر الشعب الجنوبي علي سالم البيض وفرقته عام 1994م، خاصة بعد أن أعلن الرجل إنفصال الجنوب في 21 مايو 1994م،
وأنا وأنت والجميع يعلم أنه لو لم يكن الجنوبيون قد مقتوا التشرذم وعهوده ونبذوه لما كانت نتائج تلك الحرب مثلما رأيناها في ذلك الوقت ...
ثانياً: قصتك التي أوردتها، لا أستطيع أبدا مطلقا إلا أن أصدقها بغض النظر عن بنت من تكون تلك الشخصية التي دارت حولها أحداث القصة، بمعنى أنني لم أًقِم إعتبارا لكونها بنت رجل أحيل للتقاعد من الجنوبيين، كون سوء أحوال الناس المعيشية هو الأساس الذي أنتج مثل تلك المآسي،
وحقيقة فإني اتساءل بحرقة شديدة
منذ متى وجدنا يماني يلجأ لمثل تلك الحلول لإشباع جوعه؟
النفس تعتصر ألما فوق غضب لا يجب أن يهدأ،
والله ما كان مثل ذلك في تاريخ اليمنيين مطلقا،
حتى عندما يعانوا الأمرين، ويضيق بهم الحال،
تجد اليمني – منذ فجر التاريخ – يسعى في أرض الله حتى لو يغادر إلى أبعد زاوية على المعمورة، ليبحث عن لقمة شريفة كريمة، ولا يقع في مثل تلك الرذائل،
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم،
تبا للعهد الذي جر الناس لمثل ذلك، تبا له حقا!
ولأجل ذلك، يا عزيزي، يجد المرء نفسه ملزم دينيا أن يلعب أدوارا هامة وواجبة .. هي فرض عين .. في إتجاهين:
الأول: أن يفعل كل ما يجب كي لا يقع مثل ذلك بقدر ما يملك من إمكانات ..
الثاني: أن يسعى جاهدا لإحداث التغيير المنشود في حكومتنا وحكامنا .. بشكل ممنهج مخطط مدروس منظم .. كي يكون الشعب رابحا بكل المقاييس ..
كما إني أوافقك الرأي تماما فيما ذهبت إليه حول الأوضاع السيئة في الشمال والجنوب،
وأعتقد أن إحساس الجنوبيين بالمعاناة بشكل أكبر قد يكون له مبرر واحد،
وهو أن شعبنا العزيز الأبي في الجنوب عاش في ظل ظروف مغايرة كثيرا لفترة لا بأس بها تحت حكم الحزب الإشتراكي،
عن تلك الظروف التي عاش في ظلها شعبنا في الشمال،
فبينما تعود الشماليون "عمومهم" على عدم الإعتماد على ما تقدمه الحكومة، إلا القليلين منهم الذين استطاعوا تأمين مصالح معينة من خلال تواجدهم أو أقارب لهم في الحكومة من المسؤولين،
وذهب السواد الأعظم منهم إلى السعي بشتى الطرق لتأمين إيرادات تعينه على متطلبات الحياة،
فتجد على سبيل المثال، من ناضل طويلا ليبني مسكنا من طابق، أو عدة شقق، ليقوم بتأجيره، فيكون الإيجار الذي يتقاضاه معينا له على مهمات الحياة، أو يقوم برهنه لدى البنك ويأخذ مبلغا يبدأ به مشروعا يقتات منه، وهناك من له وظيفة حكومية يزيد عليها قيادة سيارة أجرة بعد الظهيرة، وكثيرون لهم محلات خاصة، برساميل صغيرة لكنها تظل نافعة من خلال الدخل المحدود المحقق، وكثيرون من أصحاب شمال الشمال إعتمدوا ولا يزالون على محاصيلهم الزراعية من عنب وقات ومحاصيل أخرى لتوفير مصدر دخل لهم، حتى الطالب لزم عليه الحصول على عمل (وإن كان في بوفية أو مطعم أو فندق) إلى جانب الدراسة ليوفر إحتياجاتها، وهناك من يعملون في السمسرة إلى جانب أي عمل آخر لهم في القطاع الخاص أو العام، ومن تستد في وجهه الأبواب، يأخذ له "عربية" كما يسمونها وهي العربة اليدوية ليحمل عليها بضاعته ويتجول ليبيعها من الصباح الباكر حتى وقت متأخر من المساء، وهناك الكثير من المخارج التي إخترعتها حاجة الشماليين في ظل حكومة لا يعتمد عليها الكثيرون وتوزعوا بين قطاعات الإنتاج المختلفة وكل يدلو بدلوه قدر المستطاع، واعتاد الناس في الشمال على ألا ينتظروا ولا يتوقعوا من الحكومة الكثير.
وهم على نفس الشاكلة، من عاش من الجنوبيين في الشمال من قبل قيام الوحدة في تدبير شؤون معيشتهم بعيدا عن الحكومة والإلتجاء إليها أو الإنتظار لما ستقدم.
أما في الجنوب، فالناس "منعوا" تقريبا من الإعتماد على أنفسهم لفترة طويلة في ظل حكم الإشتراكي وكانت الدولة توفر القليل للجميع بما يشبه مساواتهم جميعا بالفقر، ولكنها تتكفل بتوفير سكن – كيفما كان ذلك السكن- ، ومقاضي المواد الأساسية جدا التي تكاد تكفي، ومصروف الجيب من خلال المرتبات التي تصرف نهاية كل شهر.
وأجبـــــــــــر من بقي من الناس هناك على مدى عقود ثلاثة على التخلي عن الإعتماد على أنفسهم في مسائل كثيرة لأن طبيعة النظام أصلا فرض قيودا على الناس.
وعندما قامت الوحدة المباركة، وفي بدايتها خصوصا، تميز الجنوبيون بما حصلوا عليه من أجور وعلاوات وبدل إنتقال، ومساكن أعيدت إلى ملكيتهم في الجنوب، وأخرى منحت لجزء لا بأس به في الشمال ممن إنتقلوا للسكن في صنعاء مثلا، وبدل تأثيث، وسيارات، وقطع من الأراضي هنا أو هناك، وسواه من الإمتيازات.
وحقيقة أخي، كانت تلك الفترة، ذهبية للإخوة الجنوبيين ولكن أغلبهم لم يستغلوها بتنمية ما حصلوا عليه في تلك الفترة بطريقة أو بأخرى، وذهب كثير منهم لبيع ما حصلوا عليه، أو أنهم قاموا بإنفاق ما تحصلوا عليه على مدى السنوات الأولى للوحدة،
طبعا، يستثنى من هؤلاء، الإخوة في حضرموت، الذين لم يعبث عهد الحزب بعقليتهم التجارية القائمة أساسا على الإعتماد على النفس، والتعاون والتكاتف بينهم لتحسين أوضاع معيشة بعضهم بعضا بمسلك التجارة.
ولأن دولة الوحدة تبنت نظاما إقتصاديا مختلفا عن ذاك النظام القائم في الجنوب قبل الوحدة،
واجه الجنوبيون صعوبات أكبر من التي واجهها الشماليين، على الرغم من أن سوء الأحوال المعيشية وتهميش الدولة قائم في الجانبين على حد سواء ..
وعلى الرغم من أنه لو لم يكن هناك فساد، أو حتى –حسب إعتقادي- لو أن الفساد لم يكن بهذا الحجم المهول،
لكانت الأمور مقدور على تحملها في الشمال والجنوب،
لكن فساد الدولة والقائمين عليها لا شك زاد الأمور سوءا وبشكل كبير كبير...
كما أرجو ألا يفهم كلامي على أن ما يفعله الشماليون من عدم الإعتماد على الدولة في الأصل هو "الصحيح" .. وأنه يلزم أن نترك الدولة وشأنها، ذلك خطأ فادح، وجزء كبير مما نعانيه اليوم في الجانبين، ولكن ..
أردت فقط توضيح الصورة لمن يجد أن المعاناة في الجنوب أكثر من الشمال، بالعودة لأهم أسباب مثل ذلك.
أما من حيث الدولة وواجباتها تجاه الناس، ومن حيث الحقوق التي لا ولم يحصل عليها الناس منذ أمد بعيد،
فتلك مطلب وهدف يلزم إستكمال مشوار النضال لتحقيقه بما يعود بأفضل المكاسب على الشعب .. وأقل الخسائر كذلك.
ثالثاً: نحن ندين ونستنكر كل أوجه العنف الذي تمارسه الدولة على أبناء الوطن .. جنوبيهم و شماليهم ..
واؤكد لك أخي..
أنه ما من أحد في الشمال ليرضى بأن يتعرض أخيه من الجنوب لأية ممارسات قمعية أو تصادر حقوقه مطلقا، لأنه لو رضي بذلك الشمالي، لوجد نفسه في نفس المصير عما قريب، أو على الأقل هذا ما يعتقده الناس،
وإنما ما تستغربه أنت وكثيرين غيرك من "صمت" أهل الشمال عما يجري، فهو عائد للأسباب التالية حصريا:
1- لا زال الجهل وقلة الوعي يشكلان أسباب معظم السلبيات التي تجدها هنا أو هناك، ولا أستطيع أن أنكر أني أكاد أن أرى التجهيل ممنهجا، لأسباب يعلمها النظام في المقام الأول.
2- كثيرين من أبناء الشمال – وبتضليل (ربما غير مقصود) من أبناء الجنوب أنفسهم – يشمئز لسماع المطالبات بالإنفصال، وبدون أن يبحثوا فيها وما أسبابها وما التي تهدف إليه بالضبط، وإن كان هنالك أحد يرغب بالإنفصال أصلا، فمجرد سماع ما يتردد حول مثل ذلك المطلب يجعلهم في ضيق ولا يتسع الصدر للخوض في المزيد ليتفهموا ما الذي يجري ولماذا، ذلك لأنهم، مثل الجنوبيين، ينظرون للوحدة كأسمى وأغلى الأهداف التي تحققت على الإطلاق.
3- لا أجد أن جهود أبناء الجنوب وكذا أبناء الشمال المتفهمين للأمر وحقيقة ما يدور قامت أصلا لتعميم الفكرة وتوعية الناس وإفهامهم بمدى المعاناة من ناحية، والحلول التي تجسد المخرج لشمالي وجنوبي من هذه المعاناة، هناك قصور وتقصير كبير كبير في توعية الناس والوصول إليهم وإفهامهم حقائق الأمور .. مع الأخذ بالإعتبار أن جميع الناس قد شغلهم الإنتباه لأنفسهم وأهليهم ولقمة العيش إلى حد يصعب معه الإلتفات لمسائل أخرى، وهي من أساليب الأنظمة التي تغرق شعوبها في الهم حتى لا يستفيق أحد أبدا ليفكر مجرد تفكير فيما يقوم به النظام وما يفوت الناس من مصالح بسببه.
وهذا ما أسعى جاهدا للمشاركة فيه وأطلب تكاتفنا جميعا لأجل تحقيق ما نستطيع في سبيله، وهو نشر الوعي الراسخ السليم في عقلية الجميع من الجنوب والشمال، لنصل بالإخوة هنا وهناك لوضع التكاتف الطبيعي والمناصرة والمؤازرة الواجبة المفروضة كل للآخر، لتحقيق الأهداف التي تضمن لهم عيشة كريمة وتضمن الإرتقاء بالوطن وتحقق العدالة والتنمية والتقدم المنشود.
وأدعو لأن نوجه جهودنا بجدية وإخلاص لنحقق ذلك دون ضياع مثل تلك الجهود فيما يفرقنا ويبعدنا عن تحقيق أهداف سامية مشروعة صاحبها الشعب .. ومقرر مصيرها الوحيد ..
وإني والله لأجد أن مثل ذلك التفريق، لا يخدم أحد في الجانبين وأن المستفيد منه حصرا .. النظام الفاسد ..
حتى أني لأذهب أحيانا لتحليل مفاده أن دعاة الإنفصال والتشرذم مدفوعون من النظام نفسه .. ليفوتوا على الناس فرصة المطالبة بحقوقهم ونيلها وإنتزاعها من النظام وتحقيق أهدافهم ..
ورابعاً وأخيرا: تكملة للإجابة على سؤالك في ردك السابق حول التمييز .. وإستدراكا، ولأني أحاول ما استطعت أن أكون أمينا في طرح ما أطرحه،
بعد إستذكار بعض الحوادث التي مضت، ومنذ سنوات، وفيما يخص التعامل مع الخارجين عن القانون
من الجنوب والشمال،
نعم وجدت أن هناك في هذا الشأن
تمييزا
في التعامل بين من هم من أقصى الشمال –خصوصا- ومن هم من الوسط والجنوب في تعامل أجهزة الدولة الأمنية والعسكرية معهم لمّا تذهب الدولة لردع مثل هؤلاء .. بقسوة وشدة .. إذا ما كانوا من غير المناطق المحيطة بصنعاء تحديدا، وهي مواقع القبائل الأكثر ولاء للنظام،
طبعا، يستثنى من ذلك طائفة الحوثي، في صعدة.
فقد بلغ الحال أكثر من مرة لإستخدام ذات القسوة والشدة التي يعكسها الجيش والأمن في تعامله مع تلك الأطراف من الوسط والجنوب ..
هذه كلمة حق .. يلزم قولها ...
التعديل الأخير تم بواسطة Hatmi ; 2008-05-02 الساعة 06:28 AM
|